«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موسوعة الشرطة:
موجز تار يخ مصر !
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 03 - 2010

تعتبر الحضارة المصرية القديمة من أقدم الحضارات التي عرفها العالم إن لم تكن أقدمها علي الإطلاق، لكن المذهل لم يكن في القدم وحده ولكن في قدرة هذه الحضارة علي الاستمرار لتصبح مصر الدولة الأكثر ثباتا في التاريخ الانساني كله.
ورغم ذلك فإن حدودها من أحدث الحدود تخطيطا في العالم، فلم تخطط مصر حدودها الشرقية إلا في عام 1906 عندما وقعت حادثة طابا الشهيرة، مع أنها أقدم وأرسخ الحدود في العالم، بحكم طبيعتها الواضحة ولهذا لم يكن تخطيط الحدود إلا محاكاة فوق الخرائط لا تقبل تغييرا أو تحولا.
لكن هل كان لتلك الإمبراطورية أن تنمو وتستمر دون أن تكون "الوظائف الحيوية" للدولة متكاملة لديها، وعلي رأس هذه الوظائف أن يكون لديها ما تحفظ به أمنها الداخلي وما ينظمه من لوائح وقوانين، ومن ينفذه علي أرض الواقع؟ في "موسوعة الشرطة المصرية عبر التاريخ الوطني" نجد إجابة تفصيلية لهذا السؤال، عبر خمسة مجلدات تروي مراحل نمو وتطور "العملية الأمنية" في مصر والتي سنجدها متوازية ومكملة لعناصر بناء الدولة ونموها عبر العصور.
بعد الانتهاء من الموسوعة ستكتشف أن هاجس الأمن ولد في مصر القديمة سابقا علي ولادتها، بل ربما كان واحدا من أهم عوامل ولادتها المبكرة، فقد واكب الحس الأمني بأبعاده الاجتماعية، بداية ولادة وظهور بواكير الحضارة المصرية القديمة، ومنذ العصر الحجري، وبالتالي قبل أن يبدأ عصر التوحيد، الذي بدأ معه ظهور نظام عسكري وأمني واضح، في شكل وحدات عسكرية منظمة مسئوله عن صيانة الأمن داخليا وخارجيا، فقد كانت الشرطة لم تزل جزءا من القوات المحاربة، لم تنفصل عن قوات الجيش أو عن المؤسسة العسكرية، ورغم إنضاج مفهوم مبكر لترابط أبعاد الأمن الداخلي والخارجي فقد أصبح للأمن الداخلي وحدات وفرق خاصة به، وظيفتها تقتصر علي توفير الحماية داخل الوطن.
وقد اتسع جهاز الشرطة بعد استقلاله عن الجيش، ومع تعدد مهامه ووظائفه، في إطار نمو وظائف وحاجات الدولة المصرية القديمة، حيث أصبح جهاز الشرطة تابعا للوزير مباشرة في العاصمة إلي جانب وجود قوات شرطة محلية في كل إقليم، تتفرع منها وحدات أصغر وهكذا، ليتم تغطية خريطة مصر حتي التجمعات السكنية البالغة الصغر، وفق تراتبية تنتهي القيادة فيها عند رئيس شرطة الإقليم.
حظيت الشرطة في مصر القديمة سواء بالنسبة لوضعها في النظام الاداري للدولة أو بالنسبة لصورتها عند المصريين بمكانة خاصة، ومشاعر احترام وهيبة، وضمت تخصصات محددة، فهناك شرطة للمعابد، وشرطة للنهر، وشرطة للمقابر، وشرطة متخصصة في استخدام الكلاب في أعمال المطاردة والحراسات والتأمين، بل كانت هناك فرق شرطة مركزية، يتم دفعها لمواجهة الأحداث الأكبر والأهم "قوات أمن مركزي". وليست ثمة تقدير محدد للأعداد التي ضمها جهاز الشرطة في مصر القديمة، لكن الواضح من تعدد التخصصات، وشمولية الجهاز الاداري وتوسعه، أن الإعداد كانت كبيرة وتتوافق مع الوظيفة الأمنية المسندة إليها، وقد تعطي أعداد قوات الجيش المقدرة من قبل المؤرخين مؤشرا موازيا علي أعداد المنخرطين في جهاز الشرطة، فإذا كان "هيرودوت" يقدر قوة مصر العسكرية بنحو 410,000 جندي، فإن "ديودور" قد قدر جيش رمسيس وحده بنحو 600,000 جندي.
وفي الوقت نفسه كان للمؤسسة الدينية المتمثلة في المعابد وكهنتها تأثير كبير علي الملوك وعلي السلطة الإدارية في البلاد، ويبدو ذلك واضحا من خلال مقارنة نفوذ وسلطة الملك في الدولة القديمة، والمكانة المقدسة التي كان يحظي بها، ثم ما أصبح عليه الملك عندما زاد نفوذ الكهنة وثراؤهم، وبالتالي تأثيرهم علي عامة الشعب مما أضعف من سلطة الملك ومن تدخله في شئون الحكم.
يمكن في الوقت نفسه الاستدلال علي وجود محكمة وقضاء وحكم علي المذنبين من خلال النصوص الدينية التي تحذر من الوقوع في المعصية التي تستوجب العقاب ومن هذه النصائح مثلا :"إنك تعلم أن محكمة القضاة الذين يحاسبون المذنب لا يرحمون الشقي عند مقاضاته، وتسوء العاقبة إذا كان المتهم هو العاقل، ولا تضع ثقتك في العمر لأنهم، ينظرون إلي الحياة كأنها ساعة واحدة". وهناك أيضا: "خذ حذرك من المرأة الأجنبية التي ليست معروفه في بلدتها، والمرأة البعيدة عن زوجها تقول لك كل يوم "إني جميله" لذلك عندما تكون بعيدة عن أعين الرقباء تقف لتوقعك في حبائلها..إن ذلك الجرم عظيم يستحق الإعدام عندما يرتكبه الإنسان". الحديث عن جريمة الزنا وعقابها هنا يؤكد وجود قانون وضع العقوبة المناسبة لهذه الجريمة ليحمي المجتمع، وكان هذا القانون يحدد الجرائم وعقاب كل منها ومن ثم وجود جهاز شرطة وجهاز قضاء لتنفيذ هذا القانون والحفاظ علي النظام في المجتمع.
كانت في مقدمة مهام الشرطة في ذلك الوقت توفير الحماية للفلاح من السرقة أو الاعتداء علي أرضه وممتلكاته، وحفظ النظام والأمن داخل المجتمعات الزراعية، كما كان لها دورها في أداء أو مساعده بعض الموظفين علي أداء عملهم كمحصلي ضرائب، حيث كان أفراد الشرطة يرافقونهم عند تحصيل الضرائب من الفلاحين، ويتولون إقناعهم بدفع الضرائب بكافة الطرق بما فيها العقاب البدني حيث كان المذنب يلقي أرضا ويضرب، كما كانت توجد فرق من الشرطة تختص بالمقاطعات الصحراوية، وهؤلاء كانوا يجوبون المناطق الصحراوية بكلابهم المدربة لتعقب المساجين الفارين، وكذلك طائفة الجنود "المدجاي" وهم نوبيون تولوا حراسة مناطق الصحراوات والمقابر من السرقة، حيث أصبحت كلمة "المدجاي" مرادفة لكلمة "شرطه" وربما اختص هؤلاء بهذا العمل بسبب عملهم وخدمتهم لفترة طويلة سابقة في الجيش المصري، حتي أصبحوا جزءا من المنظومة العسكرية المصرية، وكان عمل جنود "المدجاي" حراسة منطقة طيبة الغربية، حيث مقابر الملوك وكانوا تحت رئاسة عمدة طيبة الغربية، وكان من أعمالهم _كذلك- التأكد من سلامة المقابر والتأكد من مراقبة العمال في المقابر حتي لا يقومون بسرقتها، كما كانت تسند لهم مهام حمل الرسائل، ومطاردة اللصوص وإنزال العقاب بالمذنبين.
بعدها انزلقت مصر من إمبراطورية كبري إلي مستعمرة بعد أن تفككت مركزية الدولة القديمة ولحق بها الكثير من الوهن، وهي في الوقت نفسه كانت لا تزال تشكل قمة الإقليم التاريخية وقلبه الجغرافي لذا كانت بحكم ما اعتراها مطمعا "وجائزة كبري" لمن يريد الاستحواذ علي المنطقة كلها، هكذا دخل الاستعمار الاغريقي والبطلمي ومن بعدهم الرومان والبيزنطيون ثم العرب.
الهاجس الأساسي والهم الأول للمستعمر كان هو الأمن الداخلي وتجريد المصريين من أيه وظيفة أو عمل يتعلق بهذا الأمن، ورغم ذلك فان البطالمة والرومان من بعدهم قد استمروا علي أسس النظام الامني نفسه الذي وضعته مصر الفرعونية وطبقته بدقه وعناية وان اختلفت التسميات، أو لحقت بها بعض الإضافات، كقوات الأمن الملقبة ب"الماخيموي" والتي كان أغلبها من ذوي الأصول المهجنة، ولم تكن وظائفهم سوي سبيل للحصول علي إقطاعيات زراعية، إضافة إلي مجموعة جديدة من الشرطة ك"شرطة الصحراء" التي كانت مهمتها حماية الصحراء وحماية الاراضي التي تستغل بطريقة وضع اليد، و"حاملي السوط" الذين يصحبون جامعي الضرائب، و"حاملي العصي" الذين يشبهون الخفراء، و"حاملي الخنجر والسيف" الذين ارتبطت وظائفهم بالقبض علي المتهمين بالجرائم الكبري.
لقد تغيرت بعض معالم صور الأمن في العصر البيزنطي الذي لم يكن أكثر من استعمار ناهب مستغل، ففي بدايته غدت المهمة الأولي لشرطة المستعمر جمع الضرائب باستخدام القوة "وكان أهم أدواتها الضرب والطرح والوطء بالقدم وإيذاء الجسد وأحيانا القتل بطريقة غير مباشرة"، وتمتعت شرطة المحتل في هذا العصر بالحق في إصدار الأحكام علي المتهمين خاصة في توقيتات عدم انعقاد المحكمة
المختصة، بل جري وضع تنظيم غير رسمي لجرائم السرقة التي انتشرت بشكل مريع أورده "ديدور" حيث نقل أن القانون الموضوع كان يطالب من ينضم إلي صفوف اللصوص أن يبلغ كبير اللصوص، وأن يتعهد ويمارس تسليمه كل ما قام بسرقته في كل مره، أما المسروق فعليه أن يتقدم بطلب إلي كبير اللصوص طالبا رد مسروقاته شرط أن يدفع مقدما ربع قيمتها!.
أما ما أضيف إلي مناصب الشرطة خلال هذا العصر علي مستوي القري فكان منصبي العمدة وشيخ البلد، والأول مسئول عن النواحي المالية والقضائية، أما الثاني فهو المسئول عن جمع أموال الضرائب المقررة، وعن مياه الفيضان والخزانة وحراسة الحقول، وهكذا تحولت الأقاليم المصرية وعواصمها إلي حكم اقرب إلي الاستقلال الذاتي فقد قسمت مصر لضمان أفضل صيغ استغلالها إلي قطع ثم إلي نتف صغيرة وتحول الجيش البيزنطي إلي قوة للأمن الداخلي، مهمتها الأساسية قمع الثورات وتصفيه كافة أشكال المقاومة.
ورغم ذلك فلم يصمد البيزنطيين كثيرا تحت ضربات المقاومة المصرية، مع ما لحق بالأمن العام من تصدع، وما اعتري مصر ذاتها خلال حكمهم، من استنزاف وإرهاق ووهن ثم ما غلب علي الصراع في مراحله الأخيرة من اضطهاد ودموية وعنف.
لذلك انفرد العرب عند دخولهم مصر بالترحاب من جانب المصريين لأنهم وجدوا في الفتح العربي مخلصا من الاستعمار.
الغريب أن التنظيم الاداري لمصر في العصر الاسلامي قد ارتكز علي التنظيم ذاته في العصر البيزنطي الذي يعود في الأصل إلي العصر الفرعوني، وقد اتسم هذا التقسيم بقدر هائل من الثبات، وكانت مصر مقسمة إلي "الدلتا" مصر السفلي، و"الصعيد" مصر العليا، وينقسم كل منهما بدوره إلي أقاليم مقسمه بدورها إلي "كور" تشتمل كل واحدة منها علي أعداد من القري.
وفي بواكير الفتح الاسلامي، واستقرار حكم الولاة التابعين للخليفة العباسي ثم الأموي، كان الوالي الذي يعينه الخليفة هو المسئول عن إدارة شئون البلاد، بينما كان اغلب معاونيه لا يخضعون لسلطانه وإنما لسلطان الخليفة في عاصمة الخلافة..وتشير وثائق هذا العصر أن "صاحب الشرطة" كان يتمتع بالصلاحيات الأكبر، وكان صاحب نفوذ سياسي أقوي بين مكونات النظام الاداري، وهو ما يؤكد الأهمية الخاصة التي نظر بها العرب إلي قضية الأمن والاستقرار وتماسك الأوضاع الداخلية فقد كان صاحب الشرطة بمثابة نائب الوالي يؤم الناس في الصلاة إذا مرض الوالي، ويمارس سلطة الحكم إذا خرج من مقر ولايته وإذا أدركته الوفاة.
كان مقر "صاحب الشرطة" في الفسطاط وحين أنشئت العسكر علي يد أول الولاة العباسيين في مصر، أنشئت شرطة جديدة سميت الشرطة العليا اتخذت مقرها جنوبي الموقع الذي شيد فيه ابن طولون المسجد الجامع وأصبحت هناك شرطتان إحداهما تسمي العليا والأخري سفلي باعتبار المكان لا المكانة، وكانت الشروط التي أوجب فقهاء المسلمين توافرها في صاحب الشرطة تنص علي أن يكون "حليما، مهيبا، دائم الصمت، طويل الفكر، بعيد الغور، وأن يكون غليظا في أهل الريب، نظره شزرا، قليل التبسم، وغير ملتفت للشفاعات".
ورغم أن الولاة التزموا _غالبا- في اختيارهم لأصحاب الشرطة وفي ما وضعوه بين أيديهم من تكليفات وتعليمات ووصايا إلا أن الملاحظة الملفتة أن ثمانية عشر واليا من ولاة مصر قد عينوا أقارب لهم من الدرجة الأولي والثانية أحيانا في هذا المنصب وهو ما يعني تقديم الولاء الشخصي علي غيره من الشروط.
وفي هذا العصر طبق لأول مرة نظام الإقامة الجبرية كما طبق نظام السجل الذي يشبه البطاقة الشخصية، وجواز السفر حيث كلف الناس بحمل سجل يتضمن الاسم والموطن الأصلي، وبيانات أخري ولم يكن يسمح للشخص بركوب سفينة أو مغادرتها أو الانتقال من بلده إلي أخري إلا إذا اطلع رجال الشرطة علي هذا السجل الذي يعني عدم وجوده القبض علي المسافر وإيداعه السجن.
في كل تحول أو تغير لسلطة الحكم في مصر، وضح أن العامل الأكثر حسما وتأثيرا كان هو الأمن والاستقرار، ولذلك كان اختلال الأمن وانتشار الفوضي وأعمال السلب والنهب في المرحلة الأخيرة من عمر دولة الإخشيديين بمصر، تمثل أكثر العوامل تأثيرا في تمهيد سبل الاستيلاء علي حكم مصر للفاطميين، اللذين استفادوا بدورهم من درس الأمن الذي استوعبوه فوجهوا عنايتهم إلي فرض الأمن في البلاد منذ اليوم الأول لولاية جوهر الصقلي وهو ما استتبع إحداث تغييرات كبيرة في المسائل التي تمس الأمن والنظام.
حرص جوهر الصقلي بعد استيلائه علي مصر علي دعم جهاز الشرطة وإخضاعه لإشرافه المباشر، كما عمد إلي اختيار المقربين من نخبة الحكم الفاطمي، لتولي هذه المهمة، ولذلك كان صاحب الشرطة في ذلك العصر من أوثق الناس صله بالخليفة بالرغم من تحول مصر من ولاية إلي مركز للخلافة الإسلامية، وهو ما أدي بدوره إلي زيادة مهام الشرطة في ذلك العصر وظهرت وظائف جديدة كمعاون الوالي الذي يتولي عمليا مهام صاحب الشرطة، وصاحب العسس الذي يتولي المسئولية أثناء الليل، ومتولي السيارتين الذي يبدو أن وظيفته كانت معنية بصيانة وحفظ الأمن علي الطرقات.
في ذلك العصر عرفت مصر الشرطة السرية، وتوسع الحاكم بأمر الله في استخدامها، كما استخدم النساء لأول مرة أيضا، ويمكن القول أن رؤية الفاطميين للأمن كانت تنم عن تفهم عميق لوظيفته وتأثيره علي سلطة الحكم، خاصة وأنهم رفضوا إسناد وظيفة صاحب الشرطة أو أي وظيفة من وظائف الهيكل الأساسي للشرطة إلي المصريين فقد كان جل اعتمادهم في وظائف الأمن علي المغاربة الذين جاءوا مع قوات الغزو الفاطمي، الذين كانوا يدينون بالولاء المباشر إلي الخليفة، ومن المؤكد أنهم كانوا يتوجسون خوفا من موقف المصريين المتحفظ تجاه مخالفتهم في المذهب الشيعي.
بعدها اعتمد الايوبين والمماليك والعثمانيون من بعدهم علي أساليب أكثر قسوة واستخدموا أساليب أكثر دمويه كأسلوب السلخ والذي وصفه "الحسن ابن الوزان" فكتب:"..فتسلخ جلودهم وهم أحياء، ثم تحشي بالنخالة، وتخاط بحيث تشبه الناس في المظهر، ويضعونها علي بعير يطوفون به المدينة كلها، وهم يعلنون عن الجريمة التي ارتكبها".
مع محمد علي بدأت مصر عهدا مختلفا في كل فروع الحياة ومن بينها الأمن، فقد اضطر محمد علي إلي الاستعانة بالمصريين في الجيش، وولد من هنا الجيش المصري مع الشرطة وكانت البداية لقيام حركة وطنية تعمق فيها التعاون بين العسكريين من جهة والمثقفين من جهة أخري، وهو الذي أثمر بعد ذلك عن حركات وطنية وزعماء علي رأسهم عرابي وعبد الله النديم، لكن ومع احتلال القاهرة في 10 سبتمبر 1982 تعرضت الحركة الوطنية المصرية لأوسع عمليات القمع، فقد تجاوزت أعداد المعتقلين السياسيين ثلاثين ألف رجل، ورصدت جائزة قدرها خمسة آلاف جنيه للقبض علي عبد الله النديم خطيب الثورة، بعدها كان قرار الخديو بإلغاء الجيش المصري والذي تضمن بالتبعية إلغاء جهاز الأمن المصري، وتم وضع لجنة لاستقدام قوات أوروبية وتركية لحفظ الأمن، وبالفعل استقدمت قوات من الأتراك والشراكسة والألبان، صحيح أنها اصطدمت بالأهالي فتم ترحيلها لكن ظلت بقايا لم يتم التخلص منها نهائيا إلا في أعقاب ثورة يوليو 1952. ومن بعدها حافظ الأمن المصري علي استقلاله، وبدأت عمليه تطويره حتي وصل إلي ما هو عليه الآن وهي رحلة كفاح طويلة خاضها الأمن المصري تأثر وأثر إلي حد كبير بنمو الدولة المصرية وتطورها عبر العصور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.