«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل تنتظر الفرصة لاقتحام السوق الصومالى والعرب غائبون: الحرب وتجارة الأمن وصراع الإسلاميين ثالوث الخطر
نشر في الفجر يوم 03 - 09 - 2011

"إنها موسيقى مقديشيو"، قالها لى شاب صومالى كان يحمل فى يده بندقية آلية، عندما سألته عن الطلقات النارية الكثيرة التى أسمعها منذ أن وصلت لمقديشيو الجمعة الماضى، الرد بالرغم من أنه يحمل فى طياته لغة الاستهزاء، إلا أنه وصف دقيق لما يحدث فى الصومال، ذلك البلد الذى لا يحمل من صفة الدولة إلا الاسم فقط.. فالصومال التى يعانى غالبية شعبها من مجاعة قاتلة، يعتبرون السلاح هو مأكلهم ومشربهم.. فليس غريباً أن تشاهد شاباً صومالياً، حتى وإن كان صغيرا فى السن، ممسكاً بسلاح آلى، والأكثر غرابة فى مقديشيو أن الشباب الصوماليين يتباهون بما فى أيديهم من أسلحة، فيأخذون فى إطلاق الأعيرة النارية فى الهواء دون سبب.

خلف المجاعة التى تعيشها الصومال منذ عدة أسابيع تقبع أسرار عدة، منها ما يعود لطبيعة الصوماليين أنفسهم، ومنها المرتبط بالطبيعة الجغرافية لهذا البلد العربى الذى فككته وقسمته الحرب الأهلية، وحولته من أحد أهم مراكز التجارة العالمية فى المنطقة إلى مستنقع للأمراض، وحرب بالوكالة لصالح أطرافا إقليمية ودولية.

الحرب وتجارة الأمن وصراع الإسلاميين، أو بمعنى آخر المتشددين، وتقاطع المصالح الغربية والإقليمية هى أحد أهم هذه الأسرار، فمنذ أن تطأ بقدمك مطار "آدم عبد الله" بالعاصمة مقديشيو تشعر أن هناك مخططاً محكم التنفيذ لإبقاء هذا القطر العربى فى محنته، باللعب على وتيرة الفتنة لإزكاء الخلافات والنعرات القبلية، فالصوماليون يعرفون بل ويعترفون أنهم على خطأ عندما قرروا الدخول فى صراعات مسلحة، لكنهم لا يملكون مفاتيح الحل، رغم أن الحل بأيديهم أنفسهم.. فمفاتيح الحل موزعة ما بين قوى دولية، ودول مجاورة لهم خاصة إثيوبيا التى لم تنس حتى الآن أنه عندما كانت الصومال موحدة استطاعت خلال عامى 1977 و1978 غزو إثيوبيا خلال حرب أوجادين والتى سعت القوات الصومالية من خلالها لتوحيد الأراضى الصومالية التى مزقتها قوى الاستعمار الزائلة وقامت بمنح أجزاء منها لدول أخرى دون وجه حق، وكذلك منح حق تقرير المصير للمجموعات العرقية الصومالية القاطنة فى تلك المناطق. فى البداية، لذلك فإن أديس أبابا تسعى بكل قوتها لتقويض الأمن الصومالى.

ورغم أن حكومة شيخ شريف شيخ أحمد استطاعت قبل شهر طرد حركة شباب المجاهدين من العاصمة مقديشيو، إلا أن الأوضاع مازالت مضطربة، فلا تستطيع أن تسير فى شوارع العاصمة بمفردك، وعليك قبل أن تفكر فى الذهاب للصومال أن تبحث بداية عمن يوفر الأمن لك، وتوفير الأمن فى الصومال ليس من المعضلات، فبجانب القوات الحكومية توجد ميليشيات مسلحة تقدم خدماتها الأمنية مقابل أموال، ولا يعرف أحد حتى الآن من يدير هذه التجارة التى تزدهر فى العاصمة مقديشيو.

"اليوم السابع" زارت مقديشيو ضمن الوفد الرسمى والشعبى برئاسة السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية، وحاولت الكشف عن أسرار ما يجرى فى الصومال..


تجارة الأمن
أول نصيحة تلقيتها فى مطار آدم عبد الله أن أحتاط فى تحركاتى، فليس مسموحاً لى بالتنقل بشكل فردى.. التحرك يجب أن يكون جماعياً تحت حراسة مشددة خوفاً من طلقة نارية طائشة أو قنبلة يدوية ضالة، ولما لا وقد فجعنا جميعا فى العاشرة مساء ونحن جالسون فى فندق "سفارى" الذى كنا نقيم فيه بصوت قوى، تبعه إطلاق نارى متتال كان جزء منه صادرا عن الفندق الذى كنا نقيم فيه، لم نعرف حقيقة ما حدث إلا فى اليوم التالى، عندما أخبرنا بعض المصريين المتواجدين هناك فى مهمات أغاثية أن أحد التابعين يبدو لحركة شباب المجاهدين تسلل ليلا وألقى قنبلة يدوية على سيارة كان تقف بمقربة من الفندق، لكن شاءت الأقدار ألا يصاب أحد لأن سائق السيارة كان قد تركها.

الأمن فى الصومال من الأمور النادرة أو المستحيلة، حتى وإن كنت تقيم فى قلعة محصنة، فالفندق الذى أقمنا به كانت أبوابه محصنة تحصيناً شديداً، لكن هذا لم يمنع إدارة الفندق من تعيين حراسة إضافية على الوفد المصرى حصلوا بعدها على مقابل لها بمقدار 40 دولاراً فى الليلة الواحدة لكل فرد.. وهو ما أعاد إلى الذاكرة فترة أمراء الحرب فى الصومال ممن كانوا السبب فى إيقاد نيران الحرب، لكن الصوماليون أنفسهم لا ينظرون للحراسات المؤجرة على أنها دليل على عودة أمراء الحرب، لأنها ببساطة تحولت من وجهة نظرهم إلى تجارة رائجة، فما أكثر المقبلين على الصومال حاليا لتقديم العون والمساعدة للاجئين، وهؤلاء ليس آماهم إلا البودى جاردات لحراستهم، لكن البودى جارد الصومالى ليس مفتول العضلات، وإنما غاية فى النحافة لكن مصدر قوته هو سلاحه الآلى الممسك به.

الأمن فى الصومال أصبح تجارة رائجة لا يعرف أحد مصدرها ولا محركها الرئيسى، حتى عندما حاولت أن أعرف من إدارة الفندق عن الجهة التى استطاعوا من خلالها توفير أفراد الحراسة كان الرفض هو الإجابة الوحيدة التى تلقيتها.

شباب المجاهدين
تحولت الصومال إلى ساحة كبيرة لتصفية الحسابات بين الدول الإقليمية، مستغلة فى ذلك التناحر بين القوى الإسلامية المتصارعة على السلطة هناك، وتعد إثيوبيا من أكبر المستفيدين من هذا الصراع حتى تظل الصومال دولة مفككة لا تهدد أمنها القومى مرة أخرى.

تناحر الإسلاميين فى الصومال أدى إلى أن استدعى البعض فى ذاكرته ما فعله محمد سياد برى، الذى كان يوصف بالديكتاتور، فقد سبق أن تعرض الصومال لكارثة مجاعة عام 1974، ورغم تواضع الإمكانيات لدى الحكومة العسكرية الصومالية حينها، إلا أن حكومة محمد سياد برى استطاعت السيطرة على الأزمة، بعدما تمكنت من أجلاء مئات الآلاف من المناطق التى ضربها القحط إلى المناطق الجنوبية وأغاثتهم، لكن اليوم الحكومة فى الصومال ضعيفة جدا، لدرجة ونحن فى مطار "آدم عبد الله" بمقديشيو لم يستطع وزير الداخلية الصومالى عبد الصمد معلم محمود ومعه أحد قادة الشرطة تحديد هل الطريق من المطار للفندق أمن أم لا، فانتصار حكومة شيخ شريف على حركة شباب المجاهدين فى العاصمة مقديشيو لا يمكن تسميته بالنصر المبين، فالحركة مازالت قابعة على أطراف العاصمة، وإن كانت لا تلقى قبولاً من الصوماليين، لكنهم يفرضون سطوتهم باسم الدين، فالتكفير هى اللغة الوحيدة التى يتعامل بها أعضاء الحركة مع الصوماليين، كما أن الحركة التى ما زالت تسيطر على مداخل ومخارج العاصمة لا تسمح لأى من المنظمات الإغاثية بالتوجه إلى المدن التى تتعرض للجفاف، وتطلب أن تقوم هى بتوزيع هذه المساعدات.


عادات قاتلة
للصوماليين عادات غريبة، بل يراها كثيرون أنها قاتلة، لأنها تساعد على تفشى المجاعة ونقص التغذية بين الصوماليين، ومن هذه العادات ما هو مرتبط بالأكل ومنها ما هو مرتبط بالتنقلات، ولعل أكثر هذه العادات غرابة هى تلك المرتبطة بالأكل، فالصوماليون لا يأكلون السمك، رغم أن هذا البلد يمتلك أكبر ساحل على المحيط الهندى يمتد لأكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر، ومع ذلك فإن 5% فقط من الصوماليين يأكلون على مضض السمك، وللعلم فهؤلاء بدأوا فى أكل السمك قريبا متأثرين بالدول التى أقاموا بها قبل أن يعودوا للاستقرار فى الصومال، أما من ظلوا فى بلدهم دون سفر وهم كثيرين فلازالوا متمسكين برفضهم لفكرة أكل السمك.

الغريب أيضا أن أكل السمك ليس هو الممنوع الوحيد لدى الصوماليين، فهم حتى الآن لم يستغلوا ما منحتهم لهم الجغرافيا من ساحل طويل على المحيط الهندى، فحرفة الصيد من المعيبات الكبرى فى الصومال، لدرجة أن الصومال لا يقبل أن يزوج أيا من بناته لصياد حتى وإن كان هذا الصياد أغنى من أسرة العروس التى يتقدم لخطبتها، وهو ما دفع الكثيرين لهجرة مهنة الصيد، والبحث عن حرفة أخرى، بالإضافة إلى أكل الدجاج الذى يعد أيضا من المحرمات هناك، والأمر ليس قاصرا على الدجاج فقط وأنما يمتد للبيض.

ولم تقتصر قائمة المحرمات على ذلك فحسب، بل يعد أيضا ركوب الإبل أو الجمال من أكبر المحرمات هناك بل إنه العيب الكبير الذى يستحق مرتكبه التشهير به فى المدينة أو القرية التى يقيم فيها، فالصومالى يفضل الموت على أن يقال عنه إنه ركب جملا، وهو ما أدى إلى فقد الكثير من الصوماليين لأرواحهم أثناء انتقالهم من الشمال والجنوب لمقديشيو لتلقى المعونات الطبية والغذائية، فليس غريباً أن ترى صومالياً يسير لمئات الكيلومترات وبجواره الجمال دون أن يستخدمها فى ترحاله.

عادات الصوماليين القاتلة يراها عبد الكريم حسين جوليت، شاب صومالى فى العقد الثالث من عمره، كان يرافقنا فى تحركاتنا، بأنها مرتبطة بطبيعة النشأة، فالصومال فى الأساس مجتمع بدوى، وجميع الحرفيين يعتبرونهم أوضع منهم وهى عادات فى البدو والمدن، فالحرفيون عندهم "عار".

جوليت قال ل"اليوم السابع"، إن " طيلة عمرى لم أرَ صوماليا يركب إبلا، فركوب الإبل عندنا عار.. بل "منتهى العار".


إسرائيل على الحدود
على الحدود الجنوبية الغربية للصومال تقع جارتها كينيا، التى تعتبر المنفذ الوحيد للصومال على العالم، فدخول مقديشيو جوا يجب أن يكون عبر نيروبى التى تحول مطارها إلى ترانزيت، ولهذه المكانة فإن كينيا متشددة جدا فى احتياطاتها الأمنية، خاصة للقادمين من الصومال، حتى وإن كان القادم ليس صومالياً، فالخوف من انتقال العناصر الصومالية المتشددة إليها، خاصة من حركة شباب المجاهدين، كفيل باتخاذها لإجراءات قد لا تراها إلا فى كينيا فقط، ومنها على سبيل المثال، أننا أثناء رحلة العودة من مقديشيو، وهى الرحلة التى تستغرق ساعتين تقريبا، فوجئنا بهبوط الطائرة فى مدينة حدودية على الحدود الكينية الصومالية اسمها "واجيرا"، وعندها عرفنا أن الهبوط فى مطار هذه المنطقة الحدودية أمر اعتيادى لكافة الطائرات القادمة من مقديشيو لتفتيش من بداخل الطائرة تفتيشاً ذاتياً قبل أن تهبط الطائرة مرة أخرى فى مطار مقديشيو، للتأكد من خلوها من أية ممنوعات أو أشخاص غير مرغوب فى دخولهم كينيا.

وعندما سألت عن جدوى هذا الهبوط والتفتيش، طالما أن الطائرة ستخضع لذات الإجراءات فى مطار نيروبى، كان الرد علىّ من ضابط الهجرة فى هذا المطار الصغير مقتضبا "هذه هى إجراءاتنا".

وبعيداً عن التشدد الكينى مع القادمين من الصومال، فإن فى العاصمة نيروبى تجد أمورا لا يمكن أن تغفلها عيناك، وهى التواجد الإسرائيلى المكثف فى الدولة التى تعتبر من أكبر دول الشرق الأفريقى، فالمستثمرون الإسرائيليون معروفون جيدا فى نيروبى باستثماراتهم المتعددة التى تشمل أكبر مولين تجاريين فى العاصمة، هما "فيرست جيت وجانكشا"، فضلاً عن امتلاكهما لغالبية كازينوهات القمار، بالإضافة إلى تواجد خبراء إسرائيليين فى مجالات عدة بكينيا، مثل الزراعة والأمن، حيث يوجد اتفاق موقع بين البلدين للتعاون الأمنى فى مجال مكافحة الإرهاب، وتقدم إسرائيل الكثير من المساعدات الفنية لكينيا فى مجال بناء قدرات الكوادر لإدارة موارد المياه، وبصفة خاصة أساليب الرى الحديثة، حيث تستقبل إسرائيل المبعوثين الكينيين بصفة دورية لتقديم خبراتها فى هذا المجال.

التواجد الإسرائيلى فى كينيا يمثل خطورة على الصومال التى دمرتها الحرب الأهلية، فليس مستبعداً أن يحدث تسلل لعناصر إسرائيلية إلى الصومال عبر كينيا تحت ستار المنظمات الإغاثية.

الإغاثة
داخل مقديشيو وعلى أطرافها تنتشر معسكرات اللاجئين الذين قدموا للعاصمة من الأطراف المنكوبة بالمجاعة، ويعتبر معسكر "هدن" على أطراف العاصمة مقديشيو من أكبر المعسكرات التى تضم اللاجئين الصوماليين الذين جاءوا للعاصمة هرباً من المجاعة التى ضربت المدن الجنوبية، وهذا المعسكر يضم قرابة العشرة آلاف أسرة بواقع خمسة أو ستة أفراد للأسرة الواحدة.

الأكواخ الخشبية هى المأوى الذى تتجمع بداخله كل أسرة فى انتظار المعونات التى توزع عليها من المؤسسات الأهلية العربية والإسلامية، والتى نشطت خلال الأيام الماضية، خاصة من جانب الجمعيات المصرية الممثلة فى الهلال الأحمر المصرى ومؤسسة مصر الخير ولجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب، فضلاًَ عن جمعية العون المباشر الكويتية.

داخل المعسكر يقدم الكشرى الصومالى الذى يعتبر الوجبة الأساسية للاجئين الصوماليين، وعلى عكس الكشرى المصرى، يتكون الكشرى الصومالى من أرز وفاصوليا بنى مرتفعة البروتينات، بالإضافة إلى زيت وسمسم.

داخل أحد الأكواخ جلست "ديقة"، فتاة صومالية لا يتعدى عمرها العشرين عاما، جلست وخلفها أبناؤها الثلاثة، قالت إنها قادمة من مدينة شيبلى سفلى جنوب السودان، وتقيم فى المعسكر منذ ستين يوما، بعدما هربت من المجاعة الشديدة التى تعانى منها مدينتها.

عندما سألت ديقة عن أحوالها منذ أن انتقلت لمقديشيو فقالت بلغتها السواحيلية، "الوضع فى المعسكر ليس جيدا، لكنه أفضل بكثير من الموت جوعا".

على بعد 5 كيلو من "هدن" يوجد معسكر آخر، لكنه لا يضم اللاجئين وإنما خصص لتوزيع الإعانات المصرية على الصوماليين، المعسكر يقع فى منطقة تسمى "هولوداك"، وهى منطقة مأهولة بالسكان، أضيف إليهم مئات الأسر الهاربة من الجفاف، وبداخل المعسكر يتم توزيع المعونات على قرابة الألف أسرة يوميا، بواقع 25 كيلو أرزا و25 كيلو دقيقا و2 كيلو تمر، وزجاجة زيت تزن 3 لترات للأسرة الواحدة، وهذه الحصة التموينية تكفى الأسرة لشهر واحد، ويصل سعرها لقرابة ال52 دولاراً.

مصر فى قلب مقديشيو
عندما وصل الوفد المصرى الرسمى والشعبى، برئاسة السفيرة منى عمر، إلى مطار آدم عبد الله، فاجأها صحفى صومالى بسؤال، "لماذا كانت مصر غائبة عن الصومال طيلة هذه الفترة؟"، السؤال يحمل فى طياته حقيقية واقعية، فالسفيرة منى عمر تعتبر أول مسئولة مصرية تزور الصومال منذ أكثر من 20 عاماً، فضلاً عن أن سفير مصر فى الصومال مقيم فى كينيا للظروف الأمنية السيئة بمقديشيو، لكن ومع صدمة السؤال، إلا أن السفيرة منى عمر قالت للصحفى الصومالى، "طيلة عمرنا لم نكن بعيدين عن الصومال، فقد شاركنا فى كل مراحل الحل السياسى للقضية الصومالية، واستضفنا فى القاهرة مؤتمرين للفصائل الصومالية، وهناك تواجد مصرى ممثل فى أساتذة جامعات وخبراء ومدرسين وأطباء، حتى فى ظل الحرب الأهلية ظل المصريون متواجدين فى الصومال، كما نرسل للصومال معونات بشكل دائم".

ما قالته السفيرة للصحفى وإن كان يؤكد أن هناك تواجداً مصرياً، لكنه تواجد غير ملموس للمواطن الصومالى، الذى بدأ يشعر بقوة هذا التواجد من الأطباء المصريين الذين انتشروا فى معسكرات اللاجئين، فعلى سبيل المثال لاحظت "اليوم السابع" أن مستشفى بنادر، أهم مستشفى فى مقديشيو، يتواجد عشرة أطباء مصريين حضروا للصومال للمساعدة فى إنقاذ اللاجئين، كان من بينهم الدكتور عماد عبد الله عبد الحميد، مدرس الجراحة بجامعة المنصورة، الذى قال ل"اليوم السابع"، "نحن عشرة أطباء من جامعة المنصورة فى تخصصات مختلفة تركز فى الأساس على الأطفال، بالإضافة إلى أمراض الباطنة والجراحة والأشعة والتحاليل، وقد وصلنا لمقديشيو منذ عشرة أيام كمجموعة مع بعضنا، وبدأنا فى إجراء العمليات والتدخلات الجراحية والطبية للاجئين".

العشق الصومالى لمصر مازال موجوداً، فاسم ناصر أو عبد الناصر من الأسماء الدارجة لدى الصوماليين، تيمنا باسم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وقد ظهر هذا العشق من تصريحات المسئولين الصوماليين الذين كانوا فى استقبال الوفد المصرى، ممن أظهروا رغبتهم فى وجود الدور المصرى بالصومال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.