أول لقاء بين طلال الأنصاري وصالح سرية كان في منزل زينب الغزالي برعاية الهضيبي طلال الأنصاري بايع الهضيبي في منزله بالمنيل الجماعة لقنت التنظيم خطة لإنكار العلاقة بينهما في حالة انكشاف أمرهم الفنية العسكرية وسبعينيات القرن الماضي بعد مجيء الرئيس الراحل أنور السادات إلي الحكم, قام بإطلاق سراح قادة الإخوان من السجون وأبرم معهم اتفاقا يقضي بعدم العمل في السياسة, فاتحا صفحة جديدة مع الجماعة, وسرعان ما سعي كوادرها إلي ضم عدد من الشباب الذين اعتنقوا فكر سيد قطب الجهادي ليستخدموهم في محاولة جديدة لقلب نظام حكم الرئيس الراحل وهو ما عرف في حينها بقضية الفنية العسكرية. لقد كشف طلال الأنصاري أحد قادة التنظيم الذي حكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم إلي السجن المؤبد في مذكراته المعنونة صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة من النكسة إلي المشنقة, أنهم كانوا قد شكلوا تنظيما سريا بمدينة الإسكندرية عام1968, وظل هذا التنظيم قائما إلي أن خرج الإخوان من السجون, حيث قادته المصادفة عن طريق أحد كوادر جماعة الإخوان بالإسكندرية ويدعي( الشيخ علي) إلي التعرف علي زينب الغزالي التي قدمته بدورها إلي الإخواني العراقي صالح سرية, حيث فاتحه الأخير في الانضمام هو وتنظيمه إلي جماعة الإخوان ليكونوا نواة الجناح العسكري الجديد للجماعة, ويضيف الأنصاري أنه بعد موافقته علي هذا الطرح رتبت زينب الغزالي للقاء يجمعه بالمرشد العام آنذاك أواخر عام(1972), المستشار حسن الهضيبي, وذلك بمنزله بحي منيل الروضة. (1) ويروي الأنصاري قصة بيعته للإخوان كاملة فيقول: حين سلمت علي المرشد كان أشبه بمن أصابه مس من الذهول من هذا المشهد الذي لم يره من قبل ولم يتعوده.. وبعدها جلس المرشد الذي لم ينطق بكلمة واحدة.. وكان الأقرب إليه مقعدا هو الشيخ علي الذي راح يلتقط أنفاسه.. ثم انطلق يشرح للمرشد ما فوجئ به في الإسكندرية من حركة الشباب المتعلق بالإخوان, وقدم إليه الأنصاري كونه علي رأس هؤلاء الشباب, واسترسل يشرح حب هؤلاء الشباب للإخوان وولاءهم لهم وقراءاتهم لأدبيادتهم, وانتظارهم لعودة الإخوان إلي الحياة العامة.. سكت الشيخ علي فجأة حيث ساد الصمت برهة, وانتبه الأنصاري إلي همس آت من ناحية الشيخ علي, لم يفهم منه سوي أمره له: امدد يدك.. فتصور أنه يأمره بالمصافحة والسلام.. فمد يده للمرشد.. فإذا بالمرشد ينتفض واقفا, ثم يقبض يده بقوة علي يد الأنصاري الذي وجد نفسه يردد وراء الشيخ علي عبارات البيعة الإخوانية المعروفة: أبايعك علي السمع والطاعة في اليسر والعسر, وفي المنشط والمكره, والله علي ما أقول وكيل( أو شهيد فالله أعلم حيث تباعدت السنون). وكانت دموع المرشد تنهمر في صمت نبيل وقد احتضن الأنصاري بقوة.. في حين كان الشيخ علي يقف متأثرا ودموعه ما تزال تسيل.. لم يدم اللقاء طويلا, ثم حيث خرج الشيخ علي ووراءه الأنصاري طلال الأنصاري صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة... من النكسة إلي المشنقة دار المحروسة الطبعة الأولي2006 ص.40 صالح سرية.. همزة الوصل (2) كان اللقاء الذي تم في رعاية وترتيب زينب الغزالي بداية مرحلة جديدة من تاريخ الجماعة.. وكان أول تعليمات صالح سرية للشباب وفق الأنصاري أنه هو وحده حلقة الوصل بالإخوان, وأنه اعتبارا من هذا التاريخ لابد أن يتواري أي دور ظاهر للإخوان, كما ينبغي عدم الإعلان عن أي صلة بهم, وتنفيذا لذلك أعد صالح سرية سيناريو درب عليه الأنصاري لتنفيذه عند ظروف التحقيق الأمني بهدف إبعاد الإخوان عن أي صلة بالأحداث المقبلة.. كان السيناريو يهدف إلي إظهار أن معرفة صالح بالأنصاري تمت عن طريق آخر غير طريق الإخوان وزينب الغزالي.. كان البديل الذي رتبه صالح ينص علي أن الأنصاري قرأ حديثا صحفيا أجرته مجلة مصرية مع صالح أثناء حضوره جلسات المؤتمر الوطني الفلسطيني في القاهرة عام68, وأنه أعجب به وسعي للقائه في فندق سكاربيه بالقاهرة, حيث بدأت الصلة بينهما( طلال الأنصاري مصدري سابق ص54). الهضيبي يوافق علي خطة الفنية العسكرية (3) ووفق الأنصاري عرض صالح مجمل أفكاره بكل صدق ووضوح علي قيادات الإخوان وعلي رأسهم المرشد, وكما حكي صالح لرجاله فقد كتب مذكرة من خمسين صفحة للمرشد عرض فيها خطته لإدخال تجديد علي فكر الإخوان ليكون الوصول للسلطة بالقوة العسكرية خيارا أساسيا... وذكر صالح لرجاله أن المرشد وافق علي مضمون المذكرة ( طلال الأنصاري مصدر سابق ص57). (4) ويمضي الأنصاري في مذكراته ليذكر: ليس منطقيا القول بأن تاريخ صالح سرية ونزوعه إلي الانقلاب والثورة كان خافيا علي الإخوان المسلمين في مصر!! لقد احتضنته الإخوان في مصر ورحبوا به!! والأهم من ذلك أن قام الإخوان وفي بيت من أقرب بيوتاتهم بيت زينب الغزالي بتقديم تنظيمهم الشبابي الوحيد في حينها إلي صالح سرية!! هذه نقاط لم يسبق أن طرحت من قبل; لأن أحدا لم يطرح هذه الوقائع الجديدة; ولذا يتعامل الإخوان مع هذه القصة الغريبة بحذر شديد حتي الآن, وقد أخفاها تماما مؤرخوهم وكتابهم, بل قل إنهم قد تحاشوا جميعا التعرض لهذه المسألة رغم مرور ثلث قرن عليها!! لكن الحقيقة أنه قد دارت العجلة, وتولي الدكتور صالح عبد الله سرية قيادة أول جهاز سري بايع الهضيبي شخصيا بعد محنة66 65!!( طلال الأنصاري مصدر سابق ص58). نصيحة الإخوان للشباب الإنكار التام (5) كانت خطة الإخوان المسلمين كما يروي طلال الأنصاري أن ينكر المتهمون كل ما نسب إليهم وأن يخفوا تماما أي علاقة لهم بجماعة الإخوان المسلمين علي أن تقوم الجماعة بحملة قانونية وإعلامية كبري للدفاع عنهم, وفي شهادته التي عرضنا لجزء منها سابقا يروي طلال الأنصاري بعد انقضاء خمسة وعشرين عاما علي الحادث قضاها كاملة خلف الأسوار تقييمه الشامل لما حدث يقول الأنصاري: مع اقتراب موعد المحاكمات أبلغ الأنصاري ابنه أنه قد اختار للدفاع عنه محاميا قديرا وشهيرا هو الأستاذ الكبير إبراهيم طلعت الذي حضر إلي السجن وقابل طلالا بالفعل.. كانت جماعة الإخوان المسلمين قد دخلت بهمة في الأمر وتولي رجالها إدارة عملية الدفاع وعبء المحامين.. ووضعت جماعة الإخوان خطة الدفاع وتولاها المحامون منهم ومن غيرهم.. فمن الإخوان كان أشهر محاميهم آنذاك الدكتور عبد الله رشوان الذي ألزم بقية طاقم الدفاع بخطة الدفاع التي تعتمد علي محورين: الأول في الوقائع والموضوع, والثاني: سياسي.. ففي الوقائع كانت الخطة تعتمد علي إنكار التهمة ونفي محاولة الانقلاب وتصوير المسألة باعتبارها مؤامرة داخل عملية الصراع علي السلطة في مصر, وأن القصة هي أن مجموعة من طلبة الكلية الفنية العسكرية كانت تقيم ندوات دينية داخل مسجد الكلية ويحضرها زوار من خارج الكلية مدنيون, وأن المتآمرين استغلوا هذا للإيقاع بهم.. وعندما حضر إبراهيم طلعت لمقابلة طلال واستفسر منه عن الحقيقة أكد له هذا التصور الذي قرره دفاع الإخوان.. لكن الآن وبعد كل هذه السنوات واشتغال الأنصاري بالمحاماة فإنه يري أن خطة الدفاع هذه لم تكن موفقة من الناحية القانونية, وأنها حملت استخفافا بالمحكمة لا يجوز.. وكان الأولي البحث عن طريق آخر.. لقد اعتمد الدفاع علي أن تاريخ العشرين سنة السابقة من خلال محاكمات الإخوان وغيرهم قد حفل بتلفيق القضايا من الأجهزة المتعددة, وبذلك يسهل إقناع المحكمة بأن مسلسل التلفيق مستمر.. إلا أن الأمر في هذه القضية كان مختلفا كل الاختلاف, حيث كان واضحا لمن يطالع الأوراق أو يتابع الأحداث أن هناك تنظيما, وأنه تحرك بالفعل, ولم تكن هناك أي مؤامرة ( طلال الأنصاري مصدر سابق ص95). تشكيل ودعم الأفغان العرب تعاظم دور الإخوان في تشكيل ظاهرة الأفغان العرب, والتي كانت النواة الأساسية لما يعرف اليوم بتنظيم القاعدة, بعد عام1982, حيث جري الاتفاق الشهير بين الهارب آنذاك مهدي عاكف مسئول لجنة الاتصال بالعالم الخارجي, وبين الأمريكان, علي أن يقوم الإخوان بمساعدة الولاياتالمتحدة في تنفيذ أهدافها في أفغانستان, بالمساهمة في إخراج السوفييت, علي أن يقوم الأمريكان برد الجميل عن طريق تسهيل إنشاء مراكز للجماعة في أوروبا, ولكن ليس تحت اسم الإخوان مباشرة. وبالرغم من إدانة الإخوان العلنية للعمليات التي قام بها العائدون من أفغانستان إلا أن الجميع كان يعلم أن تلك الإدانة ما هي إلي تغطية مفضوحة لدورهم المشبوه في التأسيس لهذه الظاهرة. يقول الدكتور عبد الله عزام عضو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين والأب الروحي والمؤسس الفعلي لتنظيم القاعدة في مذكراته المنشورة علي موقعه علي شبكة المعلومات الدولية( الإنترنت) إن الأخ كمال السنانيري( أحد قادة النظام الخاص الذي توفي في السجن عام1981 والذي اتهمت جماعة الإخوان أجهزة الأمن بقتله) قد جاء إليه عام1980 حيث كان يعمل في جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية, واجتمع به في الحرم, وأخبره تعليمات مكتب إرشاد الجماعة التي تقضي بالذهاب إلي أفغانستان لتكوين ما أطلقوا عليه وحدة انتشار سريعة مسلحة من الشباب العرب والمسلمين الوافدين للقتال في أفغانستان, ويضيف عزام أنه أنهي أعماله في جامعة الملك عبد العزيز وفق هذه المشورة وذهب إلي أفغانستان, حيث أسس هناك مكتب خدمات المجاهدين, والذي كان النواة الرئيسية التي تشكل منها تنظيم القاعدة فيما بعد. لم يقف الأمر عند عبد الله عزام فها هو مصطفي الست مريم فقيه تنظيم القاعدة المعروف باسم أبو مصعب السوري يؤكد في مذكراته التي قام بنشرها عبر أحد المواقع الأصولية علي شبكة الإنترنت أنه قدم إلي مصر بصحبة مجموعة من إخوان سوريا, حيث قام إخوانهم في مصر بتدريبهم علي حرب العصابات بإحدي المناطق بجبل المقطم وذلك قبل اغتيال الرئيس السادات بثلاثة أشهر. بالطبع لم نسمع ردا في حينه علي كل من طلال الأنصاري وعبد الله عزام وأبو مصعب السوري, ولن نتوقع سماع أي ردود من جماعة الإخوان, عفوا جماعة المراوغين, فقد جعلت كوادر الجماعة دائما نصب أعينها مقولة البنا الشهيرة ومن خدع الحرب أن يضلل المسلم عدو الله بالكلام حتي يتمكن منه فيقتله. [email protected]