القصب.. القصب..القصب عاوز ميه ياواد..محلاكي يا بت يا بيضا لما العريس يخش..يلقاكي بيضا بيضا.. ومبيضاله الوش..داخل يديكي جنيه..طالع يديكي جنيه.. علي رنة البوفيه..في الأوضة الفوقانية..القصب.. القصب..القصب عاوز ميه ياواد من قلب الصعيد المصري النابض خرجت هذه الأغنية الفولكلورية لتجسد مدي ارتباط البيئة الصعيدية بقصب السكر, فلقد ارتبط وكما تشير كلمات الأغنية موسم الزواج في الصعيد بموسم كسر القصب, حيث جني المحصول وما يحصل عليه المزارع من ربح يوجهه نحو زواج أبنائه. ولم يدر بخلد من تغنوا بهذه الأغنية الفولكلورية أن ذلك المقطع الذي تبدأ به القصب عاوز ميه سيكون مستندا رئيسيا في يد وزارة الري في سياق حربها علي القصب, حيث اتجهت وزارة الموارد المائية والري مؤخرا إلي تبني استراتيجية تعتمد علي تحديد مساحات القصب والحد من زراعته باعتباره يستهلك كميات ضخمة من المياه, وهو ما اعتبره بعض الخبراء حربا علي قصب السكر وتهديدا لهذه الزراعة وما يرتبط بها من صناعات في صعيد مصر. ومن المؤسف أن تلك الحرب تأتي وفق اتهامات برأ كثير من الخبراء القصب منها وعلي رأسها الاتهام باستهلاك كميات كبيرة من المياه, معللين ذلك بأن محصول القصب يظل عاما كاملا أو أكثر, يستهلك خلالها كميات مياه توازي محصولين شتوي وصيفي تقريبا, ففي الخريف والربيع تكون النباتات صغيرة ولا تحتاج لمياه كثيرة ويتم الري كل أسبوعين. أما في الفترة من مايو إلي نهاية أغسطس يحدث نمو سريع يحتاج إلي كميات كبيرة من المياه علي فترات متقاربة من7-10 أيام, وفي الشتاء يكون النمو بطيئا ويتم ريه كل21 يوما, بينما يتم منع الري تماما قبل كسر المحصول بنحو شهر. ولا يدرك مسئولو الوزارة أن حربهم علي القصب بمثابة تهديد للخريطة الزراعية والثقافية والإجتماعية لصعيد مصر, ولم لا ومحصولالقصب يعد أحد أهم قلاع الصناعة النباتية في الصعيد ويفتح أبواب الرزق للآلاف من أبنائه, الذين يعملون في الأرض وفي الصناعات التي تعتمد علي قصب السكر مثل العسل الأسود والخشب ولب الورق والشمع والأسمدة الزراعية. وموسم زراعة القصب في الصعيد يمكن أن يطلق عليه موسم اكتشاف الحياة حيث ينتظره الفقراء للعمل فيه, والشباب للتقدم إلي الزواج بعد بيع المحصول. وحدث ولا حرج عن العديد من العادات والتقاليد التي تدل علي ارتباط هذه الزراعة بحياة هؤلاء البشر. والقصب ذلك المحصول النجيلي الذي ينمو في المناطق الحارة يمثل المشهد الرئيسي والمعلم الأساسي لصعيد مصر حيث تنتشر زراعته بكثافة منذ القدم, وقد نازع القصب القمح عن عرشه في صعيد مصر حتي أصبح المنافس الأقوي له, وتشهد علي ذلك آلاف الأفدنة المنزرعة بمحصول القصب, وكمية الإنتاج التي ينتجها صعيد, حتي أنه جعل مصر تحتل مكانة عالمية في إنتاج قصب السكر. ويلقي موسم حصاد( كسر) القصب فرحة كبيرة من غالبية المحيطين بمزارع القصب, فهو مصدر رزق للعمالة المؤقتة وفرصة لا تتكرر كثيرا في ظل ارتفاع سعر العمالة, كما أن أصحاب المزارع الحيوانية يقومون بالاستفادة من أوراق القصب( الزعازيع أو القالوج) التي يقوم بحرقها المزارعين فهي بمثابة علف أو غذاء مناسب للحيوانات, بالإضافة إلي الأطفال الذين يجدون فيه فرصة مناسبة لمص القصب واللعب وسط الحقول الخالية. وهناك عدة شروط لابد من توافرها كما يؤكد المهندس الزراعي محمد عوض للحصول علي محصول قصب نافع زراعيا ومجز ماديا, ففي البداية لابد أن تكون الأرض المراد زراعتها من الأراضي الخصبة ذات الجودة من الدرجة الأولي أو الثانية علي الأقل, كما من الضروري توفير المياه طول العام مع ملاحظة انتظام توافر مياه الري خلال فصل الصيف و توفير آلات الري المناسبة للأرض حتي لا يتأثر المحصول بنقص المياه, وكذلك توفير شبكة جيدة من المصارف للتخلص من المياه الزائدة وما تحمله من أملاح ومراعاة التهوية اللازمة للمساحات الكبيرة حتي تقلل الإصابة بالأمراض والحشرات, وأن تكون الأراضي المختارة لزراعة القصب سهلة المواصلات قريبة من خطوط الديكوفيل ومحطات شحن القصب لتقليل تكلفة نقل القصب إلي المصانع وتقليل إمكانية حدوث تدهور أو نقص في صفات الجودة الناتجة عن تأخير التوريد. وللقصب استخدامات متعددة حيث يدخل في صناعات كثيرة, فمحصول القصب ينتج منه العسل الأسود الذي يعتبر من الأطباق الرئيسية علي مائدة عامة الشعب المصري, وينتج منه عصير القصب الطازج صاحب الشهرة الواسعة في عالم العصائر وتستخدم مخلفاته في صنع المولاس والخل والكحول والخشب الحبيبي من الباجاس بالإضافة إلي الصناعات الثانوية كالشمع والخميرة الجافة وخميرة البيرة وغاز ثاني كبريتور الكربون وسلفات البوتاسيوم والبوتانول والأسيتون وزيت الكحول الذي يدخل في الصناعات العطرية, إضافة إلي الاستفادة منه وقت حصاده باستعمال القالوح( الزعازيع) أو الأوراق الخضراء في تغذية المواشي وبحرق السفير يمكن التخلص من غالبية الحشرات والأمراض الضارة المختبئة بالتربة أو المتطفلة علي الحشائش, كما يساهم الرماد المتخلف عن الحريق في زيادة خصوبة التربة. ورغم استخدامات القصب المتعددة ودخوله في صناعات عديدة فإن صناعة السكر تظل هي الصناعة الأساسية التي يدخل فيها القصب حتي جعلت الإسمين السكر والقصب يرتبطان بعلاقة زواج كاثوليكي لا انفصام فيه, فصناعة السكر عالميا تعتمد علي محصول القصب بنسبة60% والباقي من البنجر, إلا أن المصنوع من القصب يعد من أجود وأفضل أنواع السكر. ولا تعد زراعة القصب في الصعيد مجرد وسيلة معيشية أو إقتصادية لكسب العيش ورفع المستوي المادي, فالقصب أصبح أيضا مكونا ثقافيا واجتماعيا من مكونات الصعيد وليس أدل علي ذلك من احتلاله مكانة كبيرة بالدراما المصرية سواء تليفزيون أو سينما, حتي وإن كانت تلك المكانة تظهره دائما في دور المتهم الرئيسي في أحداث الثأر والجريمة التي تحدث بصعيد مصر, حيث يلجأ إليه المجرمون والخارجون علي القانون للاختفاء به بعيدا عن أعين الحكومة أو خصومهم من أهالي القتيل أو المجني عليه, حيث يتميز القصب بأنه ستر وغطاء لمن يحتمي به, فليس من اليسير الوصول إلي الأشخاص المختبئين وسط زراعات القصب والتي تقدر في بعض الأحيان بآلاف الأفدنة, وهو ما جعل علماء الإجتماع يعتبرونه المتهم الأول في قضايا الثأر بالصعيد, لمعرفة الجاني بأن القصب هو أفضل سبيل للاختفاء بعيدا عن الناس. كما احتل القصب مكانة مميزة وسط الأغاني القديمة والشعبية, وعلي سبيل المثال تلك الأغنية الشهيرة القصب, القصب.. القصب عاوز ميه يا واد, إضافة إلي أنه كان من الشهر التي جعلت فيروز تتغني به وبأصالته. ورغم ما يتمتع به القصب من شعبية وجاذبية طبيعية لدي المزارعين وتفضيله علي الكثير من المحاصيل الأخري, إلا أن زراعته في الفترة الأخيرة واجهت العديد المشاكل والعقبات يرويها لنا جمال مسلم يونس عضو مجلس محلي بقرية البحري قمولا بنقادة قائلا تتربع مشكلة العمالة علي رأس المشاكل التي تعاني منها زراعة القصب, فالعمالة أسعارها وصلت إلي40 جنيها لليومية, ويحتاج القصب إلي عدد كبير من العمال فكل مرحلة تحتاج إلي عمالة معينة فهناك عمالة لكسر القصب وأخري لتجميعه وعمالة لتحميله, تأتي بعدها مشكلة المياه والتي تعتبر مصدر الحياة للقصب, فالقصب يستهلك كميات كبيرة من المياه بخلاف أي محصول آخر فالقصب يحتاج ما بين22 إلي30 مرة للري بالماء للفدان الواحد علي مدار عمره في الأرض, وقد زاد سعر المياه مع زيادة أسعار الوقود, بالإضافة إلي انقطاع المياه أحيانا عن الترع والمصارف, كما أن هناك مشكلة نقل محصول القصب من الأرض إلي المصانع وما ينتج عنها من خسائر. ويضيف إليه علاء شاكر صاحب مزارع بنجع حمادي معتبرا أن مشكلة النقل عن طريق الديكوفيل من أكبر المشاكل التي تسبب في نسبة فاقد كبيرة للقصب وتأخير في وصول القصب عن مواعيده, وكذلك انخفاض سعر الطن مقارنة بأسعار السكر التي تجاوزت الحدود, فتوريد طن القصب لا يتعدي ال230 جنيها للطن وهذا إجحاف بحق المزارعين الذين يتحملون الكثير من أجل زراعة هذه المحصول الاستراتيجي للحفاظ علي صدارة مصر في إنتاج السكر. أما عرفات علي عبدالرحيم مزارع فيجسد المشكلة من وجهة نظره قائلا السماد سعره كل ماله بيزيد وسعر طن القصب واقف علي حاله, وإحنا مفيش قدامنا غير القصب نزرعه, عايزين الحكومة تراعينا شوية رحمة بظروف أولادنا, وكمان المفروض المصنع يتحمل تكلفة نقل القصب من الأرض إلي المصنع وإحنا كفاية علينا الزرع ومواجهة الحشرات والآفات التي تصيب القصب. وبعيدا عن أجور العمالة المرتفعة وزيادة أسعار السماد يري محمود ابراهيم عضو مجلس محلي محافظة قنا عن مدينة الوقف أن المشكلة الكبري تتمثل في اختلاف شركة السكر مع بنوك القري في صرف مستحقات المزارعين مما ترتب عليه العام الماضي فوائد علي المزارعين لبنوك القري حتي2010/7/10 رغم توريد القصب لشركة السكر, فالشركات تتأخر دائما في سداد مديونيات البنوك بحجة أن وزارة المالية لم تسدد قيمة السكر المنصرفة من شركات السكر إلي شركات التموين فيتحمل المزارع نتيجة ذلك فوائد لا ذنب له فيها, ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فشركات السكر لا تلتزم بتوريد وصرف ال7 جنيهات للمزارعين عن كل طن يتم نقله بالجرارات رغم تأكيد وزير الاستثمار في زيارته العام الماضي لأرمنت علي صرف ال7 جنيهات فورا للمزارعين لعدم تحميلهم أي أعباء إضافية.