القائمة الوطنية من أجل مصر تنظم مؤتمرا جماهيريا بالمنطقة اللوجستية في طنطا اليوم    جامعة الإسماعيلية الجديدة تهنئ بطل العالم في سباحة الزعانف    «تعليم الجيزة»: المتابعة اليومية بالمدراس رؤية عمل لا إجراء شكلي    حكاية وباء يضرب الحياة البرية.. إنفلونزا الطيور تفتك بآلاف أفيال البحر في الأطلسي    هيئة سلامة الغذاء تقوم بحملات تفتيشية على 94 منشأة غذائية لتقييم مدى التزامها باشتراطات الجودة    حملات على مخالفات البناء والظواهر العشوائية بعدد من المدن الجديدة    سعر الدينار الأردني أمام الجنيه في البنك المركزي اليوم الأحد    عبد الرحيم علي يسأل.. أيحتاج موقفٌ بهذا الوضوح إلى معجمٍ سياسيٍّ كي نفهمه؟    إيران تكشف تفاصيل أول قصف إسرائيلي استهدف موقعا نوويا في حرب ال12 يوما    القاهرة الإخبارية: اشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع بغرب كردفان    ليفربول يزاحم مانشستر سيتي على ضم سيمينيو    الحضري: مواجهة الجزائر مهمة للوصول لهيكل المنتخب الأساسي.. وندعم حسام حسن    هاري كين: لن أحصل على الكرة الذهبية حتى لو سجلت 100 هدف    "أدار مباراتين للأبيض".. طاقم تحكيم رواندي لمواجهة الزمالك ضد كايزر تشيفز في الكونفدرالية    ضبط 15 مخالفة تموينية وصحية بمخابز قريتي شبرا نباص وصرد بمركز قطور بالغربية    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    بالأسماء، إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص ونقل بطريق ميناء الدخيلة في الإسكندرية    إسرائيل تسرق 17 ألف قطعة أثرية من متحف قصر الباشا بغزة    خالد النبوي: مدحت العدل واجه تحديات لعرض "الديلر" وتعلمت الروسية لتقديم "علي الحلواني"    مستشفيات جامعة القناة تطلق فعاليات مؤتمر اتحضر للأخضر    محافظ أسيوط: تكثيف حملات النظافة ورفع المخلفات بالبداري لتحسين البيئة    إكسترا نيوز: مصر تواصل تقديم شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يواصل تنظيم فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" في الإسكندرية    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    سماء الأقصر تشهد عودة تحليق البالون الطائر بخروج 65 رحلة على متنها 1800 سائح    إعتماد المخطط العام لأرض مشروع «عربية للتنمية والتطوير العمراني» بالشيخ زايد    الاحصاء: معدل البطالة 6.4٪ خلال الربع الثالث لعام 2025    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    حقه يكمل مشواره| شوبير يدافع عن حسام حسن قبل مباراة مصر وكاب فيردي    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    برنامج بطب قصر العينى يجمع بين المستجدات الجراحية الحديثة والتطبيقات العملية    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    ارتفاع الذرة المستوردة وانخفاض المحلية، أسعار الأعلاف والحبوب اليوم في الأسواق    البورصة تستهل تعاملات جلسة اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 بارتفاع جماعي    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    الفسطاط من تلال القمامة إلى قمم الجمال    الليلة على DMC .. ياسمينا العبد تكشف أسرار مشوارها الفني في صاحبة السعادة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    حالة الطقس في السعودية اليوم الأحد.. أمطار رعدية غزيرة وتحذيرات من السيول    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    كمال درويش يروي قصة مؤثرة عن محمد صبري قبل رحيله بساعات    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    أهلي جدة يبدأ خطوات الحفاظ على ميندي وتجديد العقد    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان‏..‏ والصعود نحو الهاوية‏24‏

مع ما شهدته فترة نهايات الثمانينيات والتسعينيات من تطورات ومتغيرات متلاحقة علي مستوي العالم‏,‏ وما أحدثته من تغير في خرائطه السياسية والجغرافية والفكرية‏,‏
كان من أبرز تجلياتها انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي الشرقي وما صاحبه من تصدع للأفكار الأممية هذا من ناحية‏,‏ ومن ناحية ثانية كانت هذه الفترة ايضا وصلة نمو وزخم للحركات الدينية بمجمل تنوعاتها الراديكالية الجهادية والوسطية الدعوية والخيرية‏..‏ وفي القلب منها تنظيمات الإخوان المسلمين‏..‏ إلا أن محصلة هذه العوامل أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر علي الطموحات والشعارات الكبري التي سعي إليها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وأصبحت هذه الشعارات أقل دافعية مع الانغماس الكبير والمتسارع من الإخوان في العملية السياسية داخل أقطارهم وما يستدعيه ذلك من واقعية تتطلب خفض السقف والاقتصاد في الأحلام والأماني الكبار‏.‏
‏(‏حسام تمام‏,‏ المنار الجديد‏,‏ العدد‏27,‏ سبتمبر‏2004:‏ التنظيم الدولي للإخوان‏...‏ الوعد والمسيرة والمال‏,‏ ص‏4).‏ وتركت تأثيرات كبيرة علي جسم وهيكل التنظيم الدولي أدت إلي إضعافه‏,‏ كان من أهم هذه الاسباب غزو العراق للكويت واندلاع حرب الخليج الثانية‏,‏ حيث شهد التنظيم الدولي خلافا فقهيا وسياسيا بين اعضائه حول الموقف من التعامل مع تلك القضية‏,‏ بالإضافة إلي فقدان قيادته المؤسسة قوة ومبرر قبضتها الحديدية علي التنظيم الدولي حيث أخذ في الضعف والتآكل مع شيخوخة قائده المؤسس‏(‏ مصطفي مشهور‏)‏ وتعزز هذا الضعف بوفاة مصطفي مشهور وتولي مأمون الهضيبي‏(‏ المرشد العام السادس‏)‏ مسئولية قيادة جماعة الإخوان في مصر‏,‏ والذي كان أقل حماسا في التعامل مع هذا الملف بسبب علاقاته غير الطيبة مع أقطاب التنظيم الدولي الذين سجلوا علي ممارساته ملاحظات سلبية خاصة في تعمده تهميش أي دور للقيادات الإخوانية من خارج مصر‏,‏ وإصراره وقت كان نائبا للمرشد العام علي إلغاء منصب المتحدث الرسمي للإخوان في الغرب‏,‏ وتوحيد جهة الحديث باسم الإخوان وجعلها من اختصاصه‏.‏
وجاءت احداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ بكل ما صاحبها ولا حقها من تداعيات وتطورات علي مستوي العالم كله‏,‏ والتي تركت بصمات واضحة علي مجمل الحركات الإسلامية بشكل خاص‏,‏ لتضع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في وضع صعب وحرج ولتزيد وبدرجة عالية من مشاكله وتصدعاته‏.‏
وهكذا تضافرت الأوضاع الإقليمية والعالمية لتؤكد تراجع التنظيم الدولي‏,‏ بل واحتمالات تصفيته‏...‏ وفي مصر بشكل خاص أصبح الكثير من قيادات وكوادر الاخوان ينظرون إلي التنظيم الدولي علي اعتبار أنه صار عبئا علي الجماعة من الناحية السياسية والأمنية ينظر للتنظيم الدولي كعبء أمني علي التنظيمات الفرعية‏,‏ باعتباره كان سببا لعدد من الضربات الأمنية التي تعرضت لها بعض تنظيمات الإخوان القطرية والتطورات المتسارعة في الجماعة والمنطقة والعالم عموما تؤكد أن تصفية التنظيم الدولي للإخوان لن تجد معارضة معتبرة من الداخل أو الخارج‏,‏ حتي من أشد المؤمنين به فالقيادات المصرية ستجد في ذلك دعما لاستراتيجيتها غير المعلنة في التركيز علي دور سياسي داخلي أكبر‏(‏ نفس‏,‏ ص‏13).‏
‏..‏ وظهرت القدرات المالية للإخوان المسلمين كتنظيم بشكل جلي في المعارك الجماهيرية التي خاضوها سعيا لتمديد نفوذهم السياسي والاجتماعي‏..‏ مثل الانتخابات البرلمانية وانتخابات النقابات المهنية‏,‏ بل وامتدت لتظهر بوضوح في الجامعات المصرية من خلال انتخابات الاتحادات الطلابية أو الأسر الطلابية التي شكلها طلاب الإخوان في الجامعات والتي تميزت بقدراتها علي تقديم خدمات حقيقية للطلاب لتصبح من أهم عوامل الجذب والنفوذ في القطاع الطلابي‏.‏
كذا الحال في الجانب الخدمي الاجتماعي‏,‏ بانت القدرات المالية الجيدة للإخوان والتي كفلت لهم ضمن عوامل أخري ذاتية وموضوعية نفوذا اجتماعيا وسياسيا في الكثير من الأوساط الاجتماعية خاصة بين الفئات الاجتماعية المحرومة من الخدمات والرعاية الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والتوظيف‏...‏ إلخ‏.‏
وفي هذا السياق من المهم الإشارة إلي بعض المناسبات التي أظهرت القدرات المالية للإخوان المسلمين‏,‏ كمناسبة الانتخابات البرلمانية المصرية مجلس الشعب‏2005‏ والتي كشفت ما توفر لمرشحي الجماعة من أموال لتغطية نفقات المعركة الانتخابية‏,‏ خاصة أن الكثير منهم أي المرشحين الإخوان لا ينتمون لأصول اجتماعية ثرية‏..‏ ولم يكن سرا ما ردده بعض هؤلاء المرشحين‏,‏ أو قيادات أساسية في الجماعة وقت الانتخابات أنهم حددوا لكل كرسي في البرلمان ميزانية مصروفات في حدود خمسة ملايين جنيه أي ما يقرب من المليون دولار‏..‏ وكشف المرشد العام الحالي السابع السيد مهدي عاكف عقب توليه منصبه في منتصف يناير‏2004,‏ وفي حديث لمجلة المصور المصرية عن قدرته علي جمع‏15‏ مليون جنيه بالتليفون خلال ساعات‏.‏
ومن الأمور الجديرة بالذكر أيضا فيما يخص اقتصاديات الإخوان المسلمين ومواردهم المالية أن تنظيمات الإخوان في الخليج كانت المورد الرئيسي لدعم الجماعة ماليا في مصر حتي بداية حقبة التسعينيات وحدوث الاجتياح العراقي للكويت‏1990,‏ وما كان من مواقف للإخوان المصريين من هذا الاجتياح‏,‏ خاصة موقف الهضيبي والذي قابله فريق كبير من إخوان الخليج والكويت علي الأخص بالعداوة وانعكس ذلك بالسلب علي الدعم المالي للإخوان‏,‏ وجاءت أحداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ لتمثل ضربة شديدة لمصادر تمويل الإخوان‏,‏ والتي علي أثرها تمت تصفية مؤسسات التمويل الإخوانية في الخليج وفي الكثير من بلدان العالم‏,‏ حتي الاستثمارات الإخوانية الضخمة التي كانت تدار بمعرفة أشخاص‏,‏ كتلك التي كان يديرها الملياردير الإخواني يوسف ندا رئيس مجلس إدارة بنك التقوي تعرضت لضغوط وقيود وصلت إلي حد الاتهامات‏,‏ بل وعرفت المصادرة الطريق لبعض منها‏.‏
والمتابعة الراصدة لملف اقتصاديات الإخوان والتمويل والإدارة المالية لموارد الجماعة تكشف عن أن هذا الملف من الملفات الشائكة والغامضة علي مدار مسيرة الإخوان منذ التأسيس وحتي الآن‏,‏ ربما يعود هذا الغموض لمبررات منطقية وموضوعية بسبب القيود القانونية والأمنية قيود السرية وعدم الشرعية‏..‏ وربما أيضا للسبب ذاته ترجع بعض الاتهامات بغياب المؤسساتية والشفافية‏..‏ عن هذا الملف‏.‏
هذه الاتهامات والتي تبدأ من غياب المعلومات الدقيقة والوضوح وتمر بالتفرد المطلق للتصرف في أموال الجماعة وتنتهي بتهم الإفساد والفساد المالي‏..‏ لم يكن بمنأي عنها حتي المرشد الأول المؤسس الشيخ حسن البنا‏..‏ وظهرت في حياته بعض من تلك الأسئلة والاتهامات‏,‏ خاصة في انشقاق أحمد السكري الرجل الثاني في التنظيم بعد البنا مباشرة‏,‏ كذلك انشقاق مجموعة من الإخوان شباب محمد‏.‏
للمزيد انظر السيد يوسف الإخوان المسلمون الجزء الثاني ص‏165,‏ وما بعدها‏.‏
ومن الكوادر الإخوانية الرئيسية التي شككت في الملف المالي للإخوان في حياة البنا‏..‏ إلي مثال معاصر‏..‏ عصام سلطان المحامي‏..‏ رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة‏1986..‏ وهي الفترة التي شهدت سيطرة شباب الإخوان علي الجامعات‏,‏ أمضي ستة عشر عاما عضوا بارزا في جماعة الإخوان وهو عضو مؤسس في حزب الوسط وقريب من الرموز التاريخية للجماعة‏,‏ يتحدث باحترام وتقدير عن دور المرشد الأسبق عمر التلمساني‏...‏ ويتحدث بمرارة عن سلبيات داخل الإخوان المسلمين منها تجاوزات مالية تصل إلي حد الفساد والإفساد‏..‏ ومما جاء في محضر نقاش أجريناه معه بخصوص الأوضاع المالية للإخوان المسلمين قوله‏:‏
‏*‏ ألمحت في الحوارات احتمالية وجود فساد مالي‏..‏ هل لديك معلومات واضحة حول هذا الموضوع؟
‏-‏ طبعا هناك فساد مالي ضخم‏..‏ لأنه لا توجد رقابة علي مصادر الصرف‏,‏ ولا توجد ميزانية ثابتة ولا وجود لأرقام حصرية حول حجم الاشتراكات أو التبرعات أو التحويلات التي تأتي من الخارج‏;‏ لذلك فهناك أشخاص في الجماعة تتعدي مرتباتهم عشرة آلاف جنيه شهريا‏..‏ يصرفونها من ميزانية الجماعة‏.‏
‏*‏ هل هذه الأموال التي يتم تحويلها من الخارج تأتي بأسماء أشخاص أم مؤسسات؟
‏-‏ بالطبع لا أستطيع أن أذكر أسماء‏,‏ ولكن الأموال تحول لأشخاص خارج الصورة تماما‏.‏ وهناك توكيلات من هؤلاء الأشخاص لآخرين تحسبا لأي ظرف طارئ‏.‏ عبد الرحيم علي‏..‏ الإخوان المسلمون أزمة تيار التجديد ص‏195‏ مركز المحروسة للنشر القاهرة الطبعة الأولي‏2004.‏
ثالثا‏:‏ الإخوان بين الديني والسياسي‏:‏
تاريخ جماعة الإخوان يكشف عن حصر الجماعة لأهدافها الأساسية في الديني والأخلاقي طوال مرحلتها الأولي والتي استمرت لما يقرب من عشر سنوات حتي إن المؤتمرات الثلاثة الأولي‏1935,34,33‏ لم تتعرض لا للقضية الوطنية ولا لتحديد موقف من الاستعمار‏..‏ ولا موقف من المشكلات الاجتماعية الاقتصادية التي كانت تهم قطاعات واسعة من الجماهير‏..‏ ولا يكفي في سد هذا النقص‏,‏ ما يحاوله بعض الباحثين من التماس المبررات بالقول بشمول العقيدة الإسلامية لكل هذه القضايا‏..‏ ولقد اعترف الإخوان أنفسهم بقصر نشاطهم علي الأهداف الدينية والأخلاقية في الفترة الممتدة من بداية نشأتهم إلي ما قبل قيام الحرب العالمية الثانية‏.‏
السيد يوسف‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ج‏2,‏ ص‏70.‏
ويذهب الدكتور عبد العظيم رمضان في كتابه تاريخ الحركة الوطنية المصرية‏.‏
د‏.‏ عبد العظيم رمضان‏:‏ تطور الحركة الوطنية‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏124.‏ إلي أن الفحص التاريخي لحركة حسن البنا أظهر أنه لم يقم بها تأسيس الجماعة لعوامل سياسية تتعلق بالدستور أو الاستقلال أو رفض النظام القائم‏,‏ إنما قام بها لأسباب سلفية تعارض التغريب‏.‏
الإسلام دين ودولة‏:‏
أما قبل تلك المرحلة فقد حرص البنا علي إبراز جماعته كجمعية دعوية تعمل بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة‏...‏ ولا يعني ذلك عدم اهتمام الجماعة في تلك المرحلة بالشأن السياسي الذي يفرض نفسه علي الجميع‏,‏ بقدر ما كان يعني حرص الجماعة علي عدم إبراز نفسها بمظهر الجماعة السياسية‏,‏ وتأكيد حيادها الرسمي من كل الأحزاب والحكومات وإعلانها المستمر بأنها ليست خصما لأي منها‏..‏ لم يضع البنا الجماعة في مواجهة أي حزب أو حكومة‏.‏ الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏59.‏
ويؤكد ذلك ما أشار إليه ريتشارد ميتشل أنه حتي عام‏1939‏ لم يكن من التناقض أن يكون عضو جماعة الإخوان المسلمين عضوا في حزب الوفد‏..‏ أو أي حزب آخر‏.‏ ريتشارد ميتشل‏:‏ الإخوان المسلمون‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏49.‏
ومع تنامي قوة الإخوان التنظيمية واتساع نفوذها الجماهيري خرج البنا في مايو‏1938‏ عن طمأنته المعهودة للأحزاب والحكومات بأن الجماعة ليست طرفا سياسيا بل مجرد طرف ناصح أو واعظ‏,‏ وأعلن التحول من دعوة الكلام وحده إلي دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال‏,‏ وأن الجماعة ستخاصم جميع الزعماء والأحزاب سواء كانوا في الحكم أم خارجه خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها‏,‏ إن لم يعملوا علي نصرة الإسلام واستعادة حكمه ومجده‏,‏ وطرح البنا هنا لأول مرة الترسيمة الإخوانية الشهيرة الإسلام دين ودولة‏...‏ ومصحف وسيف‏..‏ لا ينفك واحد من هذين عن الآخر‏.‏الأحزاب والحركات‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏61.‏
بذلك اشهر البنا الجماعة كمنظمة ضغط سياسي وأيدلوجي علي الأحزاب والحكومات المصرية‏..‏ أكثر مما اشهرها كمنظمة حزبية سياسية تهدف بنفسها إلي إدارة الحكم‏..‏ وكان ذلك بمثابة التمهيد لدخول الجماعة المعترك السياسي كهيئة سياسية‏..‏ حيث جاء المؤتمر العام الخامس للجماعة‏1939‏ ليكرس لبداية دخول الإخوان المسلمين الحياة السياسية المصرية الصاخبة في تلك المرحلة من تاريخ مصر الحديث‏.‏
وعقب دخول جماعة الإخوان المعترك السياسي بشكل مباشر‏1939‏ تعرضوا لهجوم عنيف من قبل الأحزاب والهيئات الوطنية بسبب مساندة الإخوان لحكومات الأقلية المقيدة للحريات والديمقراطية‏,‏ واتهم الإخوان بالخروج عن برنامجهم الديني والأخلاقي والدخول فيما لا يعنيهم والخلط بين الدين والسياسة‏..‏ واستشعر حسن البنا حيرة الناس من مواقف الإخوان وتساؤلاتهم‏..‏ هل أنتم طريقة صوفية؟ أم جمعية خيرية؟ أم مؤسسة اجتماعية؟ أم حزب سياسي؟‏..‏ وأجاب‏:‏ نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة طريقة صوفية نقية‏..‏ وجمعية خيرية نافعة‏..‏ ومؤسسة اجتماعية قائمة‏..‏ وحزب سياسي نظيف‏..‏ وقد يقولون بعد هذا كله مازلتم غامضين‏..‏ فأجيبوهم لأنه ليس في يدكم مفتاح النور الذي تبصروننا علي ضوئه‏..‏ نحن الإسلام أيها الناس فمن فهمه علي وجهه الصحيح فقد عرفنا‏.‏ السيد يوسف‏:‏ مرجع سابق‏,‏ ج‏2,‏ ص‏57.‏
الإخوان المسلمون‏..‏ حزب سياسي نظيف‏!‏
رغم التغير النوعي في خطاب ورؤية جماعة الإخوان المسلمين الذي جسده المؤتمر العام الخامس في إعلان الجماعة لنفسها كهيئة سياسية‏,‏ حيث تبني المؤتمر لأول مرة في تاريخ الجماعة مواقف نظرية وفكرية وسياسية تجاه الحكم والدستور والقانون والخلافة والوحدة العربية والوحدة الإسلامية والأحزاب المصرية والدول الأوربية‏..‏ إلا أن حسن البنا وانسجاما مع موقفه السلبي من الحزبية‏..‏ وتعاليه علي أفكار العمل الحزبي‏..‏ وغموض مواقفه في هذا الشأن ظل يردد إن الإخوان المسلمين ليسوا حزبا سياسيا‏,‏ وإن كانت السياسة علي قواعد الإسلام من صميم فكرتهم‏..‏ وفي محاولة من البنا للخروج من الموقف الرافض للأحزاب والعمل الحزبي ولإخفاء التناقض بين ذلك الموقف التقليدي الذي ظل يكرره علي مدار ما يقرب من العشرين عاما وبين دخول الإخوان صراحة معترك السياسة كهيئة سياسية كان تصريحه‏,‏ الذي يكشف عن أسلوب متكرر في المراوغة اعتاده الرجل الإخوان المسلمون حزب سياسي نظيف‏.‏ رسائل البنا‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏197.‏
ومع تنامي طموحات حسن البنا وجماعته علي ضوء نمو الجماعة واتساع شعبيتها‏,‏ كذا تشجيع القصر وأحزاب الأقلية للإخوان بغية استغلالها واستثمار قوتها الشعبية في صراعهم ضد حزب الوفد‏,‏ وفي مقابل محاولات الإخوان الاستفادة من هذه الظروف‏..‏ دخل الإخوان أتون الصراع السياسي‏..‏ تحالف وتفاهم ثم انقلاب وصراع وكانت المحن المتتالية التي سبقت الإشارة إليها والتي وصلت إلي حد العصف بالجماعة ومرشدها في أواخر النصف الأول من القرن الماضي‏..‏ وفي المسار التالي النصف الثاني من القرن العشرين ظل العامل السياسي والطموح السلطوي بارزين في حركة جماعة الإخوان وأفكارها‏..‏ وتوالت المواجهات والمحن فمن‏11‏ محاولة اغتيال تعرض لها الرئيس جمال عبد الناصر‏..8‏ قام بها الإخوان‏;‏ لأنهم جعلوا أحلامهم في الوصول إلي السلطة كمن يريد الصعود إلي القمر بدابة‏..‏ فخططوا لاغتياله والتخلص منه‏.‏ فؤاد علام‏,‏ الإخوان وأنا‏,‏ ص‏331.‏ ونواصل‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.