ليس منا من يشكك في عروبة سوريا وتوجهاتها القومية يوما ما, ولكن في السنوات والأشهر الأخيرة شهدت دمشق تحولات دراماتيكية في توجهاتها بعد أن غادرت محيطها العربي طواعية وانطلقت نحو تحالفات استراتيجية, ومناورات تكتيكية محسوبة بدقة مع الصفويين في طهران, وهذه مشكلتها وتلك اختياراتها. لكن أن يتبدل هذا التحول إلي حالة طلاق بائن مع أشقائها في أقرب الدول العربية إلي قلوب شعبها, فهذا ما يستحق منا وقفة, وأقصد هنا حالة العلاقات المصرية السورية تحديدا, حيث بات خطاب التأزيم والتراشق والمكايدة والتلاسن هو العنصر الحاكم لمجمل السياسات والمواقف السورية تجاه مصر طيلة الأشهر الماضية, حيث تحضرني هنا ثلاث وقائع كاشفة لمدي التدهور المزري الذي انتاب مواقف ولغة الخطاب السوري ضد مصر. الأولي بشأن أقوال وزير الإعلام السوري محسن بلال, الذي وجه سهامه الطائشة للنيل من مصر ودورها وعروبتها, والثانية أقوال الرئيس بشار الأسد في حديثه الأخير المطول لإحدي الصحف العربية الذي تهجم صراحة وضمنا وأفاض في الكيل والغمز لمصر, ونفخ من جديد في النار تحت الرماد بشأن علاقات البلدين, وهو نفسه من أشعلها في صيف6002 بتهجماته المعروفة وقوله أخيرا: إنه وبلده دمشق ليسا في حاجة إلي مصر, وأنها تباعدت عن مواقفها. ثم جاء الموقف الثالث أخيرا لوليد المعلم وزير خارجيته الذي يكشف عن نهج مخطط ونية مبيتة في تصدير الأزمات والاتهامات إلي مصر والنيل من أي حضور مصري في الشأن العربي وأبرزه لبنان حاليا عندما تجرأ ولجأ إلي القدح والذم ضد مصر بالقول إن هناك لاعبين مصريين يحاولون زرع أوهام ورهانات كاذبة في عقول فئة من اللبنانيين, في إشارة ساطعة إلي قوي(41 آذار) في لبنان ولسان حاله يبدو ووجهه ساخرا كأنه يقول لهم: خليهم يبقوا ينفعوكم, وكان ذلك ردا علي أقوال ومواقف مصرية رسمية بشأن الوقوف وراء صدور القرار الاتهامي للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري. ألا تستحق كل هذه التهجمات السورية التي أغضبت المصريين وأوجعت قلوبهم إلي رد فعل ودور مصري ذي شكيمة لوزارة الخارجية, كأن تكلف سفيرنا في دمشق لطلب الإيضاح والتفسير لمثل هذه التحولات وأسباب جنوح دمشق عن المسار الطبيعي لعلاقات تربط بين بلدين مازالا شقيقين برغم خطايا الخطاب السوري المقصود والمتعمد حاليا.