د. وحيد عبدالمجيد اجتهادات فى تعليقه على الاجتهاد المنشور فى 15 ديسمبر الحالى تحت عنوان عدم اليقين، لفت الصديق د.عبد الفتاح منصور انتباهى إلى بدايات تطور كبير يحدث، ويُبَّشر بنقلة نوعية فى الفلسفة والعلوم الاجتماعية، باستخدام الإمكانات غير المحدودة الناتجة عن الثورة الصناعية الرابعة، وخاصة الذكاء الاصطناعى. ويقود هذا التطور أساتذة فى بعض الجامعات الغربية، وفى مقدمتها هارفارد، حيث يُدرَّس علم العقول أو الذهنيات Mentalities Science، الذى يبدو أنه سيكون نقطة تحول فى مجال العلوم الاجتماعية، عبر دمج الذكاء الاصطناعى فى علوم الاجتماع والنفس والأنثروبولوجيا والتاريخ، فضلا عن الفلسفة. ويختلف هذا العلم تماما عما قصده الفيلسوف الألمانى الكبير فيلهلم دلتاي بفن الفهم والتأويل الذى يرى بعض الدارسين أنه كان ممكنًا أن يتطور إلى علم للعقل إذا وجد من يواصل العمل عليه ويُطَوره. وإذ لم يحدث ذلك، فقد بقى إسهام دلتاى فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر جزءًا من علوم التأويل (الهرمنيوطيقا) التى تُعنى بتطوير مقاربات لتفسير وفهم النصوص الأدبية والفلسفية والدينية، منذ أن وضع الفيلسوف الألمانى فريدريك شليرماخر الأساس لعلم يُساعد فى عملية التفسير فى أوائل القرن التاسع عشر. يهدف علم العقول أو الذهنيات، فى بدايته الأولى الراهنة، إلى ملاحقة النقلة الكيفية فى عدد متزايد من العلوم الأساسية التى تستفيد الآن من إمكانات الثورة الصناعية الرابعة. وإذا أخذنا عملية تطوير لقاحات لمواجهة فيروس كورونا مثالا، لكونها موضع متابعة فى العالم كله، نجد أن بعضها يعتمد على تكنولوجيا الهندسة الوراثية التى لم يكن للعلم أن يعرفها قبل الثورة الرابعة. ويسعى علم العقول أو الذهنيات، أو بالأحرى مشروع هذا العلم الذى يولد الآن، إلى دراسة العقل، والكيفية التى يعمل بها من الناحية التقنية، ومصادر الذكاء والعوامل المؤثرة فيه، والتغيرات التى تحدث فى الذاكرة، وتعقيدات السلوك الإنسانى، والتغير السريع فى مفهوم المعلومات، وكيفية الاستفادة منه فى تحقيق تراكم معرفى. وتُجرى هذه الدراسة وفق مناهج جديدة بُدئ فى تطويرها اعتمادًا على الذكاء الاصطناعى والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء، وغيرها من الإمكانات التى تتيحها الثورة الرابعة.