لا يزال الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل يواصل قراءة مستقبل الوطن مستعينا بأحداث الحاضر، في حلقة أمس التي أجرتها الإعلامية لميس الحديدي، بعنوان جسر إلي مستقبل، وتنشرها جريدة الأهرام في عدد اليوم الجمعة. يقول هيكل أتمني أن تسود الحياة المدنية، ولكننا الآن في دولة مهددة بالفشل، ونحتاج رئيسا قادرا علي الإمساك بزمام الأمور ، موضحا أن هناك تغييرا في الموقفين الأوروبي والأمريكي تجاه مصر حاليا، بعد اكتشاف الغرب أن الإسلاميين قد يكونوا جاهزين لأي شيء إلا الحكم، حيث أدرك الغرب أن الرهان علي التيار الإسلامي ليس مأمونا، وشاهدهم في ذلك ما يحدث في سوريا وفي دول إفريقية كثيرة. ولذلك فالمطلوب من الرئيس الجديد أن يعيد للدولة هيبتها داخليا وخارجيا.. في ظل وجود معطيات الدولة من انتخاب رئيس وبرلمان..ويقول هيكل مشخصا الحالة المصرية حاليا إن مصر بسبب متغيرات حولها وداخلها وصلت إلي نهاية طريق، وإذا لم يستطع أحدهم الرئيس أن يمسك بهذه الدولة، ويحول دون أن تتحول لدولة فاشلة فنحن في خطر، وإذا كان السيسي من خلفية عسكرية، فالقوات المسلحة هي الضامن لسلطة الإجبار النهائية، ولابد أن يكون للرئيس القادم سلطة علي القوات المسلحة، ولديه سلطة المعني والفكرة، بالرغم من أنني أتمني أن تسود الحياة المدنية لأنها تعطي فرصا أكبر. وحول فرص التكافؤ بين السيسي وحمدين كمرشحين رئيسيين لانتخاب الرئاسة، يؤكد هيكل أن الفرصة غير متكافئة بين من له شعبية جارفة وجرب في أزمة معينة، وكل الأنظار متجهة إليه ولديه خلفية عسكرية كفيلة، وهو مرشح ضرورة، وبين مرشح آخر. وحول الدور المطلوب من الرئيس القادم تجاه المخاطر الخارجية، يري الأستاذ هيكل، أن مشكلة المياه وما يحدث في ليبيا، أهم تحد يواجه الرئيس القادم، وعليه أن يستعيد دور مصر الإفريقي، ويواجه ما يحدث علي الحدود مع ليبيا، خاصة مع وجود القاعدة في ليبيا، ومخاطر تقسيمها. وعن المواجهة المحتملة للرئيس القادم مع قطر وقناة الجزيرة يقول هيكل إن علاقتي قوية بأمير قطر السابق الشيخ حمد، وأعتبر الشيخ تميم مثل أبنائي، وقطر تقوم بدور سياسي يفوق طاقتها، ولكنها تخدم به القوي الأجنبية، وأعتقد إذا كانت قطر خطرا علي مصر، فالخطأ في مصر وليس قطر، لأن أمير قطر السابق قال لي: هل كان يجرؤ أحد علي فتح فمه و كانت مصر هي مصر، وبالتالي ما هي الجزيرة التي نتحدث عنها الآن وكنا من قبل نواجه بريطانيا وفرنسا والبي بي سي، فالجزيرة فقدت مصداقيتها بعدما كانت منبرا إعلاميا وسلطة ناعمة، وتحولت للإنحياز والتحريض، وعلي الرئيس القادم أن يجرب بطريقة حاسمة وسريعة مع قطر، وأنا أتحدث عن قوة حقيقية وليست اصطناعية »بلاستيك«، وما يحدث من قطر الآن خطر علي قطر قبل أن يكون خطرا علي مصر خاصة بعد تغير المواقف في دول الخليج ضد قطر، وبعد تغير المواقف الأمريكية الأوروبية تجاه الإسلاميين. ويضيف هيكل أن زيارة أشتون الأخيرة لمصر ما هي إلا انعكاسات لتغيرات أساسية في التفكير الأوروبي الأمريكي تجاه الإسلاميين، فالغرب كان يتصور أن الإخوان المسلمين هم البديل لنظام مبارك، وساعدوهم علي ذلك، ولكنهم اكتشفوا أن الإخوان قد يكونون صالحين لقتال، ولكنهم ليسوا جاهزين لحكم، ثم بدأوا يرون آثار ما نعلوا في بريطانيا وبعض دول إفريقيا، ولذلك أدرك الغرب أن الرهان علي التيار الإسلامي ليس مأمونا، وشاهدهم في ذلك ما يحدث في سوريا، ولذلك أصبحت أشتون وغيرها أكثر تفهما بأن القائم انتهي، وأن الناس لا يقبلون العودة إلي الوراء، وليست زيارة أوباما للسعودية إلا تعبيرا عن هذا الفهم الجديد، كما أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في زيارته الأخيرة لمصر طلب من السيسي ألا يترشح للرئاسة، فقال السيسي له هناك مطالب في الشارع، فنصحه كيري بعدم الترشح، ولكنه ترشح ضد رغبة الأمريكان، وهو أمر جديد علي أمريكا أن تأمر فلا تطاع. ولأن الغرب بدأ يفهم طبيعة التيار الإسلامي يقول هيكل إنه تقديرا للمواقف وتباينها تم إعلان جماعة بيت المقدس جماعة إرهابية، بعدما أدرك الغرب خطر ومخاطر الإسلاميين في سوريا وفي دول إفريقية، مثل الموقعين بالدم في مالي، وبوكو حرام وشباب الجهاد في الصومال، وفي كينيا وأوغندا ونيجيريا. وحول دور تركيا فيما يحدث بالمنطقة العربية يقول هيكل إن تركيا تشبه رجلا يضع قدما في أوروبا وأخري في الشرق الأوسط، وان أردوغان بدأ كعامل في جراج وشق لنفسه طريقا حتي أصبح عمدة أصابه الغرور إلي حد العصمة، وعندما أغراه الأمريكان بالدور العثماني تصور أنه انتقل من بائع سميط إلي خليفة للمسلمين. وأعتقد يقول هيكل أن الرئيس الجديد عليه مسئولية مواجهة هذا الدور التركي باستعادة علاقته القوية بسوريا وحتي مع إيران، ولا يمكن إغفال إيران في أي سياسة قادمة، حتي لا نترك لها الخليج، كما يجب علي الرئيس القادم أن يكون مصدرا لقوة الخليج في مواجهة الدور الإيراني في المنطقة. وحول ما يحدث في سوريا، يؤكد هيكل أن الثورة السورية فشلت فعلا، فقد كان هناك أسباب موجبة للثورة، ولكن الموجود الآن هو الجيش الحر، وأعتقد أنه ليس أمام السوريين إلا حق البقاء المقدم علي حق الاختيار، وهم لا يستطيعون المغامرة في ظل الظروف الحالية، والنظام السوري غير مستعد للسقوط، وهناك انتخابات ستحدث وسيرشح بشار الأسد نفسه وسوف ينجح، لأنه أمام شعبه يجد المبرر الكافي للبقاء بحجة دفاعه عن بلده، وإن كانت سوريا مقبلة علي المزيد مما يحدث فيها، وسوف يظل الموقف الروسي علي صلابته تجاه سوريا، وهو الأمر الذي يجعل أمريكا لا تجازف بنفسها في الأزمة السورية. وحول الوضع في لبنان والإقبال علي انتخاب رئيس جديد يؤكد هيكل أن سمير جعجع لن يلقي قبولا لدي سوريا وفريق 14 آذار، ولن يستطيع أن يكون واجهة لبنان المسيحية أمام الغرب، مشيرا إلي أن العماد ميشال عون هو الأقرب والأنسب لمنصب الرئيس اللبناني، وإن كان لم يترشح حتي الآن، لأن أي رئيس لبناني لابد أن يكون بتوافق سوري سعودي شيعي، لأن الشيعة في لبنان أغلبية مسلمة، وحسن نصرالله يدرك ذلك جيدا، ولا أعتقد أن سمير جعجع يلقي قبولا شيعيا، ولذلك ففرصته في الفوز بمنصب الرئيس قليلة. وحول انتخابات الرئاسة في الجزائر، يري هيكل أن بوتفليقة بالرغم من مشكلاته الصحية، مستمر في السباق الرئاسي، والجزائر ذاقت ويلات الإسلاميين، وهناك في الجزائر من لا يرغب في تغيير الأوضاع، حتي لا تنفلت الأمور وتنزلق للأسوأ. وحول الدور الروسي في العالم عامة، وسورياوأوكرانيا خاصة، يقول هيكل، إن الموقف الروسي حاليا في مواجهة انفراد أمريكا بالقوة في العالم، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي كان لابد للروس أن يستعيدوا قوتهم لإعادة تصحيح ما حدث، وظهر الموقف الروسي بقوته في الأزمة السورية، خاصة بعد ما تأكد الغرب أن مجزرة الكيماوي التي حدثت في سوريا، ليست نتيجة الغاز الموجود في سوريا، بل نتيجة الغاز التركي، ولذلك لعبت روسيا دور المعطل لرغبة أمريكا في التدخل في سوريا، وتراجع أوباما عن ضرب سوريا بعد التقارير التي أثبتت أن الغاز السام ليس سوريا، كما أن العسكريين الأمريكان واجهوا أوباما بالحقائق وأخبروه بمخاطر التدخل في سوريا. وازداد الموقف الروسي صلابة كما يؤكد هيكل خلال أزمة أوكرانيا، حيث كانت أوكرانيا جزءا من الاتحاد السوفيتي، بل كانت كييف عاصمة لروسيا القيصرية في وقت من الأوقات، وعمر دولة أوكرانيا أصلا لا يتعدي الثلاثين عاما، وبالتالي فالدور الروسي في أوكرانيا حق تاريخي، ولولا فك الحصار عن ميدان التظاهرات بأوكرانيا ما حدث فيها هذا الانقسام، ولأن الأمريكان منزعجون جدا مما يحدث في سوريا والدور الروسي فيها، كانوا يشجعون القلاقل في أوكرانيا، وما حدث أن تظاهر الناس في ميدان تحيط به المصالح الحكومية والبرلمان وكان يقودهم رجل مسلم، وكان الميدان يشبه ما يحدث في رابعة العدوية عندما اعتصم بها الإخوان، ولذلك بمجرد فك الحصار هاجم المتظاهرون المباني الحكومية واحتلوها وخلقوا وضعا جديدا استدعي التدخل الروسي. ويري هيكل أن قضية القرم حقيقية وليست مفتعلة وهي جزء من روسيا.