د. طارق فهمى قرر رئيس الوزراء الإسرائيلى البدء رسميًا فى المحادثات بشأن المرحلة الثانية، وأبلغ جميع وزراء المجلس الوزارى الأمنى المصغر بذلك، وقد ربط ذلك بشرط محدد وهو التقدم فى مسار المرحلة الثانية من خلال نزع السلاح من قطاع غزة وإبعاد حماس ولهذا تترقب الأوساط السياسية فى إسرائيل والأراضى الفلسطينية بدء المرحلة الثانية، فيما لا تزال صورة تلك المرحلة غامضة فى ظل العقبات الكبيرة التى تواجه الوسطاء والمفاوضين وبموجب الاتفاق الموقع، فإن المرحلة الثانية ومدتها 42 يوما، ستشهد إعلان الهدوء الدائم (وقف العمليات العسكرية والأعمال العدائية بشكل منتظم) وتبادل الأسرى، والحديث هنا عن جميع الأسرى الإسرائيليين المتبقين على قيد الحياة، مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين فى إسرائيل، كما ينص الاتفاق أيضا على أنه فى هذه المرحلة، سيكون هناك انسحاب كامل للجيش الإسرائيلى من قطاع غزة ومن المرتقب أن تشمل المرحلة الثانية تبادل 9 جنود إسرائيليين بأسرى فلسطينيين فى السجون الإسرائيلية. فى السياق السابق سيتعين على الطرفين الاتفاق على عدد الأسرى الذين ستطلق إسرائيل سراحهم مقابل كل جندي، وسط تقديرات بأن تشمل 500 أسير فلسطينى مقابل كل جندى وفى نهاية تنفيذ المرحلة الثانية، ينسحب الجيش الإسرائيلى بالكامل من غزة وخلال هذه المرحلة، يتعين الاتفاق على الجهة التى ستدير قطاع غزة بعد أن تنهى حماس حكمها للقطاع فى حين تتمسك حماس بالإفراج عن أسماء قيادية بارزة فى السجون الإسرائيلية، الأمر الذى ترفضه إسرائيل، فى حين وضعت حكومة بنيامين نتنياهو شروطًا أبرزها تخلى الحركة عن الحكم ونزع سلاح جناحها المسلح وإبعاد قياداتها البارزة عن غزة ولهذا تعتبر المرحلة الثانية ملغومة بالملفات الحساسة والتى يمكن أن يؤدى عدم التوصل لاتفاق بشأنها إلى العودة للقتال بين إسرائيل وحماس، وأن أى توافق مرهون بالرؤية الأمريكية. ومن الواضح أن وضع إسرائيل لشروط جديدة يؤكد رغبتها فى دفع حماس لتقديم تنازلات أكبر عما قدمته فى المرحلة الأولى، إلى جانب سعيها لتصفية حماس سياسيًا بعد إضعافها عسكريًا حيث لا يمكن التوصل لاتفاق بين حماس وإسرائيل بشأن أسماء الأسرى وآلية ووضع الحركة فى غزة؛ إلا بوجود رؤية أمريكية واضحة مقبولة من طرفى القتال والوسطاء الإقليميين، وهذا يعنى أن المفاوضات ستكون معقدة للغاية. إن إسرائيل معنية بوضع الإشكاليات ما يمكنها من التوصل لاتفاقيات مؤقتة، حيث يتم الإفراج أسبوعيًا عن دفعة مقابل بعض التسهيلات المتعلقة بالحياة اليومية وإعادة الإعمار، وأن ذلك سيكون خسارة كبيرة لحماس حيث تسعى الحركة للضغط من خلال احتفاظها بعدد من الرهائن الأحياء للمرحلة الثانية من الاتفاق، بينما تضغط إسرائيل من خلال المطالبات بنزع سلاح حماس وتنحيها عن الحكم، وهما الملفان الأهم بالنسبة لها وإنه بدون تقديم تنازلات من قبل حماس وإسرائيل وقبول الأخيرة بالإفراج عن كبار الأسرى؛ فإن مفاوضات المرحلة الثانية من التهدئة سيكتب لها الفشل. من اللافت من مسار ما يجرى إذن أن إسرائيل ترغب فى إفشال الاتفاق ولكن مع تحميل حماس المسئولية الكاملة عن ذلك، وأن من مصلحة حكومة إسرائيل استعادة الرهائن دون الإفراج عن كبار الأسرى، كما أن هناك تباينًا واضحًا بين شروط الطرفين والطلبات التى يقدمونها للوسطاء، وهو ما يجعل مهمة تثبيت الاتفاق بالمرحلة المقبلة صعبة وأن فشل الاتفاق سيمنح إسرائيل فرصة ذهبية لاستئناف القتال ضد حماس حيث لا أفق للتوصل لاتفاق بشأن المرحلة الثانية من التهدئة خلال الفترة المقبلة، الأمر الذى سيدفع حماس للقبول بتمديد المرحلة الحالية فى إطار صفقات استثنائية على غرار الصفقتين التى قبلت حماس بهما مؤخرًا. وتشير الرسائل القادمة من الولاياتالمتحدة إلى رغبة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى استمرار الصفقة وإطلاق المزيد من الأسرى، مما يزيد من تعقيد موقف نتنياهو الذى يحاول الموازنة بين الضغوط الأمريكية ومتطلبات حكومته وقد سبق أن وعد نتنياهو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأن مفاوضات المرحلة الثانية لن تبدأ دون موافقة مجلس الوزراء الأمنى وتصويت منفصل، وكان سموتريتش قد هدد بالانسحاب من الحكومة إذا لم تستأنف إسرائيل الحرب على غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق وكان الكابينت قد أدرج شرطا بناء على طلب سموتريتش وحزب «الصهيونية الدينية»، ينص على ضرورة موافقته قبل بدء التفاوض على المرحلة الثانية، مما اعتُبر شرطا لبقاء الحزب فى الحكومة. وبالنسبة لما يجرى فى الموقف الفلسطينى فإن هناك خطة لدى حماس للدفع نحو تبنى نموذج حزب الله فى غزة حيث تنقل حماس الحكم المدنى إلى السلطة الفلسطينية، لكنها ستظل القوة العسكرية المهيمنة فى قطاع غزة، لكن إسرائيل ستظل تطالب بنزع السلاح الكامل من غزة، ولن تقبل استمرار وجود حماس والمطالبة بآلية تنفيذية لضمان حدوث ذلك، ومن المتوقع أن تطالب إسرائيل بعدم استمرار حماس فى السيطرة على غزة، وإخلاء غزة من الأسلحة الثقيلة، ومغادرة كبار عناصرها فى الجناح العسكرى والسياسى لحماس فى غزة إلى خارج القطاع حيث يعنى الاتفاق على المرحلة الثانية نهاية الحرب فى قطاع غزة، ومن ثم الاتفاق على اليوم التالي، وهو وضع يثير الكثير من الخلافات منذ بداية الحرب، والتى تعمقت بعد مخطط الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاستحواذ على قطاع غزة بعد تهجير أهله منه، وهو ما سترد عليه الدول العربية فى قمة القاهرة فى مارس المقبل.