أتذكر دائمًا عبارة وردت في الرواية الشهيرة "أولاد حارتنا" للأديب المصري العالمي الأشهر نجيب محفوظ (آفة حارتنا النسيان). وهي ليست مجرد كلمة في رواية أحدثت الكثير من الجدل؛ إنما هي ببساطة شديدة اختصار موجز لطريقة تفكير شعب أصبح ينسى كل شيء، وينسى أعظم حضارة أقامها للإنسانية من سبعة آلاف سنة. وقد أدرك نجيب محفوظ مبكرًا العديد من آفاتنا كمصريين والتي ساعدت بوعي أو بدون وعي على تحمل المصريين الكثير من النوائب والكوارث؛ لأننا باختصار شعب يبدأ في كل مرة من جديد.. وهو ما ينطبق على الفساد والرشوة والمرتشين برغم ما يبذله رجال هيئة الرقابة الإدارية المخلصون في حربهم ضد الفساد والفاسدين والمفسدين والراشين والمرتشين، ولا شك أن قضية مكافحة الفساد تعد القضية الرئيسية بالنسبة لجميع دول العالم؛ سواء كانت دولًا متقدمة أو نامية.. الفساد بكافة أشكاله ظاهرة منتشرة في جميع دول العالم ولكن بدرجات متفاوتة وخطورته على النظام الإداري والاجتماعي؛ لذلك وضعت الأممالمتحدة اتفاقية دولية لمكافحة الفساد بغرض تنسيق الجهود الدولية لمكافحته من خلال دعم النظم الوطنية لكل دولة حتى تكون انطلاقة لجميع الدول وأفراد المجتمع الدولي لمحاصرة الفساد والرشوة ومكافحته.. وبالفعل وضعت الأممالمتحدة اتفاقية لمكافحة الفساد بعد اعتماد من الجميعة العامة للأمم المتحدة بموجب القرار رقم 58/4 بتاريخ 21/10/2003 م، وعلى الفور انضمت مصر لهذه الاتفاقية إيمانًا منها بأن قضية مكافحة الفساد لا تقل أهمية عن مكافحة الإرهاب، وخصوصًا عقب ثورتي 25 يناير و30 يونيو التي نحتفل بالذكرى الخامسة لها هذه الأيام، ونجاحها في إنقاذ مصر من الفتنة الكبرى والمؤامرة الخبيثة، وفوضى كونداليزا رايس الخلاقة ضمن المشروع الأمريكي الإخواني لتفتيت مصر وتقسيمها تمهيدًا لخلافة مزعومة، الحمد لله الذي نجانا من شرورهم بفضل ثورة 30 يونيو.. ومن بعدها لم تعد الحرب على الإرهاب فقط وإنما على الفساد والفاسدين والمرتشين، وهو ماتقوم به هيئة الرقابة الإدارية على أحسن وجه، خاصة بعد أن تسلحت بدعم القيادة السياسية ومؤسسة الرئاسة في كشف أي قضايا فساد أو رشوة، والقبض على كل أطرافها مهما كانت مواقعهم وحسب نص الدستور (دستور 2014م)، وفي المادة 218 "تلتزم الدولة بمكافحة الفساد، وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية؛ ضمانًا لحسن أداء الوظيفة العامة، ووضع ومتابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية".. وهو الدور الذي تقوم به هيئة الرقابة الإدارية بمنتهى النزاهة والشفافية والحسم، وهو ما شهدناه خلال السنوات الأربع الماضية ومازالت مستمرة، وهو ما شهدناه في القضايا المضبوطة خلال الأيام الماضية، ومنها على سبيل المثال: إلقاء القبض على رئيس حي الدقي وصاحبي شركة مقاولات، وأحد الوسطاء الذي يعمل بالمحاماة لطلب وتقاضي رئيس الحي مبلغ 250 ألف جنيه وشقة بشارع البطل أحمد عبدالعزيز بالمهندسين قيمتها 2 مليون جنيه من مالكي العقار بوساطة من المحامي؛ مقابل تغاضي رئيس الحي عن اتخاذ الإجراءات القانونية حيال المخالفات التي تستوجب إزالتها والتي تحقق أرباحًا ضخمة بدون وجه حق لهؤلاء المقاولين، وهو ما يزيد على 10 ملايين جنيه.. وبعدها بعدة أيام تمكنت هيئة الرقابة الإدارية بالتعاون مع مباحث الأموال العامة من إلقاء القبض على المهندس حنفي محمد حنفي رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالجيزة؛ لاتهامه بالتربح من منصبه، وإسناد عمليات لشركات بالأمر المباشر بمبلغ 25 مليون جنيه، وذلك بدون إجراء مناقصة.. وأيضا نجاح هيئة الرقابة الإدارية في إلقاء القبض على كل من رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية، ومدير مكتبه، وأيضًا مستشار وزير التموين للإعلام والمتحدث الرسمي للوزارة (وكلاهما زميل صحفي للأسف الشديد).. والمجال لا يتسع لذكر وسرد كافة قضايا الفساد والرشوة التي قامت هيئة الرقابة الإدارية بضبطها مؤخرا.. المهم يا سادة أنه بالرغم من أنه يتم الإعلان بشكل يومي عن قضايا الفساد، وإلقاء القبض على المرتشين إلا أن الرشوة مستمرة، والفساد لا يتوقف والمرتشين والفاسدين لا يتعظون، وكأنه لم يعد لديهم ذاكرة، وتتأكد مقولة نجيب محفوظ (آفة حارتنا النسيان)، وأيضًا الرشوة والمرتشون من آفات حارتنا، والتي ندعو الله أن يخلصنا منها ومنهم، وندعوه أن يٌثبت هيئة الرقابة الإدارية والعاملين فيها، وعلى رأسهم الوزير محمد عرفان صاحب الباع الطويل في ضبط الفاسدين والمفسدين والراشين والمرتشين، وكل من يعتدي على المال العام مال الشعب، أو يستغل النفوذ في تسهيل الاستيلاء على المال العام.. والله المستعان..