الحكومة تعلنها رسميا.. اتفقنا على خفض أسعار السلع بنسبة 30%    «ستاندرد أند بورز»: خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    التلفزيون الرسمي الإيراني: وقوع انفجارات قوية قرب أصفهان وسط البلاد    مندوب اليابان لدى مجلس الأمن: قطاع غزة يعاني مأساة إنسانية جراء الحرب المتواصلة    وزير الخارجية الإيراني: إسرائيل «ستندم» على أي هجوم ضدنا    تقارير أمريكية تكشف موعد اجتياح رفح الفلسطينية    محمد بركات: أطمئن جماهير الأهلي لهذا السبب.. وتفكير كولر سيتغير أمام مازيمبي    أصعب أيام الصيف.. 7 نصائح للتعامل مع الحرارة الشديدة    حظك اليوم برج العذراء الجمعة 19-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سوزان نجم الدين تتصدر تريند إكس بعد ظهورها مع «مساء dmc»    خالد حسين محمود: مسلسل الحشاشين كان يحمل هدفين الأول تنويري والآخر معرفي    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    ملف رياضة مصراوي.. ليفربول يودع الدوري الأوروبي.. أزمة شوبير وأحمد سليمان.. وإصابة محمد شكري    هدي الإتربي: أحمد السقا وشه حلو على كل اللى بيشتغل معاه    "ليست أول فرصة يهدرها في حياته".. كلوب يعلق على الانتقادات ضد صلاح    صدمة .. إصابة أحد صفقات الأهلي في الميركاتو الصيفي    هدف قاتل يحقق رقما تاريخيا جديدا في سجل باير ليفركوزن    مواعيد أهم مباريات اليوم الجمعة 19- 4- 2024 في جميع البطولات    وعد وهنوفي بيه، الحكومة تحدد موعد إنهاء تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    3 ليال .. تحويلات مرورية بشارع التسعين الجنوبي بالقاهرة الجديدة    الجامعة العربية تطالب مجلس الأمن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية باعتبار ذلك سبيلاً للسلام    الهلال الأحمر الفلسطيني: نقل إصابة ثانية من مخيم نور شمس جراء اعتداء قوات الاحتلال    محمود التهامي يحيي الليلة الختامية لمولد أبو الإخلاص الزرقاني بالإسكندرية (فيديو وصور)    أسعار العملات الأجنبية اليوم الجمعة.. آخر تحديث لسعر الدولار عند هذا الرقم    عز بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 إبريل بالمصانع والأسواق    شاهد.. نجوم الفن في افتتاح الدورة الثالثة ل مهرجان هوليود للفيلم العربي    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    متحدث الحكومة: دعم إضافي للصناعات ذات المكون المحلي.. ونستهدف زيادة الصادرات 17% سنويا    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    البابا تواضروس خلال إطلاق وثيقة «مخاطر زواج الأقارب»: 10 آلاف مرض يسببه زواج الأقارب    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    انطلاق برنامج لقاء الجمعة للأطفال بالمساجد الكبرى الجمعة    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    ظهور أسماك حية في مياه السيول بشوارع دبي (فيديو)    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    فيوتشر يرتقي للمركز الثامن في الدوري بالفوز على فاركو    خبير عسكري: هجوم إسرائيل على إيران في لبنان أو العراق لا يعتبر ردًا على طهران    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    تخفيض سعر الخبز السياحي بجنوب سيناء    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    جريمة ثاني أيام العيد.. حكاية مقتل بائع كبدة بسبب 10 جنيهات في السلام    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    النشرة الدينية.. هل يجوز تفويت صلاة الجمعة بسبب التعب؟.. وما هي أدعية شهر شوال المستحبة؟    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    طريقة عمل الدجاج سويت اند ساور    طريقة عمل الكب كيك بالريد فيلفت، حلوى لذيذة لأطفالك بأقل التكاليف    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    بسبب أزمة نفسية.. فتاة تنهي حياتها بالحبة السامة بأوسيم    محافظ الإسكندرية يفتتح أعمال تطوير "حديقة مسجد سيدى بشر"    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الناصر والجماعة: لولا مباركة الملك فاروق .. لما اختار «الإخوان المسلمين»الهضيبى مرشداً لهم (الحلقة الثالثة)
نشر في المصري اليوم يوم 08 - 10 - 2010


قبل أن تقرأ..
ظلت العلاقة بين عبدالناصر والإخوان المسلمين تمثل واحداً من أكثر الألغاز إثارة فى تاريخ مصر المعاصر.. ولقد طغت الخصومة - بل العداء - بين الفريقين، حتى أصبحت هى الأغلب على وصف العلاقة بينهما.. رغم ما يُجمع عليه المؤرخون من وجود علاقة ارتباط لعبدالناصر بجماعة الإخوان فى مرحلة مبكرة من تاريخه السياسى.. ولكن أحداً منهم لم يقف طويلاً عند تلك المرحلة فى تاريخ العلاقة بين الطرفين ليكشف لنا أسرارها ويحل ألغازها ليساعدنا على الإجابة عن العديد من الأسئلة المهمة والخطيرة، مما ينعكس بآثاره على المرحلة الحالية فى تاريخنا السياسى.
من هنا كانت محاولتى بحثاً عمن يستطيع الكشف عن أسرار تلك العلاقة بين عبدالناصر والإخوان، حتى عثرت عليه.. إنه المستشار الدمرداش العقالى، الذى كان أحد أبرز أعضاء الجهاز السرى فى تنظيم الإخوان المسلمين.. وزعيم الطلبة الإخوان بالجامعة، فى الوقت الذى كان قد تبلور فيه نشاط الإخوان كحركة سياسية حتى كاد أن ينحصر فى مجال الشباب والطلبة، حتى أصبحت -أو كادت أن تصبح- حركة الإخوان المسلمين «حركة طلابية»..
وهو - العقالى - فوق ذلك، يمت بصلة القرابة للزعيم الإخوانى الأشهر - سيد قطب - صاحب أكبر تأثير فكرى وتنظيمى فى جماعة الإخوان، ربما أكبر من مؤسسها حسن البنا نفسه. وقد كان سيد قطب خال زوجة العقالى، كما كانا - العقالى وقطب - صديقين فى مرحلة الطفولة والشباب وذلك لانتمائهما إلى بلدة واحدة هى أسيوط.. هذا فضلاً عن أن العقالى كان قد انخرط فى صفوف الإخوان قبل أن ينضم إليها سيد قطب نفسه.
لهذا كله كان المستشار العقالى فى الموقع الذى يسمح له ليس فقط برؤية الأحداث عن قرب، بل المشاركة فيها بفاعلية وتأثير.
ولعل اعترافاته التى أدلى بها لى فى هذا التحقيق تلقى ببعض الضوء الذى نحتاجه للتأريخ لتلك الفترة الحساسة من حياتنا السياسية. وأرى أنه ينبغى علينا أن نأخذ ما يقوله الرجل فى هذه الاعترافات بما هو جدير به من اهتمام وتفكير، خاصة أنه يفجر الكثير من المفاجآت التى تقلب - بل ربما تعدل - الكثير من الأمور التى ظللنا نتعامل معها كمسلّمات تاريخية.
عبدالناصر يرفض اعتقال الهضيبى
■ هل كانت ثورة 23 يوليو ثورة إسلامية أم إخوانية؟
- يؤكد المستشار الدمرداش العقالى- أحد أبرز أعضاء الجهاز السرى للإخوان المسلمين فى ذلك الوقت- أن الإجابة عن ذلك السؤال هى نعم.. لقد كانت ثورة إسلامية!
ويقول العقالى إن ثورة 23 يوليو حاولت ومنذ اللحظة الأولى لميلادها أن تؤكد وجهها الإسلامى.. وذلك عبر أول قرارات صدرت عن قيادتها، وكانت تلك القرارات هى آخر ما تم الاتفاق عليه بين عبدالناصر والقيادة الشرعية لحركة الإخوان المسلمين- عبدالرحمن السندى- وذلك فى الاجتماع الذى ضمهما يوم 17 يوليو.. أى قبل قيام الثورة بخمسة أيام فقط.
وقد ذهب عبدالناصر إلى الاجتماع مع السندى ليضع معه اللمسات الأخيرة للتحركات المقررة ليلة الثورة.. والقرارات التى ينبغى إصدارها للإعلان عن الوجه الحقيقى لها.. وهو الوجه الإسلامى الذى تم الاتفاق عليه، والذى كانت ملامحه تتمثل فى ضرورة أن تصدر قيادة الثورة- أول ما تصدر من قرارات- قراراً بالإفراج عن جميع المعتقلين من الإخوان المسلمين ومن بينهم قتلة النقراشى باشا رئيس وزراء مصر الأسبق، كما تصدر قراراً باعتقال إبراهيم عبدالهادى وهو رئيس الوزراء الذى نكل بالإخوان وملأ بهم السجون والمعتقلات.. وتأكيداً لوجه الثورة الإسلامى اتفق عبدالناصر والسندى على إطلاق اسم «الحركة المباركة» على عملية التغيير بدلاً من تعبير «الثورة».
ولم يكن هناك محل للخلاف بين عبدالناصر والسندى على كل النقاط السابقة، ولكن بدأ الخلاف حينما طرح السندى مسألة القبض على المستشار الهضيبى، المرشد العام للإخوان المسلمين، والذى كان فاروق قد نجح فى توصيله إلى هذا المنصب على غير رغبة عبدالرحمن السندى الذى كان يعتبر نفسه القائد الشرعى لحركة الإخوان بعد اغتيال حسن البنا.
وكان رأى عبدالناصر أن قراراً تصدره الثورة باعتقال زعيم الإخوان سوف يمحو الانطباع الذى تركته القرارات السابقة فى أذهان الجماهير والذى يطبع الثورة بالطابع الإسلامى الواضح.. وكان ذلك أول الخلافات بين عبدالناصر والقيادة الشرعية لحركة الإخوان.
ولكن عبدالرحمن السندى- وأمام هذا المنطق القوى الذى أبداه عبدالناصر بشأن عملية اعتقال الهضيبى- لم يجد أمامه غير الخضوع لجمال عبدالناصر ولكن بشرط.. هو تأجيل اعتقال حسن الهضيبى انتظاراً لموقفه من القرارات الخاصة بالإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين وأعضاء التنظيم.. خاصة المتهمين منهم باغتيال النقراشى.. وقال السندى إذا وافق الهضيبى على تلك القرارات وباركها يبقى حراً دون اعتقال.. أما إذا هاجمها، وهنا قال له عبدالناصر «سوف أعتقله فوراً» فوافق السندى.
شرعية الثورة
وفى يوم 19 يوليو- يقول العقالى- أى بعد اجتماع السندى وعبدالناصر بيومين، وقبل قيام الثورة، صدرت إلينا الأوامر- نحن أعضاء الجهاز السرى الذين لم يشملهم أمر الاعتقال، لعدم انكشاف سرنا- بالتوجه فوراً إلى قرى الإسماعيلية الملاصقة لمعسكرات الإنجليز فى منطقة القناة، واحتلال الطريق، وكل الطرق المؤدية إلى مدينة القاهرة، ولم نكن نعلم بالسر من وراء ذلك التحرك المفاجئ، وذهب تفكيرنا إلى أنه ربما قررت قيادتنا إعادة ما كان يعرف باسم «كتائب القناة» وهذه الكتائب التى كانت تنتمى إلى الإخوان وتقوم ببعض الأعمال الفدائية ضد المعسكرات الإنجليزية بمنطقة القناة، ولكنها توقفت عن عملها إثر حريق القاهرة، والأحداث التى تلته.
ولكن بعد قيام الثورة ونجاحها فى الاستيلاء على السلطة بالبلاد عدنا إلى القاهرة ليخبرنا عبدالرحمن السندى بأن ذهابنا إلى القناة بهدف تأمين الثورة ضد القوات الإنجليزية فيما لو تحركت لإجهاض الثورة والدفاع عن الملك.. وأخبرنا السندى أن ذلك كان باقتراح عبدالناصر فى إطار احتياطاته لتأمين الثورة..
وكان عبدالناصر قد قال للسندى إنه لو تحركت القوات البريطانية نحو القاهرة للتصدى لقوات الثورة، فسوف نشتبك معها، ولكن المعركة فى هذه الحالة سوف تكون فى نظر العالم بين جيش وجيش، وربما نجح الإنجليز عبر جهازهم الإعلامى الواسع فى تصوير الثورة على أنها مجرد تمرد فى صفوف القوات المصرية ضد نظام الحكم، وبالتالى فإن هذا التمرد يفتقد إلى الشرعية، وإن تحرك القوات البريطانية للدفاع عن الملك سوف يبدو فى نظر العالم على أنه دفاع عن الشرعية والدستور، ضد حركة تفتقد إلى الشرعية وتخرق الدستور.
من هنا كان إصرار عبدالناصر على ضرورة إشراك الشعب بمختلف طوائفه ضد تحرك القوات البريطانية- أو حتى قوات الملك- فيما لو تحركت تصدياً للثورة. وقد جاء تحركنا إلى منطقة القناة لتحقيق هذا الهدف، انتظاراً للأوامر ليس فقط بالاشتباك مع القوات البريطانية المتحركة من قواعدها بالقناة فى اتجاه القاهرة، بل وتأليب الجماهير على تلك القوات لإظهار الثورة فى إطار شعبى لا يفتقد إلى الشرعية.
وقامت الثورة ولاقت من التأييد الشعبى ما لم يكن فى حسبان أى ممن خططوا لها، وأوفى عبدالناصر بكل التعهدات التى قطعها على نفسه أمام عبدالرحمن السندى، فأفرج عن جميع المعتقلين من الإخوان بمن فيهم قتلة النقراشى، كما أصدر أوامره باعتقال إبراهيم عبدالهادى وأدخله السجن.. إلى آخر ما تم الاتفاق عليه بين عبدالناصر وعبدالرحمن السندى.
الهضيبى يرفض
ولكن ما إن صدرت تلك القرارات حتى هاج حسن الهضيبى وملأ الدنيا ضجيجاً.. رفضاً لقرارات الإفراج عن الإخوان بحجة أنهم إرهابيون وقتلة وسفاكو دماء وأن ذلك ليس من الإسلام الذى يدعو إلى الله «بالحكمة والموعظة الحسنة».. كما قال حسن الهضيبى مبرراً رفضه لقرارات الثورة بالإفراج عن الإخوان المسلمين.
عند ذلك ذهب عبدالرحمن السندى إلى جمال عبدالناصر ليطالبه بالوفاء بوعده الذى كان قد قطعه على نفسه بالقبض على حسن الهضيبى إذا ما هاجم قرارات الثورة بالإفراج عن الإخوان المسلمين.. ولكن عبدالناصر رفض فخرج السندى من عنده غاضباً.
قرر عبدالناصر- الذى كان وزيراً للداخلية فى ذلك الوقت- الاجتماع بالقواعد الطلابية لتنظيم الإخوان المسلمين ليشرح لهم أسباب الخلاف بينه وبين السندى حول مسألة اعتقال الهضيبى.
كنت يومها طالباً بكلية الحقوق فى جامعة فؤاد الأول- جامعة القاهرة الآن- وكنت وكيلاً لرئاسة اتحاد طلابها، فذهبنا للاجتماع بعبدالناصر الذى أخذ يشرح لنا كيف أن اعتقال الهضيبى الآن سوف يثير الكثير من المشاكل والمعوقات فى طريق الثورة الوليدة.. وقال عبدالناصر إن الثورة أعدت مشروعاً لقانون الإصلاح الزراعى، تنوى إصداره خلال أيام، فإذا أصدر أمراً باعتقال الهضيبى الآن فقد تأييد الإخوان للثورة، وهو التأييد الذى تحتاجه الثورة لمواجهة الآثار المحتملة لصدور قانون الإصلاح الزراعى فى أوساط الإقطاعيين والطبقات الغنية والرأسمالية، وإذا فقدت الثورة تأييد الإخوان لها فسوف ينضمون- بطبيعة الحال- إلى صفوف الإقطاعيين فى تحالف مضاد ليست لدى الثورة الوليدة القدرة على مواجهته..
ولهذا فإنه يرفض اعتقال الهضيبى وإثارة الإخوان ضده.. وإن ذلك ليس أكثر من خطوة تكتيكية ولا يعنى أكثر من ذلك.. وإنه مضطر لتحمل الهضيبى وهجومه على الثورة لهذا السبب وحده، كما أنه لا يريد أن يفقد تأييد قواعد الإخوان للثورة بعد أن فقدت تأييد قادتها.
وقال عبدالناصر إنه سوف يؤجل قراره باعتقال الهضيبى حتى صدور قرارات الإصلاح الزراعى، فإذا عارضها الهضيبى عندئذ لابد من اعتقاله.
وقد صدرت قرارات الإصلاح الزراعى بالفعل فى 9 سبتمبر 1952، أى بعد قيام الثورة بشهر ونصف تقريباً، وما كاد الهضيبى يسمع بها حتى ثار ضدها رافضاً.
المواجهة إخوانية.. إخوانية
وهنا ذهب عبدالرحمن السندى إلى جمال عبدالناصر ليطلب منه اعتقال الهضيبى للمرة الثالثة، وربما الرابعة، لكن عبدالناصر رفض أيضاً، كما رفض فى المرات السابقة، فقال له عبدالرحمن السندى إننى أتهمك باللعب على الخلاف بين قيادات الإخوان تمهيداً لتصفية الحركة كلها، لحسابك الخاص، فإما أن تعطى وفاءك للدعوة التى أمثل أنا قيادتها كما جاء فى وصية حسن البنا فتنفذ أوامرى فيما اتفقنا عليه معاً، وإلا كان لك خبئ آخر تنوى القيام به لحسابك وبعيداً عن حركة الإخوان وقيادتها الشرعية.
لم يغضب عبدالناصر لدى سماعه تلك الاتهامات الصريحة التى ألقاها فى وجهه عبدالرحمن السندى، ولكنه تضاحك معه، وأخذ يهدئ من روعه ثم قال له:
لماذا تطالبنى أنا بالقضاء على الهضيبى، وتحملنى مسؤولية دمه أمام الإخوان فى الحركة؟ ولماذا لا تقومون أنتم- فى الجهاز السرى- باتخاذ القرار وتنفيذه بتصفية حسن الهضيبى.. بعيداً عنى، ويعلن الإخوان أنهم صححوا وضعهم بأيديهم، وأنا من جانبى سأقر هذا التصحيح؟!
ابتلع عبدالرحمن السندى الطعم الذى وضعه له جمال عبدالناصر، فأرسل فى يناير 1953 مجموعة من الجهاز الخاص، اقتحمت منزل الهضيبى بعد صلاة الجمعة- وكنت أنا واحداً من تلك المجموعة- وطلبنا منه أن يستقيل، وقال له المتحدث باسم الجماعة محمود فرغل- رحمه الله- «لست مرشدنا ولا نحن اخترناك، وجئنا نطلب منك أن تحل عنا بالحسنى».
كان محمود فرغل أحد المشاركين فى قتل محمود فهمى النقراشى، رئيس الوزراء الأسبق، ودخل المعتقل ليمضى فترة العقوبة حتى أفرجت عنه الثورة ضمن من أفرجت عنهم من الإخوان المسلمين فى أول القرارات التى صدرت عنها.. وهو القرار الذى أثار حفيظة حسن الهضيبى وأخذ يهاجمه، فكان محمود فرغل أكثر الحانقين على الهضيبى بسبب مهاجمته قرار الإفراج عنه وزملائه من قتلة النقراشى باشا.
وحين ذهب فرغل على رأس المجموعة من الجهاز الخاص إلى بيت الهضيبى.. ارتعد الأخير خوفاً ورعباً، ووعد بتقديم استقالته فوراً نزولاً على رغبة الجهاز الخاص، واستأذننا فى الدخول إلى غرفة المكتب ليحضر ورقة وقلماً ليكتب استقالته.
دخل الهضيبى إلى إحدى غرف بيته، وطال انتظارنا، حتى فوجئنا بدخوله علينا ومعه قوة من جنود الشرطة على رأسها أحد الضباط.. وأشار الهضيبى إلينا قائلاً: «هؤلاء هم يا حضرة الضابط».
تظاهر الهضيبى بإحضار ورقة وقلم حين دخل إحدى الغرف ببيته، ولكنه كان ينوى الهرب من الباب الخلفى لمنزله ليستعين بالشرطة فى التخلص منا.. وكانت نقطة الشرطة مجاورة لبيته بالروضة ولا تبعد عنه سوى بضعة أمتار فقط.
فشلنا مع الهضيبى
يبدو أن ضابط الشرطة الذى استعان به الهضيبى للقبض علينا لم يكن يعرف الهضيبى، لم تكن أجهزة الإعلام فى ذلك الوقت بمثل هذا الانتشار الواسع الذى هى عليه الآن، وقد فهمنا ذلك حين بادرنا سائلاً:
«ماذا تريدون من هذا الرجل ولماذا تتهجمون عليه فى بيته؟»
فأجبناه نحن بسؤال جماعى: «هل تعرف هذا الرجل ومن يكون؟»
قال الضابط: إنه مواطن ولا يهمنى أن أعرف من هو؟
قلنا له: إنه المرشد العام للإخوان المسلمين.
يبدو أن الضابط قد فوجئ فسكت قليلاً ثم قال: ولو.. لماذا جئتم إلى بيته؟
قلنا له: لأننا نحن الإخوان المسلمين!!
سكت الضابط.. وأخذ يتفرس فى وجوهنا مندهشاً، ثم كان علينا أن نزيل إحساسه بالحرج والدهشة فقلنا له: على أى حال.. إذا كان هو لا يريدنا فى بيته، فقد جئنا إليه لنقول له إننا لا نريده فى بيتنا. لم يجد الضابط ما يفعله معنا.. فخرج وتركنا مع الهضيبى الذى طالبنا بالخروج لأننا غير مخولين بقبول استقالته، فخرجنا ونحن نتوعده.
كنا قد اتفقنا مع عبدالرحمن السندى على أننا سوف نحصل من الهضيبى على الاستقالة ونذهب بها إليه فى مقر المركز العام «بالحلمية» ليعقد مؤتمراً عاماً يعلن فيه استقالة حسن الهضيبى من رئاسة الإخوان المسلمين.. ولكنا ذهبنا إلى مقر الحلمية نجر أذيال خيبتنا بعد أن فشلنا فى الحصول على الاستقالة، واجتمع بنا عبدالرحمن السندى وأخذنا نتدارس الموقف من جميع جوانبه وماذا علينا أن نفعل بعد فشلنا فى إقالة الهضيبى.
حل علينا الليل ونحن فى نقاش لا ينتهى مع عبدالرحمن السندى، وإذا بنا نفاجأ بجموع تسد جميع الشوارع المؤدية إلى المركز العام للإخوان المسلمين بحى الحلمية، وتعالت هتافاتهم تطالب بإهدار دمنا.
فقد وجدنا أنفسنا محاصرين بتلك الجموع الكبيرة التى تطالب بقتلنا، ولم نكن ندرى ماذا نفعل وكيف نتصرف إزاء هذا الموقف العصيب، ولكن عبدالرحمن السندى بحسه السرى والعسكرى، كان قد تحسب لهذا الأمر جيداً، حين فكر فى
احتمال فشلنا فى الحصول على الاستقالة، ورد فعل الهضيبى إزاء مطالبتنا له بالاستقالة.
كان السندى قد أعد العدة لمثل هذا الموقف المحتمل، فأمر مجموعة من أنصاره بحمل المدافع الرشاشة واحتلال سطح المبنى المقابل لمبنى المركز العام وكان مخصصاً لجريدة الإخوان.. حتى إذا نجح الهضيبى فى تأليب أنصاره وتحريكهم ضدنا، تعامل معهم أنصارنا من حملة المدافع.
وحتى لا تقع مذبحة لا نريدها، أمسك عبدالرحمن السندى «بميكروفون» وأخذ يطالب الجموع التى حشدها الهضيبى ضدنا بالابتعاد والتفرق وإلا فسوف تحصدهم المدافع من فوق أسطح المنازل.. عندئذ تفرق البعض مؤثراً السلامة، وبقى الكثيرون منهم ليطلقوا الهتافات ضدنا.. وأخذنا فى التراشق بالهتافات، نحن من نوافذ مبنى المركز العام.. وهم بالشارع، حتى كانت الساعة الواحدة ليلاً، حينما فوجئنا بدخول ثلاثة رجال علينا مخترقين الحصار المضروب حولنا.
عبدالناصر المنقذ
كان هؤلاء الثلاثة هم: جمال عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، وعبدالعزيز كامل الذى كان عضو مكتب الإرشاد بالإخوان المسلمين وكانت تربطه علاقة وثيقة بجمال عبدالناصر لم نكن نعلم من أمرها شيئاً.. وقد تبين لنا فيما بعد أن الذى كان ينصح عبدالناصر بعدم اعتقال الهضيبى كما نصحه بعدم التمادى فى توطيد العلاقة مع عبدالرحمن السندى، هو عبدالعزيز كامل..
دخل عبدالناصر إلى حيث يجلس عبدالرحمن السندى وقال له: يا أخ عبدالرحمن.. ألم أقل لك إن النهر قد جرت فيه مياه كثيرة؟ هذه هى الجموع التى لم أكن أريد معاداتها للثورة، أو معاداة الثورة لها، ولكنك لم تكن تريد أن تصدقنى.
قال عبدالرحمن السندى معك حق.. قالها وطأطأ رأسه متحاشياً النظر فى عينى عبدالناصر الذى كان يبدو ساعتها منتشياً بصدق رؤيته للأمور.
وبدأ عبدالعزيز كامل فى الكلام فقال: يا أخ عبدالرحمن إن ترتيب بيتنا من الداخل كان يقتضى مهادنة حسن الهضيبى، ولكنكم أنتم الذين ربيتم له أنياباً وأطلتم له أظفاره، وجعلتم أصحاب المصلحة فى معاداة الثورة يلتفون حوله وإن كانوا من غير الإخوان.
على إثر ذلك، استقرت الأوضاع لصالح الهضيبى الذى خرج من المحنة أقوى مما كان قبلها، فقد أخذ الانطباع مما جرى له فى الأيام الأخيرة، بأنه أقوى من أن يقاوم، وقد ساعده ذلك على مزيد من التعنت فى وجه عبدالناصر وقطع الطريق على كل محاولات التفاهم أو الالتقاء التى كان يمكن أن تحدث بينه وبين جمال عبدالناصر، مما سارع فى دفع الأمور بينهما إلى التصادم.
الضربة الأخيرة
لقد أدرك الهضيبى أنه فى سباق مع الزمن، فلابد أن يستغل هذا النصر الذى حققه فى أول موقعة له مع الجهاز السرى، فى تجريد ذلك الجهاز الجبار من بقية أسلحته، كما أدرك أيضاً أن له من الجماهيرية ما يساعده على الوقوف فى وجه الثورة وإملاء شروطه عليها دون أن يخضع هو لشرط من شروطها.
أصدر الهضيبى قراراً بفصل جميع الإخوان الأعضاء بالجهاز السرى وكل المتعاطفين معهم مثل الشيخ الغزالى وصالح عشماوى وأحمد عادل كمال وأحمد زكى حسن، وقد رد الغزالى على قرار الهضيبى بكتابة عدة مقالات اتهم فيها حسن الهضيبى صراحة ب«الماسونية».. وقال إن حركة الماسونية العالمية نجحت فى زرع الهضيبى وتنصيبه مرشداً عاماً للإخوان المسلمين.
أما عبدالرحمن السندى فقد أصابه الإحباط، فقرر التوارى والانزواء جانباً، وقد بدأ عبدالناصر فى الإحساس بأن هناك قوى أخرى فى الشعب المصرى يحظى بتأييدها، بعيداً عن الإخوان المسلمين، وأن تلك القوى الشعبية تدين له بالولاء لما قدمه لها من مكاسب خاصة فى صفوف العمال والفلاحين، وقد تساعده تلك القوى الشعبية فى التخلص من ربقة الإخوان المسلمين وحرصه الدؤوب على إرضائها، فهى قوى تحمله ولا يحملها كما هو الحال مع الإخوان المسلمين الذين كان يشعر معهم بأنه مطالب بدفع فواتير المشاركة وتقديم الحسابات مقابل التأييد.. أما تأييد القوى الجديدة له فكان تأييداً بلا ثمن.. أو حسابات أو فواتير مطالب بسدادها أولاً بأول.
وكان عبدالناصر هو صاحب الفضل مع مؤيديه من القوى الجديدة.. بعكس القوى القديمة المؤيدة له من الإخوان المسلمين الذين كانوا يشعرون بأنهم هم أصحاب الفضل عليه وليس هو.
فى هذا الوقت الذى شعر فيه كل من حسن الهضيبى.. وجمال عبدالناصر بقوته وجماهيريته، كان لابد أن يقع الصدام بينهما.. وقد كان صداماً مروعاً أشبه ما يكون بالصدام بين نجمين أو نيزكين من نيازك الفضاء!
إعترافات : المستشار الدمرداش العقالي
سجلها بقلمه : سليمان الحكيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.