الخلاف أنواع.. ومستويات.._أصعبها وأخطرها وأعقدها عندما يكون هذا الخلاف مع مسئول!! أي مسئول.. خاصة لو كان هذا المسئول من النوع الذي تسيطر عليه نظرية المؤامرة ومن الذين يؤمنون بأنهم علي الحق دائما وأن النصر حليف دائم يسعي إليه في كل خطواته.. هذا المسئول يرحب بكل ديمقراطية بكل الآراء بشرط واحد فقط وهو شرط بسيط جدا وسهل جدا وهو أن تكون هذه الآراء تتفق مع رأي سيادته والأفضل ديمقراطيا أن تتطابق بالكامل مع رأي سيادته وهذا المسئول علي استعداد لأن يفتح صدره وأذنه بكل ترحيب لسماع قصائد الإشادة بإنجازاته وعبقريته ورؤيته الثاقبة التي أنعم الله بها علينا.. أما من يحاول والعياذ بالله أن يخرج علي خط مساندة المسئول والإشادة بإنجازاته وترديد وجهة نظره ورأيه فهو من القوي المضادة لمصلحة الوطن ولنهضة مصر وهو باختصار مغرض وصاحب مصلحة وهي طبعا مصلحة غير شريفة وغير شرعية وبكلام غامض ومبهم يتم الإيحاء بأن المخالف لرأي الوزير كان عايز لامؤاخذة.. ولا مش ضروري!! وبذلك التعقيب الغامض يفهم المستمع أن المخالف لرأي الوزير صاحب مصلحة شخصية وهي مصلحة طبعا غير مشروعة!! ولا ينظر لهذا الخلاف في الرأي الذي هو كما يرددون دائما لا يفسد للود قضية باعتبار أن صاحب هذا الرأي المخالف لرأي السيد الوزير كان له عشرات إن لم يكن المئات من الآراء والمواقف التي اتفق فيها مع رأي السيد الوزير وتسقط كل هذه المواقف السابقة في بئر النسيان عند أول اختلاف ويثبت بالتجربة أن الخلاف في الرأي- مش بس يفسد الود- بل هو يدمر كل علاقة وكل صلة وكل فرصة للحوار!! ولأن من تقاليد الكرسي والسلطة أن يكون حول المسئول حاشية وبطانة من المتخصصين في العزف علي كل أوتار الرضا التي تسعد المسئول_ وهي بطانة وحاشية من المستشارين والمقربين الذين تنحصر كل مواهبهم وكفاءتهم في القدرة علي اكتشاف ما يريده المسئول قبل أن ينطق به.. حيث يكفي نظرة من عيون سيادته حتي تتحول أحلامه إلي واقع علي الأرض وهم وحدهم القادرون علي أن يلقطوها وهي طايرة في الجو قبل أن تصل حتي إلي عقل الباشا المسئول.. وهم فقط الذين يعرفون كيفية تدليك الغدة الوزارية تلك التي لا توجد في أجسام البشر العاديين!! موجودة فقط عند الوزراء وهذه الغدة في حاجة إلي عملية تدليك متواصل حتي يظل الوزير المسئول علي يقين من أنه علي الحق الدائم وأن النصر حليفه باستمرار وأن أعداءه علي الباطل ومثواهم جهنم وبئس المصير وهؤلاء الذين تخصصوا في تدليك الغدة الوزارية من سلالة عسكران.. تلك الشخصية التي تقمصها الفنان فؤاد المهندس.. حيث كان السيد عسكران ما أن يسمع اسم السلطان إلا وتنتابه حالة عصبية تهدأ فقط بعد أن يهتف: طويل العمر.. يطول عمره.. ويزهزه عصره.. وينصره علي مين يعاديه!! ويخرج علي المخالف لرأي الوزير سلالة السيد عسكران أنصار الوزير الدائمون والمحاربون من أجله يوجهون إليه كل ما تعلموه من اتهامات قد تصل إلي التأكيد بأنه من كفار قريش, ويواصل الوزير المسئول حملته التلميعية!! وحتي يطمئن المسئول إلي أن كل شيء علي ما يرام وأن أي خلاف في الرأي مع سيادته مجرد زوبعة في فنجان تبدأ الحاشية المسئولة عن الغدة إياها في تقديم التفسيرات المرضية للسيد المسئول عن أسباب ودوافع هذا المارق المخالف لرأي سيادته!! وهي تفسيرات تبدأ كما قلنا من ضرورة أن هذا المخالف عايز حاجة.. إيه هيه!؟ ماتفهمش المهم أنه عايز حاجة وخلاص.. أو أنه من حزب الحاقدين أعداء النجاح.. نجاح سيادته طبعا.. وهو نجاح منقطع النظير.. أو أن الحكاية لا خلاف في الرأي ولا يحزنون وإنما هي مؤامرة لإبعاد سيادته عن الكرسي الغالي.. كرسي المسئولية!! أما إذا لم تكن كل تلك الأسباب كافية أو مقنعة فهو من هذه الكتلة التي هدفها عرقلة الإنجازات وإجهاض النجاح وتشويه الصورة الجميلة لسيادته وسياسات سيادته وجهود سيادته!! والسؤال هو: لماذا لا نعرف- بجد أن نختلف في الرأي؟ ولماذا لا يكون هناك ولو بالصدفة رأي يخالف رأي سيادة المسئول ويتصادف وفق نظرية الاحتمالات- أن يكون هذا الرأي المخالف صحيحا؟! لماذا يجد كل من لا يتطابق رأيه الديمقراطي مع رأي الوزير الديمقراطي نفسه في قفص الاتهام بعشرات الاتهامات وهي في حقيقتها اتهام واحد هو أن رأيه اختلف عن رأي السيد الوزير دون أن يدرك صاحب الرأي المخالف أن رأي السيد الوزير هو بالضرورة الرأي الوحيد الصحيح, وأن مجرد محاولة مناقشة هذا الرأي- فما بالك بالاختلاف معه هو إدانة للرأي المخالف ولصاحبه.. هذا هو للأسف المفهوم الذي يحكم الخلاف في الرأي بيننا وهو الأمر الذي يؤكد أننا بالفعل أحفاد الفراعنة وأن جينات الفراعنة مازالت تنتقل من جيل إلي آخر حيث ينظر الناس إلي الفرعون علي أنه هو الإله أو علي الأقل ابن الإله!! [email protected]