الكل هنا يتذكر المصريين إلا المصريون أنفسهم، نسوا دورهم فى الصومال، لكن أهله لم ينسوهم، وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية للصومال بالنسبة لمصر حيث تمتد العلاقات بينهما لما قبل 7 آلاف سنة لكن المصريين اليوم لم يعد لهم وجود فى الصومال. تسير فى شوارع «مقديشو» فإذا علم أحدهم مصريتك فلابد أن يبدى إعجابه بكل ما فى مصر، أحدهم قال لنا: «نحن منهمكون فى الشأن المصرى أكثر من المصريين ذاتهم، وعلى الرغم من الكوارث التى وقعنا فيها لكن ثورة مصر شغلتنا وتابعناها بكل تفاصيلها». معظم من قابلناهم قصَ لنا حكاية الدبلوماسى المصرى، كمال الدين صلاح، وتذكره بالرحمة، ذلك السفير الذى قضى نحبه على أيدى قوات الاستعمار الإيطالى فى خمسينيات القرن الماضى، اغتالته قوات إيطاليا آنذاك لاقتناعه بضرورة تحرير الصومال واستقلاله، يتعامل معه الصوماليون كونه بطلاً شعبياً خالداً، لكن مصر لا تذكره بشىء. منذ أسبوعين أتى إلى «مقديشو» رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوجان، وعقب ذلك أتى رئيس الاتحاد الأفريقى الثلاثاء، اصطحب الزعيمان وفود بلادهما الضخمة، حيث أتى أردوجان بصحبة 80 صحفياً ومتطوعاً فى جمعيات خيرية تركية، بينما لا تجد مسؤولا مصريا واحدا هنا، حيث لا سفير ولا دبلوماسيين، ومن يحمل جواز سفر مصرياً داخل جنوب الصومال يعدون على أصابع اليد الواحدة، هم متطوعون لدى منظمات طبية وإغاثية، ولا تطول فترة إقامته فى الصومال عن أسبوعين أو شهر على أقصى تقدير. يقول عبدالسلام محمد، وزير الدولة للشؤون الخارجية، إن شارع مصر فى قلب مقديشو كان الشارع الرئيسى فى العاصمة وأهم شارع فيها على الإطلاق، إلا أن غياب مصر غير ذلك فبات الشارع مدمرا، والآن الشارع الرئيسى فى العاصمة هو شارع مكةالمكرمة. يؤكد عبدالسلام أن القصد من وراء حديثه ليس سطحيا، قائلا: «تحول الأهمية بين الشارعين يحمل دلالة كبيرة، فمصر لم يعد لها وجود فى الصومال بعد أن كانت الجالية المصرية أيام جمال عبدالناصر أكبر الجاليات فيه، لم يتعامل الصوماليون مع المصريين يوما على أنهم أجانب، ولم تكن هناك تأشيرة لدخول البلدين، إلا أن ذلك عهد ولى واختفى، وتخلت مصر عن دورها الريادى فى القرن الأفريقى». استكمل حديثه قائلا: «أذكر أسماء المعلمين الذين كانوا يعلموننى فى المرحلة الابتدائية، كان ذلك قبل 40 عاما، إلا أننى أذكرهم، كان لهم طريقة مختلفة فى التدريس تميزهم عن غيرهم من الدول التى جاء معلموها للعمل داخل الصومال». أما «على» فيقول: «ننتظر المصريين حتى نحملهم على أكتافنا ترحيبا كما فعلنا مع شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق على جاد الحق عندما زارنا، لا نريد أن يأتونا بالمساعدات والأغذية، نريدهم أن يأتوا ليروا ماذا حل بالصومال بعد الحروب». أما «مسعود» أحد شباب المثقفين الصوماليين، فقال إن الجالية المصرية التى كانت تعمل فى عقد الثمانينيات كان أغلبها من المعلمين والأزهريين، وكان عددهم فى آخر سنوات عهدهم يفوق أربعة آلاف معلم، وكما يؤكد هذا الشاب فإن غالبية مثقفى الصومال قرأ لمعظم الكتاب المصريين، عدد لنا كثيرا منهم على رأسهم نجيب محفوظ الذى قرأ غالبية رواياته التى استطاع أن يحصل عليها قبل اندلاع المواجهات الدامية بين شباب المجاهدين والقوات الحكومية. ويضيف قائلا: «مصر بالنسبة لنا الشقيقة الكبرى، هى من علمنا وساهم فى نهضة بلادنا قبل أن تكون منكوبة بالحروب والمجاعات، إلا أن المصريين فى العقود الماضية انسحبوا من الصومال نهائيا، ونطالب بعودتهم إليها، فعلى مصر دور كبير لتساهم به فى بلادنا، فقد تعذر علينا وحدنا أن نتحمل مسؤولية توحيد صفوفنا، وكان أولى بمصر أن تأتى لحل أزمات الصومال بدلا من أن تأتى القوات الأفريقية لتجوب شوارعنا، كنا نظن أن مصر ستكون أول دولة تساهم فى إنقاذ بلادنا كما علمونا اللغة العربية وعلمنا شيوخ الأزهر دين الوسطية». لم يكن انسحاب الأزهر من الصومال وتوقف بعثاته مجرد خروج عادٍ كما يقول عبدالمنان، الذى أكد أن أحد أسباب ميول بعض الشباب للتطرف كان بسبب غياب دور الأزهر فى الصومال، حتى توغلت التنظيمات المتشددة، وأدخلت كثيراً من الشباب فى جلبابها ليحملوا السلاح ويقودوا ميليشيات مسلحة لتحرير البلاد وإقامة ما يسمونه نظاما إسلاميا. ويضيف: «الأزهر ترك مكانه للوهابية والفكر السلفى المتطرف، الذى أسس بعدها لحركة شباب المجاهدين السلفية المسلحة، وعلى مدار العقود الماضية وبسبب تضافر عوامل أخرى كالفقر وقلة التعليم تنامت قوة هذه الحركة، بل أنبتت حركات مسلحة أخرى، ولم تعد المواجهات بين القوات الحكومية وحركة الشباب المجاهدين لكنها أصبحت مواجهات شعبية بين فصائل وأخرى، باسم الدين، فكل منها يعتبر الآخر مرتداً ويحل قتله». أما «منصر» فقد أبدى تخوفه الشديد من ثورة 25 يناير، خاصة بعد أن تابع عبر وسائل الإعلام المختلفة جمعة وحدة الصف الشهر الماضى، متسائلا: «هل السلفيون فى مصر كحركة الشباب المجاهدين لدينا، هم على نفس منهج التفكير»، وتابع قائلا: «نخشى على مصر بعد الثورة من أن تتناحر وتصبح صومالا آخر، فقد بدأنا مثلكم بثورة على الفساد والظلم وانتهت بما نحن عليه الآن».