تعد الهجرة غير الشرعية واحدة من آفات العصر وهي هجرات كلها من دول الجنوب الافريقي نحو الشمال الاوروبي عبر دول الشمال الافريقي مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب.. وقدم الدكتور سمير بودنيار ورقة في مؤتمر التكامل الاقليمي في افريقيا واسقاط الحاجز بين شمال القارة وجنوبها والتي نظمتها مؤسسة شركاء التنمية بحوث تدريب واستشارات المصرية مؤخرا بالقاهرة وتناولت الورقة كل الظروف المحيطة بهذا النوع من الممارسات غير الشرعية واقترحت كثيرا من الحلول وجاء في ورقته: تعدالهجرة واحدة من أكثر ظواهر الاجتماع الإنساني تعقيدا,وذلك بالنظر إلي تعدد مجالات تأثيرها خاصة مع التزايد المطرد في أعداد المهاجرين عبر العالم. فتقديرات الأممالمتحدة تشير إلي أن هناك مالا يقل عن200 مليون مهاجر في العالم, وهو عدد مرشح للارتفاع اعتبارا لوجود بيئة طاردة تشجع علي الهجرة مع التزايد الحاد للفوارق في الدخل بين الدول وكمثال علي ذلك فقد كان الفرق قبل عشرين سنة بين معدل الدخل الإفريقي والأمريكي1 إلي22, أما الآن فقد ارتفع ليبلغ1 إلي70. وتهم الزيادة حركة الهجرة عموما سواء كانت قانونية أوغير قانونية غير أن الهجرة غير القانونية بشكل خاص أصبحت في السنوات القليلة الماضية, تطرح إشكالات وتحديات مستجدة, لا علي صعيد الدول المصدرة أو المستقبلة للهجرة, أو علي المهاجرين أنفسهم في المستويات الإنسانية والاجتماعية والقانونية وغيرها فحسب, بل كذلك علي الدول التي تقع بحكم موقعها الجغرافي في الطرق الرئيسية للهجرة العالمية وخاصة غيرالقانونية منها. لقد فرض تزايد وتيرة الهجرة غير القانونية وتعقد ظروف المهاجرين السريين, علي كثير من دول العبور وضعا يتسم بمشكلات من نوع جديد تتعلق بموقع هذه الدول الوسيطة من المعادلة الدولية للهجرة, والخلل في معدلات استفادة أبنائها من فرص متساوية للهجرة القانونية, وعدم تمكنها من بنيات مراقبة واستقبال ومتابعة موازية لحجم الهجرة العابرة لترابها الوطني. ورقد تفاقمت جميع هذه المشكلات مع تشديد الإجراءات القانونية علي حركة الهجرة, إذ تحولت بلدان العبور في كثير من الحالات وبحكم الأمر الواقع إلي بلدان مستقرة للمهاجرين السريين العابرين في الأصل ومن ثم الي بلدان مستقبلة للهجرة, وذلك في غياب رؤية شاملة تستوعب هذه الأوضاع الطارئة وفق رؤية تشاركية علي مستوي دولي تعني بدول العبور كجزء أساسي من معادلات التنمية والهجرة, وتعمل بالتالي علي تقوية قدرات التعامل الإيجابي لتلك الدول مع ظاهرة الهجرة غير القانونية. ولعل هذه الظاهرة تجسد مايطلق عليه في علم الاجتماع( دينامية الثقافة غير الشرعية) فالظاهرة تزداد يوما بعد يوم وتتعقد أكثر اعتبارا لتداخل المصالح السياسية والخلافات بين الدول ومدي الاتفاق وعدم الاتفاق. ففي عام1994 أقر المجتمع الدولي في القاهرة للمرة الأولي خطة لإدارة الهجرة, وتم إقرار عدد من القوانين التي تغطي الحقوق وتطور برنامج للهجرات, وتسعي إلي تخفيض هذا النوع من الهجرة بتطوير مستويات التعاون بين الدول لإدارة المشكلات الخاصة بالهجرة غير القانونية وبعد حوالي العقد والنصف من مؤتمر القاهرة بخصوص الهجرة اتضح أن مستوي الاهتمام بقضية الهجرة وإدارتها لايتوافق مع حجم التعقيدات التي تحيط بهذه الظاهرة العالمية. ثم جاء إقرار مايطلق عليه علي المستوي الدولي بمقاربة الهجرة والتنمية, المتعلقة بالهجرة الدائرية كمدخل للتعامل مع ما يتعلق بمسألة الهجرة, وهي المقاربة التي اعتمدتها الأممالمتحدة كمحاولة لاستفادة الدول النامية من المهاجرين من خلال التجويلات المالية, أو مما يتمكن المهاجرون من الحصول عليه من مزايا أو تقنيات أو تعليم لتنمية بلدانهم المصدر, في مقابل هذه المقاربة ظهرت مقاربة التحريم التي اعتمدتها الدول المقصد في الاتحاد الأوروبي, وتتجلي في تجريم الهجرة في غير الإطار المرسوم من قبل دول الاستقبال, وقد اتخذت هذه المقاربة طابعا شبه قانوني مع بروتوكول تهريب المهاجرين, وبروتوكول( باليرمو) الملحق بالاتفاقية الدولية بشأن الجريمة الدولية, ومجمل السياسات الأوروبية بعد اتفاقية ماستريخت, من خلال التركيز علي الحد من الهجرة القادمة من دول العالم الثالث وخصوصا الهجرة الإفريقية والآسيوية, في مقابل استيعاب الهجرة من دول شرق أوروبا, بما يحقق المزيد من الاندماج الأوروبي, هذه المقاربة وإن كانت قد تبدت في صورة غير مباشرة, إلا أنها تمثلت في تشديد إجراءات محاربة تهريب المهاجرين وملاحقة المتسللين منهم في عرض البحار بهدف منعهم من الوصول إلي الشواطيء الأوروبية, رغم تنافي ذلك مع القانون الدولي للبحار, وهكذا أفرزت مقاربة التجريم العديد من الاتفاقيات خصوصا بين دول شمال بحر المتوسط وجنوبه, وتم الاتجاه إلي محاولة تقنين المقاربة جهويا من خلال الاتفاقيات البينية مع الدول المصدر أو الممر كما هو الحال في الاتفاقية الليبية الإيطالية والأوروبية مع دول المغرب العربي, وهي الاتفاقيات التي تحاول توثيق التعاون لمنع وصول المهاجرين, والأهم أنها تحمل دول الشمال الإفريقي تكلفة إعادتهم إلي أوطانهم, أي الاتجاه العام الذي يهدف الي تقليص الهجرة إلي أوروبا من الناحية التشريعية أو من الناحية القانونية بالتعاون مع دول الجنوب. 1 الهجرة بين شمال القارة وجنوبها: السمات الأساسية تعتبر الهجرة واحدة من أهم الظواهر الحديثة ارتباطا بالمسارات التنموية للدولة في إفريقيا, سواء من حيث التأثيرات المختلفة لهذه الظاهرة علي اقتصاديات الدول الإفريقية, وانعكاساتها سلبا وإيجابا علي مجتمعاتها, أو من حيث الواقع المستجد الذي أفرزته الظاهرة فقد تزايدت الحاجة إلي التنسيق والتعاون بين دول القارة, اعتبارا لكونها دولا مصدرة للهجرة بشكل عام. مع مايعنيه ذلك من مواجهتها جميعا للتداعيات التي أفرزتها ظاهرة الهجرة الحديثة, وخضوعها مجتمعة لآثارها علي تركيبتها الديمغرافية وأمنها الاجتماعي واقتصادياتها النامية. وإذا كان السعي إلي توحيد مواقف الدول الإفريقية علي الصعيد الدولي في مجال القواعد العامة للهجرة, واعتماد سياسات مشتركة بينها في هذا المجال ضرورة ملحة, فإن التعاون الإفريقي شمال جنوب( المقصود به هنا التعاون بين دول الشمال الإفريقي ودول إفريقيا جنوب الصحراء) يظل أكثر جوانب الموضوع إلحاحا, وذلك بالنظر إلي وقوع منطقة الشمال الإفريقي بدولها الخمس المطلة علي البحر الابيض المتوسط أساسا( مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب) في منطقة العبور لحركة الهجرة الإفريقية نحو أوروبا, مما يضع عليها في غياب استراتيجية إفريقية موحدة أعباء كبيرة في التعامل مع الهجرة غير القانونية علي وجه التحديد, والتي تمثل دول إفريقيا جنوب الصحراء أهم مصادرها, إلي جانب دول العبور نفسها كذلك. وبفعل انتظام حركة الهجرة الإفريقية نحو الشمال الأوروبي, وتحول الهجرة غير القانونية والسرية الي ظاهرة فقد وجدت دول العبور نفسها أمام وضعية جديدة في مسار حركة الهجرة, فرضت عليها تحديات طارئة, إذ بالإضافة إلي القرب الجغرافي الشديد من أوروبا, والذي حول بلدان الشمال الإفريقي إلي منطقة جذب للمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء أثناء رحلاتهم الطويلة عبر آلاف الأميال باتجاه الشواطيء الجنوبية لأوروبا فإن هذه الدول نفسها تعد من دول المصدر في حركة الهجرة العالمية, بما في ذلك حركة الهجرة غير القانونية, ولو كان ذلك بنسبة متناقصة( كما هي حالة المغرب مثلا). وإذا وضعنا في الاعتبار الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش إجمالا لهذه الدول بدت لنا خطورة التحديات التي يفرضها الوضع المستجد لهذه الدول ضمن الخرائط الراهنة للهجرة العالمية, لجهة تواضع إمكاناتها المادية واللوجيستية كدول فرض عليها أن تكون دول عبور للهجرة غير القانونية وبالتالي دول يقع عليها الجزء الأكبر من أعباء ضبط حركة العبور في أراضيها بمنع تسلل المهاجرين غير القانونيين إلي أروبا والتعامل في هذه الحالة مع شبكات واسعة وعابرة للدول لتهريب والاتجار في البشر, ذات علاقات متشابكة استطاعت أن تكتسب خبرة واسعة في هذا المجال. هذا بالإضافة إلي الإشكالات القانونية التي يطرحها غياب قوانين واتفاقيات بين الدول تنظم المجهودات التي تبذل بصدد التعامل مع الظاهرة. أضف إلي ماسبق أن وضع هذه الدول باعتبارها دول عبور لم يمنع من تحولها بالفعل في كثير من الحالات إلي دول إقامة مؤقتة, تطول مدتها أو تقصر بحسب ظروف رحلات المهاجرين السريين وعبورهم أراضي هذه الدول, بل حتي تحولها إلي دول استقرار نهائي في حالة تعذر إتمام المسار المرسوم للهجرة من قبل المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء, ومايثيره ذلك كله من مشكلات الاستقرار والإقامة ووضعية الأطفال الذين يولدون بهذه الدول, وفرص تأمين العيش الكريم... ويمكن ملاحظة التباين الواضح في السياسات المتبعة في هذا المجال من قبل دول العبور في الشمال الإفريقي, والتي تختلف باختلاف الدولة وسياساتها العامة والخارجية وإمكاناتها المادية,ومدي تأثرها بظاهرة عبور الهجرة غير القانونية وحجم تدفقها, ومستويات تنسيق الدولة المعنية مع الدول الأوروبية الأقرب من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط, وغيرها من العوامل. وإذا كانت تأثيرات هذه الظاهرة تبدو في المدي المنظور مرتبطة بالناحية الاجتماعية والأمنية أساسا فإن المسارات التي أصبحت تتخذها مسارات الهجرة من إفريقيا عموما, والهجرة غير القانونية المنطلقة من دول إفريقيا جنوب الصحراء خاصة, أضحت تطرح قضايا جديدة بالغة الأهمية تتعلق بتكامل إمكانات الدول الإفريقية في إدارة الملف علي الصعيد الدولي والمتعدد الأطراف وهو أمر يستدعي الوقوف عند بعض المقاربات التي اعتمدتها بعض دول الشمال الإفريقي في التعامل مع هذه الظاهرة ونتائجها في مستويات متعددة. 2 السياسات الأوروبية تجاه الهجرة الإفريقية تمثل العلاقات بين أوروبا وافريقيا نموذجا للعلاقات غير المتكافئة بين طرفين دوليين( الاتحاد الأوربي والاتحاد الافريقي) وبالمقارنة بين الكتلتين يتضح لنا من الوهلة الأولي أن القارة الافريقية تتفوق علي القارة الأوروبية من حيث الجغرافيا والديموغرافيا, ولكن الوضع الاقتصادي هو مايعكس حقيقة الخلل بينهما, فالناتج القومي الإجمالي الأوروبي يزيد17 مرة عن نظيره الإفريقي, ورغم أن مساحة افريقيا تبلغ10 أضعاف مساحة أوروبا وعدد سكانها ضعف عدد سكان أوروبا, غير أن أفريقيا لاتزال تضم أفقر دول العالم بينما يضم الاتحاد الأوربي دولا تعتبر مستويات المعيشة فيها الأعلي عالميا. وفي محاولة لتخفيف ضغط هجرة العمالة غير القانونية إليها والقادمة من افريقيا, حاولت أوروبا تقديم بعض الدعم والمساعدة للقارة الإفريقية, وفي هذا الإطار تعامل الاتحاد الأوروبي مع القارة الافريقية بشكل جماعي بل وفي إطار يضم دولا أخري خارج القارة كما هو الحال بالنسبة لاتفاقية لومي, وكذلك اتفاقية كوتونو التي تغطي الفترة من2000 إلي2020, وتضم الاتفاقيتان نحو77 دولة منها48 دولة افريقية و15 دولة من دول الكاريبي و14 دولة من دول المحيط الهادي والجزر التي يطلق عليها أقاليم ماوراء البحار وهذا يبين وضع أفريقيا ضمن دائرة اهتمام واسعة لاتحظي باهتمام خاص يتناسب وموقعها الحساس ومشاكلها المرتبطة بالمجال الأوروبي. والملاحظ في شأن العلاقات الأوروبية الإفريقية وخاصة فيما يتعلق بموضوع الهجرة غير القانونية أن التفاوض بين الطرفين يتم في إطار هيمنة أوروبية مطلقة, حيث تتعامل دول الاتحاد الأوروبي كقوة موحدة بصوت واحد قوي, في مقابل المجموعة الإفريقية التي تدخل دولها فرادي ضمن مجموعات أخري من الكاريبي والمحيط الهادي, ومما يعزز الموقف الأوروبي كونه الطرف القوي المانح يقابله الموقف الإفريقي الضعيف المتلقي, كما يلاحظ الإصرار الأوروبي علي وقف تيار الهجرة غير القانونية, وتقل هذه المعركة إلي خارج القارة الأوروبية من خلال دعم برامج تقوم علي الآتي: 1 إقامة معسكرات تجميع لهؤلاء المهاجرين غير القانونيين في دول العبور مثل ليبيا ومن ثم إعادتهم إلي بلدانهم الأصلية. 2 تكثيف الإجراءات الأمنية لمنع تسلل المهاجرين غير القانونيين, وتشمل هذه الإجراءت مراقبة مكثفة لنقاط العبور البحرية للهجرة غير القانونية, وقد أثبتت هذه الإجراءات الرادعة فعاليتها عبر مضيق جبل طارق. الأمر الذي شجع علي تطبيقها علي السواحل الليبية بالتعاون مع السلطات الليبية, وفي سبيل ذلك قدم الاتحاد الأوروبي دعما في شكل معدات وطائرات لتشديد الرقابة علي نقاط العبور لدول شمال إفريقيا. 3 دعم برامج التنمية في دول المصدر لتوفير فرص عمل من أجل تثبيت المهاجرين في بلدانهم حتي لا يفكروا في الهجرة, غير أن الخلاف ظل دائما حول حجم المساعدات, فما يراه الاتحاد الأوروبي دعما كافيا لاتراه أغلب دول المصدر الإفريقية مجديا لإحداث أثر فعال في تنمية الاقتصاد الإفريقي. غير أنه من الممكن القول أن اغلب تلك الإجراءات ظلت مفتقرة إلي الفعالية وعاجزة الي اليوم عن وقف الهجرة غير القانونية, وماينتج عنها من مآس أثناء عملية العبور, فقد بدأت ظاهرة الهجرة السرية عبر ماسمي لاحقا بقوارب الموت من الناحية الرسمية قبل20 سنة كاملة. وخلال الفترة الممتدة منذ نهاية الثمانينيات إلي سنة2005 من القرن الواحد والعشرين قدرت المنظمات الدولية المختصة أن عدد القتلي في منطقة جبل طارق والمنطقة الواقعة بين الضفة الجنوبيةالغربية للمتوسط وجزر الخالدات نتيجة هذه الظاهرة فاق18 ألفا, بينما لاتنزل أقل التقديرات عن10 آلاف ضحية نصفهم من دول المغرب العربي( الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا) والبقية من إفريقيا جنوب الصحراء ودول أخري. ومنذ عام1997 وحتي عام2001 تم انتشال ثلاثة آلاف ومائتين وست وثمانين جثة(3286) عبر مضيق جبل طارق وأن عشرات منهم غرقوا أثناء المحاولة. ووفقا لإحصائيات الاتحاد الأوروبي فإن مايزيد علي نصف مليون مهاجر سري دخلوا القارة الأوروبية خلال السنة الماضية, كما تعتقل فرنسا سنويا مايقارب15 ألف مهاجر علي طول سواحلها. وقد أوقفت السلطات الإسبانية أكثر من13 ألف مهاجر سري علي سواحلها منذ مطلع العام2008 وحتي31 غشت الماضي, كما ذكرت أنه تم العثور علي130 جثة مهاجر غير شرعي قضي معظمهم غرقا دون حساب الجثث التي لم يلفظها البحر. يقول نيفيز بينيطو خبير شئون الهجرة في رابطة حقوق الإنسان بإسبانيا: إن القوارب التي تقل هؤلاء المهاجرين تغادر السواحل الإفريقية حوالي الساعة الثامنة مساء عندما يكون البحر هادئا, إلا أن العواصف يمكن أن تهب بعد مرور ساعتين فقط.