البرلمان المصرى هو أقدم مؤسسة تشريعية فى العالم العربي، وقد شهد هذا البرلمان على مدى ما يقرب من قرنين من عمره العديد من التطورات التى مثل كل منها علامة فارقة فى الحياة السياسية فى مصر. واذا كان البرلمان المصرى كمؤسسة سياسية على الطراز الحديث قد ظهر فى عهد محمد على مؤسس مصر الحديثة الذى أنشأ المجلس العالى ثم تلته العديد من المجالس الأخري، الا ان ميلاد هذا البرلمان وانتزاعه لصلاحياته الرقابية والدستورية لم يكن بالأمر السهل، بل مر بمحطات عصيبة وتم حله عدة مرات . كانت البداية الأولى لتطور الحياة النيابية فى مصر مع إنشاء "المجلس العالي" الذى أسسه محمد على فى نوفمبرعام 1824 وفى عام 1829 قام محمد على بإنشاء " مجلس المشورة " وجعل رئاسة هذا المجلس لابنه إبراهيم . ثم جاءت مرحلة مجلس شورى النواب (1866-1882) والتى تعد من أخصب الفترات فى تطور الحياة النيابية فى مصر، حيث شهدت قيام المؤسسات النيابية الحقيقية التى يتم انتخاب أعضائها بشكل مباشر من جانب الناخبين،وأرسيت قواعد الممارسة البرلمانية فى مصر على نحو تدريجي، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، حيث انعقد مجلس النواب المصرى انعقاداً عادياً واحداً منذ 26 ديسمبر 1881 إلي 26 مارس 1882 ثم قامت بريطانيا باحتلال مصر عام 1882 وألغت القانون . ثم انتقل البرلمان الى مرحلة مجلس شورى القوانين (1883-1913) فى ظل الاحتلال البريطاني، وصدر فى عام 1883 ما سمى بالقانون النظامى الذى كان انتكاسة للحياة النيابية فى مصر، حيث أصدر الخديوى توفيق فى أول مايو عام 1883 القانون النظامي، وبمقتضاه شكل مجلس شورى القوانين، الا انه سرعان ما رفض اللائحة الخاصة بالمجلس، وأصدر أمراً بفض المجلس، ولكن المجلس ظل رغم ذلك يعقد جلساته . ثم جاءت مرحلة الجمعية التشريعية (1913-1914)، الا انه فى ديسمبر 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وتم تأجيل انعقاد الجمعية إلى أجل غير مسمي، وفى عام 1915 أوقف العمل بأحكام القانون النظامى إلى أن ألغيت الجمعية التشريعية فى أبريل 1923. الا ان اخطر المراحل فى تاريخ البرلمان المصرى كانت المجالس النيابية فى ظل دستور 1923، حيث بدأت مرحلة جديدة بإعلان الدستور في 19 أبريل عام 1923 فى ظل تعدد الأحزاب، وقد أعلن الدستور أن التشريع من حق البرلمان، مع إعطاء الملك حق الاعتراض .. وفى نفس الوقت أعطى للبرلمان حق الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وكان البرلمان فى ظل هذا الدستور يتكون من مجلس للنواب وآخر للشيوخ .. ولكن دستور 1923 تعثر تطبيقه من الناحية العملية، فقد تم حل مجلس النواب أكثر من مرة، بل إن جميع المجالس التى شكلت فى ظله لم تكمل مدتها الدستورية . وبعد الغاء دستورعام 1923 وصدور دستور عام 1930 لم يعمر هذا الأخير طويلاً، بسبب تزايد الضغط الشعبى ورفض مصر كلها له وللنظام السياسى الذى قام على أساسه .. وقد صدر الأمر الملكى رقم 27 لسنة 1934 بإلغاء دستورعام 1930 وحل مجلسى البرلمان اللذين قاما فى ظله وطبقا لأحكامه.. وفى التاسع عشر من ديسمبر عام 1935 صدر الأمر الملكى رقم 142 لسنة 1935 الذى قضى بإعادة العمل بدستور عام 1923. ورغم ذلك نجد أن مجالس النواب التى جاءت فى ظل دستورعام 1923 قد تعرضت للحل أكثر من مرة .. وظل الحال على هذا المنوال حتى تم حل البرلمان فى يناير عام 1952عقب حريق القاهرة وظلت مصر بدون برلمان حتى قيام الثورة في 23 يوليو عام 1952 وأعلن مجلس قيادة الثورة الغاء دستورعام 1923. وفى السادس عشر من يناير عام 1956 أعلن دستورعام 1956 الجديد، وقد تم الاستفتاء عليه في 23 يونيو عام 1956 وعلى أساس هذا الدستور شكل أول مجلس نيابى فى ظل ثورة 23 يوليو وبدأ جلساته في 22 يوليو عام1957عام .. وقد أطلق عليه اسم " مجلس الأمة "، واستمر هذا المجلس حتى العاشر من فبراير عام 1958، وعقب الوحدة بين مصر و سوريا صدر دستور مارس المؤقت ..وشكل مجلس أمة مشترك، واستمر حتى الثانى والعشرين من شهر يونيو عام1961 .. وفى شهر مارس عام 1964 صدر دستور مؤقت، وفى ظله تم قيام مجلس أمة منتخب مكون من 350 عضواً، بالإضافة إلى عشرة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية . ومنذ قيام مجلس الشعب عقب صدور الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية عام 1971 شهدت مصر تسعة مجالس نيابية منتخبة، (الفصل الحالى هو الفصل التشريعى التاسع لمجلس الشعب)، وتم حل البعض منها لأسباب مختلفة، ونجد أنه من بين المجالس الثمانية التى شهدتها الحياة النيابية المصرية خلال هذه الفترة الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود، فإن المجالس التى استكملت فترتها هي مجلس 1971 - 1976 و مجلس 1979 - 1984 و مجلس 1990-1995، و مجلس 1995-2000 فى حين لم يستكمل مجلس 1976 فترته التشريعية وتم حله نتيجة للخلافات السياسية التى كانت محتدمة بين الرئيس الراحل أنور السادات وبين عدد غير قليل من أعضاء المجلس نتيجة لرفض هؤلاء الأعضاء اتفاقية السلام التى وقعها السادات مع الجانب الإسرائيلي. كما لم يستكمل مجلسا 1984 و1987 الفترة التشريعية لكل منهما نتيجة صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النظام الانتخابى الذى تم انتخاب أعضاء كل من هذين المجلسين وفقاً له. والمجلس القائم حالياً هو المجلس التاسع الذى يفترض به أن تنتهى فترته التشريعية عام 2010.