أثارت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد المفاجئة إلي العاصمة القطرية الدوحة العديد من التكهنات حول خطورة الوضع في المنطقة مع اقتراب موعد صدور القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في حادث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وأشارت وكالات الأنباء إلي أن زيارة الأسد وعقيلته للدوحة جاءت تلبية لدعوة من الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر لحضور فعاليات احتفالية الدوحة عاصمة للثقافة العربية عام 2010، وتضمن حفل الافتتاح عرض شعار الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010 ثم عرض أوبريت "بيت الحكمة" الموسيقية السورية لفرقة إنانا السورية للمسرح الراقص بمشاركة مجموعة من الفنانين السوريين والقطريين. وبعيداً عن الاحتفالية الثقافية، استهدفت الزيارة في المقام الأول طلب الدعم للمبادرة السورية-السعودية، وأعلن أمير قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في المؤتمر الصحفي المشترك الذي تلا اللقاء الثنائي بينه وبين الرئيس السوري أن المبادرة السورية-السعودية "هي الوحيدة التي يجب التعامل معها بالنسبة إلي الأزمة اللبنانية، وما علي قطر والبقية إلا المتابعة والمساعدة عند اللزوم". كما طالب الرئيس الأسد خلال زيارته بضرورة العمل علي توحيد الموقف العربي من المحكمة الدولية ورفض أي اتهام لأي طرف من الأطراف ما لم يقترن بأدلة قاطعة. وأضاف الرئيس الأسد "نقول إن أي اتهام بحاجة إلي دليل خاصة إذا كان الموضوع فيه محكمة وهو متعلق بقضية وطنية كاغتيال رئيس وزراء بلد مثل لبنان فيه انقسامات عمرها قرون وليس عقوداً من الزمن، لا بد أن يكون هناك دليل كي لا يكون هناك انقسام". وردا علي سؤال حول ما كان اللقاء الثنائي هو بداية لمبادرة سورية- قطرية بشأن لبنان، قال أمير قطر إن "الموضوع ما زال في يد سوريا والسعودية"، وأكد أن دمشق والرياض تعملان علي ألا تكون هناك فتنة في لبنان. ويتوقع حزب الله أن يوجه القرار الاتهامي المرتقب صدوره عن المحكمة الاتهام الي مجموعة من عناصره. ودعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إلي الاستعداد الداخلي لصدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية حتي لا تحدث بلبلة. وأكد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاب ألقاه في ذكري عاشوراء أن ما أطلق عليه مؤامرة المحكمة الدولية ستمر كما مرت غيرها من المؤامرات، كما أكد رفضه أي اتهام يوجه لحزب الله بارتكاب الجريمة، وأضاف "سنسقط أهداف هذا الاتهام، سنحمي مقاومتنا وكرامتنا وبلدنا من الفتنة ومن المعتدين والمتآمرين بأي لباس أو عنوان أو بأي اسم أتوا. نعلن رفضنا لأي فتنة بين المسلمين وخصوصاً بين الشيعة والسنة وحرصنا الدائم علي مواجهة أي شكل من أشكال الفتنة لأنها اليوم مشروع أمريكا وإسرائيل لأمتنا". انتقاد للمحكمة ووجهت العديد من الكوادر السياسية اللبنانية الانتقادات للمحكمة الدولية ووصفتها بأنها مسيسة وتحمي المصالح الإسرائيلية. وطالب رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان الحكومة اللبنانية باعادة النظر بالمحكمة الدولية وإلغائها. وأشار أرسلان إلي أن الحكومة اللبنانية عليها أن تمد يدها للمبادرات السورية و الإيرانية و التركية التي تلعب دوراً كبيراً بحكم الموقع الجغرافي بعيداً عنالاعتبارات السياسية وراء المخططات الغربية لاستغلال لبنان. وأضاف "الذين يزينون للمحكمة، ويغالون في الزينة، يعرفون جيدا أنها لن تكشف الحقيقة بل ستدفنها، ويعرفون جيداً أنها هي صاعق تفجير الفتنة، لكنهم يجهلون أنهم قد يكونون من أول ضحايا هذه الفتنة. فلنتذكر جيداً أنه حين تصبح الغرائز بوصلة السياسات تقع الكوارث بأهل الغرائز. الوضع خطير أكثر بكثير مما يظن ولا بد من خطوة وقائية قبل فوات الأوان". ولقيت مطالبة الرئيس السوري بعدم قبول أي اتهام بدون دليل توافقاً مع الموقف المعلن لقوي 14 آذار اللبنانية التي أعلنت في الاجتماع الدوري لأمانتها العامة أن "إصرار قوي 8 آذار علي إسقاط مبدأ العدالة المتمثل بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، من خلال إصرار هذه القوي علي الرفض المسبق لما يمكن أن تتوصل اليه التحقيقات ومحاولة فرض هذا الرفض علي اللبنانيين كشرط مسبق لأي تسوية سياسية، يعتبر اغتيالاً سياسياً لقناعات أكثرية الشعب اللبناني ولحقوق الشهداء الذين سقطوا في جرائم الاغتيال وأهاليهم ورفاقهم، كما لحقوق الضحايا الذين نجوا من هذه الجرائم. إن العدالة هي ركن أساسي من أركان الاستقرار والديمقراطية والتخلي عنها تحت أي ظرف من الظروف أو أي شعار من الشعارات، هو بمثابة التخلي عن قيم أخلاقية إنسانية وسياسية يتمسك بها اللبنانيون ويتطلعون إلي ترسيخها في إدارة حياتهم السياسية وشؤونهم العامة". وقال النائب عمار حوري وعضو تكتل لبنان أولاً "رحبنا بتصريح الرئيس الاسد في قطر لناحية قوله ان الاتهام يجب ان يتضمن دلائل وهذا ما نقوله ايضا نحن نقول ان القرار الاتهامي يجب ان يعتمد علي دلائل وهذه الحقيقة". ورداً علي الاتهامات الموجهة من قوي 8 آذار للمحكمة الدولية، قال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري "نحن لم نتّهم حزب الله في الأساس كي يكون هناك سؤال قائم في هذا المجال. أن مسألة شهود الزور تعالج في إطارها القانوني، أمّا ما يخص التسريبات حول القرار الاتهامي، فنحن قلنا بوضوح إنّها لا تخدم العدالة، والأهمّ من كل ذلك أن لبنان يواجه الكثير من المخاطر". تحركات إقليمية وكانت تحركات دبلوماسية موسعة قد تكثفت في الأسابيع الماضية لاحتواء أزمة ما بعد صدور القرار الظني للمحكمة و شملت زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لإيران. وفي أثناء زيارته لإيران، حذر سعد الحريري من أن "ضرب الاستقرار في أية دولة من دول المنطقة بمثابة تهديد لمصالح العرب وإيران في آن معاً"، وأضاف "أري أن إيران معنية بكل مسعي لتوفير مقومات الاستقرار في كل بلدان المنطقة، ومن ضمنها لبنان الذي ينظر بإيجابية تامة إلي مساعي القيادتين السعودية والسورية لتثبيت الاستقرار فيه". كما شملت المساعي الدبلوماسية أيضاً لاحتواء أزمة ما بعد صدور القرار الظني تصريحات تركية حول استكمال الحوار مع الرئيس السوري بخصوص الوضع في لبنان. وأكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان في ختام زيارته لبيروت أن هناك العديد من الأطراف الدولية و تركيا من بينها تعمل علي دعم المبادرة السورية- السعودية. وتلت زيارة أردوجان لبيروت زيارة الأمير عبد العزيز بن عبد الله لسوريا، وزيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان لدولة قطر، وزيارة رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم لبيروت، و لقاء السفراء الأربعة في بيروت (وضم سفراء السعودية، إيران، مصر وسوريا). وكان مراقبون قد رأوا أيضاً في زيارة الرئيس السوري لقطر محاولة لتحريك الجمود الذي شاب المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وجاءت زيارة الأسد عشية عقد لجنة المبادرة العربية في القاهرة والتي يرأسها رئيس الوزراء القطري. وكان رئيس المكتب السياسي ل"حماس" خالد مشعل زار الدوحة عقب زيارة الرئيس المصري للدوحة، والتقي أمير قطر وبحث معه في الوضع الفلسطيني ومسيرة المفاوضات وقضية المصالحة الفلسطينية ومساراتها. عقبات أمام المحكمة وبينما يزداد التوتر الداخلي بسبب قرب صدور قرار المحكمة الدولية، لا تزال الأخيرة تتعرض للعديد من العقبات والتي من بينها رفض رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي أنطونيو كاسيزي طلب المدير السابق للأمن العام اللبناني اللواء جميل السيد بتنحية قاضيين لبنانيين اتهمهما بالانحياز ومشاركة أحدهما في قرار صادر عن محكمة لبنانية أدي لاحتجازه مع ثلاثة ضباط آخرين أكثر من أربع سنوات في قضية اغتيال الحريري عام 2005، وكان اللواء جميل السيد قد احتجز هو اولقائد السابق للحرس الجمهوري العميد مصطفي حمدان، والقائد السابق لقوي الأمن الداخلي العميد علي الحاج، والمدير السابق للمخابرات العميد ريمون عازار في أغسطس 2005 في إطار التحقيق في اغتيال الحريري غير أنه تم الإفراج عنهم بعد أربع سنوات من الاعتقال. ومن بين العقبات الأخري، ملف شهود الزور الذي من المتوقع أن يتم البت فيه بعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء في ظل تمسك سعد الحريري برفض مبدأ المجلس العدلي ورفض المعارضة مبدأ الهيئة العليا الاستشارية التي اقترحها الحريري للنظر في كيفية التعاطي مع ملف شهود الزور. وكان وزراء المعارضة قد عقدوا اجتماعاً بحضور مساعد الأمين العام لحزب الله حسين خليل والنائب والمعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل وعرضوا اقتراحاً معدلاً لمعالجة ملف شهود الزور مقدم من مبادرة بري لحل الأزمة عن طريق إحالة الأمر إلي المجلس العدلي حيث إن ملف قضية اغتيال الحريري أحيل إليه بالفعل من قبل حكومة الرئيس عمر كرامي وبذلك يتم إعفاء مجلس الوزراء من إصدار مرسوم جديد أو التصويت علي ذلك، وإنما يكون عليه تمديد مفعول القرار السابق. التحركات الدبلوماسية الإقليمية والترقب اللبناني الداخلي كل هذه المؤشرات تؤكد أن مرحلة ما بعد صدور القرار الظني ستكون مرحلة أزمة داخلية جديدة في لبنان إن لم يحدث توافق بين الأطراف اللبنانية علي كيفية التعامل مع القرار وهو ما سعت سوريا إلي التسريع به عن طريق زيارة الأسد للدوحة وتفعيل معادلة السين سين عن طريق الوساطة القطرية.