قضية الهجرة غير الشرعية في إفريقيا مازالت وستظل لفترات طويلة القضية الشاغلة والتي تحتاج إلي جهود كثيرة من الجنوب الافريقي ودول الشمال الافريقي والدكتور سمير يودينار من مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية وجدة المغرب قدم بحثا مهما حول الظاهرة خلال مؤتمر التكامل الاقليمي في افريقيا اسقاط الحاجز بين شمال القارة وجنوبها وقال: في هذا الصدد يري الباحث الاسباني يورن زو: إن عدد المهاجرين المغاربة في اسبانيا حاليا يزيد علي المائتي ألف شخص, ويقدر عدد المهاجرين السريين بحوالي اثني عشر ألف شخص سنويا, وأن أسباب تنامي الهجرة, وخصوصا السرية, مردها فرض الدول الأوروبية تأشيرات دخول, وتشددها ضد رعايا دول الجنوب المتوسطي, تلك الدول التي تتفاقم أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية, وخصوصا لفئة الشباب, ولأسباب متعددة أخري كسوء التسيير المحلي, والتأثيرات السلبية للعولمة, بالاضافة إلي دور الإعلام المثير حول أوروبا القريبة والقريبة منه جدا, وكذلك عودة بعض المهاجرين بسيارات فارهة, وبوضع اقتصادي جيد. وقد تضاعف عدد المهاجرين السريين الوافدين بحرا إلي السواحل الايطالية تقريبا خلال السبعة أشهر الأولي من هذه السنة(2008) بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة2007 إذ تخطي ال15 ألفا بحسب احصاءات وزارة الداخلية الايطالية. وقد طلبت ايطاليا قبل انضمام عشر دول جديدة من أوروبا الشرقية تخصيص1% من الناتج المحلي لكل من الدول الأوروبية ال15( وليس25), لتقديمه لدول شمال افريقيا والدول الافريقية الاخري لإقامة مشروعات وأعمال ومعالجة البطالة والحد من الهجرة من الجنوب إلي شمال افريقيا ومن ثم إلي أوروبا هذا البرنامج لم يتم بشكل يحقق أهدافه وهنالك برنامج آخر خصص الاتحاد الأوروبي بموجبه500 مليون يورو وهو ما أطلق عليه برنامج ميدا1 وميدا2 لدول شمال البحر المتوسط بما فيها موريتانيا وهو أيضا برنامج متواضع في إمكانياته إذا قورن مثلا بميزانية العشرة مليار يورو التي خصصها الاتحاد الأوروبي لإعادة إدماج عشر دول في الاتحاد بما فيها مالطا وقبرص ودول البلطيق والبعض من دول وسط أوروبا أي ما مجموعه عشر دول. لقد أصبحت موجات الهجرة السرية القادمة من افريقيا جنوب الصحراء مرورا بدول المغرب العربي في اتجاه أوروبا عنوانا لحركة الهجرة غير القانونية في المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية, في العام2000 خصصت الحكومة الاسبانية25 ألف مليون بسيطة( أكثر من165 مليون دولار) لتحصين مضيق جبل طارق أمام سيول الهجرة السرية باستعمال أكثر التكنولوجيا تقدما في مجال الاستشعار والرصد حتي لا يطأ المهاجرون السريون أراضيها. وقد عبر الكاتب المسرحي الاسباني انتونيو غالا عن هذا المشهد بكل مفارقاته في عمود له صدر بالمناسبة بصحيفة إلموندو الاسبانية تحت عنوان تطهير عرقي, حيث يقول: انه نظام متكامل للمراقبة الخارجية كي لا يحلم أكثر الناس حاجة بالوصول إلي الفردوس.. رادارات بعيدة المدي وكاميرات حرارية وأجهزة مراقبة ليلية وأشعة تحت الحمراء وطائرات مروحية و دوريات.. كل هذا من أجل ثني الساعين إلي دخول سمائنا ولأجل بناء حصن منيع للاسبان25 ألف مليون بسيطة تصرف كي يحرم المحتاجون حتي من الحصول علي بسيطة واحدة.. وتلافيا أيضا لتدفق مهاجرين آخرين ما عادت القارة العجوز في حاجة إلي عضلاتهم وأعبائهم الاجتماعية. فدول الشمال إذن يتوجب عليها الانتهاء من تجريب سياسة الستار الحديدي والقطع مع ازدواجية الخطاب السياسي تجاه الظاهرة الذي أبانت عنه عدد من الإجراءات التي اتخذتها تلك الدول اخيرا, ففي إجراء يقصد منه إغلاق باب الهجرة إلي اسبانيا سنة2009 أعلنت الحكومة الاسبانية يوم2008/9/3 عن التوجه لإلغاء توظيف العمال الأجانب الذين يتم استقدامهم من دولهم الأصلية بحلول عام2009 كأحد الحلول المقترحة لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتزايد نسبة البطالة في البلاد التي وصل عدد من يعاني منها إلي2,5 مليون من بينهم500 ألف أجنبي, أما بخصوص مقترح العودة الطوعية للمهاجرين إلي بلدان المصدر الذي أعلنته الحكومة الاسبانية علي خلفية الأسباب ذاتها( الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة) فقد بين استطلاع للرأي أجرته جمعية العمال والمهاجرين المغاربة باسبانيا ونشرت نتائجه أواخر سبتمبر من هذه السنة(2008) أن83% من المهاجرين المغاربة باسبانيا يرفضون المشروع, بينما أبدي11,8% منهم استعدادهم. للعودة لكنهم رفضوا شروط المغادرة, سواء المتعلقة بالتعويض أو التنازل عن الاقامة. ويقضي المشروع بالعودة الطوعية للمهاجرين العاطلين عن العمل إلي بلدانهن الأصلية مقابل صرف تعويضات بطالتهم علي دفعتين. وفي بريطانيا خلال شهر سبتمبر من عام2008 طالبت لجنة برلمانية من جميع الأحزاب السياسية في مجلس العموم بتشديد قيود الهجرة إلي المملكة المتحدة وإعادة المهاجرين من خارج دول الاتحاد الأوروبي إلي بلدانهم بعد أربع سنوات من الاقامة في بريطانيا, وذكرت وسائل الاعلام في تفاصيل القضية أن المهاجرين سيحصلون بموجب الاقتراحات الجديدة للجنة البرلمانية علي تأشيرة إقامة لمدة أربع سنوات غير قابلة للتمديد يعودون بعد انتهاء مدتها إلي دولهم, وذلك باستثناء المهاجرين المهرة. وهذه الخطوة إذا أقرت تعني تجريد ما يتراوح بين150 و170 ألف مهاجر من حق الاقامة في بريطانيا كل عام, وعدم السماح لأكثر من20 ألف مهاجر من ذوي الكفاءات والمهارات بالإقامة سنويا في المملكة المتحدة. وقد تزامنت هذه الخطوة مع برنامج جديد لوزارة الداخلية البريطانية لتصاريح العمل يهدف إلي اجتذاب المهاجرين من أصحاب الكفاءات بعد أن بلغ عدد المهاجرين إلي بريطانيا في العقد الأخير2,5 مليون مهاجر. 3 سياسات الهجرة لدول الشمال الافريقي تظل أكثر الأطراف الداعية إلي مقاربة دائمة للهجرة هي بلدان الشمال الافريقي لعلمها بأن ظاهرة الهجرة اصبحت هيكلية ودائمة, وأن عليها أن تتعامل معها من منظور استراتيجي, فظاهرة الهجرة السرية, لم تعد مسألة ظرفية بل باتت مكونا هيكليا مازالت الآليات المستخدمة غير قادرة علي تدبيره بشكل يحد من آثاره وانعكاساته, سواء علي دول المنبع او الدول المستقبلة. ويضاف إلي العوامل المساهمة في الهجرة من اقتصاد وسياسة, عامل القرب من أوروبا ذلك أن المغرب يشكل بوابة رئيسية وصلة وصل بين افريقيا وأوروبا, هذا الموقع الجغرافي المتميز علي بعد14 كلم, ساهم في تسهيل عملية انتقال الافارقة علي العموم ومن ضمنهم المغاربة إلي الضفة الشمالية للمتوسط. إن المغرب كغيره من بلدان المغرب العربي وبقية بلدان العالم الثالث يعاني من ظاهرة الهجرة, وذلك بحكم موقعه الاستراتيجي علي المحيط الاطلسي والبحر الابيض المتوسط, الذي شكل علي الدوام واجهة مفتوحة علي أوروبا, وفضاء للتلاقح الحضاري والتواصل البشري عن طريق الهجرة القانونية. إلا أن العقدين الأخيرين عرفا منعطفا خاصا تجلي في تنامي ظاهرة الهجرة السرية, من خلال ما اصطلح علي تسميته ب(قوارب الموت), وتبعا لذلك بدا واضحا ان الغرب متضرر هوالآخر من الهجرة غير المنظمة حيث أخذ يتحول تدريجيا إلي معبر لها, وبلد إقامة لبعض القادمين من بلدان أفريقية من الراغبين في الهجرة نحو أوروبا, إذ يسير آلاف الافارقة مئات الكيلومترات مشيا علي الأقدام للوصول إلي المغرب, البوابةالتي توصلهم إلي اسبانيا, يعيشون في الغابات في انتظار فرصة العبور إلي الساحل الاوروبي, ويسكن المستطيعون منهم في بيوت, اما الأكثر فقرا من بينهم فيلجأون إلي الغابات, حيث يعيشون في بيوت من ورق وأكياس القمامة, يوفرون طعامهم من الغابة, ان غالبية المهاجرين الأفارقة جاءوا إلي المغرب علي أمل العبور إلي اوروبا للحصول علي فرصة عمل تحسن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي, وبعضهم هرب من جور الظروف السياسية التي تمربها بلدانهم. هذه الأوضاع المتدهورة إلي حد كبير في افريقيا, سبب رئيسي في هجرة آلاف الأشخاص من أعماق افريقيا, مجموعات وأفرادا, يجازفون بحياتهم, ويموت بعضهم في الطريق من الجوع والمرض, من أجل الالتحاق ببلدان العبور( المغرب, الجزائر, تونس, ليبيا). وإذا كانت دول الشمال الافريقي تمر بظروف صعبة جعلت مواطنيها بدورهم بلجأون للهجرة, فإن هذه الدول ما انفكت تدعو إلي إدماج المهاجرين في دول الاتحاد الاوروبي وتبذل في نفس الوقت جهودا معتبرة علي العديد من المستويات من اجل محاربة الهجرة السرية, في معركة مفتوحة ضد تجارة البشر التي تجد مادتها متوفرة في افريقيا. والمتتبع لوسائل الإعلام يجد أصداء لهذه المواجهة, فلا يكاد يخلو يوم تقريبا من توقيف العديد من المهاجرين المرشحين للهجرة السرية, معظمهم من البلدان الافريقية. وبفعل التدابير والاجراءات التي اتخذتها هذه الدول امكن تفكيك1200 شبكة متخصصة في تهريب الأشخاص خلال سنة2003, وفي نفس السنة تم بمدينة طنجة وحدها علي سبيل المثال توقيف10598 شخصا متورطا في الهجرة السرية كما تم ايضا تفكيك39 شبكة لتنظيم الهجرة السرية تضم127 شخصا. ولقد كان للتدابير والاجراءات القانونية لمكافحة الهجرة السرية دور ايجابي في ردع بعض شبكات( مافيا الهجرة غير المشروعة) وهو ما يفسر الجمود والتراجع النسبي الذي شهدته حركة الهجرة السرية للمواطنين المغاربة منذ سنة2003, وهكذا تم خلال الفترة من فاتح يناير و31 اكتوبر2003, تسجيل انخفاض لأول مرة منذ سنوات في عدد المواطنين المرشحين للهجرة بنسبة17,53 في المائة, وموازاة مع ذلك سجل ارتفاع بنسبة33,75 في المائة في عدد شبكات الهجرة التي تم تفكيكها. ويتضمن كل من القانون المغربي الجديد حول الهجرة( قانون2 3) الصادر بتاريخ نوفمبر2003 والتونسي رقم6 2004 بتاريخ3 فبراير2004 تجريم الأنشطة المرتبطة بتهريب الأشخاص والهجرة غير القانونية, كما تتجه الجزائر إلي الاتجاه نفسه, فقد صادق مجلس الوزراء الجزائري يوم2008/8/31 علي قانون يجرم تنظيم الهجرة غير الشرعية في البلاد ويشدد العقوبات علي كل من المهاجرين السريين حيث يعاقب الخروج غير المشروع من الأراضي الوطنية بالسجن حتي ستة أشهر, كما أن القانون الجديد يعاقب منظمي شبكات الهجرة السرية الذين سماهم المسئولين عن شبكات الهجرة غير المشروعة بالسجن حتي عشرة أعوام كما يمكن تشديد العقوبة في حال القيام بهذا العمل في إطار مجموعة منظمة. وفي الوقت نفسه فقد صادقت كل دول المغرب العربي علي الاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأعضاء أسرهم, وهكذا كان المغرب ثاني دولة تصادق علي الاتفاقية في21 يونيو,1993 كما صادقت الجزائر علي الاتفاقية التي صدرت بالجريدة الرسمية بتاريخ2005/5/1 والأمر نفسه بالنسبة لليبيا. غير ان هذا العمل يظل رهينا بوقف الاتحاد الاوروبي الشبكات الاخطبوطية الموجودة في الضفة الشمالية للمتوسط, والتي تخطط لعملياتها بشكل سري ومنظم لتهريب المزيد من الأشخاص الراغبين في الهجرة السرية, متسببة في سلسلة من المآسي الانسانية والاجتماعية لعائلات الضحايا. وفي عام ألفين أقيم حول مدينة سبته سوران بارتفاع خمسة وعشرين قدما, ليمنعا تدفق المهاجرين, فانحصر العديد من المهاجرين القادمين من دول افريقيا جنوب الصحراء في مدينة طنجة, ومن بينهم النساء الحوامل اللائي خططن للإنجاب في اسبانيا, كي يحمل اطفالهن الهوية الاوروبية اذا حالفهن الحظ وعبرن المضيق, اما البعض الآخر ممن لم يستطعن عبور الحدود فيزداد واقعهن صعوبة مع وجود أطفال رضع برفقتهن. 4 التأثيرات المحلية للهجرة السرية علي بلد العبور وقدرات التجاوب: تشترك دول الشمال الافريقي في تعرضها لتأثيرات الهجرة العابرة لأراضيها وذلك بالنظر إلي موقعها الجغرافي وتحدياته الجيواستراتيجية من جهة, ولمحدودية امكاناتها في التعامل مع استحقاقات ظاهرة الهجرة الدولية بتداعياتها ونتائجها, ورغم ما بين هذه الدول من تفاوت في الوضع الجغرافي والامكانات الاقتصادية والقدرات الأمنية, فإنها تشترك في تعرضها لنتائج حركة الهجرة العابرة لأراضيها علي المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية وغيرها, مما استوجب خططا وبرامج للتعامل مع الظاهرة وتداعياتها.