التجربة الصومالية نحو الاستقرار وحكم المؤسسات والتي باءت بالفشل تحتاج إلي التمعن, وذلك لأن الدولة الصومالية نشأت في ظروف وملابسات ساعدت بشكل كبير علي هذا الفشل. فبخلاف النزعة القبلية والاصولية الاسلامية التي تسيطر علي الأوضاع في الصومال وتعد قاسما مشتركا لمشكلات الكثير من الدول الافريقية المسلمة تجاه التحول الديمقراطي.تضافرت عوامل أخري أدت إلي تفتت الصومال ووصوله لهذه الحالة السيئة حيث لاتوجد دولة قوية تمسك بزمام الأمور وإنما مجموعات مسلحة تسيطر علي أجزاء مختلفة من الأراضي الصومالية وتدين بولاءات محلية وإقليمية متعددة. فالصومال تمر حاليا بأزمة حقيقية, فقد أصبحت البلد بمثابة عزبة مفتوحة وتربعت علي عرش الدول الفاشلة في العالم. فالرئيس الصومالي محاصر في القصر الرئاسي وحرسه الشخصي ليسوا من الصوماليين وأكثر من خمسين في المائة من الشعب الصومالي مهجر سواء داخل بلدهم أوخارجها, أما أصحاب الفكر والثقافة فقد هاجروا إلي أوروبا وأمريكا, والفقراء في مخيمات لاجئين في الدول المجاورة للصومال الأمر الذي جعل الصومال بمثابة عبء علي جميع الدول المجاورة لها. ولو تحدثنا عن الهوية الوطنية فسنجد أنها باتت في خطر حقيقي حيث القبلية والاختلافات الايدلوجية بين الفصائل المختلفة. ونستطيع القول أن الصومال ككيان لم يعد في حقيقة الأمر موجودا علي الخريطة بل تحول إلي وكر للقراصنة الذين يهددون الطرق التجارية العالمية. والمتأمل للقضية الصومالية يجد أن الصومال عانت منذ نشأتها كدولة من الافتقار إلي الفهم الصحيح لإدارة مؤسسات الدولة, وذلك في مرحلة الاستقلال, كما أن فترة الوصاية الدولية التي خضعت لها الصومال وهي من1950 وحتي1960 لم تكن كافية لتأهيل كوادر قادرة علي إدارة البلاد وتخليصها من الأسلوب القبلي التقليدي في الإدارة. فالوضع في الصومال كان يتسم قبل الاستقلال بغياب المعايير الإدارية الثابتة في أمور الدولة. وقد فشلت جميع الجهود لتطوير أساليب الإدارة في الصومال وظلت القبلية هي المسيطرة علي الأمور. والأمر لم يتوقف علي ذلك, فعلي الصعيد الإقليمي, بدأت الصومال كدولة بداية خاطئة مع محيطها الإقليمي حيث عادت هذا المحيط وهو أثيوبيا وكينيا وجيبوتي, من خلال المطالبة ببعض أقاليم الدولتين وجميع أقاليم الدولة الثالثة الأمر الذي أدخل البلاد في توترات وصلت إلي درجة الحرب الشاملة, مما أدي إلي استنزاف قدرات البلاد الضئيلة أصلا. وزاد علي ذلك فشل كل الحكومات في الصومال في تحقيق أمل الوحدة مما كرس تفتت الصومال. كما أخفقت تلك الحكومات في صياغة علاقات مبنية علي تبادل المصالح مع الغرب بل اعتمدت فقط علي المساعدات الخارجية دون التفاعل مع تلك الدول وكذلك مع المحيط العربي. أضف إلي ذلك, فشل الدولة الصومالية في بناء اقتصاد قوي يعتمد علي الذات بل اعتمدت الحكومات الصومالية المتعاقبة علي المساعدات الخارجية في تمويل مشروعاتها, وأصبحت الماشية والأغنام هي العملة الرائجة في المجتمع, كما اعتمد الاقتصاد أيضا بدرجة كبيرة علي تحويلات العاملين بالخارج. ولكن وسط ذلك لابد أن نشير إلي نجاح نظام سياد بري في الاستفادة من التوازنات بين القوي في المنطقة وأهتمام دول الخليج بالصومال آنذاك باعتبارها ممرا ملاحيا هاما لبترول الخليج. إلا أن الأمر لم يستمر طويلا فبحلول التسعينات بدأت مشكلات البلقان تطغي علي اهتمامات الغرب ولم تحظ الصومال بالاهتمام السابق, وكذلك أصبح بترول الخليج يقع تحت الحماية المباشرة للدول الغربية وتراجعت أهمية الصومال في هذا المجال, مع وقوع حرب الخليج. وقد أدي ذلك إلي تراجع المساعدات الدولية وتضاؤل عائدات العاملين في الخارج وكان لذلك انعكاساته علي إمساك حكومة بري بزمام الأمور فإزدادت محاولات الفصائل المختلفة للسيطرة علي السلطة ودخلت البلاد في آتون الاقتتال الداخلي وسقوط نظام بري. وفي خضم ذلك تعددت المبادرات لإيجاد حل للمشكلة الصومالية ولكنها جميعا جاءت مبنيه علي مصالح الأطراف ذات المصالح في الأراضي الصومالية الأمر الذي جعل أمراء الحرب في الصومال يلعبون علي التوازنات الإقليمية للحد من قدرة فصيل علي الآخر. ولابد أن نشير في ذلك إلي فشل جامعة الدول العربية في التقدم بمبادرات فاعلة في المشكلة الصومالية وتشاركها في ذلك منظمة المؤتمر الإسلامي. فقد اكتفت المنظمتان بدور المساند للمبادرات التي تطرح دون موقف واضح. والنتيجة الآن أن الصومال يحكمها حاليا حكومة فيدرالية انتقالية ضعيفة لم تتمكن حتي من تشكيل قوات شرطة وسط انعدام للأمن فانتشر بناء علي ذلك السلاح في كل مكان, واعتمدت الشخصيات العامة علي الميليشيات المسلحة لتأمينها. كما وجدنا كل فصيل يسيطر علي منطقة يعلنها دولة فتوجد دولة في الجنوب وأخري في الشمال وثالثة في الوسط. وأصبح الوضع في الصومال يعتمد علي ثلاثه فئات الأولي فئة التجار الذين لهم مصالح تجعلهم يعتمدون علي مجموعات مسلحة لتأمين تلك المصالح وكذلك ما يسمي بالمحاكم الإسلامية وحركة الشباب الاصولية المتشددة وهي مجموعات مسلحة ساهمت في إحلال الأمن فكان لها شعبية كبيرة بين السكان وخرج منهم الرئيس شيخ شريف وكذلك فئة من تبقي من أمراء الحرب. والفئات الثلاث لاتعرف حتي كيف تتفق ويبقي السيناريو الواضح حاليا هو مزيد من التشرذم والتفتت وسط تخاذل دولي في التعامل مع المشكلة. وهنا يتبقي فكرة هامة فلماذا لاتفكر الأممالمتحدة في إعادة الوصاية علي الأراضي الصومالية حتي يتم تأهيل كوادر قادرة علي إدارة مؤسسات الدولة وقبل ذلك بناء تلك المؤسسات فالحل لايمكن أن يكون في إرسال قوات حفظ سلام ولكن الإشراف علي بناء مؤسسات دولة تكون قادرة علي إدارة شئونها بنفسها.