لا يبدو أن حكومة بنيامين نتنياهو تنوي الوفاء بالتزاماتها تجاه خطة الرئيس ترامب أو إدراجها ضمن أولوياتها في القريب العاجل. فبعيداً عن الحسابات السياسية الداخلية وسعي نتنياهو إلى الحفاظ على ائتلافه الحكومي عبر إبقائه الجبهات مشتعلة حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة، وبعيداً عن إعادة تدوير الخطر الإيراني وتسويقه مرة أخرى للرأي العام الإسرائيلي، تهدف إسرائيل بوضوح لإبقاء احتلالها لأجزاء واسعة من قطاع غزة إلى أجل غير مسمى. تشير الأنباء المتواترة في الإعلام الإسرائيلي، نقلاً عن مصادر مسؤولة في مكتب رئيس الوزراء، إلى وجود تحول ملموس في اشتراطات تل أبيب للمضي قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار. فبعد أن كانت إسرائيل ترهن الانتقال إلى المرحلة الثانية بعودة جثة المحتجز الإسرائيلي الأخير "ران غويلي" كشرط متمم للمرحلة الأولى والبدء بتنفيذ المرحلة الثانية، تضع اليوم عقبة إضافية تتمثل في اشتراط تجريد حركة حماس من سلاحها مقابل البدء في إعادة إعمار قطاع غزة أو السماح دخول قوات حفظ السلام. يهدف نتنياهو من هذه التسريبات إلى الالتفاف على المرونة التي أبدتها الإدارة الأمريكية في تنفيذ بنود الصفقة، لاسيما بعد تصريحات السفير الأمريكي في إسرائيل مايك هكابي بأن استعادة جثة غويلي ليست شرطاً للمضي قدماً نحو المرحلة الثانية. كما أن الشرط الإسرائيلي المستحدث يفرغ مبدأ التنفيذ المتبادل والمتزامن للالتزامات من مضمونه؛ إذ يفهم من خلاله أن تجريد حماس من سلاحها لم يعد نتيجة للمرحلة الثانية بل شرطاً للدخول فيها. وهو ما تسعى إسرائيل إلى تسويقه بذريعة أن عدم نزع سلاح حماس من شأنه تقويض جهود إعادة الإعمار ويمثل تهديداً لقوات حفظ السلام المزمع إدخالها إلى قطاع غزة. وهو ما يعد تحولاً ليس فقط في ديناميكية الصفقة بل في جدواها ككل. الإسرائيليون هم سادة التفاصيل، إذ يملكون قدرة فائقة على استنزاف المفاوض، أي مفاوض، وجره لمناقشة قضايا تافهة وهامشية وصغيرة واقناعه بأنها قضايا مصيرية واستراتيجية بالنسبة لهم. أما فيما يتعلق بالجهة التي ستدير شؤون قطاع غزة، فيبدو بنيامين نتنياهو مصمماً على استبعاد أي إطار حكم سياسي قد يؤسس لمسار سياسي ينهي الصراع أو يفضي وجوده إلى دولة فلسطينية في نهاية المطاف. فموقف الحكومة الإسرائيلية من السلطة الفلسطينية والمتمثل في اضعافها في الضفة الغربية واستبعادها من المشهد الغزي خير دليل على هذا التوجه. ومن المفارقات الساخرة أن تأتي الذرائع الإسرائيلية بضرورة إصلاح مؤسسات المنظمة والسلطة الفلسطينية من الحكومة الأكثر فساداً في إسرائيل، إذ يعتبر نتنياهو المنادي بإصلاح مؤسسات السلطة أكثر رئيس وزراء إسرائيلي مثل أمام القضاء في قضايا متهم فيها بخيانة الأمانة، والفساد، والرشوة. وهو من يسعى إلى تقويض أجهزة الدولة الرقابية والقضائية عبر ما يسمى بالانقلاب القانوني لضمان إفلاته من المحاسبة. تعد العراقيل الإسرائيلية أمام الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار جزءاً أصيلاً من موقف الحكومة الإسرائيلية من المسارات السياسية الواضح والمعلن على لسان رئيسها وأعضائها، إذ يبدو هؤلاء مستعدين لعرقلة الجهود الدولية لإحياء العملية السياسية بأي ثمن. فقد سخرت الحكومة الإسرائيلية جل امكانياتها خلال فترة ولايتها لتفريغ قضايا الحل النهائي القدس، الاستيطان، اللاجئين، المياه، والأسرى من مضمونها وجدواها السياسية، وهي مسألة يمكن مناقشتها وتحليليها في المستقبل.