يكاد يكون الخلاف سمة أساسية للمشهد السياسي، وخطورته أن البعض يوظفه لصالح الهجوم على التيار المنافس. وكانت أحدث مجالاته، قرار المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض بنود قانوني مباشرة الحقوق السياسي وانتخابات مجلس النواب. ومن بين تلك التعديلات حظي البند المتعلق بعدم دستورية منع رجال الجيش والشرطة من التصويت بالانتخابات بحيز كبير من الجدل والانقسام السياسي بين القوى الوطنية ما بين مؤيد ومعارض، ولكل وجهة نظره المنطقية. فالمعارضة أو الجزء الأكبر منها، أيدت قرار الدستورية إعمالاً بمبادئ المساواة وحقوق المواطنة بين المواطنين التي يؤمنها الدستور الجديد، ومن ثم لا يجوز منع أو استثناء شريحة من ممارسة حقوقهم السياسية بما فيها التصويت بالانتخابات. أما أغلب القوى الإسلامية فقد عارضت القرار بوصفه مسعى لتسييس المؤسسات الأمنية ونقل الصراعات السياسية داخلها، في وقت تحرص فيه على الابتعاد عن تلك الصراعات خلال تلك المرحلة الانتقالية الصعبة. وتصويت العسكريين ليس بدعة، وإنما معمول به بالعديد من الديمقراطيات الغربية دون مضاعفات سياسية كما يتخوف البعض، كما أن رجال الجيش والشرطة كان يشاركون في الانتخابات وشاركوا في الاستفتاء على دستور 1971. إلا أن حالة الاحتقان السياسي وما تقوده لاستقطاب تثير تساؤلات حول إمكانية صمود المؤسسة الأمنية المصرية أمام محاولات التسييس والانقسام السياسي. من جانبه، أيد حزب الوفد قرار الدستورية، حيث أكد الدكتور عبد الله المغازي أستاذ القانون الدستوري والمتحدث الرسمي باسم الحزب لبوابة الأهرام أن ما صدر من المحكمة حول المشروعين قرار وليس حكمًا كما يعتقد البعض، لكون الأول بناء على الرقابة المسبقة التي منحها إياها الدستور، أما الحكم فلا يكون إلا إذا كانت هناك دعوى مرفوعة أمام المحكمة. ومن ثم طالب القانونيين بمجلس الشورى أن يتقدموا باعتذار مكتوب للشعب عن الأخطاء القانونية التي وقعوا فيها للمرة الثانية، والتي أوصلتنا حسب قوله إلى أن تعيد الدستورية القانونين للمجلس مرة أخرى. وفيما يتعلق بالشق الخاص برجال الجيش والشرطة طالب بوجود ضوابط تحكم عمليات تصويتهم بالانتخابات، منها أنه لا يحق لأي فرد إعلان تأييده ودعمه العلني للأحزاب أو المرشحين للانتخابات، وأن تكون هناك عقوبات مغلظة على القادة الذي يرغمون الرتب الأدنى والجنود الأداء بالأصوات لصالح تيار أو حزب معين، حتى لا تحدث انشقاقات وخلافات داخل تلك المؤسسة الأمنية. وتلك الضوابط يراها المغازي حاكمة لإدارة المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر، لكون تصويت هؤلاء معمولا به بالعديد من النظم السياسية من حولنا تحقيقًا لمبدأ المساواة والمواطنة وحرية التعبير. وأكد حزب المصريين الأحرار أن هؤلاء مواطنون مصريون لا يستطيع أحد منعهم من ممارسة حقوقهم السياسية، وقال شهاب وجيه المتحدث الإعلامي للحزب إن هناك مجندين يقضون فترة خدمتهم الإلزامية بالجيش ثم يعودون للحياة المدنية من جديد، فهؤلاء يجب توضيح حالتهم لكون قرار الدستورية يحتاج لحوار مجتمعي موسع لتجنب توجيه تصويت هاتين الكتلتين في التصويت لصالح تيار معين. واعتبر وجيه رفض التيار الإسلامي لقرار المحكمة بسبب العداء غير المبرر بين الطرفين، فحسب توصيفه فإن التيار الإسلامي يري أن قرارات المحكمة الدستورية ضد مصلحتهم الشخصية ويتهمون المحكمة بالتسييس. وأيد تلك الحقوق الأصلية الدكتور محمد أبو الغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، من خلال دعمه تصويت رجال الشرطة والجيش بالانتخابات بشكل عام، وإلا أنه اتهم جماعة الإخوان المسلمين بتعمد إصدار مشاريع قوانين معيبة لتضيع الوقت وصرف الانتباه عن القضايا الرئيسة داخل المشهد المصري. واتفق مع هذا الرأي محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية بقوله: هناك نية مبيتة لدى الجماعة والرئيس لعدم إجراء انتخابات مجلس النواب في موعدها نظرًا لمخاوفهم من تأثيرات تراجع شعبيتهم وتأييد الشارع لهم على عدد المقاعد التي يمكن الحصول عليها بتلك الانتخابات، وإضاعة الوقت حتى يكون لديهم متسع من الوقت الاحتفاظ بالسلطة التشريع داخل مجلس الشورى أكبر وقت ممكن يمررها خلالها القانون التي تخدم مصالحهم. واعتبر أن جلسة الحكم بحل مجلس الشورى يوم 2 يونيو القادم ربما تحدث مفاجأة تجعل الجماعة تعيد الحسابات بشأن انتخابات مجلس النواب. كما أيد هذا الحق حسين عبد الرازق القيادي بحزب التجمع، الذي أكد أن أغلب البلاد الديمقراطية تسمح بهذا التصويت، وأنه شخصيًا يميل لذلك بشرط أن يتم تصويتهم ببطاقة الرقم القومي وليس بوحداتهم وبذلك يكون التصويت بعيدًا عن أي ضغوط قد يتعرضون لها. وأشار إلى أن قرار الدستورية كان مفاجئًا ولكنه استند إلى مبدأ المساواة بين المواطنين، رغم أنه سيثير جدلاً كبيرًا بين القوى المجتمعية وقد يؤدي لوجود انحيازات حزبية داخل الجيش والشرطة، حيث كان مسموحًا قبل عام 1976 بتصويت رجال الجيش والشرطة بالانتخابات، نظرا لعدم وجود تعددية حزبية في مصر. ومنذ بدء التعددية الحزبية عام 1976 أصبح غير مسموح لقوات الجيش والشرطة إضافة للقضاة بالإدلاء بأصواتهم بالانتخابات على أساس انه يمثل اشتغال بالعمل الحزبي. أما معارضو تصويت رجال الجيش والشرطة بالانتخابات فقد تجاوز التيار الإسلامي لصالح بعض القوى المدنية. إذ رفض ماجد سامي الأمين العام لحزب الجبهة الديمقراطية مشاركة أفراد الجيش و الشرطة في أي انتخابات مؤكدًا ضرورة ابتعادهم عن السياسة تمامًا. ووجهة النظر هذه شاركه فيها عبد الظاهر مفيد أمين التثقيف بحزب الحرية والعدالة والعضو البارز بجماعة الإخوان المسلمين، فبعدما أكد إلزامية قرارات الدستورية وإصرارها على تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، أوضح لبوابة الأهرام أن هذا السماح يعني تدخل الجيش والشرطة في أتون الصراعات السياسية والحملات الانتخابية ويبعدهما عن المهمة الأساسية لهما حفظ الأمن بالداخل والخارج. منوهًا أنه حال السماح لهم بهذا الحق فإنه يستلزم السماح للأحزاب والمرشحين الدعاية الانتخابية داخل الوحدات العسكرية وأقسام الشرطة، ما يعزز من تسييس المؤسستين، موضحًا أن تلك المسألة لا تتعلق بالتطبيق المجرد لنصوص الدستور، وإنما مقتضيات الأمن القومي ومنطقية إبعادهما عن العمل السياسي. إلا أن ناصر الحوفي عضو اللجنة القانونية بالحزب أكد وجود توجيه من الحزب لقياداته بعدم الخوض في قرار الدستورية، مؤكدًا أن مجلس الشورى المخول للرد على قرارها وأن الحزب ليس طرفًا في هذا القرار. حقيقة أكد عليها أيضًا محمود عامر عضو الهيئة العليا للحزب، فيما امتنعت الدكتورة عزة الجرف عن التعليق على القرار. إلا أن أشد هجوم تعرض له قرار الدستورية أتى من جانب حزب البناء والتنمية، حيث أكد طارق الزمر عضو المكتب السياسي للحزب أن المحكمة استطاعت بعبارة صغيرة أن يعبث بهيئة الناخبين وأن تهدد حياد الجيش والشرطة اللازمين لتأمين ونزاهة الانتخابات. وتساءل عبر "توتير" عن الكيفية التي يمكن للدستورية بها حماية نزاهة الانتخابات من الأوامر التي تصدر للجنود بالتصويت لمرشح بعينه قائلاً: كيف سيقوم الجنود بحماية الانتخابات والقيام بالتصويت وتأمين حدود البلاد كل ذلك في توقيت واحد، وكيف يحافظ الجيش والشرطة على حيادهما بعد ذلك. واتفق معه حاتم عزام نائب رئيس حزب الوسط والمنسق العام لجبهة الضمير، الذي أكد أن السماح بهذا يهدد استقرار الدولة المصرية ويقودنا للمجهول. أما حزب النور فقد التزم الحياد التام، وأكد عبد الله بدران رئيس الكتلة البرلمانية للحزب أن قرار الدستورية كان متوقعًا وأن الحزب تحدث عن ضرورة مراجعة هذين القانونين في بعض البنود وأن الحزب قدم 4 ملاحظات على بنود قانون الانتخابات و6 على مواد قانون العزل السياسي. وأن الحزب يدرس حاليًا قرار الدستورية لبلورة موقف سياسي حتى يخرج القانون بصورة نهائية شاملة.