مراقبون: صحوات (اتحاد القبائل العربية) تشكيل مسلح يخرق الدستور    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 4 مايو 2024    وكالة فيتش ترفع آفاق تصنيف مصر الائتماني إلى إيجابية    هل تقديم طلب التصالح على مخالفات البناء يوقف أمر الإزالة؟ رئيس «إسكان النواب» يجيب (فيديو)    استقرار سعر السكر والأرز والسلع الأساسية بالأسواق في بداية الأسبوع السبت 4 مايو 2024    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    استشهاد فلسطينيين اثنين خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي بلدة دير الغصون شمال طولكرم    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    تصريح دخول وأبشر .. تحذير من السعودية قبل موسم الحج 2024 | تفاصيل    سيول وفيضانات تغمر ولاية أمريكية، ومسؤولون: الوضع "مهدد للحياة" (فيديو)    مصرع 37 شخصا في أسوأ فيضانات تشهدها البرازيل منذ 80 عاما    رسالة محمود الخطيب لسيدات السلة بعد التتويج بكأس مصر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    فوزي لقجع يكشف حقيقة تدخله في تعيين الحكام بالاتحاد الأفريقي.. وكواليس نهائي دوري أبطال 2022    أول تعليق من رئيس مكافحة المنشطات على أزمة رمضان صبحي    طارق خيري: كأس مصر هديتنا إلى جماهير الأهلي    فريدة وائل: الأهلي حقق كأس مصر عن جدارة    سيدات سلة الأهلي| نادين السلعاوي: التركيز وتنفيذ تعليمات الجهاز الفني وراء الفوز ببطولة كأس مصر    ملف يلا كورة.. اكتمال مجموعة مصر في باريس.. غيابات القطبين.. وتأزم موقف شيكابالا    أمن القليوبية يضبط «القط» قاتل فتاة شبرا الخيمة    حالة الطقس اليوم السبت.. «الأرصاد» تحذر من ظاهرتين جويتين مؤثرتين    "التموين" تضبط 18.8 ألف طن دقيق مدعم و50 طن سكر مدعم بالجيزة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    لا ضمير ولا إنسانية.. خالد أبو بكر يستنكر ترهيب إسرائيل لأعضاء الجنائية الدولية    قناة جديدة على واتساب لإطلاع أعضاء "البيطريين" على كافة المستجدات    وقف التراخيص.. التلاعب فى لوحة سيارتك يعرضك لعقوبة صارمة    بالفضي والأحمر .. آمال ماهر تشغل السعودية بأغاني أم كلثوم    حظك اليوم برج الجدي السبت 4-5-2024 مهنيا وعاطفيا    استعدادات لاستقبال شم النسيم 2024: الفرحة والترقب تملأ الأجواء    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    رشيد مشهراوي عن «المسافة صفر»: صناع الأفلام هم الضحايا    آمال ماهر تتألق بإطلالة فضية في النصف الثاني من حفلها بالسعودية    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    حدث بالفن| مايا دياب تدافع عن نيشان ضد ياسمين عز وخضوع فنان لجراحة وكواليس حفل آمال ماهر في جدة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    5 فئات ممنوعة من تناول الرنجة في شم النسيم    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    في عيد العمال.. تعرف على أهداف ودستور العمل الدولية لحماية أبناءها    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان‏..‏ والصعود نحو الهاوية‏24‏

مع ما شهدته فترة نهايات الثمانينيات والتسعينيات من تطورات ومتغيرات متلاحقة علي مستوي العالم‏,‏ وما أحدثته من تغير في خرائطه السياسية والجغرافية والفكرية‏,‏
كان من أبرز تجلياتها انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي الشرقي وما صاحبه من تصدع للأفكار الأممية هذا من ناحية‏,‏ ومن ناحية ثانية كانت هذه الفترة ايضا وصلة نمو وزخم للحركات الدينية بمجمل تنوعاتها الراديكالية الجهادية والوسطية الدعوية والخيرية‏..‏ وفي القلب منها تنظيمات الإخوان المسلمين‏..‏ إلا أن محصلة هذه العوامل أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر علي الطموحات والشعارات الكبري التي سعي إليها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وأصبحت هذه الشعارات أقل دافعية مع الانغماس الكبير والمتسارع من الإخوان في العملية السياسية داخل أقطارهم وما يستدعيه ذلك من واقعية تتطلب خفض السقف والاقتصاد في الأحلام والأماني الكبار‏.‏
‏(‏حسام تمام‏,‏ المنار الجديد‏,‏ العدد‏27,‏ سبتمبر‏2004:‏ التنظيم الدولي للإخوان‏...‏ الوعد والمسيرة والمال‏,‏ ص‏4).‏ وتركت تأثيرات كبيرة علي جسم وهيكل التنظيم الدولي أدت إلي إضعافه‏,‏ كان من أهم هذه الاسباب غزو العراق للكويت واندلاع حرب الخليج الثانية‏,‏ حيث شهد التنظيم الدولي خلافا فقهيا وسياسيا بين اعضائه حول الموقف من التعامل مع تلك القضية‏,‏ بالإضافة إلي فقدان قيادته المؤسسة قوة ومبرر قبضتها الحديدية علي التنظيم الدولي حيث أخذ في الضعف والتآكل مع شيخوخة قائده المؤسس‏(‏ مصطفي مشهور‏)‏ وتعزز هذا الضعف بوفاة مصطفي مشهور وتولي مأمون الهضيبي‏(‏ المرشد العام السادس‏)‏ مسئولية قيادة جماعة الإخوان في مصر‏,‏ والذي كان أقل حماسا في التعامل مع هذا الملف بسبب علاقاته غير الطيبة مع أقطاب التنظيم الدولي الذين سجلوا علي ممارساته ملاحظات سلبية خاصة في تعمده تهميش أي دور للقيادات الإخوانية من خارج مصر‏,‏ وإصراره وقت كان نائبا للمرشد العام علي إلغاء منصب المتحدث الرسمي للإخوان في الغرب‏,‏ وتوحيد جهة الحديث باسم الإخوان وجعلها من اختصاصه‏.‏
وجاءت احداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ بكل ما صاحبها ولا حقها من تداعيات وتطورات علي مستوي العالم كله‏,‏ والتي تركت بصمات واضحة علي مجمل الحركات الإسلامية بشكل خاص‏,‏ لتضع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في وضع صعب وحرج ولتزيد وبدرجة عالية من مشاكله وتصدعاته‏.‏
وهكذا تضافرت الأوضاع الإقليمية والعالمية لتؤكد تراجع التنظيم الدولي‏,‏ بل واحتمالات تصفيته‏...‏ وفي مصر بشكل خاص أصبح الكثير من قيادات وكوادر الاخوان ينظرون إلي التنظيم الدولي علي اعتبار أنه صار عبئا علي الجماعة من الناحية السياسية والأمنية ينظر للتنظيم الدولي كعبء أمني علي التنظيمات الفرعية‏,‏ باعتباره كان سببا لعدد من الضربات الأمنية التي تعرضت لها بعض تنظيمات الإخوان القطرية والتطورات المتسارعة في الجماعة والمنطقة والعالم عموما تؤكد أن تصفية التنظيم الدولي للإخوان لن تجد معارضة معتبرة من الداخل أو الخارج‏,‏ حتي من أشد المؤمنين به فالقيادات المصرية ستجد في ذلك دعما لاستراتيجيتها غير المعلنة في التركيز علي دور سياسي داخلي أكبر‏(‏ نفس‏,‏ ص‏13).‏
‏..‏ وظهرت القدرات المالية للإخوان المسلمين كتنظيم بشكل جلي في المعارك الجماهيرية التي خاضوها سعيا لتمديد نفوذهم السياسي والاجتماعي‏..‏ مثل الانتخابات البرلمانية وانتخابات النقابات المهنية‏,‏ بل وامتدت لتظهر بوضوح في الجامعات المصرية من خلال انتخابات الاتحادات الطلابية أو الأسر الطلابية التي شكلها طلاب الإخوان في الجامعات والتي تميزت بقدراتها علي تقديم خدمات حقيقية للطلاب لتصبح من أهم عوامل الجذب والنفوذ في القطاع الطلابي‏.‏
كذا الحال في الجانب الخدمي الاجتماعي‏,‏ بانت القدرات المالية الجيدة للإخوان والتي كفلت لهم ضمن عوامل أخري ذاتية وموضوعية نفوذا اجتماعيا وسياسيا في الكثير من الأوساط الاجتماعية خاصة بين الفئات الاجتماعية المحرومة من الخدمات والرعاية الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والتوظيف‏...‏ إلخ‏.‏
وفي هذا السياق من المهم الإشارة إلي بعض المناسبات التي أظهرت القدرات المالية للإخوان المسلمين‏,‏ كمناسبة الانتخابات البرلمانية المصرية مجلس الشعب‏2005‏ والتي كشفت ما توفر لمرشحي الجماعة من أموال لتغطية نفقات المعركة الانتخابية‏,‏ خاصة أن الكثير منهم أي المرشحين الإخوان لا ينتمون لأصول اجتماعية ثرية‏..‏ ولم يكن سرا ما ردده بعض هؤلاء المرشحين‏,‏ أو قيادات أساسية في الجماعة وقت الانتخابات أنهم حددوا لكل كرسي في البرلمان ميزانية مصروفات في حدود خمسة ملايين جنيه أي ما يقرب من المليون دولار‏..‏ وكشف المرشد العام الحالي السابع السيد مهدي عاكف عقب توليه منصبه في منتصف يناير‏2004,‏ وفي حديث لمجلة المصور المصرية عن قدرته علي جمع‏15‏ مليون جنيه بالتليفون خلال ساعات‏.‏
ومن الأمور الجديرة بالذكر أيضا فيما يخص اقتصاديات الإخوان المسلمين ومواردهم المالية أن تنظيمات الإخوان في الخليج كانت المورد الرئيسي لدعم الجماعة ماليا في مصر حتي بداية حقبة التسعينيات وحدوث الاجتياح العراقي للكويت‏1990,‏ وما كان من مواقف للإخوان المصريين من هذا الاجتياح‏,‏ خاصة موقف الهضيبي والذي قابله فريق كبير من إخوان الخليج والكويت علي الأخص بالعداوة وانعكس ذلك بالسلب علي الدعم المالي للإخوان‏,‏ وجاءت أحداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ لتمثل ضربة شديدة لمصادر تمويل الإخوان‏,‏ والتي علي أثرها تمت تصفية مؤسسات التمويل الإخوانية في الخليج وفي الكثير من بلدان العالم‏,‏ حتي الاستثمارات الإخوانية الضخمة التي كانت تدار بمعرفة أشخاص‏,‏ كتلك التي كان يديرها الملياردير الإخواني يوسف ندا رئيس مجلس إدارة بنك التقوي تعرضت لضغوط وقيود وصلت إلي حد الاتهامات‏,‏ بل وعرفت المصادرة الطريق لبعض منها‏.‏
والمتابعة الراصدة لملف اقتصاديات الإخوان والتمويل والإدارة المالية لموارد الجماعة تكشف عن أن هذا الملف من الملفات الشائكة والغامضة علي مدار مسيرة الإخوان منذ التأسيس وحتي الآن‏,‏ ربما يعود هذا الغموض لمبررات منطقية وموضوعية بسبب القيود القانونية والأمنية قيود السرية وعدم الشرعية‏..‏ وربما أيضا للسبب ذاته ترجع بعض الاتهامات بغياب المؤسساتية والشفافية‏..‏ عن هذا الملف‏.‏
هذه الاتهامات والتي تبدأ من غياب المعلومات الدقيقة والوضوح وتمر بالتفرد المطلق للتصرف في أموال الجماعة وتنتهي بتهم الإفساد والفساد المالي‏..‏ لم يكن بمنأي عنها حتي المرشد الأول المؤسس الشيخ حسن البنا‏..‏ وظهرت في حياته بعض من تلك الأسئلة والاتهامات‏,‏ خاصة في انشقاق أحمد السكري الرجل الثاني في التنظيم بعد البنا مباشرة‏,‏ كذلك انشقاق مجموعة من الإخوان شباب محمد‏.‏
للمزيد انظر السيد يوسف الإخوان المسلمون الجزء الثاني ص‏165,‏ وما بعدها‏.‏
ومن الكوادر الإخوانية الرئيسية التي شككت في الملف المالي للإخوان في حياة البنا‏..‏ إلي مثال معاصر‏..‏ عصام سلطان المحامي‏..‏ رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة‏1986..‏ وهي الفترة التي شهدت سيطرة شباب الإخوان علي الجامعات‏,‏ أمضي ستة عشر عاما عضوا بارزا في جماعة الإخوان وهو عضو مؤسس في حزب الوسط وقريب من الرموز التاريخية للجماعة‏,‏ يتحدث باحترام وتقدير عن دور المرشد الأسبق عمر التلمساني‏...‏ ويتحدث بمرارة عن سلبيات داخل الإخوان المسلمين منها تجاوزات مالية تصل إلي حد الفساد والإفساد‏..‏ ومما جاء في محضر نقاش أجريناه معه بخصوص الأوضاع المالية للإخوان المسلمين قوله‏:‏
‏*‏ ألمحت في الحوارات احتمالية وجود فساد مالي‏..‏ هل لديك معلومات واضحة حول هذا الموضوع؟
‏-‏ طبعا هناك فساد مالي ضخم‏..‏ لأنه لا توجد رقابة علي مصادر الصرف‏,‏ ولا توجد ميزانية ثابتة ولا وجود لأرقام حصرية حول حجم الاشتراكات أو التبرعات أو التحويلات التي تأتي من الخارج‏;‏ لذلك فهناك أشخاص في الجماعة تتعدي مرتباتهم عشرة آلاف جنيه شهريا‏..‏ يصرفونها من ميزانية الجماعة‏.‏
‏*‏ هل هذه الأموال التي يتم تحويلها من الخارج تأتي بأسماء أشخاص أم مؤسسات؟
‏-‏ بالطبع لا أستطيع أن أذكر أسماء‏,‏ ولكن الأموال تحول لأشخاص خارج الصورة تماما‏.‏ وهناك توكيلات من هؤلاء الأشخاص لآخرين تحسبا لأي ظرف طارئ‏.‏ عبد الرحيم علي‏..‏ الإخوان المسلمون أزمة تيار التجديد ص‏195‏ مركز المحروسة للنشر القاهرة الطبعة الأولي‏2004.‏
ثالثا‏:‏ الإخوان بين الديني والسياسي‏:‏
تاريخ جماعة الإخوان يكشف عن حصر الجماعة لأهدافها الأساسية في الديني والأخلاقي طوال مرحلتها الأولي والتي استمرت لما يقرب من عشر سنوات حتي إن المؤتمرات الثلاثة الأولي‏1935,34,33‏ لم تتعرض لا للقضية الوطنية ولا لتحديد موقف من الاستعمار‏..‏ ولا موقف من المشكلات الاجتماعية الاقتصادية التي كانت تهم قطاعات واسعة من الجماهير‏..‏ ولا يكفي في سد هذا النقص‏,‏ ما يحاوله بعض الباحثين من التماس المبررات بالقول بشمول العقيدة الإسلامية لكل هذه القضايا‏..‏ ولقد اعترف الإخوان أنفسهم بقصر نشاطهم علي الأهداف الدينية والأخلاقية في الفترة الممتدة من بداية نشأتهم إلي ما قبل قيام الحرب العالمية الثانية‏.‏
السيد يوسف‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ج‏2,‏ ص‏70.‏
ويذهب الدكتور عبد العظيم رمضان في كتابه تاريخ الحركة الوطنية المصرية‏.‏
د‏.‏ عبد العظيم رمضان‏:‏ تطور الحركة الوطنية‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏124.‏ إلي أن الفحص التاريخي لحركة حسن البنا أظهر أنه لم يقم بها تأسيس الجماعة لعوامل سياسية تتعلق بالدستور أو الاستقلال أو رفض النظام القائم‏,‏ إنما قام بها لأسباب سلفية تعارض التغريب‏.‏
الإسلام دين ودولة‏:‏
أما قبل تلك المرحلة فقد حرص البنا علي إبراز جماعته كجمعية دعوية تعمل بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة‏...‏ ولا يعني ذلك عدم اهتمام الجماعة في تلك المرحلة بالشأن السياسي الذي يفرض نفسه علي الجميع‏,‏ بقدر ما كان يعني حرص الجماعة علي عدم إبراز نفسها بمظهر الجماعة السياسية‏,‏ وتأكيد حيادها الرسمي من كل الأحزاب والحكومات وإعلانها المستمر بأنها ليست خصما لأي منها‏..‏ لم يضع البنا الجماعة في مواجهة أي حزب أو حكومة‏.‏ الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏59.‏
ويؤكد ذلك ما أشار إليه ريتشارد ميتشل أنه حتي عام‏1939‏ لم يكن من التناقض أن يكون عضو جماعة الإخوان المسلمين عضوا في حزب الوفد‏..‏ أو أي حزب آخر‏.‏ ريتشارد ميتشل‏:‏ الإخوان المسلمون‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏49.‏
ومع تنامي قوة الإخوان التنظيمية واتساع نفوذها الجماهيري خرج البنا في مايو‏1938‏ عن طمأنته المعهودة للأحزاب والحكومات بأن الجماعة ليست طرفا سياسيا بل مجرد طرف ناصح أو واعظ‏,‏ وأعلن التحول من دعوة الكلام وحده إلي دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال‏,‏ وأن الجماعة ستخاصم جميع الزعماء والأحزاب سواء كانوا في الحكم أم خارجه خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها‏,‏ إن لم يعملوا علي نصرة الإسلام واستعادة حكمه ومجده‏,‏ وطرح البنا هنا لأول مرة الترسيمة الإخوانية الشهيرة الإسلام دين ودولة‏...‏ ومصحف وسيف‏..‏ لا ينفك واحد من هذين عن الآخر‏.‏الأحزاب والحركات‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏61.‏
بذلك اشهر البنا الجماعة كمنظمة ضغط سياسي وأيدلوجي علي الأحزاب والحكومات المصرية‏..‏ أكثر مما اشهرها كمنظمة حزبية سياسية تهدف بنفسها إلي إدارة الحكم‏..‏ وكان ذلك بمثابة التمهيد لدخول الجماعة المعترك السياسي كهيئة سياسية‏..‏ حيث جاء المؤتمر العام الخامس للجماعة‏1939‏ ليكرس لبداية دخول الإخوان المسلمين الحياة السياسية المصرية الصاخبة في تلك المرحلة من تاريخ مصر الحديث‏.‏
وعقب دخول جماعة الإخوان المعترك السياسي بشكل مباشر‏1939‏ تعرضوا لهجوم عنيف من قبل الأحزاب والهيئات الوطنية بسبب مساندة الإخوان لحكومات الأقلية المقيدة للحريات والديمقراطية‏,‏ واتهم الإخوان بالخروج عن برنامجهم الديني والأخلاقي والدخول فيما لا يعنيهم والخلط بين الدين والسياسة‏..‏ واستشعر حسن البنا حيرة الناس من مواقف الإخوان وتساؤلاتهم‏..‏ هل أنتم طريقة صوفية؟ أم جمعية خيرية؟ أم مؤسسة اجتماعية؟ أم حزب سياسي؟‏..‏ وأجاب‏:‏ نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة طريقة صوفية نقية‏..‏ وجمعية خيرية نافعة‏..‏ ومؤسسة اجتماعية قائمة‏..‏ وحزب سياسي نظيف‏..‏ وقد يقولون بعد هذا كله مازلتم غامضين‏..‏ فأجيبوهم لأنه ليس في يدكم مفتاح النور الذي تبصروننا علي ضوئه‏..‏ نحن الإسلام أيها الناس فمن فهمه علي وجهه الصحيح فقد عرفنا‏.‏ السيد يوسف‏:‏ مرجع سابق‏,‏ ج‏2,‏ ص‏57.‏
الإخوان المسلمون‏..‏ حزب سياسي نظيف‏!‏
رغم التغير النوعي في خطاب ورؤية جماعة الإخوان المسلمين الذي جسده المؤتمر العام الخامس في إعلان الجماعة لنفسها كهيئة سياسية‏,‏ حيث تبني المؤتمر لأول مرة في تاريخ الجماعة مواقف نظرية وفكرية وسياسية تجاه الحكم والدستور والقانون والخلافة والوحدة العربية والوحدة الإسلامية والأحزاب المصرية والدول الأوربية‏..‏ إلا أن حسن البنا وانسجاما مع موقفه السلبي من الحزبية‏..‏ وتعاليه علي أفكار العمل الحزبي‏..‏ وغموض مواقفه في هذا الشأن ظل يردد إن الإخوان المسلمين ليسوا حزبا سياسيا‏,‏ وإن كانت السياسة علي قواعد الإسلام من صميم فكرتهم‏..‏ وفي محاولة من البنا للخروج من الموقف الرافض للأحزاب والعمل الحزبي ولإخفاء التناقض بين ذلك الموقف التقليدي الذي ظل يكرره علي مدار ما يقرب من العشرين عاما وبين دخول الإخوان صراحة معترك السياسة كهيئة سياسية كان تصريحه‏,‏ الذي يكشف عن أسلوب متكرر في المراوغة اعتاده الرجل الإخوان المسلمون حزب سياسي نظيف‏.‏ رسائل البنا‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏197.‏
ومع تنامي طموحات حسن البنا وجماعته علي ضوء نمو الجماعة واتساع شعبيتها‏,‏ كذا تشجيع القصر وأحزاب الأقلية للإخوان بغية استغلالها واستثمار قوتها الشعبية في صراعهم ضد حزب الوفد‏,‏ وفي مقابل محاولات الإخوان الاستفادة من هذه الظروف‏..‏ دخل الإخوان أتون الصراع السياسي‏..‏ تحالف وتفاهم ثم انقلاب وصراع وكانت المحن المتتالية التي سبقت الإشارة إليها والتي وصلت إلي حد العصف بالجماعة ومرشدها في أواخر النصف الأول من القرن الماضي‏..‏ وفي المسار التالي النصف الثاني من القرن العشرين ظل العامل السياسي والطموح السلطوي بارزين في حركة جماعة الإخوان وأفكارها‏..‏ وتوالت المواجهات والمحن فمن‏11‏ محاولة اغتيال تعرض لها الرئيس جمال عبد الناصر‏..8‏ قام بها الإخوان‏;‏ لأنهم جعلوا أحلامهم في الوصول إلي السلطة كمن يريد الصعود إلي القمر بدابة‏..‏ فخططوا لاغتياله والتخلص منه‏.‏ فؤاد علام‏,‏ الإخوان وأنا‏,‏ ص‏331.‏ ونواصل‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.