أحمد سليمان: الزمالك جاهز لمواجهة دريمز.. ولدينا ثقة في جميع اللاعبين    أرتيتا: لاعبان يمثلان صداع لي.. ولا يمكننا السيطرة على مانشستر سيتي    بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا    رئيس مياه القناة: تكثيف أعمال الملس والتطهير لشبكات الصرف الصحي    الفريق أسامة ربيع يبحث مع "هيونداي" سبل التطوير في مجال الخدمات اللوجيستية    عاصفة ترابية شديدة تضرب مدن الأقصر    جماهير بايرن ميونخ يوقعون على عريضة لبقاء توخيل    تامر حسني يبدأ تصوير فيلم «ري ستارت» في مايو    رحلة فاطمة محمد علي من خشبة المسرح لنجومية السوشيال ميديا ب ثلاثي البهجة    وفد جامعة المنصورة الجديدة يزور جامعة نوتنجهام ترنت بالمملكة المتحدة لتبادل الخبرات    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    وزير الخارجية الروسي يبحث هاتفيا مع نظيره البحريني الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتصعيد بالبحر الأحمر    التربية للطفولة المبكرة أسيوط تنظم مؤتمرها الدولي الخامس عن "الموهبة والإبداع والذكاء الأصطناعي"    ذاكرة الزمان المصرى 25أبريل….. الذكرى 42 لتحرير سيناء.    الآلاف من أطباء الأسنان يُدلون بأصواتهم لاختيار النقيب العام وأعضاء المجلس    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش ويستعد لمواجهة حامل اللقب "على فرج"| فيديو    أسعار الذهب فى مصر اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    والدة الشاب المعاق ذهنيا تتظلم بعد إخلاء سبيل المتهم    وزير التنمية المحلية يعلن بدء تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال العامة    خبراء الضرائب: غموض موقف ضريبة الأرباح الرأسمالية يهدد بخسائر فادحة للبورصة    «الصحة»: فحص 434 ألف طفل حديث الولادة ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    أول تعليق من كلوب على إهدار صلاح ونونيز للفرص السهلة    مدينة أوروبية تستعد لحظر الآيس كريم والبيتزا بعد منتصف الليل (تعرف على السبب)    "الدفاع الروسية": "مستشارون أجانب" يشاركون مباشرة في التحضير لعمليات تخريب أوكرانية في بلادنا    «التعليم» تستعرض خطة مواجهة الكثافات الطلابية على مدار 10 سنوات    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 3 مايو    حصاد الزراعة.. البدء الفوري في تنفيذ أنشطة مشروع التحول المستدام لإنتاج المحاصيل    إيرادات الخميس.. شباك التذاكر يحقق 3 ملايين و349 ألف جنيه    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خطيب الأوقاف: الله تعالى خص أمتنا بأكمل الشرائع وأقوم المناهج    الناتو يخلق تهديدات إضافية.. الدفاع الروسية تحذر من "عواقب كارثية" لمحطة زابوريجيا النووية    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    طريقة عمل ورق العنب باللحم، سهلة وبسيطة وغير مكلفة    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية بالعاصمة الإدارية    الإسكان: تنفيذ 24432 وحدة سكنية بمبادرة سكن لكل المصريين في منطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سميرة أحمد ضيفة إيمان أبوطالب في «بالخط العريض» الليلة    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    وزير الخارجية الصيني يحذر من خطر تفاقم الأزمة الأوكرانية    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الحرمين الشريفين    تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان حتى 2025    تشكيل الشباب المتوقع أمام اتحاد جدة في الدوري السعودي    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهادة العكسية لطلال الأنصارى
نشر في المصريون يوم 29 - 10 - 2009

طلال الأنصاري أحد المتهمين المحكوم عليهم بالاعدام فى الفنية العسكرية ، وقد تمت هذه الشهادة فى مقابلة شخصية بين محرر هذه الوثائق وطلال الأنصارى فى مكتبه بالأسكندرية وكان نص الشهادة كالتالى :
"بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله..
أنا طلال محمد عبد المنعم الأنصارى – المحامى
وأبلغ من العمر الآن – وقت تسجيل هذه الشهادة التاريخية 54 عاماً وعندى خمسة أطفال، وقد استجبت لطلب كل من الأخويين العزيزيين الأستاذ مختار نوح المحامى المعروف وكاتب هذه الموسوعة، والأستاذ محمد حسين بكر على أبوهميلة ، الشهير ب محمد على الصحفى بجريدة صوت الأمة والمشارك فى إعداد هذه الموسوعه للإدلاء بشهادتى فيما يخص قضية الفنية العسكرية عام 1974، وإحب ان اقول أن كل ما يربطنى بأحداث تاريخية هامة حدثت منذ ثلث قرن تقريباً هى ذكريات ومشاعر عاطفية لا زالت فى القلب حتى الان، الى جانب كونها شهادة للتاريخ منى بصفتى أحد المشاركين فى وقوعها وذلك خدمة للتاريخ والأجيال المقبلة.
واذا تحدثت عن قضية الفنية العسكرية عام 1974 فلابد من استدعاء الأحداث والمناخ السياسى الذى كانت عليه مصر فى هذه الفترة، وهى فترة ما بعد عام 1967 – عام النكسه الناصرية فالمؤرخون والكتاب فى العصر الحديث يؤرخون لخمس نكبات تعرضت لها الامة فى العصر الحديث، كلها أدت بالمسلمين الى ما نحن فيه الآن.. أولها كان ضياع الأندلس منذ ما يقرب من خمسمائه عام وما صاحبها من تداعيات وعداوة أوروبا للمسلمين حتى الان، وثانيها هى سقوط الخلافة الاسلامية فى تركيا على يد كمال الدين أتاتورك عام 1924 وما صاحبها من مآسى للامة، والثالثة هى ضياع اكثر من نصف فلسطين عام 1948 وسقوطها فى يد اليهود، والرابعة نكسة 67 حيث ضاع ما تبقى من فلسطين، أما الخامسة والتى اتمنى من الله آن تكون الاخيرة – فهى سقوط بغداد فى يد الامريكان. كان تأثير النكسة فى 1967 شديداً ورهيبا على الشعب المصرى حتى اننى قابلت داخل السجن الطبيب الخاص للرئيس الراحل جمال عبد الناصر الدكتور على العطفى الذى كان متهماً بتهمتين الأولى التخابر مع امريكا والثانية التى كتب فيها الكاتب الصحفى عادل حمودة كتابا بأكمله" من قتل عبد الناصر " وكانت استخدامه لدهان سام للقتل البطن لعبد الناصر وانا اعتقد فى براءته من هذه التهمة الباطلة، وقد سالته: متى اصيب عبد الناصر بالذبحة ؟وكنت اتوقع ان تكون الاصابة قد حدثت فى عام النكسه من هول الصدمة أو بسبب انفصال مصر عن سوريا عام 1962 أو بسبب ما حاق بقواتنا المسلحة من خسائر فى اليمن، ولكنه فاجأنى أن كل هذه المصائب لم تؤثر فى عبد الناصر ولكن الذى أصابه بالذبحة كانت التقارير التى وصلته عن هتاف طلبة جامعة الاسكندرية ضده وعلى رأسهم طلبة كلية الاهندسة عام 1968، (ا يسقط عبد الناصر) كان ذلك هو أول رد فعل حقيقى على هزيمة 67،أان أفاقت الامة من غفوتها وايقنت ان الشعارات الناصرية كانت غير أمينة وكان من الطبيعى ن يتجه فكر الناس ووجدانهم الى البحث عن طوق النجاة، وكان ذلك الطوق هل الحل الاسلامى او الاسلام شكل عام، وحدث تعلق وارتباط من الناس بكل ما هو اسلامى.
اضف الى ذلك ظهور حركة رفض للامة كلها للأوضاع وقتها، حدث هذا الرفض على يد الحركة الطلابية بجامعات مصر، وخاصة جامعة الاسكندرية، حيث تشكلت تجمعات طلابية تنتقد من خلال مؤتمراتها ومجلاتها الأوضاع فى المجتمع المصرى وخاصة الاحكام التى أعقبت هزيمة 67 وحملتها على شماعة تقصير ضباط الطيران.. هذه الحركة الطلابية انتشرت فى كل ربوع مصر، أيضا وجود القوات الاسرائيلية على ضفة القناة كانت تستفز كل مشاعر المسلمين والمصريين وتجسد هذا الاستفزاز فى قيام حرب الاستفزاز.. واستمرت بمصاحبة حدوث نهضة فى المساجد وخاصة فى الاسكندرية.
شهدت الاسكندرية فى هذا التوقيت صحوة إسلامية على يد مجموعة من العلماء والمشايخ الذين استنهضوا همة الامة الاسلامية، وفى مقدمتهم الشيخ محمود عيد إمام المجاهدين فى العصر الحديث والذى يعيش الان فى الكويت، وقد شارف على التسعين عاماً وكان إمام مسجد السلام بحى ستانلى، وكان هذا المسجد منبرا للمعارضة الحقيقية، وقد كان فى السابق إمام وخطيب مسجد غزة بفلسطين، وبعد سقوطها فى أيدى اليهود أجبروه على ترك فلسطين ، فجاء الى الاسكندرية مباشرة وعين اماما وخطيباً لمسجد السلام، وحوله الى قاعدة اسلاميه شعبية مناهضة لحكم عبد الناصر فتجمعنا حوله،أيضا كان الشيخ أحمد المحلاوى يستعد بصحوته بعد ظهور الشيخ عيد، وتجمع حوله مجموعة كبيرة من الشباب الغيور على مصر والاسلام كما كانت هناك جمعية أنصار السنة المحمدية التى قامت بدور حقيقى فى لافترة من عام 1966 الى عام 1975 حيث كانت هى النشاط الشرعى والرسمى داخل مصر، وعلى مستوى التيار الاسلامى كانت هى النشاط الدينى الوحيد المسموح به رسمياً، فكانت مساجد وزوايا أنصار السنة المحمدية بؤر رفض حقيقة لعبد الناصر، وكانت تمثل تغطية مؤقتة لغياب الجماعة الوحيدة المعبرة عن التيار الاسلامى آنذاك وهى جماعة "الاخوان المسلمين" وداخل مساجد انصار السنة وبعد الضربه القاصمة للاخوان المسلمين عام 1966 فى عهد عبد الناصر، ولدت بوادر الصحوة الاسلاميين من جديد.
فى عام 1968، كنت وقتها فى مدرسة الناصرية الثانوية بحى باكوس بالاسكندرية، وبدأت أولى خطواتى نحو الانضمام للتيار الاسلامى بهذه المدرسة، وتعرفت على معلمى الاولى وشيخى الحقيقى وهو الاستاذ" محمد "بسيونى وكان آنذاك يشرف على تربية مجموعة مكونة من ثلاثين رجلاً كانوا هم التشكيل التنظيمى الوحيد فى مصر والذى بدا بداية حقيقية عقب محنة الاخوان عام 66، وهذه المجموعة كانت تتبنى افكار ومنهج الاخوان المسلمين، وبالتحديد أفكار سيد قطب، ومحمد قطب، وكانت هذه المجموعة تجتمع فى بيت الاستاذ محمد بسيونى وعرف منهم واعلامياً بعد ذلك رفاعى سرور الشهير برفعت سرور، وهو أحد المفكرين الحقيقيين لتنظيم الجهاد فيما بعد، وأحد المؤثرين فكريا فى شخصية "عبود الزمر" وهو الان صاحب دار نشر، وكان آنذاك مجنداً فى القوات المسلحة المصرية ومتخرجا بإحدى المدارس الصناعية الفنية بالاسكندرية .
كان منهم ايضاً وجدى غنيم، الداعية الاسلامى المشهور الان، واحد أبرز الاسماء من دعاة الاخوان المسلمين الان، وكان معهم ايضا الشيخ شاهين كاشف من اقطاب السنة المحمدية فى هذا الوقت واحد ابرز خطبائهم... هؤلاء وغيرهم شكلوا أول تشكيل تنظيمى إسلامى حقيقى بعد محنة الاخوان عام 1966.
انضممت إليهم عام 1968 وبدأت أتعلم أول مبادئ الاسلام على يد هذا الرجل لصالح الشيخ محمد بسيونى، وافهم ماهى جماعة الاخوان المسلمين التى كان الاقتراب منها فى هذا التوقيت مغامرة بل مخاطرة كبرى، خاصة بعد توارث المجتمع المصرى لمفاهيم الرعب من الاجهزة الأمنية وقوة نظام عبد الناصر فى السجون والتى سمع بها الناس فى كل مكان، فكان الخوف مسيطرا على الجميع، وكان لفظ الاخوان المسلمين كافياً لإلقاء الرعب فى نفوس الناس.
وهنا لابد من ذكر حقيقة تارخية هامة ، وهى أن الجيل الذى انتمى للاخوان فى هذه الفترة قد اختبر اختباراً حقيقياً، لأنه واجه الرعب بكل ما تحمله الكلمة من معانى، أما بعد منتصف السبعينات فكان الاخوان زينة والانضمام اليهم موضه ودخل الاخوان كل من هب ودب.. وهذا هو الفارق بين الجيل الذى انتمى للاخوان قبل 1975 والجيل الذى انتمى بعد ذلك.
كما تجدر الاشارة ايضاً الى خطأ تاريخى وقع فيه كل من كتب عن تاريخ الحركة الاسلامية المعاصرة فى مصر، حيث كتب كل من عادل حمودة ورفعت سيد أحمد وهالة مصطفى وأيمن الظواهرى.. وغيرهم ممن اجمعوا على أن ميلاد الحركة الاسلامية كان فى القاهرة وهذه مغالطة تاريخية إذ أن الاسكندرية هى التى شهدت هذا الميلاد، وفى أحضان جمعية انصار السنة المحمدية بالاسكندرية وفى اوساط الشباب الثانوى ثم امتدت الى الجامعات، ونحن هنا نتكلم عن فترة ما بعد محنة الاخوان فى 1966 أى نتحدث عن 67 وما بعدها، فالجميع يجهل هذه الحقيقة لسبب بسيط وهو أن أبطال هذه الاحداث لم يتحدثوا من قبل، ومن هنا جاء الخلل فى كل ما كتب.
بانضمامى أنا ومجموعة الشباب فى الثانوى لتشكيل الشيخ محمد بسيونى، حدث امتداد أفقى كبير لهذا التشكيل التنظيمى، حيث انتشرت سريعاً فى كل مدارس الثانوى بالاسكندرية كما انطلقت الى الجامعة.
فى هذه الفترة، وضع لنا منهج ثقافى يرتكز فى الاساس على فكر القطبين سيد ومحمد قطب، فدرست لنا مجموعة من اشهر كتب سيد قطب على راسها كتابه "معالم فى الطريق "وأجزاء كاملة من تفسيره" فى ظلال القران "و"المستقبل لهذا الدين" ، ولمحمد قطب درست " هل نحن مسلمون"و"جاهلية القرن العشرين" و"شبهات حول الاسلام".. هذه كانت اشهر كتب سيد ومحمد قطب وكنا تتداولها سراً بعد منع طباعتها وتوزيعها، وكانت النسخ المتبادلة بيننا من مكتبة وهبة أو مهربة من دور النشر البيرويتية، أو مهربة الينا من السودان.
كما درسنا كتب المنظر الاخوانى الشهير" فتحى يكن" وكتب" سعيد حوى" وخاصة "جند الله.. ثقافة وأخلاقا"ً وتحديدا أول 70 صفحة من الكتاب والتى كانت تتحدث عن واقع الدول الاسلامية وما يشهده الواقع الاسلامى من ردة ..وذلك انطلاقاً من تفسير معاصر وحديث لقول الله عز وجل "إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى، الشيطان سول لهم وأملى لهم، ذلك بأنهم قالواللذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم فى بعض الأمر والله يعلم إسرارهم"سورة محمد 25، 26"
واستند سعيد حوى هنا لحقيقة وجود ردة فى المجتمع المسلم وقتها، بولائه السياسى لأحد المعسكرين والشرقى او الغربى، واعتبر ان مجرد ابداء الاستعداد للدخول فى الولاء السياسى والاقتصادى لأى من الكتلتين الشرقية او الغربية انما هو من قبيل الردة عن الاسلام.
ايضا من الكتب التى تركت فينا انطباعاًمؤثراً ودرست لنا، كتاب "بهى الخولى" وهو أحد قيادات الاخوان، وكان الكتاب بعنوان "تذكرة الدعاة" ويتحدث عن شروط ومواصفات الداعية الناجح ودرست هذا الكتاب بالتفصيل.
ايضا درسنا كتاب " خمس رسائل للشباب المسلم "للدكتور محمد البهى، وشرحه لنا بالتفصيل الاستاذ محمد بسيونى فى بيته الى جانب كتب الشيخ محمد الغزالى – رحمه الله منها "الزحف الأحمر" و"معركة المصحف"و"عقيدة المسلم" و"ليس من الاسلام" وكانت كلها كتب مؤثرة فينا وفى ثقافتنا ورؤييتنا للواقع الاسلامى، ولا انسى كتاب الشيخ الغزالى "فى موكب الدعاة" للغزالى وهو الكتاب الوحيد الذى تعرض فيه والغزالى لتاريخ الحركة الاسلامية- او الاخوان – وانتقد بعض سلبيات الاخوان وطبع من هذا الكتاب اكثر من نسخة كان الغزالى يحذف ويضيف الجزء الذى ينتقد فيه الاخوان بحسب علاقته كل مرة بالجماعة ! الى جانب تلك الكتب المعاصرة، درسنا كتاب "زاد المعاد" للامام ابن القيم وخاصة باب الجهاد فى سبيل الله...
فى هذه الفترة درسنا تاريخ جماعة الاخوان المسلمين بالتفصيل منذ النشأة فى الاسماعلية على يد حسن البنا وحتى عام النكسة 67 وما تعرض له الاخوان عام 66، وكانت هذه المعلومات بالنسبة لنا فى غاية الغرابة، لأن هذا التاريخ لم نقرأ عنه فى الصحف وكان مطموساً.. فكنا الفئة الوحيدة التى عرفت تاريخ الاخوان وأمجادهم فى حروب 48، والقناة فى الخمسينات، ثم المحن التى لحقت بهم فى48،54،66 ودرسنا بعض مواقف الاخوان الشهيرة مثل مظاهرة عابدين الشعيرة عام 1954 وتكرست فى مشاعرنا عظمة الاخوان وبطولاتهم التاريخية فى سبيل الله، وكنا فى هذه المرحلة من عمرنا المبكر نعتبر الاخوان هم القدوة والمثل واعتبرنا انفسنا وقتها الامتداد الحقيقى لجماعة الاخوان الذين كانوا وقتها فى غياهب سجون عبد الناصر، واستمرت حركتنا تتسع وتتزايد الى أن جاء عام 1970 وجاء السادات على رأس الحكم وصاحبه مقدم الباب شنودة على سدنة الحكم فى الكنيسة القبطية المصرية.
وشهد عام 1971 مرحلة جديدة للتيار الاسلامى فى مصر والتاريخ والواقع السياسى المصرى حيث أمر السادات أجهزته الامنية برفع يدها عن النشاط الاسلامى فى مصر فزادت الصحوة الاسلامية وانتشرت خاصة فى الاسكندرية، وصاحبها موجه تشدد مسيحية وشهدت مصر لأول مرة – توزيع منشورات من الاقباط يطالبون فيها بمزيد من المكاسب السياسية لهم باعتبارهم اصحاب الحق الاول فى مصر وان المسلمين مغتصبين لمصر منهم – بل وصاحب ذلك موجة شائعات كبيرة عن تنصير المسلمين.
كان مجيئ السادات قد مثل دفعة للتيار الاسلامى وللحركة الطلابية، وطالب الجميع بضرورة غسل عار نكسة 67 واسترداد سيناء من اليهود وفى ظل هذا المناخ توسعت المجموعة التى كنت انتمى اليها وقوى هذا التشكيل التنظيمى..
وبخروج اول دفعه من الاخوان عامى 70/72 من السجون،ومن بينهم حسن الهضيبى المرشد الثانى للاخوان، وزينب الغزالى، وشكرى مصطفى، ومحمد ابراهيم سالم.. وكلها اسماء معروفه على مستوى قيادات الاخوان.
ولما كنا تعتبر انفسنا امتدادا طبيعيا للاخوان المسلمين فقد سارعنا اليهم فورا عقب خروجهم من السجن، وتحديدا ذهبنا للشيخ "على عبده اسماعيل" وهو شقيق الشهيد عبد الفتاح اسماعيل الذى نفذ فيه حكم الاعدام عام 1966 كواحد من قيادات الاخوان كما تم تنفيذ حكم الاعدام فى كل من الشهيد سيد قطب ويوسف حواش، وكان الشيخ على عبده اسماعيل من بين المفرج عنهم فى عهد السادات مع المجموعة الاولى – وكان خطيباً لمسجد سلطان بالاسكندرية، وذهبنا اليه وافصحنا له عن هويتنا، فذهل من وجود هذا التنظيم واستمراره طوال كل هذه السنوات، ولعب الدور الاكبر فى تطوير علاقتنا الرسمية بجماعة الاخوان على ثلاثة مراحل.. الاولى مع احد ابرز قيادات الجماعة بالاسكندرية وهو المرحوم محمد ابراهيم سالم، ثم المرحلة الثانية مع المرحومة زينب الغزالى، ثم واخيراً فى المرحلة الثالثة بايعنا على يديه المرشد العام للاخوان الاستاذ حسن الهضيبى واصبحنا من الاخوان رسمياً.
ومحمد ابراهيم سالم من عائلة اخوانية، فشقيقه الاكبر من قيادات الاخوان فى 1954 الذين هربوا من مصر الى المانيا وظل هناك حتى مات وانضم محمد الى الاخوان عام 1965 وهو من الاسماء البارزة التى تحملت كل صنوف العذاب فى السجن العربى فى الستينات، وتحدث عنه الاخوان فى تلك الفترة ووصفوه بأنه صاحب صيام ال 100يوم متواصلة أثناء التعذيب.. ورغم ذلك فقد انتهت علاقته بالاخوان علاقة مأساوية، حيث فصل من الاخوان المسلمين واتهم بأنه يكون جماعة من داخل الجماعة وتم التحقيق معه من قبل مكتب الارشاد وتحديداً من قبل اثنين من أعضائه هما عباس السيسى وجمعه امين وقررا فصله من الجماعه عام 1975 اثناء المحاكمات الاولى لقضية الفنية العسكرية وانشأ سالم بعدها تنظيما من اشد التنظيمات تطرفاً فى تاريخ مصر، وقام بتكفير كل من لم ينضم له، وفاق بذلك تنظيم شكرى مصطفى "التكفير والهجرة".
قام الشيخ على عبده اسماعيل بتسليمنا لمحمد ابراهيم سالم وعرفنا به واعتبر الشيخ هذه الخطوة هى بداية تصعيدنا داخل الاخوان، وان كانت ظهرت بوادر فيما بعد اشارت الى ان سالم كان يعتبر، مزرعة خاصة له، وكان يقوم بتقسيمنا مجموعات، كل مجموعة مكون من خمسة افراد ودرس لنا صكراً مجرداً على الطريقة الملكية على عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وبهرنا به وبوضوح المفاهيم القرانية والعقائدية عنده، وتأثرنا ايما تاثر.. واستمر بنا الحال هكذا لفترة ثم سألنا : وماذا بعد هذه الجلسات؟.. وماذا عن حال واقعنا المعاصر ؟... ولم يكن يجيبنا سالم عن ذلك، فنقلنا تساؤلاتنا للشيخ على عبده اسماعيل باعتباره الاب الروحى لنا، فأغضبه ذلك، فاخذنى وسافر بى الى القاهرة وعرفنى بالحاجة زينب الغزالى وقدمنى لها بشكل مفصل واخبرها عن المجموعة التى معى، فأصابها ما اصاب غيرها من الذهول ،أن وجدت تنظيماً كاملاً من الشباب متعلق بالاخوان ويحفظ فكرهم وينتظر خروجهم من السجون فانفتح قلبها لنا، وعلى الفور بدانا نتقابل معها فى منزلها على مراحل وافواج، فتجلس معنا وتتحدث معنا وتحكى لنا عما عانته ولاقته فى السجن على أيدى الطغاة، وقد حكت لنا ما نشر فيما بعد فى كتابها " ايام من حياتى" وكانت هذه الجلسات تتم لتحقيق التعارف ورؤية هذه الاسطورة وسماع تاريخها لشخص ووجدان هؤلاء الشباب، خاصة بعدما عرفنا هذه الشخصية من خلال عدد من مجلة القوات المسلحة وبه بعض صور لزينب الغزالى بملابس السجن البيضاء اثناء التعذيب، وقد تم تسريب هذا العدد من داخل السجن، وكنا نتداول هذا العدد سراً حتى قابلناهاوتحدثت الينا..
استمرت هذه الجلسات لفترة كانت تدعوه لنا فيها بقولها الذى اتذكره حتى الان "اللهم ان هذا غرسك فاحرسه" ولما سألناها نفس الاسئلة التى نبحث عن اجابه عنها لم نجدها عند زينب الغزالى.. فكانت الخطوة الثالثة واصطحبنى الشيخ على عبده اسماعيل فى رحلة قاهرية وقال لى "سوف اعرفك الان بالراس الكبيرة" ولم اكن اعلم ماذا يقصد بهذا المعنى، فسألته من يقصد ؟ فقال فضيلة المرشد. وكانت هذه الاسماء بالنسبة لنا من الاساطير، وذهبنا الى منيل الروضة حيث كان منزل المرشد العام للاخوان المسلمين واول ما لفت نظرى فى اول زيارة ان شاهدة كلمت المرشد وقد حفرت على الباب، وكنت اتخيل وقتها ان المنزل سيكون محاصراً بقوات الأمن ووجدت عكس ذلك تماماً، وطرقنا الباب ففتحت لنا صبية صغيرة احسبها كانت الخادمة وقد بدى عليها شئ من التوتر، فسألها الشيخ على الاستاذ موجود؟ فلم ترد واغلقت الباب، ثم عادت وفتحت لنا ودخلنا الى غرفة على يسار باب الشقة، ولفت نظرى فى الغرفة وجود صورة كبيرة لحسن الهضيبى سبق ورايتها فى الصحف وهى صورته مرتدياً الطربوش ونظارة سمكية ونظرات حديدية نافذة ، ولوحة مكتوب عليها "حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا اعمالكم قبل ان توزن عليكم" .
جلسنا ننتظر الاستاذ المرشد، وبدأ التوتر والقلق الذى اصاب الشيخ على يتسرب الى فى ظل هدوء قاتل للمنزل ... ودخل علينا المرشد وعرض عليه الشيخ على كل تفاصيل التنظيم الذى انتمى اليه، ثم طلب منى ان امد يدى لابايع المرشد بيعه الاخوان الشهيرة فمددت يدى، وبايعت المرشد مردداً نص البيعه كما كان يقولها الشيخ على، ثم احتضننى المرشد وبكى، وشاهدت دموعه تنساب من تحت نظارته.. وجلسنا لدقيقتين ثم خرجنا من المنزل وعدنا للاسكندرية واشاع الشيخ على الخبر بين اخوان الاسكندرية وبعض التجمعات الاسلامية الاسلامية، وبشكل يحدد شرعية وجود تنظيمنا كاخوان مسلمين فى الاسكندرية وقد اخبرت وقتها احد قيادات الاخوان وهو الاستاذ جمعة امين – وهو احد اعضاء مكتب الارشاد الان – بتفاصيل بيعتى للاستاذ الهضيبى، وتعجبت من حالة التدهور التى اصابته وعرفت سببه فيما بعد.
استمرت علاقتنا بالمرشد عن طريقى انا شخصياً وكنت اقابله مرة او مرتين كل شهر فى منزله وتمتد الجلسه لساعه او اثنين واحكى له عن اوضاعنا ومنهجنا الثقافى وافرادنا وكان لا يعترض على اكثر ما اعرض عليه بل يوافق.. واتذكر اننى سألته عن بعض ما كان يشغلنى فى هذا الوقت مثل موقف الشيخ الغزالى وسيد سابق من الاخوان، ولمست منه ان لم يكن يرتاح كثيراً لسابق، بينها لمست وداً وتعاطفاً مع الغزالى، واستمر هذا الوضع طوال عام 1972 واتذكر واقعة هامة حدثت فى تلك الفترة، تخص اثنين من شباب التنظيم وهما محمد انور – هندسة الاسكندرية – ومحمد على حجازى – علوم الاسكندرية اغرتهما بعض رايات المتعجلين من شباب التيار الاسلامى بالاسكندرية الذى يريد ان يخوض عمليات جريئة مثل تدمير الكباريهات وضرب بعض الفنانات والداعرات، وكنت انا ضد هذ المنهج ولخوفى من انشقهاقهما عن صف الاخوان قررت أن أرسلهما للاستاذ المرشد بخطاب منى حتى يقنعهما بالاستمرار معنا وكانت هاتان الحالتان الاستثناء الوحيد فى لقاءات المرشد، حيث كان قد طلب منى ان تبقى لقاءاتنا سريه لا يعلمها احد ولا يزوره احد غيرى من الاسكندرية.. ولا يزال محمد على حجازى على قيد الحياة ويتذكر هذا اللقاء جيداً.
وقد استشعرت من المرشد لوماً شديداً على خطوة ارسال احد غيرى للقائه، خاصة وانه كان ينتوى بداية عصر جديد للاخوان بعد خروجه من السجن، وكان يريد انشاء جهاز خاص للجماعه تابع له مباشرة ويتربى على عينه وكانت جماعتى هى نواة هذا الجهاز الخاص، ولكننى لقلة خبرتى افسدت ما كان يريدة المرشد، اذا لم نستطيع كتمان الامر، ولم اكن مدركا ماذا يعنى ان احفظ السرعن زينب الغزالى او محمد ابراهيم سالم وجمعه امين ..
ولم اكن أدرك أن هؤلاء خارج دائرة السر وقد أدركت ذلك لاحقاً، خاصة بعد ما تعرض هو شخصياً للوم بعض الاخوان بسببنا!
وقد علمت ان الهضيبى رحمه الله كان قد اخبر المرحوم عبد المتعال الجابرى بامرنا، وطلب منى ان اتوقف عن الذهاب له فى منزله، وان التعليمات ستصل الينا من خلال الجابرى الذى كان احد قيادات الاخوان فى الاربعينات وكان من القاهرة، وكان يعمل وكيل مدرسة ثانوية للبنات بحى حلمية الزيتون، وقد انتقل الى امريكا بعد ذلك لرئاسة احد المراكز الاسلامية ومات هناك.
بعد انقطاع لقاءاتى بالهضيبى، كانت لقاءاتى مستمرة مع زينب الغزالى، واذا ما حدث وجاءها ضيوف وانا عندها كانت تقدمنى لهم باسم عصام، الطالب الجامعى بالاسكندرية، وتعودت منها على ذلك، وفى احدى زياراتى لها وصلت متاخراً ووجدت عنها ضيفاً لم أشاهدة من قبل عندها، وفاجأتنى بتقديمى له باسمى الحقيقى وبكل تفاصيل علاقتى بالاخوان وبالتنظيم والذى اقوده، فشعرت بالخوف.ثم عرفتنى به قائله: هذا هو الدكتور صالح سرية بجامعة الدول العربية، وكنت أعلم عنها انه لا يملأا عينها احد من الرجال لا فكرا ولا ثقافة ولا تاريخاً بعد ابنهارها بشخصية عبد الفتاح اسماعيل الذى نفذ فيه حكم الاعدام فى محنة 1966 بعدما ساهم فى تنظيم الاخوان عام 1965، ولكنى وجدتها منبهرة ايضا بصالح سريه، وادركت هى تخوفى من ضيفها فطمأنتنى وطلبت منى ان احكى لسرية كل التفاصيل عن التنظيم الخاص بنا وما وصلنا اليه وبعدد افرادنا وبيرنامجنا. وانا اعتبر هذا اللقاء هو لقاء تسليم التشكيل التنظيمى الذى كنت اقوده لقيادة صالح سرية، والذة أجابنى عن كل تساءلاتى السابقة فى عبارات محددة وسلسة قائلاً: لا سبيل للحركة الاسلامية فى مصر الا الوصول للحكم لقيام الدولة الاسلامية وتطبيق شرع الله، وكانت هذه هى المرة الاولى التى اسمع فيها هذا الكلام بوضوح شديد.
تحدث معى صالح سرية بالتفصيل عن اساليب وطرق الوصول للسلطة وحصرها فى ثلاثة طرق.. اما باسلوب برلمانى ديمقراطى، واما اسلوب شعبى، واما عن طريق الانقلاب، والاخير هو الاقرب لمصر، وحكى لى عن تجارب عديدة فى المنطقة حولنا، قبل تجربة اندونيسيا، واكد ان السيطرة على الجيش هى المعيار الحقيقى للوصول للسلطة فى مصر واستبعد سرية قيام ثورة شعبية فى مصر لطرد نظام السادات لان الامة مستضعفه، ولا تقوى على القيام بذلك.. واستشهد بما قام به القذافى فى ليبيا وكيفية وصوله للحكم وما حدث فى زائير عندما استطاع شاويش فى الجيش ان يقود انقلاب ويحكم البلاد ويخلع على نفسه رتبة لواء.
حدث كل ذلك فى تلك الجلسة وفى وجود زينب الغزالى وهى تبتسم فى رضا تام لما تشهده وتسمعه من حوار بينى وبين سرية.
وقد فهمت بعد ذلك ان حسن الهضيبى قد توصل الى صيغة جديدة لاستمرار تنظيمنا وبقاءه فى يده ولكن من خلال قيادة اخرى هو صالح سرية وانا اسمى ذلك مرحلة تسلية وتسلم، واعلم ان ذلك سيغضب الاخوان والتمس لهم العذر لاسباب محدودة.. منها ان قيادات الاخوان القديمة الحالية كانت وقتها داخل المعتقل، وحتى قيادات الوسط امثال عبد المنعم ابو الفتوح وامثاله كانت خارج التيار الاسلامى اصلاً فى هذا الوقت... وبالتالى فمن الطبيعى الا يعلموا شيئاً عن هذه الوقائع، حتى الذين عاصروا تلك الاحداث، فكانت تعليمات المرشد واضحة بعدم افشاء سر، نقوم به.
فور انتقالنا لقيادة صالح سرية طرحت مسألتين اثنين الاولى البيعه التى بايعناها لحسن الهضيبى، والثانية علاقتنا الحالية – وقتها- بالاخوان كجماعة اسلامية، وقال لنا صالح ان البيعه السابقة للهضيبى مستمرة، وقرر ان علاقتنا بالاخوان لن تكون الا من خلاله فقط.. وبعدها لم اقابل لا حسن الهضيبى، ولا زينب الغزالى .
وهنا بدات مرحلة جديدة فى حياتنا مع صالح سرية باعتباره القائد الجديد لهذه المجموعه التنظيمية الاخوانية.. ولابد هنا ان اذكر كلمة للتاريخ عن هذا الرجل صالح عبد اللخ سرية – لانه ظلم تاريخياً فى كل ما كتب عن فى تاريخ الحركة الاسلامية.
صالح سرية هاجر مع اسرته من حيفا بفلسطين بعد نكسة 1948 الى العراق، ومكث فى العراق وتعلم هناك، وهو من مواليد 1935 واستقر به المقام هناك.
وتربى فى حضن الاخوان المسلمين بالعراق وفى حضن الحركة الاسلامية هناك، وتوحدت علاقته بهذين الفصيليين الاسلاميين.. وتقدم فى تعليمه تقدماً ملحوظاً، حيث كان الاول فى المرحلة الاعدادية والثانوية وحصل على اجازة كلية ضباط الاحتياط بالعراق وامتنع عن تنفيذ اوامر صادرة اليه بقتال الاكراد بشمال العراق، وقال وقتها: إنهم من احفاد صلاح الدين الايوبى، ثم اصبح عضواً فى المؤتمر الوطنى الفلسطينى واقترب من احمد الشقيرى ثم ياسر عرفات وكان معروفاً بالاسم داخل الحركة الفلسطينية..
اختلف سرية مع اخوان العراق حيث كانت له وجهة نظر فى ضرورة تغيير اسلوبهم ومنهجهم بوضع آليه وهدف الوصول للسلطة ضمن مخططهم وحسابهم .. كان يجهر بذلك وقتها، وانتهت علاقته باخوان العراق بعد هروبه منها فارا من مطاردة صدام حسين واستمر فى سوريا عدة اشهد ثم انتقل للقاهرة بأسرته التى كانت مكونة من زوجته و9 أطفال.
نزل صالح سرية على إخوان القاهرة وتعددت لقاءات سرية بالمرشد حسن الهضيبى، وقد أخبرنا هو شخصياً أنه عرض على المرشد أفكاره وآراءه من خلال مذكرة مكونة من 50 صفحة تتضمن فكرة بداية وعهد جديد للإخوان، ومنهج جديد للإخوان والتحول من إطار المهادنة إلى المواجهة مع الأنظمة الحاكمة كمقدمة للوصول للسلطة، وأكد لنا سرية أن المرشد الهضيبى وافق على وجه العموم على ما جاء بالمذكرة، وقد أنكر سرية كل تلك المعلومات فى التحقيقات التى أجريت معه، بل وذكر عكسها تماماً حفاظاً على الجماعة واستمرارها وحتى لا يزج بها فى القضية.
ولذلك فأنا ألتمس العذر لكل الإخوان الذين أنكروا صلتنا بالإخوان فى التحقيقات وخاصة زينب الغزالى، وأتفهم ذلك جيداً، ولو كنت مكانها لفعلت مثلما فعلت ولقلت مثلما قالت.
وها أنا الآن أكشف الحقائق بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً وقد جرى العرف الدولى على كشف الوثائق الرسمية لأخطر الأحداث السياسية بعد هذه المدة حتى يعلم الجميع الحقيقة كاملة .. ونحن أولى بذلك، ومن هنا فلا حرج ولا ضرر على أحد الآن من كشف هذه المعلومات الهامة عن تلك الحقبة الزمنية، حتى تتعلم الأجيال القادمة.
وعندما أقرت زينب الغزالى فى التحقيقات بحدوث اللقاءات معنا فى منزلها، كان لابد أن تبحث عن تفسير آخر لهذه اللقاءات فكان ما قالت، وأنا أتفهم هذا التصرف حفاظاً على الجماعة وتجنيباً لها لحملة صدام جديدة مع النظام فى عهد السادات.
ولعلنى هنا أفجر مفاجأة وأنا أعلن أن الكلية الفنية العسكرية لم تكن هى الهدف ولا السيناريو الأصلى لما كنا نخطط له بهدف السيطرة والوصول إلى السلطة، فلقد كان السيناريو الأصلى هو التخطيط للقبض على السادات فى المطار وهو قادم من رحلته ليوغوسلافيا، وطلب صالح سرية من" حسن هلاوى" ومجموعة من القاهرة والجيزة إعداد رسومات وكروكيات تفصيلية للمطار من الداخل والخارج لتحديد خطة الهجوم وإلقاء القبض على السادات ومن معه من القيادات الحكومية، غير أن هلاوى ومجموعته لم يجهزوا ما طُلب منهم، فألغيت عملية المطار، وتم استبدالها بخطة بديلة لنفس الهدف وهو القبض على السادات وأركان حكمه، وتقديمهم لمحاكمة شعبية، وعليه فقد انتظرنا الإعلان عن موعد اجتماع للسادات مع قياداته فى أى مكان إلى أن تم ذلك وتحدد يوم 19/4/1974 فى مقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى على كورنيش النيل لمناقشة ورقة أكتوبر، - وهو الآن مقر الحزب الوطنى – بعد ما يقرب من شهر من فشل عملية المطار، وأعددنا أنفسنا لتنفيذ عملية القبض على السادات وأعوانه، وحتى أيام قليلة لم يكن هناك أى دور للفنية العسكرية فى الخطة، ولم نكن نتوقع ذلك، بل وحتى الآن لازالت هناك علامات استفهام كثيرة من داخلنا على هذا الموضوع، إذ كانت حياة صالح وكارم القصيرة واستشهادهما لم تكن لتسمح لنا وقتها أن نسأل أو نعاتب عن موضوع إدخال الكلية العسكرية فى الخطة.
لكن ومع ما توافر لدى من معلومات فقد حدث تقارب شديد بين صالح سرية وكارم الأناضولى وأقنعه كارم بالاستعانة بالكلية الفنية العسكرية، باعتباره أقدم طالب فى الكلية ومسموح له بالدخول والخروج، وأقنع صالح سرية بإمكانية الاستعانة بما فى الكلية من إمكانيات وأسلحة ومدرعات لاستخدامها فى تطويق مقر الاجتماع وتسهيل القبض على السادات ومن معه، وبالتالى حدوث الانقلاب والاستيلاء على الحكم، وهو ما لم يحدث.
تبقى نقطة هامة لابد من الإشارة إليها، وهى المتعلقة بتنفيذ الحكم علىّ من الإعدام إلى الأشغال الشاقة، خاصة وقد كتب كثيرون فى هذه النقطة واتهمونى بأننى كتبت التماساً لتخفيف هذا الحكم وهو ما ذكره الظواهرى فى كتابه الأخير "وصيتى الأخيرة" وتلك معلومة مخالفة للحقيقة مخالفة للحقيقة تماماً واتهام باطل، وأحياناً يذكر البعض أننى قدمت تنازلاً ما..
والحقيقة التى أذكرها هنا أن تخفيف الحكم علىّ أن كان لعدة أسباب ..
الأول : مذكرة كتبها كل من نجيب محفوظ توفيق الحكيم وثروت أباظة، للسادات يطلبون فيها تخفيف الحكم عنى رحمه ورأفة بوالدى الشاعر محمد عبد المنعم الأنصارى رحمه الله.
والثانى : أن والدى قابل السادات مرتين، إحداهما فى ميت أبو الكوم – وقد سهل لنا هذا اللقاء محافظ المنوفية وقتها شوكت الجمال وهو شقيق كاتب قصة شهير بالأسكندرية ويعرف والدى وقد حكى لى والدى قصة هذا اللقاء بعد سنوات وما دار فيه من وعد له بتخفيف الحكم.
والثالث : يتعلق بتدخل الفنان المشهور عادل إمام، حيث شاء القدر أن يأتى لسجن مزرعة طرة العمومى لزيارة مخرج شهير مسجون على ذمة قضية هيروين، والتقى عادل إمام بأحد أفراد تنظيمنا المقبوض عليهم وأبلغه بأنه هو – أى عادل – الذى تدخل لدى السادات لتخفيف الحكم عن طلال، نظراً لسابق معرفته بوالدى.
أضف إلى ذلك أن شقيقى الأصغر أمين قد اخبرنى بقصة أن والدى دفع مبلغ 20 ألف جنيه لاثنين من المسئولين الكبار للتدخل لتخفيف الحكم عنى".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.