الهيئة الوطنية للانتخابات: 4 ممارسات تبطل صوتك في انتخابات مجلس الشيوخ (صور)    البورصة تربح 22 مليار جنيه بختام تعاملات الأسبوع    الحكومة: إجراءات جديدة قبل سبتمبر لتيسير الإفراج الجمركي وزيادة الاستثمارات الأجنبية    مصر ترحب بإعلان رئيسي وزراء كندا ومالطا اعتزام بلديهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية    جماهير النصر السعودي بالنمسا تتسلل للفندق لرؤية كريستيانو رونالدو    حماية المستهلك: ضبط 45 طن زيوت ومواد غذائية معاد تدويرها من خامات مجهولة المصدر    خروج عجلات جرار قطار عن القضبان في المنيا دون إصابات    للعام الثاني، الجونة السينمائي وبرنامج الغذاء العالمي يطلقان مسابقة "عيش" للأفلام القصيرة    أسعار الأسماك بأسواق مطروح اليوم الخميس 31-7- 2025.. البورى ب 150 جنيه    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    4 تحذيرات جديدة من أدوية مغشوشة.. بينها "أوبلكس" و"بيتادين"    رئيس اقتصادية قناة السويس يشهد وضع حجر الأساس لمشروعين صينيين جديدين    سوريا.. 47 شاحنة مساعدات تتجه من دمشق إلى السويداء    جهود أمنية مكثفة لكشف غموض وفاة سيدة بطلقات نارية داخل منزلها بقنا    تهريب ومخالفات وأحكام.. جهود أمن المنافذ 24 ساعة    التصريح بدفن جثة طفل لقى مصرعه غرقا بقرية الجبيرات فى سوهاج    "إعادة تدوير" لحملات المزايدة!    إذاعة الجيش الإسرائيلى: انتحار جندى بعد خدمته فى صفوف قوات الاحتياط    أشرف زكي من جنازة لطفي لبيب: فقدنا نجم كان مدرسة في الصبر    رئيس هيئة الأوقاف يوجّه مديري المناطق بالحفاظ على ممتلكات الهيئة وتعظيم الاستفادة منها    هل انقطاع الطمث يسبب الكبد الدهني؟    ئيس الهيئة الوطنية للانتخابات يعلن اكتمال الاستعدادات لانطلاق انتخابات مجلس الشيوخ    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    صفقة تبادلية محتملة بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل    أساطير ألعاب الماء يحتفلون بدخول حسين المسلم قائمة العظماء    البابا تواضروس أمام ممثلي 44 دولة: مصر الدولة الوحيدة التي لديها عِلم باسمها    محمد رياض يكشف أسباب إلغاء ندوة محيي إسماعيل ب المهرجان القومي للمسرح    عروض فنية متنوعة الليلة على المسرح الروماني بمهرجان ليالينا في العلمين    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    انتخابات الشيوخ.. 100 ألف جنيه غرامة للمخالفين للصمت الانتخابي    يديعوت أحرونوت: نتنياهو يوجه الموساد للتفاهم مع خمس دول لاستيعاب أهالي غزة    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 23 مليونا و504 آلاف خدمة طبية مجانية خلال 15 يوما    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    مسلسل «220 يوم» يتصدر التريند بعد عرض أولى حلقاته    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    خروج عربات قطار في محطة السنطة بالغربية    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    رئيس قطاع المبيعات ب SN Automotive: نخطط لإنشاء 25 نقطة بيع ومراكز خدمة ما بعد البيع    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات البنية الأساسية والتطوير بمدن بالصعيد    نجم الزمالك السابق: إسماعيل إضافة للدفاع.. والفريق يحتاج إلى الهدوء    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    وزير الخارجية يلتقي السيناتور "تيد كروز" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي    انخفاض حاد في أرباح بي إم دبليو خلال النصف الأول من 2025    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    روسيا تعلن السيطرة على بلدة شازوف يار شرقي أوكرانيا    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    نساء مصر ورجالها!    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحديات الهجرة غير الشرعية في إفريقيا

تناولت الورقة التي قدمها الدكتور سمير بودينار الباحث بمركز الدراسات والبحوث الاجتماعية وجيزة المغربلمؤتمر التكامل الاقليمي في افريقيا
الذي نظمتة منظمة شركاء التنمية بحوث تدريب استشارات المغرب بالقاهرة تحت شعار اسقاط الحاجز بين شمال القارة وجنوبها مخاطر الهجرة غير الشرعية خاصة علي دول الشمال الافريقي والتدابير التي يفترض ان تتم لتلافي الظاهرة‏..‏ وفي هذه الحلقة يتحدث عن تقييم الوضع في هذه الدول والتداعيات التي ظلت تصاحب محاصرتهم واشار الي ان احداث دجنبر‏2006‏ المرتبطة بترحيل السلطات المغربية لمئات المهاجرين الأفارقة إلي المنطقة الحدودية مع الجزائر من جديد فجرت مشكلة هذه الفئة من الحالمين بالعبور الي الضفة الأخري‏,‏ والذين يتخذون من المغرب مستقرا إلي حين موعد السفر إلي أوروبا‏,‏ وكان الحدث مناسبة لفتح النقاش مجددا حول طريقة تدبير المغرب لهذا الملف الشائك الذي يفرض عليه نوعا من التوازن بين مراعاة مصالحه الوطنية والتزاماته الدولية وبين أهمية احترام الاتفاقيات والقوانين الدولية في مجال حماية حقوق المهاجرين واللاجئين‏.‏ وتقدر تقارير صحفية عدد المهاجرين السريين القادمين الي المغرب من دول جنوب الصحراء ب‏15‏ إلي‏19‏ ألف شخص‏.‏ ولعل واقع الحال يشهد أن هذه الأعداد في ارتفاع رغم حديث السلطات المغربية عن تراجع في نسبة المهاجرين السريين فحضور المهاجرين الأفارقة يزداد قوة في تأثيث المشاهد اليومية للمدن الرئيسية للبلاد‏,‏ مع ما أصبح يصحب هذا الحضور من مظاهر الفقر والتسول وربما الجريمة في أحيان نادرة‏.‏ وإذا كان المغرب يبذل جهودا كبيرة برفقة شركائه من أجل الحد من إشكالية الهجرة السرية بجميع جوانبها‏,‏ مؤكدا ذلك من خلال إحداث آليات تشريعية ومؤسساتية وعمل ميداني مكثف ومتواصل‏,‏ فإن بعض الممارسات تظهر أن هذه الاستراتيجية لاتزال في حاجة الي نوع من الضبط والوضوح‏,‏ وهو ما برز من خلال أحداث دجنبر‏2008‏ التي أفادت المصادر أنها لم تخل من ممارسات تعسفية في حق المرحلين كان أبرزها وقوع نوع من الخلط بين فئاتهم وعدم مراعاة حقوقهم الإنسانية‏,‏ وقد ظهر هذا الاضطراب جليا أيضا في البلاغ الذي أصدرته وزارة الخارجية والتعاون علي إثر هذه الأحداث والذي نفت فيه بالمطلق وجود معاملة سيئة في حق المرحلين أو حتي وجود بعض اللاجئين من بينهم‏,‏ وهو الأمر الذي تفنده الوقائع مشيرة أن عددا منهم يتوفرون فعلا علي أوضاع قانونية أو في طور التسوية وأنه تمت إعادتهم إلي داخل التراب المغربي لاحقا‏,‏ بينما بقيت التساؤلات تحوم حول مصير عشرات آخرين‏.‏
الجمعيات الحقوقية المغربية والدولية التي أصدرت بيانات وتقارير حول الموضوع‏,‏ لم تغفل أن تشير إلي الإكراهات التي يواجهها المغرب كدولة عبور للمهاجرين السريين إلي أوروبا‏,‏ وإلي المنطق الأمني الذي تضغط به الدول الأوروبية علي شركائها من أجل إغلاق الحدود الاوروبية في وجه جميع المهاجرين‏.‏ الا أنها ركزت في نفس الوقت علي ضرورة احترام المغرب للمبادئ الأساسية لاحترام حقوق الانسان وحقوق المهاجرين وكذا المقتضيات القانونية والاتفاقيات الدولية‏,‏ خاصة قانون‏02‏ 03‏ الذي كان المغرب سباقا الي إقراره في هذا السياق‏,‏ وكذا اتفاقية جنيف حول أوضاع اللاجئين واتفاقية حماية العمال المهاجرين وأسرهم‏,‏ وذلك خلال جميع العمليات التمشيطية التي تقوم بها السلطات المغربية وعمليات الترحيل بتنسيق مع ممثلي الدول الأصلية للمهاجرين علي التراب المغربي‏.‏
الحالة الليبية
تمتد السواحل الليبية علي البحر الابيض المتوسط لنحو‏1770‏ كم‏,‏ وتقاسم البلاد اكثر من أربعة آلاف كم من الحدود البرية مع الدول الست الافريقية المجاورة‏,‏ وبفعل هذا الواقع الجغرافي تحول البلد الي نقطة جذب رئيسية في مسار الهجرة السرية المنطلقة من إفريقيا‏,‏ ومع تنامي الظاهرة ظهرت في البلاد خلال السنوات الماضية مشكلة الهجرة غير القانونية إلي اوروبا وبالأخص إلي السواحل الإيطالية‏,‏ التي تتخذ من ليبيا بلد عبور أو إستقرار مؤقت‏,‏ وفي حالات عدة بلد استقرار الي أجل غير معروف‏,‏ حيث تقدر السلطات في إيطاليا العدد المؤهل لمثل هذا النوع من الهجرة من الجماهيرية الليبية وحدها ب‏1.5‏ مليون مهاجر‏,‏ معظمهم من دول الشمال الافريقي فضلا عن الدول الإفريقية لا سيما من الصومال واريتريا وتشاد وإثيوبيا‏.‏
وأصبحت ليبيا وجهة للمهاجرين السريين الراغبين في الوصول الي مالطا او لامبيدوزا‏(‏ جنوبي إيطاليا‏)‏ ويوجد في البلد أكثر من مليون مهاجر غير قانوني يحاولون عبور المتوسط بحسب المنظمة الدولية للهجرة وبالإضافة إلي هؤلاء تقول المنظمة إن هناك‏1.5‏ مليون مهاجر يعملون بصورة غير قانونية في ليبيا حيث تتنامي الصناعات الخدمية وتنشط عمليات البناء بعد خروج البلاد من سنوات من العقوبات الاقتصادية‏.‏
وهكذا وصل الي ايطاليا سنة‏2008‏ عن طريق البحر‏36900‏ مهاجر معظمهم من السواحل الليبية وهي نسبة تزيد‏75%‏ عما كانت عليه في‏2007‏ بحسب وزارة الداخلية الليبية وتقدر جمعيات الدفاع عن حقوق المهاجرين عدد من يعبرون البلاد الي إيطاليا سنويا بنحو‏100‏ الف‏,‏ فقوات حرس السواحل ترصد بشكل دوري الزوارق المكدسة بالمهاجرين حيث يرسل من عليها الي مراكز إيواء المهاجرين وعلي سبيل المثال فقد غرق في السواحل الليبية أواخر مارس من سنة‏2008‏ زورق يحمل أكثر من‏200‏ مهاجر‏.‏
ويصل معظم هؤلاء وخاصة الأفارقة بعد تجميعهم في أماكن التقاء داخل كل دولة من دول المصدر علي حدة‏,‏ ثم تقوم عصابات التهريب بنقلهم عبر حافلات كبيرة الي طرابلس وهناك ينتظرون عدة أسابيع الي أن تنتهي عصابات التهريب من استكمال إعدادها لعمليات تهريبهم الي الضفة الشمالية للمتوسط‏,‏ وحينما يقترب موعد السفر يقسم المهاجرون الي مجموعات يتراوح عدد كل منها مابين‏80‏ و‏100‏ ثم تنطلق بهم عصابات التهريب لمناطق ساحلية‏,‏ تتركز غالبا في محيط مدينة زوارة الليبية التي تبعد عن سواحل إيطاليا بنحو‏150‏ ميلا بحريا يقطعونها في رحلة بحرية قد تستغرق يوما واحدا اذا كان الجو مناسبا‏.‏ ومن زوارة تضع عصابات التهريب المهاجرين في قوارب مقابل مبلغ من المال يتراوح مابين‏900‏ و‏1000‏ يورو‏,‏ لكن الكثير من هؤلاء يفاجأ بأن حرس الحدود الإيطالي قد رصدهم بالرادارات وأجهزة الرصد الليلية المتطورة فيقعون بعد هذا العناء في قبضته ومن ثم يتم إرسالهم في أغلب الحالات إلي معسكر للإيواء أقيم لهذا الغرض في جزيرة لامبدوزا تمهيدا لترحيلهم إلي بلدانهم الأصلية‏.‏
ولا يتحدث غالبية المهاجرين السريين الذين يستقرون مؤقتا في البلد اللغة المحلية العربية مما يفسر انحسار مجالات نشاطهم المهني في الأعمال الشاقة والمتواضعة البناء وغسل السيارات وطلاء الجدران وكنس الأرصفة مهما كانت مؤهلاتهم التعليمية ومهاراتهم المهنية‏.‏ ويمكن علي سيبل المثال إعطاء صورة عامة عن الدخل الذي يمكن للمهاجر تأمينه مقابل هذه الاعمال فأربعة أشهر من هذا العمل تدر عليه دخلا يوازي أجر عام في جامبيا مقابل نفس العمل وفقا للمعلومات التي جمعتها المنظمة الدولية للهجرة من المهاجرين أنفسهم‏.‏
وتدرك السلطات اللليبية جيدا وجود عصابات تهريب علي أراضيها‏,‏ ودخلت بأسلوب مباشر في الحديث عن الآليات الواجب اتباعها للقضاء علي هذه الظاهرة أو علي الأقل للتخفيف منها
ويرجع خبراء الأمن الداخلي الليبي زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعتبرون ليبيا نقطة عبور لهم الي الحدود البرية التي تبلغ‏6000‏ كم الأمر الذي يتعذر معه وضع حراسة فاعلة علي طول هذه الحدود خاصة مع نقص التكنولوجيا العالية والمعدات المناسبة مثل الطائرات المروحية وأجهزة الرادار الساحلية والزوارق السريعة ومناظير الرؤية الليلية‏.‏
وقد بادرت حكومة إيطاليا باعتباره البلد الأوربي الأكثر تضررا من الظاهرة يوم‏3‏ يوليو‏/‏ تموز‏2003‏ إلي توقيع مذكرة تفاهم مع ليبيا للحد من ظاهرة الهجرة وتقديم المعدات والمساعدات الفنية اللازمة لذلك‏.‏
وتعتبر وجهة النظر الليبية أن المنظور الأمني هو مكون واحد في معالجة ظاهرة الهجرة غير القانونية‏,‏ إذ تعتبرها مشكلة إنسانية واقتصادية تجب معالجتها وفق المنظور الإنساني والتنموي الأشمل الذي يتمثل في توفير فرص عمل وضخ استثمارات في الدول الفقيرة من خلال تعاون دولي واسع‏.‏
ورغم أهمية هذا المنظور فإنه من الواضح أن مايتم علي الأرض حتي الآن يتركز حول الإجراءات الأمنية فيما يأتي البعد التنموي في مستويات متدنية من الأهمية ولعل ما أعلن عنه وزير الداخلية الآيطالي جوسيبي بيسانو أثناء زيارته ليبيا يوم‏26‏ سبتمبر‏/‏ أيلول‏2004‏ من رغبة بلاده في الاستفادة من ليبيا كمركز تجميع إقليمي لمكافحة الهجرة غير الشرعية إلي أوروبا ما يؤشر إلي ذلك الواقع‏,‏ خاصة إذا وضع هذا التصريح جنبا إلي جنب مع ما أعلن في ختام تلك الزيارة عن حجم المعدات والمساعدات الفنية التي اتفق الطرفان علي أن تزود بها روما طرابلس للتعامل مع ملف الهجرة والمتمثل في‏30‏ آلية عسكرية وطائرتين بمحركين‏,‏ ومروحية‏412IB‏ وطائرتي استطلاع بحري‏ITR42,‏ و‏4‏ سفن بحرية يعمل علي متنها أفراد من خفر السواحل والشرطة الليبية ويساعدهم‏150‏ شرطيا إيطاليا
وكانت ليبيا قد حملت مجددا في‏2009/4/17‏ دول الاتحاد الأوروبي مسئولية المشاركة في مكافحة الهجرة غير الشرعية وإيجاد حلول شاملة لهذه المشكلة من خلال مشروعات التنمية في دول المصدر لهذه الهجرة‏.‏
وقررت اللجنة الشعبية العامة الحكومة خلال اجتماعها الاربعاء في ذلك التاريخ بمدينة بنغازي التواصل مع دول الاتحاد الأوروبي من خلال قطاع الاتصال الخارجي والتعاون الدولي بغرض التفاهم حول التعاون علي مكافحة الهجرةغير الشرعية كما قررت إعداد مشروع قانون خاص بمكافحة الهجرة غير الشرعية إضافة الي دعم أجهزة حرس الحدود العسكرية منها والأمنية بجميع الإمكانيات بما يمكنها من فرض السيطرة لمنع حالات التهريب والتسلل‏,‏ وبما يجعلها قوة رادعة في مواجهة عصابات التهريب‏.‏ وحسب وكالة الجماهيرية للأنباء أوج فقد أقرت الحكومة الليبية علاوات مجزية ومتميزة للعناصر المكلفة بحماية الحدود والتشديد في تطبيق أحكام التشريعات المتعلقة بدخول وخروج الأجانب إلي ومن ليبيا‏.‏
غير أن كثيرا من الدارسين والخبراء يرون أن الآمال التي تعلق علي مثل هذه الإجراءات تظل غير واقعية‏,‏ لأنه علي ليبيا أن تنظم دوريات حدودية علي طول‏4300‏ كيلومتر‏,‏ والكثير من هذه الاراضي علي حدود مناطق صحراوية شاسعة في النيجر ومالي تغيب عنها سلطة الدولة أو القانون‏.‏
وعلي الصعيد التشريعي فقد صدرت خلال السنوات القليلة الماضية في ليبيا عدة تعديلات علي القانون رقم‏2‏ لسنة‏87‏ بشأن دخول الأجانب ولائحته التنفيذية‏,‏ في محاولة لتنظيم دخول الأجانب إلي ليبيا وتنظيم عملهم بعد الاختلالات التي عرفها حقل الهجرة في البلاد‏,‏ وذلك أساسا نتيجة تدفق الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء‏,‏ وتمنع التعديلات الأخيرة دخول الأجنبي إلا للعمل وبناء علي تأشيرة العمل التي تمنحه فرصة ثلاثة أشهر فقط للبحث عن عمل‏.‏
وتعتبر ليبيا الدولة الوحيدة من دول الاستقبال التي تصادق علي الاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين واعضاء أسرهم‏.‏
كما تم التوقيع علي ميثاق الصداقة الموقع بين ليبيا وايطاليا في اب‏/‏اغسطس‏2008,‏ مما يفتح آفاقا جديدة بالنسبة الي البلدين في هذا المجال‏,‏ وبموجب هذا الاتفاق‏,‏ تتعهد ليبيا بمكافحة الهجرة غير القانونية‏,‏ في حين وعدت روما بتقديم خمسة مليارات دولار خلال السنوات ال‏25‏ المقبلة كتعويضات عن فترة الاستعمار‏.‏
في مقابل ذاك وسعيا من الحكومة الايطالية لاعادة هيكلة وتنظيم قطاع الهجرة لتحقيق اهداف أمنية واقتصادية‏,‏ فقد صادق مجلس النواب الايطالي باللجوء الي الثقة علي التعديلات الثلاثة المدرجة علي مرسوم الحكومة المتعلق بالاجراءات الأمنية في هذا المجال ليصبح اعتبارا من أول يونيو‏2010‏ قانونا رسميا‏.‏ وتتضمن التعديلات الجديدة استحداث جريمة الهجرة غير الشرعية‏,‏ وتمديد البقاء في مراكز التوقيف المؤقت للمهاجرين غير الشرعيين حتي مائة وثمانين يوما‏,‏ وتكوين دوريات أمنية من المدنيين‏,‏ وتشديد عقوبات المادة الحادية والاربعين‏(‏ التعديل الثاني‏)‏ المتعلقة بجرائم المافيا‏.‏
ووفقا للقانون الجديد فان عقوبة السجن ستطبق ضد من يقيم بشكل غير قانوني في ايطاليا‏,‏ بالاضافة الي غرامة تتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف يورو‏,‏ مع فتح المجال للتبليغ عن أي مهاجر وفد الي البلاد بصورة غير قانونية مما يعرضه للتوقيف حتي مائة وثمانين يوما في المراكز المؤقتة مقارنة بمدة شهرين المطبقة الآن‏.‏
وقد طالب وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني المفوضية الاوروبية بأن تقوم‏-‏ قبل انتهاء فترة ولاية التشيك للرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي‏-‏ بصياغة عروض فعالة علي اساس خطة مكونة من سبع نقاط‏.‏ وقد قامت ايطاليا بتقديم هذه الخطة التي تتضمن‏:‏ تحديد آليات علي مستوي المجتمع فيما يتعلق بعمليات البحث والانقاذ للمهاجرين يتقدمها وضع معيار مشترك بين الدول الأعضاء التي تعاني من مشكلة المهاجرين‏,‏ والترويج لاقامة شبكة اوروبية لمراكز الاستقبال‏,‏ بجانب احياء سياسة اوروبية لاعادة دخول المهاجرين تتضمن ايضا حوافز مادية لدول العالم الثالث من ناحية الدعم الفني والهجرة غير الشرعية‏.‏ كما تتضمن أيضا المزيد من مشاركة دول العالم النامي في اقامة دوريات مشتركة تتولاها وكالة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مما يسمح للوكالة بأداء مهمتها في السيطرة علي الحدود الخارجية للاتحاد والتصدي للأزمات واعادة تدشين التعاون مع ليبيا في قطاع الهجرة عبر اقامة نظام للسيطرة علي الحدود الجنوبية الليبية‏.‏
وفيما يتعلق بهذه الخطة أكد فراتيني ترحيب بلاده بتحمل نصف التكاليف مطالبا الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع باقي الدول والبدء فورا في تحديد التقييم الفني اللازم‏.‏ وكانت ايطاليا قد اعلنت في وقت سابق بداية تنفيذ اتفاقية تعاون بين روما وطرابلس في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية تتمثل في تسيير دوريات حراسة بحرية بطواقم مختلطة قبالة السواحل الليبية للحد من تدفق المهاجرين نحو ايطاليا‏.‏
وتكشف الاحصاءات عن انه مع استمرار تدفق الهجرة غير المشروعة علي السواحل الايطالية تتزايد عمليات الترحيل التي حددتها السلطات الايطالية ب‏70‏ الف مهاجر اجنبي من البلاد‏.‏
وفي عام‏2008‏ تم ترحيل‏24234‏ مهاجرا منهم الي بلادهم الاصلية‏.‏ جاء ذلك في اعقاب شن قوات الشرطة لحملة واسعة ضد الهجرة غير الشرعية بعد استراتيجية وضعت بالتعاون مع دول المهاجرين الاصلية وتوقيع اتفاقيات ثنائية‏.‏ وتم ترحيل‏910‏ مهاجرين من دول خارج نطاق الاتحاد الأوروبي لاسباب تتعلق بالامن العام في عام‏2008.‏ وفي نفس العام القت قوات الشرطة القبض علي‏408‏ اشخاص بتهمة المساعدة والتحريض علي الهجرة غير الشرعية‏.‏
فقد صرح وزير الداخلية الايطالي روبرتو ماروني في‏2009/5/19‏ عقب لقائه في طرابلس مع نظيره الليبي عبد الفتاح يونس العبيدي بان انشاء المائدة المستديرة يهدف ايضا الي بلورة سبل العمل الرامية لدراسة طلبات اللجوء فضلا عن التصدي للهجرة غير الشرعية حسب تعبيره‏.‏
وأوضح ماروني ان المعلومات الاستخباراتية للجماهيرية تشير الي أن رد المهاجرين غير الشرعيين بحرا اوقف تدفقهم ليس فقط من ليبيا‏,‏ ولكن ايضا من تونس والجزائر والمغرب علي حد قوله‏.‏
وأكد وزير الداخلية الايطالي ان سياسة الرد قد آتت ثمارها ونحن نتطلع الي استئناف هذه النشاطات مضيفا ان ثلاثة قوارب دورية ايطالية ستبدأ في غضون بضعة ايام عملها من ليبيا وقريبا ستصل ثلاثة زوارق اخري حسب تعبيره‏.‏ يمكن القول اجمالا انه وبالرغم من غياب استراتيجية اوروبية‏/‏ افريقية لمحاربة الهجرة غير القانونية فان الأمر لم يخل من بعض المبادرات المشتركة في هذا الاتجاه والتي يمكن ان نلخصها فيما يلي‏:‏
‏*‏ اطلاق مبادرات مشتركة بين الدول المجاورة لمراقبة الحدود البحرية وقد يتعلق الأمر بتنظيم دوريات مشتركة لكن مثل هذه المبادرات تبقي محدودة‏,‏ فهي الي جانب كونها تتطلب تنسيقا لوجستيا فانها غالبا لايمكنها ان تمتد الي كل المناطق البحرية‏,‏ وبالتالي فان فعاليتها تظل محدودة‏.‏
‏*‏ تنسيق التعاون الأمني علي مستوي المعلومات والمعطيات لتفكيك الشبكات العاملة في هذا الاطار وفي هذا السياق تم منذ عام‏1992‏ احداث مركز المعلومات والتفكير والتبادل بهدف تنمية التعاون بين مختلف الدول فيما يتعلق بالهجرة غير القانونية وتنظيم الانتقال عبر الحدود‏.‏
‏*‏ احداث مجموعة تريفي‏(TREVI)‏ التي تضم وزراء العدل والداخلية‏,‏ وتستهدف اتخاذ اجراءات بين مختلف الدول المتوسطية لمراقبة الحدود وتحديث الترسانة القانونية لردع المهاجرين السريين وكذلك الشبكات المختلفة العاملة في هذا المجال والناقلين سواء منهم البريون أو البحريون أو الجويون الذين أصبحوا مدعوين الي الالتزام باليقطة في مراقبة الاشخاص الذين يتم نقلهم بين الدول‏.‏
‏*‏ السعي في ظروف سياسية خاصة مع وصول حكومات اكثر اهتماما بالمعاناة الاجتماعية الي تسوية اوضاع هؤلاء المهاجرين السريين انطلاقا من بعض الشروط وفي ظل ما يسمي بنظام الحصص‏,‏ وذلك لادماجهم ضمن النسيج المجتمعي والتخفيف من معاناتهم داخل المجتمع الذي يقيمون فيه بشكل غير قانوني‏.‏ وهذا هو المسار الذي سارت فيه بداية الحكومة الاسبانية بقيادة رئيس الوزراء ثاباتيرو قبل ان تظهر بعض التراجعات بضغط داخلي‏,‏ نتيجة لآثار الازمة الاقتصادية العالمية‏.‏
ويبدو إجمالا ان دخول بلدان الشمال الافريقي بقوة الي معادلة الهجرة الدولية لا كدول مصدرة في اغلبها للهجرة فحسب‏,‏ بل كدول عبور للمهاجرين السريين ومن ثمة دول استقبال مؤقت بل دائم لهم في بعض الاحيان‏,‏ يجعلها فضاء نموذجيا للتفكير والعمل مع اطراف المعادلة الاخري في تعميق مقاربة التنمية والهجرة‏,‏ وهي مقاربة يخشي مع التحديات المستجدة التي يطرحها موضوع الهجرة غير القانونية خصوصا ان تتحول الي دائرة مفرغة تبدأ عند المهاجر الذي يتأثر من الحالة الاقتصادية الصعبة ووضعيته الاجتماعية الهشة في بلدان المصدر‏,‏ ومن ثمة يبدأ في التفكير بطرق قانونية للهجرة قصد تحسين وضعه المعيشي‏,‏ إلا أن تشديد الاجراءات القانونية المطلوبة للهجرة القانونية‏,‏ نتيجة المقاربة غير التشاركية لبلدان الشمال يجعله يفكر‏,‏ بضغط من واقعه في طرق بديلة للهجرة‏,‏ مما يوقعه في مشكلات الهجرة غير القانونية وشبكات تهريب البشر عبر الهجرة السرية وقوارب الموت وغيرها من المآسي المصاحبة لهذا النوع من الهجرة‏,‏ وهنا يأتي تدخل دول المقصد علي مستوي الاجراءات الاحترازية التي تمنع وصول اعداد غير متحكم بها من المهاجرين الي اراضيها من جهة‏,‏ ومن جهة ثانية عبر التفكير في دعم ظروف استقرار المهاجرين المحتملين ببلدانهم الاصلية‏,‏ ما يجابه بمعضلة تخلف معدلات التنمية التي تسمح لهم بالاستقرار من خلال استيعابهم في النسيج الاقتصادي لبلدانهم‏,‏ فتبدأ حلقة البحث عن الهجرة من جديد‏.‏
ولعل بلدان الشمال الافريقي بمزاوجتها بين الاجراءات القانونية والميدانية التي تستهدف الحد من الهجرة غير القانونية العابرة لاراضيها‏,‏ وبين مزيد من الانخراط في مبادرات الشراكة البينية‏,‏ والشراكة شمال‏/‏ جنوب بين ضفتي المتوسط‏,‏ والدعوة المستمرة للشركاء الاوروبيين لتحمل مسئولياتهم كاملة عبر مقاربة تشاركية عنوانها التنمية بديل للهجرة غير القانونية‏,‏ تكون بصدد فتح حوار افريقي ودولي للافادة منه في مستقبل التعامل مع الاشكال المستجدة للهجرة‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.