اختتم امس الاحد في القاهرة مؤتمر التكامل الاقليمي في افريقيا اعماله والذي نظمته مؤسسة شركاء التنمية للبحوث والاستشارات والتدريب المصرية خلال الفترة من5 الي7 الشهر الجاري وشارك فيه عدد من المتخصصين الافارقة في مجالات الاقتصاد وعدد من بيوت الخبرة في مصر وافريقيا تناولوا فيه كثيرا من القضايا التي تتعلق بدور المرأة والتكامل الافريقي ودور مبادرة نيباد واتفاقية الشراكة الارومتوسطية والاختلافات العرقية والدينية واثرها علي مسار التنمية المتبادلة مع الشمال الافريقي. واشارت دراسة قدمت في المؤتمر الي ان العلماء والسياسيين اتجهوا من مختلف الاتجاهات السياسية لتقسيم افريقيا الي قسمين منفصلين وغير مرتبطين الي حد ما احدهما هو العربي الاسلامي, والثاني هو الاسود الافريقي, حيث افريقيا السوداء هي تلك التي تضم مختلف المجموعات العرقية والاثنية وتعتنق المسيحية والاسلام والديانات التقليدية, وهكذا, ثم تبني نوعين او نمطين من الوحدة الافريقية الوحدة عبر الصحراء الكبري, والوحدة جنوب الصحراء, وفي هذا التمييز الذي هو ايديولوجي وتاريخي ثقافي ركز التعاون العربي الافريقي في الخمسينيات والستينيات علي الدعم المتبادل ما بين الشمال العربي وجنوب الصحراء الكبري الاسود في افريقيا لتأسيس منظمة الوحدة الافريقية, وكذلك النضال ضد الفصل العنصري والعنصرية والامبريالية والاستعمار الجديد, في حين شهدت السبعينيات دعم جنوب الصحراء والقضية العربية في الصراع العربي الاسرائيلي مما ادي الي موجة من قطع العلاقات الدبلوماسية بين العديد من البلدان الافريقية جنوب الصحراء الكبري مع اسرائيل وانعقاد اول مؤتمر قمة عربي افريقي. وتحدثت الورقة عن قضايا مشتركة ومجالات عديدة للتعاون التي يمكن ان توفر اساسا لاستمرار التعاون العربي الافريقي, وان دور شمال افريقيا في تعزيز هذه القضايا ليس محل شك حيث ان دول شمال افريقيا لم تلعب دورا حيويا في تشكيل منظمة الوحدة الافريقية فقط, ولكن ايضا لعبت ادوارا قيادية واخري وسيطة في اعادة هيكلتها, ولقد بلغت هذه المساهمات ذروتها في تأسيس الاتحاد الافريقي, وقد بدأت بعض بلدان شمال افريقيا احياء التعاون العربي الافريقي الذي من شأنه ان يقضي الي عقد مؤتمر القمة العربي الافريقي الثاني لمناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك بين العالمين العربي والافريقي في حين ان بعض دول شمال افريقيا لعبت دورا حيويا في صياغة وتنفيذ خطط التنمية في افريقيا كما هو منصوص عليه في الشراكة الجديدة من اجل تنمية افريقيا نيباد والتي هي الذراع الاقتصادية للاتحاد الافريقي. فيما جاء في دراسة اخري بان هناك العديد من الافتراضات حول العلاقة بين شمال افريقيا وبقية افريقيا بحاجة الي اعادة نظر, احد هذه الافتراضات هو ان شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء الكبري تتفاعل مع بعضها البعض كمجموعتين او كتلتين منفصلتين, او علي الاقل علي مستوي معين من الانسجام داخل كل مجموعة بحد ذاتها, ان هذا الافتراض يمكنه بالكاد تفسير التنافر والتباعد داخل كل مجموعة, وهي الفرضية التي يمكن ان تثبت من خلال الدراسات التجريبية, علي وجه الخصوص سنجد ان دراسة مواقف دول شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء الكبري في اي صراع بين شمال افريقيا ودوله من جنوب الصحراء الكبري من المرجح ان يقدم لنا امثلة وافرة حول وهم الفجوة المفترضة بين شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء الكبري, انني اركز عمدا علي الصراعات, وليس التعاون, لان الصراعات توفر اصعب الاختيارات لهذا الانقسام المفترض والمزعوم علي اساس ان الصراع يبرز ويكشف بينما التعاون يغطي ويحجب الخلافات والفوارق بين الدول والاعراق. وهذه الدراسة تهدف الي اختبار العلاقة بين الهويات فيما بين الدول المتصارعة من ناحية, وهويات حلفائها من جهة اخري, وبقدر ما يفترض وجود فجوة وانقسام بين شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء الكبري المعنية, اقارن بين مواقف دول شمال افريقيا ودول جنوب الصحراء في اثنين من الصراعات بين دولة من شمال افريقيا ودولة من جنوب الصحراء الكبري, وهما مصر واثيوبيا علي التوالي, هذه الصراعات تتعلق بعضوية مصر في السوق المشتركة لشرق وجنوب افريقيا الكوميسا , وبتوزيع موارد مياه نهر النيل وهو ما يمثل موضع قلق امني وتنموي خطير لكلا الدولتين كما انه هو السبب الاساسي للصراع الاول الناشيء بينهما. كما طرح المؤتمر عددا من الاسئلة حول كيفية النظر الي شمال افريقيا في جنوب افريقيا علي مستوي مؤسسات البحوث الاكاديمية؟ وما هي القضايا التي تتصدر جدول اعمال ابحاثها؟ وما هي المنهجيات والموارد التي يتم استخدامها؟ وجاءت الاجابة عن هذه التساؤلات من خلال رؤية تحليلية حول كيفية بحث ودراسة شمال افريقيا في افريقيا جنوب الصحراء الكبري وفي القارة الافريقية بصورة عامة وفي دولة جنوب افريقيا علي وجه الخصوص, وتجادل الدراسة بان النظر الي الشمال الافريقي يكون عادة من خلال التركيز علي الحركات الاسلامية والقصور الديمقراطي في هذا الاقليم, وبالتالي تجنح مؤسسات البحوث في جنوب افريقيا الي طرح القوالب النمطية حول شمال افريقيا كمنطقة مليئة بالدول السلطوية والحركات المتطرفة, ومن المسائل ذات الصلة ايضا, ذلك الاعتماد علي المصادر الثانوية, والتي هي غريبة في معظمها, ولذلك يميل العلماء والباحثون في جنوب افريقيا في النظر الي شمال افريقيا من خلال العدسات والمنظورات الغربية, وتقترح هذه الورقة مواضيع جديدة ومجالات للبحث لاستكمال جدول اعمال البحوث الحالية كما تبين بعض السبل للنهوض بالتعاون البحثي بين شمال افريقيا ومناطق جنوب الصحراء. كما بحث المؤتمر اثار السياسات الوطنية والاقليمية لبعض دول الشمال الافريقي تجاه ظاهرة الهجرة غير القانونية علي اتجاهات تطور الظاهرة من جهة, وعلي اثارها الاجتماعية والقانونية علي الصعيد الافريقي من جهة اخري, باعتبارها من التحديات المستجدة التي تواجه دول الشمال الافريقي في هذا المجال, وذلك اعتبارا لموقع هذه الدول كدول عبور, مما يقتضي دراسة قدرات التجاوب لدي هذه الدول من خلال سياساتها تجاه الهجرة الافريقية, وامكانات التكامل في السياسات الافريقية شمال وجنوب الصحراء في ذات المجال, وخصوصا التعامل مع الهجرة غير القانونية.