لم يعد السؤال المطروح: هل ينفجر لبنان؟.. ولكنه صار: متي ينفجر لبنان؟ التغير بين السؤالين هو الفارق بين مساعي الأمس ومساعي اليوم ليس لاحتواء التفجير المرتقب, بل من اجل تحميل طرف بعينه مسئولية التفجير المنتظر. والغريب أن الذين يهددون بالتفجير وبأن لبنان قبل صدور القرار الظني لن يكون هو نفسه بعد صدور القرار, هم الذين يحملون الطرف الآخر مسئولية عدم التفجير, ويعتبرونه صاحب الوزر لما سيجري للبنان وربما المنطقة أيضا. إنه تحول في المفاهيم وفي الأداء يعكس حالة قلق وتوتر كامن ومخاطر كبري تحيط بلبنان, أو هكذا علي الأقل هي الصورة التي يراد لها أن تسيطر علي لبنان حكومة وشعبا وقوي سياسية وتسيطر أيضا علي كل من يحب لبنان ويريد له الخير والاستقرار. هذه المفارقة لا تعكس استئساد حزب الله وحسب, بل تعكس أيضا طريقة تفكير في الخروج من مأزق كبير يبدو في الأفق. وهو المأزق المتعلق باحتمال صدور القرار الظني أو قرار الاتهام من قبل المحكمة الدولية الخاصة بالشهيد رفيق الحريري محملا مسئولية الاغتيال لعناصر من حزب الله, وفقا للروايات المتداولة منذ فترة, والتي تزداد قناعات الحزب بأنها تسريبات مقصودة ومتعمدة من قبل القوي المسئولة عن المحكمة لقياس رد فعل الحزب المحتمل, ومن ثم اتخاذ ترتيبات مسبقة لاحتواء ما قد يجري. المهم أن تفجير لبنان لم يعد مجرد احتمال من بين احتمالات عدة, بل صار قرارا لحزب الله سيرد به علي نتائج القرار الظني المرتقب, هكذا يقول كل مسئولي الحزب صراحة ودون مواراة. وصار أيضا قرارا للمساومة به مع رئيس الحكومة سعد الحريري وقوي14 مارس التي تقف وراءه من أجل الحصول علي تسوية تطيح عمليا بالمحكمة الدولية وبأي قرار قد يصدر عنها. المفارقة هنا ان الحزب يطرح التفجير كخيار ربما كالذي جربه من قبل مايو2008 حين نزل مقاتلوه إلي بيروت والجبل للرد علي قرار حكومي خاص بالسيطرة علي شبكة الاتصالات اللبنانية وجزء منها شبكة خاصة بالحزب نفسه. والمرجح أن تهديدات قادة حزب الله تلمح إلي ما هو أكبر مما جري في مايو2008, فالمسألة لن تكون وحسب شل الحكومة وتسيير مظاهرات, وربما السيطرة علي بيروت ومدن كبري أخري بل أيضا الاطاحة بالنظام العام وليكن مايكون, المهم ان تبقي المقاومة القوة الوحيدة التي لا ينازعها أحد وإن جرؤ فعليه أن يدفع الثمن. نحن إذن أمام تطور نوعي في الطريقة التي يدير بها حزب الله أزمة القرار الظني الاتهامي. إذ يريد ان يجعل من الحريري أضحوكة سياسية بامتياز من خلال أن يتنازل الرجل وهو رئيس حكومة عن التزامات قانونية ودولية تحت تهديد بأن البديل هو الاطاحة بكل شيء في لبنان, بمافي ذلك شخصه والحكومة التي يرأسها والاستقرار الداخلي والمؤسسات والتوافق الهش الذي مازال يربط بين اللبنانيين وإن علي استحياء. يطلب الحزب من الحريري أن يصل إلي تسوية قبل صدور القرار مفادها انه لن يتعامل مع أي قرار تصدره المحكمة مهما تكن الأدلة, حسب قول الشيخ نعيم قاسم نائب رئيس الحزب, وأن يكون ذلك قبل صدور القرار وليس بعده. وإن لم يفعل فعليه أن يتحمل وزر فعلته ومثل هذه التسوية تعني ببساطة ما هو أكثر من الانتحار السياسي للحريري. والواضح هنا أن الحزب مقتنع تماما بأن صدور القرار الظني سوف يشكل له ضربة قاسية, فعلي الأقل سوف ينهي صورته السابقة كقوة مقاومة وحسب ولم تعمد يوما إلي التأثير في المعادلات الأساسية التي حكمت لبنان منذ نشأته, ولم يكن له دور في الاغتيالات السياسية التي أودت بشخصيات وقيادات لبنانية منذ نشأته, ولم يكن له دور في الاغتيالات السياسية التي أودت بشخصيات وقيادات لبنانية مهمة. ومن ثم يريد الحزب أن يفشل نتائج القرار قبل أن يصدر بأي صورة كانت. والواضح أيضا أن هناك أكثر من سبب وراء تحول مواقف حزب الله, يمكن أن نجملها فيما يلي: أن كل المعلومات المتاحة سواء تم تسريبها عن عمد أو عن غير قصد تصب في اتهام الحزب وفق أدلة قوية وبالتالي فإن خيارات التعامل القضائي لإثبات زيف هذه الأدلة قد لا تكون كافية لنزع الاتهام عن الحزب وعن قياداته ومن ثم فلابد من إنهاء تأثير القرار قبل أن يصدر بأي شكل كان. والتهديد هنا وسيلة ناجحة حسب قناعات الحزب. أن الحزب ومن ورائه سوريا باتا يدركان أن لا أحد من القوي الدولية أو أي قرار قد تصدره قريبا من قبيل التأجيل أو استبعاد الاتهام أو التخفيف منه, إذ كان السائد أن الجهود السورية, السعودية, أو ما وصف سابقا وفق الاعلام السوري بمبادرة ثنائية مكتوبة للحفاظ علي لبنان, سوف تقود في النهاية إلي التأثير علي عمل المحكمة الدولية خوفا من انهيار الوضع اللبناني, وهو ما تم التعبير عنه بمعادلة أن تأجيل القرار الظني سوف يسهم في حفظ استقرار لبنان, غير أن جهود سوريا, كما كشفت عنها زيارة الرئيس الأسد إلي باريس قبل ايام قليلة لم تصل إلي الهدف المرغوب من قبل حزب الله, وأن فرنسا مازالت تتمسك بالمعادلة الدولية التي تري أن العدالة هي التي تحفظ لبنان واستقراره وليس تجاهل المحكمة أو إفساد عملها. تراجع سوريا عن التمسك بوجود مبادرة ثنائية والاكتفاء حسب تصريحات الرئيس بشار الاسد بأن هناك فقط اتصالات سورية وسعودية للحفاظ علي استقرار لبنان وتحميله اللبنانيين, لاسيما سعد الحريري, مسئولية الحفاظ علي استقرار بلاده عبر الاقتراب من الطرح الذي يقدمه حزب الله وليس أي شيء آخر, ومعتبرا ان هدف الاتصالات مع فرنسا هو البحث فقط في مساعدة اللبنانيين علي الحوار من اجل احتواء أي تفجير قد يصيب لبنان نتيجة القرار الظني, وليس منع التفجير من الأصل, كما كان يقال مسبقا, وما هو الدور حسب الرئيس الأسد الذي يمكن أن تلعبه فرنسا عبر مجلس الأمن للحد من التدخلات في عمل المحكمة ومنع تسييسها. أن هناك صمودا حقيقيا من قوي14 آذار في مواجهة كل الضغوط التي تمارس سواء من الداخل أو الخارج, وهو صمود يعود الي قناعة مفادها أن التخلي عن خيار المحكمة غير المسيسة والاحترافية يعني انهيارا للبنان وإن كان بطريقة أخري غير تلك التي ينذر بها حزب الله. ومثل هذا الصمود يفسر إلي حد كبير تصاعد اللغة الهجومية التي تسيطر علي التحركات السياسية والاعلانية للحزب وقادت,. كما تفسر أيضا تلك التحولات في الموقف السوري التي باتت تتبني تماما مواقف حزب الله تجاه الحريري بصفته الشخصية والحكومية في آن واحد, إذ يزخر الاعلام السوري بمواقف حادة تحمل الحريري مسئولية ما قد يحصل إن لم يقبل طرح حزب الله بالكلية, ويعتبر أن الحريري استقال من مسئولياته وانه يروج لمبادرة سورية سعودية لم تكن موجودة أبدا, وذلك علي عكس ماروج له الاعلام السوري نفسه قبل ثلاثة أشهر, وأن علي الحريري أن يختار إما السلطة وإما المحكمة, أو بعبارة أخري أن خيارات الحريري إما أن يبقي رئيسا للحكومة مدعوما من سوريا وحزب الله مقابل أن ينكر المحكمة وكل مايصدر عنها مسبقا, وإما أن يتحمل وزر قبول القرار الظني الذي قد يحمل اتهاما لعناصر من الحزب, وبالتالي يواجه غضبا سوريا كبيرا, وفي خلفية كل ذلك يتبني الاعلام السوري المقولات نفسها التي يطرحها حزب الله بداية من أن المحكمة مسيسة وأنها عدوان علي المقاومة وأداة بيد الولاياتالمتحدة وأنها غير احترافية, وأنها باطلة قانونيا والمطلوب إنكارها من كل اللبنانيين وفي المقدمة الحريري الابن نفسه. هذه العناصر مجتمعة تشكل خلفية الهجوم السياسي والاعلامي لحزب الله, كما تكشف تحولات الأداء السوري إزاء لبنان بحيث لا تتحمل دمشق وزر ما قد يحصل بصفتها قوة اقليمية راعية بدرجة أو بأخري لحزب الله اللبناني, إنه نوع من الهروب إلي الأمام بقدر ما, ولكنه يعكس قناعة دفينة بأن القرار الظني سوف يطيح بكثير من الرءوس سواء ذكرها القرار أو لم يذكرها.