مازال الدستور المصري ينص علي نسبة50% للعمال والفلاحين في مجلسي الشعب والشوري وقد ثار جدل طويل حول هذا النص في الدستور وانقسم الرأي دائما حول هذه القضية بين مؤيد ومعارض خاصة أن الأحوال تغيرت في شخوصها وأفكارها ومبادئها وبقي هذا النص يشبه النصب التذكاري الذي نطوف حوله أحيانا ونحن لا نعرف لماذا أقيم وماذا يحمل من هدف أو معني إنه مجرد ذكريات.. إن نسبة العمال والفلاحين في مجلسي الشعب والشوري هي النصب التذكاري لما بقي من ثورة يوليو ابتداء بقانون الإصلاح الزراعي وانتهاء باتحادات العمال والفلاحين وكل هذا التراث الذي لم يبق منه شيء غير الذكريات.. هناك من يري أن تحديد النسب في المجالس النيابية إهدار لمبدأ المساواة وضد قوانين العدالة ويتنافي تماما مع ما يفرضه الدستور من تكافؤ الفرص بين المواطنين.. ولكن في زحمة شعارات يوليو تسربت حكاية نسبة العمال والفلاحين وأصبحت حقيقة واقعة رغم اعتراض رجال القانون علي ذلك.. وفي العصر الذهبي للعمال والفلاحين كان هذا الشعار يحمل الكثير من الأحلام خاصة مع الفرص التي أتاحتها الثورة لأبناء العمال والفلاحين في العمل وفي مجانية التعليم وتوقف المجتمع المصري كله أمام هذا الغزو الريفي والعمالي القادم حيث تصدر أبناء هذه الطبقات مقدمة المجتمع المصري ووصلوا إلي أرفع المناصب.. لم تكن فرص العمل هي الإنجاز الوحيد ولكن نظرة المجتمع نفسه إلي هذه الطبقات تغيرت أمام تحول ثقافي وإنساني عميق خاصة أن كوادر كثيرة من أبناء هذه الطبقة تصدرت الساحة علما وتميزا ونبوغا.. للأسف الشديد لم يستمر هذا الوضع كثيرا فقد أطاحت بالواقع الاجتماعي المصري نوبات الانفتاح والخصخصة وانقلب الهرم الاجتماعي مرة أخري وعاد الفلاح والعامل إلي آخر الصفوف كما كانوا وأصبح من الصعب بل من المستحيل أن يشق أحد أبناء هذه الطبقة الصفوف مرة أخري ويحصل علي فرصة عمل أو تفوق أو نبوغ.. عاد الفلاح إلي مواقعه القديمة أجيرا في الأرض وحوله ثلاثة أو خمسة أبناء تخرجوا في الجامعات بلا عمل, فلاهم حافظوا علي تراثهم في زراعة الأرض ولا هم لحقوا ببهوات القاهرة وضواحيها.. خرج العمال والفلاحون من منظومة الانفتاح والخصخصة في حالة انكسار دامية ومع برنامج توزيع الأراضي وبيع المشروعات الصناعية بدأ تهميش العمال والفلاحين.. دخل العمال في مسلسل كئيب يسمي المعاش المبكر ودخل الفلاحون في سرداب مظلم يسمي السوق الحرة.. وجد العامل نفسه خارج المصنع الذي تم بيعه وتحول إلي أراضي بناء وعقارات ووجد الفلاح محصول الأرض يتعرض لضربات متلاحقة في ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والكيماويات.. والغريب في الأمر أن أبناء الفلاحين القدامي الذين جاءوا إلي القاهرة والعواصم الأخري في الخمسينات والستينيات وانضموا إلي صفوف الطبقة المتوسطة سرعان ما تنكروا لأصولهم وجذورهم.. البعض منهم جمع أموالا من السفر والعمل في الخارج.. والبعض الآخر انضم إلي صفوف الطبقة الجديدة من رجال الأعمال.. وهناك من تحول إلي بوق حكومي صداح في المؤسسات الثقافية والإعلامية والحكومية.. في تقديري أن هذا الجزء الذي انضم إلي فصائل النخبة مع ثورة يوليو من أبناء العمال والفلاحين قد تنكر لجذوره بل لا أبالغ إذا قلت إنه خان قضية العمال والفلاحين.. مع صخب الانفتاح والخصخصة والمشروعات المباعة واوكازيون توزيع الأراضي خبا تماما في السنوات الأخيرة أي صوت للعمال والفلاحين.. حتي الأحزاب السياسية التي قامت علي هؤلاء انزوت في مقارها وصحفها عندما انسحبت كتائب اليسار أمام هجمة شرسة من رجال الأعمال والأثرياء الجدد.. علي جانب آخر ومع حكومة رجال الأعمال كان من الصعب أن تجد صوتا وسط هذا الزحام يذكر الفلاحين او العمال أو يدافع عن قضاياهم ومشاكلهم.. والأغرب من ذلك كله أن الحكومة قامت بتسوية ألاف الملايين من مستحقات البنوك لدي رجال الأعمال وتنازلت عن جزء كبير من هذه المستحقات بما في ذلك الفوائد وجزء من أصل الدين بل إنها أسقطت ديونا بالكامل علي بعض رجال الأعمال الكبار المقيمين والهاربين ورفضت الحكومة أن تتنازل عن أي ديون تخص الفلاحين لدي بنك التسليف الزراعي هنا ظهرت حكاية اختفاء العمال والفلاحين في المجالس التشريعية والمؤسسات العامة والاتحادات النقابية حيث غابت قضاياهم تماما أمام إهمال واضح وصريح.. ارتفعت أسعار جميع مكونات الزراعة ولم يسأل أحد.. واجتاحت جيوش بنك التسليف الزراعي معاقل الفلاحين في بيوتهم ولم يعرف أحد وخرج مئات الآلاف من العمال من مصانعهم ولم يرحم أحد.. وهنا أيضا إختفي ما كان يسمي باتحاد العمال أو أمانة الفلاحين.. غاب هؤلاء تماما عن الساحة وللأسف وجدنا ما بقي من شراذم النخبة يمارسون عملية سطو غير مشروعة علي مقاعد العمال والفلاحين في مجلسي الشعب والشوري.. في السنوات الماضية اختفت وجوه الفلاحين عن مجلس الشعب وغاب العمال ووجدنا العشرات من رجال الأعمال وكبار المسئولين يغيرون جلودهم وأصولهم وملامحهم ويرشحون أنفسهم كعمال أو فلاحين ويحصدون عضوية المجلس.. ترك هؤلاء المواقع المهمة لرجال الأعمال ووجدوا أن الأفضل والأسهل أن يتسللوا إلي صفوف الفلاحين والعمال ويحصلوا علي العضوية.. ورغم أن ذلك مخالفة صريحة للدستور وقوانين الانتخابات فإن الجميع تغاضي عن ذلك ووقعت الجريمة ولم يبق في مجلس الشعب ما كان يسمي العمال والفلاحين.. في مجلس الشعب السابق عشرات الأسماء التي غيرت انتماءها وتركت ساحة الفئات لتلعب في دائرة العمال والفلاحين والهدف في النهاية هو الحصول علي الحصانة سواء كان العضو عاملا أم فلاحا أم من الفئات سابقا.. وفي انتخابات مجلس الشعب القادم اتسعت دائرة التسلل ويبدو أننا لن نجد في المجلس الجديد عاملا واحدا أو فلاحا.. لاشك أن الحزب الوطني هو الذي يتحمل هذه الجريمة حين ترك الحابل بالنابل وسمح لأعضائه بان يغيروا صفتهم رغم أن ذلك يعتبر مخالفة صريحة للدستور.. ولا يمكن لنا ان نبرئ مجلسي الشعب والشوري من هذه المأساة التي أطاحت بالعمال والفلاحين خارج البرلمان وإذا كان المجلس لا يضم عمالا أو فلاحين فلماذا الإصرار علي بقاء هذا النص في الدستور ولماذا كل هذا الحرص علي بقاء هذا النصب التذكاري وهو آخر ما بقي من شعارات ثورة يوليو.. هناك إجماع بين رجال القانون علي عدم دستورية هذا النص.. والواقع يقول إن مجلسي الشعب والشوري قد تنكرا تماما لهذه الفئة من البشر فلا يوجد الآن فلاح أو عامل حقيقي تحت قبة البرلمان وفي الدوائر الانتخابية التي تتصارع الآن علي عضوية المجلس عشرات الوجوه من أصحاب المناصب والأموال الذين انضموا فجأة وبلا مبررات إلي صفوف العمال والفلاحين.. لا أحد من هؤلاء ذهب إلي الريف يوما.. أو شارك في مظاهرة عمالية او دخل في طابور المعاش المبكر.. ورغم هذا أصبحوا جزءا من هذا الرقم القديم50% للعمال والفلاحين.. أن الأكرم للحزب الوطني أن ينقي جداوله ويعيد الفلاحين والعمال الحقيقيين إلي قائمة مرشحيه كحزب للأغلبية.. وعلي بقية الأحزاب الأخري أن تعيد التوازن إلي مجلس الشعب بعد أن أصبح صوتا لرجال الأعمال حتي وإن تستروا وراء لافتات العمال والفلاحين.. إن الفلاح الحقيقي هو الذي كان يوما يزرع القمح والقطن والبصل وكان يوما مرتبطا بتراب هذه الأرض يسمع صرخاتها إذا احتجت وأنينها إذا تألمت أما هؤلاء الذين باعوا المصانع وتحولت بين أيديهم إلي قصور وفيلات فليسوا عمال مصر الحقيقيين.. إن عمال مصر هم أبناء المحلة الذين لا يجدون الآن الغزل لتعمل مصانعهم وألقت بهم أشباح الخصخصة في متاهات وسراديب المعاش المبكر.. لا يوجد الآن داخل مجلس الشعب صوت فلاح يدافع عن الارض ضد سماسرة الكانتلوب والخيار ولا يوجد صوت عامل يقف في وجه طوفان الخصخصة وتسريح العمال.. وإذا كان الدستور ينص علي أن50% من أعضاء مجلسي الشعب والشوري للعمال والفلاحين فإما أن ينفذ النص.. وإما أن يسقط المجلس عضوية أي مواطن يحاول تغيير صفته جريا وراء الحصانة.. إن الفلاحين والعمال الآن في حاجة إلي أصوات حقيقية تعبر عن مشاكلهم وما أكثرها, أما الذين يشترون الشعارات ويتاجرون في المباديء فلا يشرف العمال والفلاحون أن يكونوا منهم.. .. ويبقي الشعر ماذا تبقي من بلاد الأنبياء.. لا شيء غير النجمة السوداء ترتع في السماء.. لا شيء غير مواكب القتلي وأنات النساء لا شيء غير سيوف داحس التي غرست سهام الموت في الغبراء لا شيء غير دماء آل البيت مازلت تحاصر كربلاء فالكون تابوت.. وعين الشمس مشنقة وتاريخ العروبة سيف بطش أو دماء ماذا تبقي من بلاد الأنبياء خمسون عاما والحناجر تملأ الدنيا ضجيجا ثم نبتلع الهواء.. خمسون عاما والفوارس تحت أقدام الخيول تئن في كمد.. وتصرخ في استياء خمسون عاما في المزاد وكل جلاد يحدق في الغنيمة ثم ينهب ما يشاء خمسون عاما والزمان يدور في سأم بنا فإذا تعثرت الخطي عدنا نهرول كالقطيع إلي الوراء.. خمسون عاما نشرب الأنخاب من زمن الهزائم نغرق الدنيا دموعا بالتعازي والرثاء حتي السماء الآن تغلق بابها سئمت دعاء العاجزين وهل تري يجدي مع السفه الدعاء.. ماذا تبقي من بلاد الأنبياء ؟ أتري رأيتم كيف بدلت الخيول صهيلها في مهرجان العجز.. واختنقت بنوبات البكاء.. أتري رأيتم كيف تحترف الشعوب الموت كيف تذوب عشقا في الفناء أطفالنا في كل صبح يرسمون علي جدار العمر خيلا لا تجيء وطيف قنديل تناثر في الفضاء.. والنجمة السوداء ترتع فوق أشلاء الصليب تغوص في دم المآذن تسرق الضحكات من عين الصغار الأبرياء ماتت فلسطين الحزينة فاجمعوا الأبناء حول رفاتها وابكوا كما تبكي النساء خلعوا ثياب القدس ألقوا سرها المكنون في قلب العراء قاموا عليها كالقطيع.. ترنح الجسد الهزيل تلوثت بالدم أرض الجنة العذراء.. كانت تحدق في الموائد والسكاري حولها يتمايلون بنشوة ويقبلون النجمة السوداء نشروا علي الشاشات نعيا داميا وعلي الرفات تعانق الأبناء والأعداء وتقبلوا فيها العزاء.. وأمامها اختلفت وجوه الناس صاروا في ملامحهم سواء ماتت بأيدي العابثين مدينة الشهداء ماذا تبقي من بلاد الأنبياء.. في حانة التطبيع يسكر ألف دجال وبين كئوسهم تنهار أوطان.. وتسقط كبرياء لم يتركوا السمسار يعبث في الخفاء حملوه بين الناس في البارات.. في الطرقات.. في الشاشات في الأوكار.. في دور العبادة في قبور الأولياء يتسللون علي دروب العار ينكفئون في صخب المزاد ويرفعون الراية البيضاء.. ماذا سيبقي من نواقيس النفاق سوي المهانة والرياء.. ماذا سيبقي من سيوف القهر والزمن المدنس بالخطايا غير ألوان البلاء ماذا سيبقي من شعوب لم تعد أبدا تفرق بين بيت للصلاة.. وبين وكر للبغاء النجمة السوداء ألقت نارها فوق النخيل فغاب ضوء الشمس.. جف العشب واختنقت عيون الماء ماتت من الصمت الطويل خيولنا الخرساء