لم أحب مادة الجغرافيا طوال دراستي كنت أشعر أنها مادة ناشفة مثل اليابسة التي امتلأت كتب الجغرافيا بمساحاتها، مادة جافة مثل الطقس في البلدان الحارة، مرهقة في حفظها لكثرة مرتفعاتها ومنخفضاتها وعدد أمتارها ومربعاتها ... تحس إنك عطشان وريقك ناشف وأنت تذاكرها ( راجع الصحراء الغربية وخط الاستواء) ... لم أحب رسم خرائطها ولم أحفظ سوي خريطة إيطاليا التي تشبه البوت الحريمي، والأردن التي تشبه كم العباية ... طبعا أعرف موقع مصر علي الخريطة وفرعي النيل أو الدلتا حيث عشت ثلثي حياتي في وسطها ( طنطا ) وأعرف شكل البحر الأحمر بأذني الأرنب فوق، هكذا كنت أحفظ الخريطة، كان شكلها مملاً بصراحة لم تكن ملونة حتي وليس بها أي عوامل جذب عشان كده كنت بتحايل في مذاكرتها بوضع تشبيهات وتخيلات من باب إني باحلي البضاعة ... المفروض اليومين دول يعملوا الخرائط «ثري دي» مش معقولة العيال يشوفوا كل حاجة ثلاثية الأبعاد حتي ماتشات كأس العالم وييجوا يذاكروا الخرائط يلاقوها مبططة مسطحة مسمطة بدون أي أبعاد كما درسناها من قبل ... طب كانوا يحطوا صورة واحدة بالألوان للبلد التي يطلبون منا حفظ مساحتها ودراسة أهم موانيها ومحاصيلها وعاصمتها .. أبدا كانت مساحات شاسعة من الدش والكلام الخالي من أي مواطن جمالية .. ولذلك هربت من الأدبي بسبب تلك الجغرافيا الكئيبة.. يا ساتر هم وانزاح من علي قلبي، ده غير التربية الوطنية التي لا أعرف إلي يومنا هذا المادة دي كانت بتتكلم عن إيه؟ أنا لو أعرف أقول علي طول .. ياللا حصل خير أنا مسامحة وخاصة إن قلبي ودماغي بفتة بيضا مافيهمش ولا حرف عالق من هاتين المادتين، مسح ..! المهم دخلت علمي وتخرجت من علمي بعد دراسة متعمقة للفيزياء والأحياء والكيمياء والرياضيات لألتحق بجدارة بكلية الآداب علي طول !!! وجاءت الآداب لتمسح تماما أي بقايا عالقة من معادلات كيميائية أو تفاعلات فيزيائية أومسائل رياضية ... مثلي مثل كثيرين المعلومة الجديدة تأتي لتمسح أتوماتيكيا ما قبلها وخاصة أن ما قبلها من المعلومات كانت لمواد دأب نظام التعليم علي ترصيصها وتلصيمها في دماغنا بهدف جمع الدرجات، ثم تجمع الدرجات والمعلومات - في نهاية كل عام وبعد ما الليلة تنفض - بجاروفة وعلي أقرب مقلب زبالة ! لنبدأ من مرحلة الميح في السنة الدراسية الجديدة ونجتهد ونجيب آخرنا في عدد الدروس الخصوصية وعدد الدرجات لندخل بعدها مرحلة الكنس والمسح والتنظيف في الأجازة وهكذا إلي أن نحصل علي الشهادة الكبيرة.. مليئة بالدرجات مع أمخاخ نضيفة فلة، أبيض يا ورد !!... تذكرت كل هذا وأنا أتابع علي الفضائيات ملف دول حوض النيل في إفريقيا، بضم عينيَّ مع 111 بينهما، ومع هرش متواصل في فروة رأسي من الخلف في إشارة واضحة إنه موضوع مكلكع يصعب فهمه وبعد تركيز ومعاناة في الفقرة الخاصة بحصة مصر من تلك المياة التي لم أدرسها يوما أو هربت من دراستها، فهمت وعرفت الكارثة القادمة التي سوف أعلق عليها تعليقا خاليا من أي رؤية جغرافية ولكنه أبسط وأسهل من مادة التربية الوطنية...! حصلت أغنية شيرين ماشربتش من نيلها علي أحسن أغنية في السنوات الخمس الماضية وبعد خمسين سنة سنسمع نفس الأغنية مع تعديل بسيط .. ماشربتش من نيلها؟ لأ الحقيقة مالحقتش طب جربت تغنيلها ؟ لأ الحقيقة أصل ريقي ناشف!! بعد اشتعال أزمة المياه وانخفاض حصة مصر وبالتالي حصة المواطن من نصيبه في المياه سوف يكون النشيد الوطني لمصر يا مطره رخي رخي علي قرعة بنت أختي .. جائزة أفضل اختراع للتعامل مع الأزمات في العصر الحديث مقدمة للشخص العبقري صاحب أطول بعد نظر وهو نفس الشخص الذي لاقي هجومًا شرسًا من الفضائيات عندما روي الأراضي الزراعية بمياة المجاري ...!! ولا بيبي هايفا ولا شخبط شخابيط مفيش غير السح ادح إمبووووه إدي الواد لابوه، يا عيني الواد بيعيط الواد عطشان إسقوه ..الأغنية الملائمة لكل زمان ..! إذا كانت المية بتنزل لونها بني من الحنفيات والنيل بخيره والقاشية لسه معدن، طيب لما الأزمة تحصل هينزلوا من الحنفيات طمي واحنا نستخرج منه المية ؟!! بجِملة استيراد القمح والقطن والحديد والأسمنت والغاز والرمال واللحوم والبلاستيك والأدوية والسيارات والقائمة طويلة ... يعني هي جت ع المية ؟!! عاوزين نعرف حصة مصر في الهواء كام بالظبط ؟ إلحقوا الهوا قبل ما يقلبونا فيه هو كمان ... هما عرفوا الجملة اللي طول عمرنا بنضايق بيها بعض منين ؟ مين اللي سرب لهم هذه الجملة من حواراتنا اليومية «اللي مش عاجبه يروح يشرب م البحر» !!! لو خبر العقوبات علي الاتحاد المصري لكرة القدم اتسرب هو كمان لدول حوض النيل.. بعدما يقطعوا عننا المية هيشتكونا وهتحكملهم المحكمة الدولية طبعا وهندفع لهم غرامة مع توقيع أقصي عقوبة علي شوبير !! أتوقع أن بعض المسئولين عن المياه في القري والنجوع سوف يوجهون كل اللوم في أزمة دول حوض النيل للإعلامي عمرو الليثي قائلين «قعدت تنبر فيها وتلف ع القري اللي ماعندهاش مية أهي نشفت علي مصر كلها». عشت طوال دراستي في طنطا أذهب لمدرستي في شارع طنطا الرئيسي المعروف بشارع البحر وسمعت أن هذا الشارع كان يمتد في وسطه وبطول الشارع فرع للنيل ... قد تكون ترعة أو أناية لا أدري ولكن شارع البحر منذ ولدت وربما قبلها بكثير لم يكن له أي علاقة بالماء سوي باسمه فقط ... معقولة يكون هذا هو حال شارع البحر الأعظم مثلا أو شارع النيل بعد مئة سنة من الآن؟!! غالبا مقولتنا الشهيرة «هنغرق في شبر ميه» سوف تتحقق شكلا ومضمونا !! في حين أن «قطع الميه عداوة » وليس رشها !!!