علي مدي مائة وأربعة وثلاثين عاما من الزمن تعاقبت علي مصر سبعة نظم نيابية هي: مجلس شوري النواب9781 6681, مجلس النواب المصري1881 2881, مجلس شوري القوانين والجمعية العمومية3881 3191, الجمعية التشريعية3191 3291, مجلسا الشيوخ والنواب4291 2591 مجلس الأمة7591 1791, وأخيرا مجلس الشعب بدءا من عام1971, وأضيف له مجلس الشوري من عام.1980 وقد تفاوت نطاق سلطات هذه المجالس التشريعية والرقابية من حقبة لأخري, ليعكس في النهاية تاريخ نضال الشعب المصري وسعيه الدءوب من أجل إقامة مجتمع الديمقراطية والحرية. وقد تشكلت من خلال هذه النظم النيابية علي مدي تاريخها الطويل أربعون هيئة نيابية, تراوح عدد أعضائها بين76 عضوا و454 عضوا في الهيئة النيابية السابقة5002 0102, ثم ارتأي المشرع الدستوري في تعديلاته الأخيرة في مارس2007 أن يفتح الباب أمام السلطة التشريعية لتسن ما تراه من تشريعات تمكن للمرأة سياسيا, وتلبية لهذه الغاية الدستورية أجرت السلطة التشريعية تعديلا علي قانون مجلس الشعب يجعل للمرأة كوتة خاصة بها تمثلها في المجلس, دون أن تؤثر علي عدد المقاعد ال454 المعمول بها, وذلك بإضافة فقرة ثانية الي المادة الثالثة منه تنص علي كما تقسم الي دوائر أخري لانتخاب أربعة وستين عضوا, يقتصر الترشيح فيها علي المرأة, ويكون ذلك لفصلين تشريعيين, وأتي تعديل قانون الدوائر الانتخابية تطبيقا لهذا التوجه, فقسم جمهورية مصر العربية الي32 دائرة انتخابية خاصة بمقاعد المرأة بواقع مقعدين لكل دائرة, ومن ثم يصبح عدد أعضاء الهيئة النيابية الجديدة5102 0102 لمجلس الشعب518 عضوا, وقد أسهمت كل هذه الهيئات النيابية في تشكيل تاريخ مصر وحاضرها ورسم معالم مستقبلها, وإبراز وجهها الحضاري, وبلورة رؤيتها الحديثة لمختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. والحياة النيابية في مصر زاخرة بالتطورات وثيقة الصلة بتاريخها السياسي, فقد نشأ أول برلمان مصري عام1866, قبل إنشاء مجلس النظارة الذي أصبح اسمه مجلس الوزراء باثني عشر عاما, بقرار من الخديو اسماعيل باشا, بصلاحيات استشارية, وقيل في أسباب إنشائه أنه كان يهدف أولا وأخيرا الي منح مصر واجهة دستورية أمام أوروبا للانتفاع بذلك في جهود الخديو لتحقيق استقلاله بمصر عن السلطة العثمانية, غير أن الوثائق إنما تشير بوضوح الي أن ذلك لم يكن الهدف الوحيد للخديو, فقد كان يدرك أيضا أن البرلمان هو الوسيلة التي تسمح بوجود ما نسميه الآن المشاركة السياسية, وأن هذه المشاركة مهمة لتحقيق التوسع في عمارية ومدنية الوطن علي حد قوله وإنعاش وتحسين حالة وتجارة مصر.. وأن الحكومة الحديثة تحتاج لتحقيق انضباطها الي نوع من رقابة المحكومين. وإذا كان مجلس شوري النواب ظل أغلب عمره لا يتدخل في السياسات العامة, فإنه قد قام وتشهد علي ذلك المضابط بالإعراب عن وجهة نظر الأهالي في شئون الري والضرائب والتجارة, وبالتالي المشاركة في توجيه دفة أمور الشئون الداخلية وثيقة الصلة بالحياة اليومية, وتقييد حرية الإدارة الحكومية لمواجهة تعسف موظفيها. وما كاد يحل عام1876 حتي اتخذ البرلمان موقفا معارضا لضغوط الدائنين الأجانب لإلغاء قانون المقابلة الذي كان يتيح تخفيض الضرائب علي الأراضي الزراعية لمن يدفع ستة أمثال الضريبة, حتي يتوافر للخزانة مورد كاف لسداد الديون الأجنبية, ومن أجل ذلك سعي النواب وللمرة الأولي الي وزارة المالية للاطلاع علي الحسابات, ومعرفة مقدار الديون والفوائد المترتبة عليها, وأوضاع الموازنة العامة لينتهوا الي تقديم بديل متكامل لإقالة الميزانية من عثرتها علي نحو يحفظ حقوق ملاك الأرض من المصريين في مواجهة الأطماع الأجنبية, وهو واقع لايجوز إهماله حتي مع ثبوت أن الخديو نفسه كان يؤيد النواب في جهودهم في سعيهم لمواجهة التدخل الأجنبي في شئون حكومته, فالهدف الوطني, والهدف الخاص للأعيان المصريين لم يكونا من الأمور قليلة الشأن في تقرير موقفهم الذي اتخذوه. منذ ذلك الحين ارتبط تاريخ البرلمان المصري برابطة لاتنفصم عراها بتاريخ الحركة الوطنية المصرية ضد الاحتلال الإنجليزيه الذي جثم علي أنفاس البلاد اثنين وسبعين عاما. فدائما ما شهدت مصر تكوين مجالس نيابية تتمتع بسلطة التشريع كذروة لنضال وطني, سواء كان تشكيل مجلس النواب المصري عام1882 في ظل الثورة العرابية, أو تشكيل مجلسي النواب والشيوخ في ظل دستور1923 تتويجا لثورة.1919 بل ويمكن القول إن مجمل النضال الديمقراطي لشعب مصر كان أحد جوانب النضال الوطني المصري, فالهدف الوطني كان هو الأساس المكين الذي استقر عليه المطلب الديمقراطي, بحسبان الانتخابات الحرة, والبرلمان القوي هو الوسيلة الأساسية لتمكين الوفد من الاضطلاع بالسلطة التنفيذية لتحقيق الاستقلال. وإذا انتقلنا الي المشهد المعاصر نجد أن مصر في الفترة الراهنة تشهد نموا مستمرا علي طريق الممارسة الديمقراطية, وفي اتجاه كفالة الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية للمواطن المصري, وأن الحصاد المباشر لذلك هو تعاظم دور البرلمان, وزيادة فعالية أدائه في ميادين التنمية, والتقدم, وحقوق الإنسان التي تخوضها مصر بصبر وإصرار في ظل قيادة الرئيس مبارك, نحو تطوير الدولة المصرية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. ولأن البرلمان يعبر عن سلطة الشعب في نظام أي دولة, وهو مستودع الفكر والخبرة بها, فإن العلاقة الأكيدة بين الديمقراطية والممارسة البرلمانية تنعكس بصورة جلية في ممارسة عضو البرلمان دوره في التعبير عن إرادة الأمة, والدفاع عن حقوق وحريات الأفراد في إطار توافر الضمانات الدستورية واللائحية, وهو ماتحرص الغالبية العظمي من الدساتير علي النص عليه كشرط أساسي لقيام البرلمان بأداء دوره في التعبير عن إرادة الشعب وكحارس للحقوق والحريات. كما أن نجاح البرلمان في أداء دوره التشريعي والرقابي كسلطة من سلطات الدولة الثلاث يتطلب أن يكون مستقلا بوضع لائحته الداخلية, والمحافظة علي نظامه الداخلي, وكذلك اختصاصه بالفصل في صحة عضوية أعضائه ومايقدم فيهم من طعون, كما يتطلب من جانب آخر عدم جواز الجمع بين عضوية البرلمان والوظائف والأعمال الأخري, حتي يتفرغ عضو البرلمان لعمله النيابي. ولا مراء في أن الضمانة الكبري لتأكيد العلاقة الوثقي بين الديمقراطية والبرلمان تتمثل في قوة الرأي العام الذي يكفل حسن تطبيق القواعد التي تتضمنها نصوص الدستور والقانون, وهو ما يحفز البرلمان أثناء ممارسة اختصاصاته التشريعية والرقابية علي أن يتوخي دائما تحقيق الصالح العام. ولاغرو أن نشيد بهذا التطور الملحوظ للحياة النيابية في مصر في ظل الاستقرار السياسي والديمقراطية الراشدة التي يرعاها السيد الرئيس محمد حسني مبارك, ويشهد علي ذلك إتمام مجلس الشعب لمدده الدستورية علي مدي الفصول التشريعية الأربعة الأخيرة0991 0102, ومواصلة مجلس الشوري لأدوار انعقاده منذ نشأته عام1980 حتي دور الانعقاد الثلاثين في2010, وذلك بالإضافة الي حزمة الإصلاحات الدستورية التي شهد النظام السياسي المصري ذروتها خلال عامي2005 و2007 والتي كان أحد أهم محاورها تفعيل دور البرلمان في الحياة السياسية, ودعم استقلاله في مواجهة السلطة التنفيذية. والجدير بالذكر أن البرلمان المصري الذي يقف اليوم شامخا بتقاليده وتاريخه وانجازاته لمصالح الجماهير, استطاع منذ نشأته وعلي اختلاف مراحل تطوره, أن يشكل مركز جذب لجميع شعوب المنطقة المتطلعة الي إرساء مباديء الديمقراطية البرلمانية, بحسبانه منارة الإشعاع الحضاري والفكري والديمقراطي, والنموذج والمثل الذي يسعي الجميع للاستفادة من خبراته وتراثه.