35 برنامجًا دراسيًا.. تعرف على مصروفات جامعة الجلالة الأهلية للعام الجديد    الشعب سيد قراره.. رئيس الوطنية للانتخابات يدعو المصريين للمشاركة فى انتخابات الشيوخ    أشرف منصور: المتحف الكبير والعاصمة الإدارية والهوية البصرية رسائل للعالم    الأنبا إيلاريون يزور كنيسة الأنبا بولا ببشارة ويرسم 15 شماسًا في رتبة إبصالتس.. صور    لطلاب الثانوية والدبلومات| 13 و14 أغسطس معرض «أخبار اليوم» يطلعك على أفضل التخصصات المناسبة لك بالكليات    لمدة عام.. حازم النشار مديرًا لمعهد الرمد التذكاري    "عتاقة للصلب" تحصل على موافقة مزايدة فنية لإنتاج 1.5 مليون طن من البليت سنويًا.    دونج فينج إيولوس ميج الرياضية تنطلق رسميًا في مصر.. أسعار ومواصفات    وزير قطاع الأعمال ومحافظ الإسكندرية في جولة تفقدية لتطوير المعمورة «السياحية»    هيئة الأوقاف: تطوير الأصول وتعزيز استثمار أملاك الوقف    محافظ المنيا يصدر قرارًا هامًا بشأن صرف المعاشات لكبار السن    المساعدات تتدفق.. الفوج الخامس يعبر كرم أبو سالم    وزير الخارجية الألماني: حل الدولتين السبيل الوحيد للعيش في سلام وكرامة    هيئة بث الاحتلال الإسرائيلي: سحب لواءي الاحتياط 646 و179 من قطاع غزة    الأمم المتحدة: سكان غزة على شفا المجاعة ويضطرون لالتقاط العدس المتناثر من الأرض    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    عمرو ناصر: رفضت عروضا أكبر من الزمالك.. وأحلم بالانضمام للمنتخب    سمير عبدالمعز يتوج بذهبية بطولة إفريقيا للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم    تبادل نار عنيف كتب نهايته.. ليلة سقوط "خُط أسيوط" بفيصل    خروج جرار قطار عن القضبان في المنيا    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    ضبط المتهم بقتل شاب وإلقاء جثته وسط الزراعات في قنا    امتحانات الدور الثاني 2025.. جولة تفقدية لإدارة الساحل التعليمية بعدة مدارس    سقوط سيارة ربع نقل في ترعة الرغامة بمدينة كوم أمبو بأسوان    عيد العرش.. وزير الثقافة يُشارك في احتفالية سفارة المملكة المغربية    مشهد مهيب في وداع الفنان الكبير لطفي لبيب    محسن جابر يشارك فى فعاليات مهرجان جرش ال 39    آخرهم «ساموزين والعسيلي».. المنضمون الجدد لألبومات نجوم الصيف    من بينها شراب للسعال- هيئة الدواء تصدر منشورات سحب أدوية من السوق    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    «كفتة البطاطس بالدجاج».. لمسة خفيفة على مائدة الصيف    كيف أتخلص من دهون البطن بدون رياضة؟    تعليقا على دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية.. رئيس حزب العدل: ليس غريبا على الإخوان التحالف مع الشيطان من أجل مصالحها    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    أسعار الأسماك بأسواق مطروح اليوم الخميس 31-7- 2025.. البورى ب 150 جنيه    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    صفقة تبادلية محتملة بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل    ماذا يتضمن مشروع القانون في الكونجرس لتمويل تسليح أوكرانيا بأموال أوروبية؟    انتخابات الشيوخ.. 100 ألف جنيه غرامة للمخالفين للصمت الانتخابي    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات البنية الأساسية والتطوير بمدن بالصعيد    مسلسل «220 يوم» يتصدر التريند بعد عرض أولى حلقاته    خروج عربات قطار في محطة السنطة بالغربية    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    وزير الخارجية يلتقي السيناتور "تيد كروز" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    الزمالك يتلقى ضربة قوية قبل بداية الدوري (تفاصيل)    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان‏..‏ والصعود نحو الهاوية 4‏

الجماعة حولت نفسها إلي هيئة لتسطو علي الحكم الذي خلا من الوفد عام‏1954‏ تغيير اسم جماعة الإخوان إلي هيئة الإخوان العامة لدخول معترك العمل السياسي علانية
يذهب كثير من المؤرخين والدارسين لمسيرة الإخوان‏,‏علي الصعيدين التنظيمي والحركي‏,‏ لاعتبار أن نهايات ثلاثينيات القرن الماضي وحتي منتصف أربعينياته تعتبر فترة من أكثر فترات الزخم والتنامي في تاريخ الجماعة‏.‏
الفترة من‏1938‏ وحتي عام‏1945‏ تعد من أخصب فترات دعوة الإخوان‏,‏ وقد شهدت بدايات أهم وسائل التربية عند الجماعة‏,‏ كما شهدت أول محنة تتعرض لها الدعوة من خارجها‏,‏ كما شهدت إعادة هيكلة كاملة لتنظيم العمل الإداري والقانوني الداخلي‏,‏ ورغم ظروف الحرب العالمية الثانية وضغوطها ووجود الاحتلال‏,‏ وفرض الأحكام العرفية‏..‏فإن الإمام البنا استطاع أن يحقق معظم إن لم نقل كل ما أراد من تلك المرحلة التي سماها مرحلة التكوين‏(‏ جمعة أمين‏:‏ ج‏5,‏ص‏7)‏ هذا ما يسجله مؤرخ الجماعة أمين عبد العزيز في كتابه أوراق من تاريخ الإخوان‏.‏
مصر‏..‏ مؤثرات مابعد الحرب العالمية الثانية
تركت الحرب العالمية الثانية جملة من المتغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية‏,‏ ليس فقط علي الدول التي شاركت فيها بجيوشها‏,‏ بل علي جميع بلدان العالم‏.‏
ومصر‏,‏ التي كانت بشكل غير مباشر‏,‏ وأحيانا كثيرة بشكل مباشر‏,‏ متأثرة بتلك الحرب‏,‏ شهدت واقعا متغيرا مع نهاية الحرب العالمية الثانية‏,‏ كشفت نهاية الحرب الغطاء عن المشاعر المتأججة التي ظلت تحتدم طويلا في ظل ضوابط وقيود قانون الأحكام العرفية‏,‏ وكان اغتيال أحمد ماهر رئيس الوزراء هو أول تعبير واضح عن هذه الحقيقة‏,‏ كذلك كان للأثر المباشر للحرب نفسها علي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمصر نتائجه المتنوعة فيما يتعلق بالقوة الدافعة للحركة الوطنية واتجاه هذه الحركة‏(‏ ريتشارد ميتشل ص‏6)‏
وعلي صعيد الظروف السياسية بعد الحرب أدي عدم حل قضية الاحتلال البريطاني لمصر لبداية مرحلة نضالية جديدة للقوي الوطنية ضد بريطانيا‏,‏ فقد بادر الوفد باتخاذ موقف حينما احال مذكرة الي السفير البريطاني حول تطلعات وطموحات الشعب المصري‏..‏وأعرب الإخوان عن موقفهم بالدعوة إلي مؤتمر شعبي يعقد بالقاهرة وسبعة مراكز رئيسية في الأقاليم في بداية أكتوبر‏1945‏ لمناقشة القضية الوطنية ولتحديد وصياغة المطالب‏,‏ موجهين بذلك أنظار الوفد والحكومة والبريطانيين الي الدور الطموح والشامل الذي تتوقع لنفسها أن تلعبه‏.(‏المرجع السابق‏,‏ ص‏77).‏
وعلي صعيد الأوضاع الاجتماعية في مصر‏,‏ مع نهاية الحرب‏,‏ فقد احتلت المشكلات الاجتماعية مكانة بارزة وحظيت الأفكار الاشتراكية‏,‏ بل والشيوعية‏,‏ بانتشار سريع وخاصة في المدن‏..‏ وتكونت الخلايا الشيوعية وأخذت صحف سرية لم يطل بأي منها الأمد تبشر بالماركسية وتدفع العمال للمطالبة بألا تزيد ساعات العمل الأسبوعي علي أربعين ساعة وتحثهم علي المطالبة بمشاركة أصحاب الأعمال في أرباحهم‏(‏ مارسيل كولومب‏:‏ تطور مصر‏,‏ ص‏283).‏
في ظل هذه الظروف‏,‏ وفي درجة عالية من النشاط السياسي الذي اعتري جميع القوي السياسية والاجتماعية في المجتمع المصري‏,‏ انعقد اجتماع رؤساء المناطق ومراكز الجهاد في‏8‏ يوليو‏1945‏ للإخوان‏,‏ والذي قرر تحويل اسم الإخوان من جماعة الإخوان الي هيئة الإخوان العامة‏.‏ ولفظ هيئة كان وقتها مرادفا للفظ حزب وإذا كان البنا قد أعلن في المؤتمر الخامس‏(1939)‏ أن الإخوان هيئة سياسية‏,‏فإنه لم يعترف قط بأن هذا يعني أنها حزب سياسي إلا أن التحول في مواقف البنا من تلك القضية حدث في مؤتمر‏1945‏ حيث أزال هذه المواربة وأعلن دون أي تردد أن الإخوان قد أصبحوا حزبا سياسيا وبذلك يكون قد أشهر حزبية الدعوة لأول مرة‏.‏
‏(‏موسوعة الأحزاب والحركات ص‏80)‏
استكمال الصياغة التنظيمية للإخوان
بدأت الإجراءات لوضع أول لائحة تنظم وتقنن نواحي العمل في جماعة الإخوان طبقا لأقوال حسن البنا بين عامي‏1931/30,‏ وفي‏8‏ سبتمبر‏1945‏ أقرت الجماعة قانونا معدلا قدمه حسن البنا وأطلق عليه قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان العامة
‏(‏ريتشارد ميتشل‏,‏ ج‏2,‏ص‏13)‏
وقد ظل قانون النظام الأساسي الذي أقره المؤتمر الدستور السائد‏,‏ رغم بعض التعديلات التي طرأت عليه عام‏1948,‏ ثم عام‏1951,‏ وبرصد هذا القانون يمكن تحديد الهرم التنظيمي من الأعلي إلي الأدني كالآتي‏(‏ الهيئة التأسيسية مكتب الإرشاد العام المكاتب الإدارية المناطق الشعب الأسر‏)‏ وقد راعي القانون أن يكون اتصال هذه المراتب فيما بينها عن طريق التسلسل طرديا أو عكسيا‏,‏ وباستثناء الهيئة التأسيسية فإن جميع هذه المراتب تتشكل بالانتخاب السري من مؤتمراتها باستثناء رؤسائها فقد منح القانون مكتب الإرشاد العام حق تسميتهم في حال عدم تمكن هذه المراتب من اختيار رئيس يحظي بموافقة مكتب الإرشاد‏.(‏ جمعة أمين مصدر سابق‏,‏ ج‏5,‏ص‏20)‏
وحرص القانون التنظيمي علي تحديد مسئوليات كل مستوي وأسلوب تشكيله‏:‏ تمثل الشعب الوحدة التنظيمية الأدني‏,‏ وتشكل في كل قرية أوبلدة وتتفرع إلي أسر أو خلايا‏,‏ ويتألف من مجموع الشعب في المنطقة الإدارية مجلس إدارة المنطقة الذي يتألف من رؤساء الشعب ومن مندوبين عن المكتب الإداري والشعب واللجان النوعية‏.‏كما يتألف من رؤساء المناطق وأعضاء الهيئة التأسيسية في الدائرة ومندوبي اللجان النوعية الفرعية المكتب الإداري الذي يضطلع هنا بوظيفة قيادة فرع أو منطقة علي مستوي المحافظة‏.‏
ويضم المكتب الإداري ومندوبا عن مكتب الإرشاد لايحق له التصويت‏,‏ ثم يأتي مكتب الإرشاد العام فالجمعية التأسيسية‏.‏
تمثل الهيئة التأسيسية مجلس الشوري العام‏,‏ وتضطلع فعليا بوظائف مؤتمر عام ولجنة مركزية إلا أن هذه الهيئة ليست منتخبة بل معينة من الإخوان الذين سبقوا بالعمل للدعوة‏,‏ ويتم بقرار منها بالإجماع ضم أي عضو إخواني مثبت يكون قد مضي علي اتصاله بالدعوة خمس سنوات وأتم الخامسة والعشرين من عمره إلي عضويتها‏,‏ علي ألا تزيد نسبة الأعضاء الجدد سنويا علي عشرة أعضاء‏,‏ وأن يراعي في اختيارهم التمثيل المتوازن للمناطق‏.‏
تجتمع الهيئة التأسيسية دوريا في أول شهر من كل عام هجري‏,‏ كما يمكنها أن تجتمع استثنائيا بطلب من المرشد العام أو من مكتب الإرشاد العام أو من عشرين عضوا من أعضائها‏.‏
وتنتخب الهيئة التأسيسية المرشد العام ومكتب الإرشاد العام والوكيل والسكرتير العام وأمين الصندوق بالاقتراع السري‏,‏ ويكون اجتماعها نظاميا إذا حضرته الأغلبية المطلقة‏(‏ النصف زائد واحد‏)‏ إلا في الحالات التي اشترط لها نظام خاص‏.‏
ويشترط فيمن يرشح لعضوية مكتب الإرشاد أن يكون عضوا في الهيئة التأسيسية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات وألا يقل عمره عن ثلاثين عاما‏,‏ علي ألا يتجاوز عدد أعضاء مكتب الإرشاد المنتخبين اثني عشو عضوا‏,‏ وأن يكون ثلاثة أرباعهم‏(9‏ من أصل‏12)‏ من إخوان القاهرة‏,‏ كما اشترط بالوكيل والسكرتير العام وأمين الصندوق أن يكونوا من إخوان القاهرة‏.‏
وتم تحديد الدورة الانتخابية لمكتب الإرشاد العام بعامين‏,‏ وتناقش الهيئة التأسيسية سنويا تقرير مكتب الإرشاد والتقرير المالي‏.‏ وقد لوحظ في رئاسة اجتماع الهيئة التأسيسية فتح الباب أمام إمكانية أن يترأسه أكبر الأعضاء سنا في حال اعتذار المرشدالعام واعتذار وكيله‏(‏ موسوعة الأحزاب والحركات ص‏83).‏
أما المركز العام للإخوان فيتألف من الهيئة الفنية والأقسام الرئيسية والوحدات المنفذة والهيئة الإدارية وتتألف الهيئة الفنية من لجان استشارية تقنية‏(‏ مالية وسياسية وقضائية وإحصائية وخدماتية وإفتائية وللصحافة والترجمة‏)‏ أما الوحدات المنفذة فيقصد بها الهيئات التنظيمية المتسلسلة في حين يقصد بالأقسام الرئيسية المكاتب القطاعية وعددها تسعة مكاتب‏(‏ نشر الدعوة العمال والفلاحون الجوالة الأسر الطلبة التربية البدنية الاتصال بالعالم الإسلامي الأخوات المسلمات‏)‏ ثم قسم المهن الذي يتفرع إلي تسعة فروع‏(‏ الأطباء‏,‏ المهندسون‏,‏ القانونيون‏,‏ المعلمون‏,‏ التجاريون‏,‏ الزراعيون‏,‏ الاجتماعيون‏,‏ الصحفيون‏,‏ الموظفون‏)‏ في حين تشمل الهيئة الإدارية موظفي الجهاز البيروقراطي الحزبي في المركز العام‏,‏ بمن فيه موظفو الخزينة والمبيعات‏(‏ المرجع السابق‏,‏ ص‏84).‏
مؤتمر‏1945‏ وبروز الوجه السياسي
كما كان‏(‏ مؤتمر‏1945)‏ نقطة تحول في مسيرة الإخوان علي الصعيد التنظيمي والحركي‏,‏ فقد كان أيضا محطة مهمة ونقطة تحول علي الصعيد السياسي‏...‏ فقد برز في هذا المؤتمر‏,‏ خاصة فيما طرحه عليه حسن البنا من تصورات وسياسات مستقبلية لتحرك الإخوان التوجه السياسي‏.‏
طرح البنا في المؤتمر الرؤية السياسية لهيئة الإخوان العامة‏,‏ وتتلخص هذه الرؤية في رسم الإستراتيجية السياسية خلال المرحلة القادمة بإقامة الحكومة الإسلامية في كل قطر إسلامي‏,‏ والتي عليها أن تحترم فرائض الإسلام وشعائره وأن تلزم كل موظفيها بأدائها‏,‏ وأن تحرم الموبقات كالخمر والزنا والقمار والكسب الحرام‏,‏ وأن تؤسس التعليم علي التربية الإسلامية والوطنية واللغة العربية‏,‏ وأن تغدو الشريعة الإسلامية المصدر الأول للقانون‏.‏
‏(‏حسن البنا‏:‏ مذكرات الدعوة والداعية‏,‏ ص‏267).‏
حسن البنا في‏1945‏ يطرح مشروع إقامة حكومة إسلامية في كل قطر‏,‏ مخالفا لقرارات المؤتمر الثالث للإخوان‏1939‏ والذي طرح فكرة الخلافة الإسلامية واعتبرها في رأس منهاج الجماعة‏,‏ لعل ذلك يعود إلي أن البنا نفسه كان يعتبر إقامة الخلافة ثمرة مراحل عديدة من التنسيق والعمل والتعاون ما بين الحكومات الإسلامية‏,‏ وكان يري أن تحقيق الخلافة غير ممكن في هذه الظروف‏(‏ موسوعة الأحزاب مصدر سابق‏,‏ ص‏81).‏
وعلي ذلك لم يطرح استعادة الخلافة كهدف مباشر للإخوان‏,‏ خاصة مع ما كانت تشهده مصر والعالم من متغيرات سياسية وفكرية وثقافية عقب الحرب العالمية الثانية‏,‏ وهو ما أكد عليه ريتشارد ميتشل‏,‏ حيث يري البنا أن الحديث عن إقامة الخلافة هو أمر بعيد عن الوضوح‏,‏ وأنه يحتل موقعا بعيدا في المستقبل بحيث يصبح غير ذي معني الآن‏.(‏ ريتشارد ميتشل مصدر سابق‏,‏ ص‏96).‏
المحنة الأولي‏:‏ حل الجماعة واغتيال البنا
شهدت الأعوام الثلاثة التي أعقبت المؤتمر العام للإخوان في‏1945,‏ تناميا ملحوظا للجماعة علي المستوي التنظيمي والحركي والفاعلية السياسية‏,‏ وتشابكت خيوط العلاقات الإخوانية مع القوي والأحزاب السياسية والقصر‏,‏ وشهدت تلك الفترة تزايد وتيرة المنافسة والعداء بين حزب الوفد والإخوان‏.‏
وزاد التوتر في تلك العلاقات بعد الحرب العالمية الثانية خاصة مع ما ظهر من تقارب بين الجناح التقدمي في الوفد والذي حظي بنفوذ داخل الحزب وصحافته وبالأخص في محيطه الشبابي والطلابي‏..‏ والقوي اليسارية من الاشتراكيين والشيوعيين الذين اتسع مجال نفوذهم في المجتمع المصري‏,‏ خاصة بين صفوف العمال والطلاب والمثقفين‏,‏ وحدث نوع من التحالف والتنسيق بين الوفد واليسار خاصة في الجامعات ورغم حدوث تقارب بين الإخوان وحكومات الأقلية التي تعاقبت علي الحكم عقب الحرب العالمية الثانية‏(‏ السعديين والمستقلين‏)‏ في المواجهة الشاملة والشرسة التي أقدمت عليها تلك الحكومات خاصة حكومة إسماعيل صدقي في مواجهة الشيوعية والخطر الشيوعي‏,‏ وبما عرف من عداوة الإخوان الصارمة للشيوعية‏..‏ إلا أن البنا‏,‏ خلافا لسنوات سابقة‏,‏ وافق صراحة أو ضمنيا علي استخدام الجماعة في المواجهات الدائرة بين الوفد والقصر‏,‏ كان طموحه امام تنامي الجماعة واتساع نفوذها أن يلعب منفردا وفقا لمصالح الجماعة أولا‏:‏ وفيما يختص بالبنا كان هناك بعد آخر‏,‏ فبعد أن وجد الآن التنظيم القوي الذي يؤيده اصبح في مقدوره لا أن يدافع بحزم عن الأهداف التي كرس لها كل طاقاته فحسب‏,‏ إصلاح مصر من خلال تحويلها إلي مجتمع إسلامي حقيقي وإجلاء البريطانيين‏,‏ بل أصبح في مقدوره أيضا ان يفكر بتحديد أكثر في الوسائل التي تلزم لتحقيق تلك الأهداف‏(‏ ريتشارد ميتشل مصدر سابق‏,‏ ص‏72).‏
أي أن يسعي للوصول إلي السلطة والمشاركة فيها وفي ظل هذا المناخ الملتهب سياسيا وصراع الفرقاء بين قوي سياسية لها رصيد ونفوذ في الشارع‏(‏ الوفد الإخوان الشيوعيون‏)‏ والقصر وأحزاب الأقلية التي يسند لها الملك تشكيل الوزارات‏,‏ ومع بداية استخدام الإخوان لتنظيمهم الخاص المسلح والذي جعل منهم قوة سياسية ذات جناح عسكري وكانت عمليات اغتيال القاضي الخازندار والسيارة الجيب وقمتها اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي عقابا له علي قراره الحاسم بحل جماعة الإخوان‏,‏ والذي جاء تعبيرا عن مخاوف جدية تولدت عند الحكومة من احتمال قيام انقلاب إخواني عسكري يطيح بالعرش مع تصاعد العمليات شبه اليومية للجهاز السري للإخوان‏,‏ والذي رأت فيه الحكومة إسقاطا لهيبة جهاز الدولة الأمني‏,‏ وبررت الحكومة قرار حل تنظيم الإخوان بدعوي تشكيل فريق منها لعصابة إجرامية الجهاز السري‏.‏
وكان النقراشي بما عرف عنه حازما وحريصا علي تنفيذ إجراءات الحل بصرامة‏,‏ وفشلت معه كل المحاولات التي حاولها حسن البنا للحوار والتهدئة‏,‏ مثل عرضه‏(‏ أي البنا‏)‏ علي القصر بتحول الجماعة إلي جمعية دينية تكون عونا كبيرا للملك والعرش في مقاومة الشيوعية غير أن الملك كان قد فقد آخر ثقة له بالبنا‏,‏ ولم يجد في هذا العرض إلا أسلوبا من أساليبه التقليدية في المراوغة والخداع وقد سبق للملك‏,‏ منذ نهاية عام‏1944‏ علي الأقل‏,‏ أن اتهم البنا بالمراوغة والخداع‏(‏ موسوعة الحركات‏,‏ ص‏139).‏
وأمام عنف الضربات التي تلقتها الجماعة من إجراءات الحكومة بحلها‏,‏ ازداد نفوذ الجهاز السري كما أن البنا الذي سبق له أن انتقم من أحمد ماهر باشا عام‏1945‏ باغتياله لإسقاطه مرشحي الجماعة في الانتخابات النيابية ربما فكر في استخدام الدواء نفسه مع النقراشي‏..‏ وهكذا تقدم شاب يرتدي ملابس ضابط شرطة برتبة ملازم أول من النقراشي باشا في‏28‏ أكتوبر‏1948‏ في وزارة الداخلية وأرداه قتيلا‏..‏ وقد حدد الشاب دوافعه في أن النقراشي خائن للوطن ومتهاون في قضية فلسطين ويحارب الإسلام وحل جماعة الإخوان وإن أنكر أي صلة له بالجماعة إلا أن البيان الذي أصدره حسن البنا بيان للناس والذي أدان فيه الجريمة ومرتكبيها ووصفه للاغتيال بالحادث المروع وللنقراشي بأنه مثل طيب للنزاهة والوطنية والعفة جعل قاتل النقراشي ينهار ويعترف بمسئولية الجماعة‏..!!!‏
وتصاعدت الأحداث ونفذ الجهاز السري للإخوان محاولة نسف محكمة الاستئناف للتخلص من الوثائق والمستندات التي تم ضبطها في السيارة الجيب التي تدين الإخوان‏,‏ وأصدر البنا بيانه الشهير ليسوا إخوانا وليسوا مسلمينوتعطلت كل محاولات وفرص التفاهم بين البنا والحكومة وهكذا‏,‏ تم استدراج البنا إلي المركز العام لجمعية الشبان المسلمين بحجة مواصلة المفاوضات والحوار مع الحكومة وتم اغتياله مساء السبت‏12‏ فبراير‏1949.‏
وواصلت السلطات اعتقال كوادر الجماعة ومداهمة أوكار الجهاز السري‏,‏ الذي حاول بدوره اغتيال رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء إبراهيم عبدالهادي‏,‏ ولم تخف حدة المواجهة‏/‏ المحنة إلا بقرار الملك إقالة حكومة إبراهيم عبدالهادي في يوليو‏1949.‏
‏[‏ المرجع السابق‏,‏ ص‏142]‏ وإلي لقاء‏.‏
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.