بينما نحن عدد من الإخوة نتوضأ للصلاة.. وبعد أن فرغ أحدنا من الوضوء حييته قائلا: زمزم فإذا به يرد علي بحدة( بدعة.. ماوردتش!). فابتسمت متعجبا حتي لا يتطور الأمر وقلت له: يعني كسفتي هي اللي وردت؟ أضف إلي ذلك ما يحدث من خلافات بين جموع المصلين في المساجد حول حكم قراءة القرآن في مجموعات في المسجد أو في البيوت. وكذلك في حكم قراءة سورة الإخلاص بين الاستراحات في صلاة التراويح في رمضان إلي آخر ما يصفونه بالبدع لأن الرسول أو الصحابة لم يفعلوها وكذلك مصافحة المصلين بعد الصلاة من هنا كان اهتمامي ببيان ما معني البدعة؟ وما ضوابطها وذلك من خلال عرض الأمر علي كتاب الله وسنة نبيه صلي الله وعليه وآله وسلم ومنهج الصحابة الكرام والتابعين رضوان الله عليهم كما علمنا ذلك ربنا في كتابه العزيز في قوله جل شأنه:( ولو ردوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم( النساء/83 يعني أن أمرا نختلف فيه فلابد من عرضه ورده إلي مصادر الشريعة الغراء من قرآن أو سنة أو إجماع أو قياس. ومن الكتب التي أوجزت الإجابة عن هذه المسألة كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام للإمام المحدث الفقيه سلطان العلماء أبي محمد عز الدين بن عبدالسلام, وقد عاش في منتصف القرن السابع الهجري أي منذ أكثر من ستمائة عام, ومع ذلك كان أوسع صدرا وأرحب أفقا من كثير من فقهاء اليوم بما أعطاه الله من سداد في القول وإخلاص في العمل ومراقبة لله جل وعلا!! فلقد قسم البدعة إلي خمسة أقسام بعد أن عرفها فقال: البدعة: هي فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم, أي كل جديد مستحدث ومنه قوله تعالي:( بديع السموات والأرض), البقرة:117 يعني ايجاد السموات والأرض علي مثال لم يسبق. وقد قسم الفقيه البدعة. إلي خمسة أقسام: وهذا التقسيم الذي اتبعه يفيد في صور البدعة المراد الحكم عليها شرعا بعرضها علي أقسام الحكم التكليفي وبذلك نستطيع أن نتعرف من أي الأقسام هي؟ فالحكم التكليفي لا يخرج عن خمسة أقسام: الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح. وبالمثال يتضح المقال: البدعة الواجبة: هي كل ما يحفظ الشريعة سواء من ناحية فهم أساليب القرآن والحديث ومايلزم من ذلك من تعليم قواعد النحو ومعرفة غريب القرآن والسنة. أو تعليم القواعد الأصولية التي تعين علي كيفية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها ونصوصها من القرآن والسنة وبقية المصادر أو تعليم مصطلح الحديث وعلوم الجرح والتعديل لمعرفة درجات الأحاديث والتفرقة بين الحديث الصحيح والضعيف والموضوع وكل هذه العلوم لم تكن في عصر الرسالة فهي جديدة ومن البدع الواجبة لخدمة القرآن وعلومه. أما البدعة المندوبة: فهي كل فعل حسن ومشروع وإن لم يكن مثله كان في عهد الرسالة أو العصر الأول.. لكنه يشيع المحبة والتآلف أو يلبي حاجات المجتمع أو يشجع علي الإقبال علي العبادات. من ذلك مثلا: إنشاء الدواوين والوزارات وبناء المصانع والمستشفيات وتعليم العلم بالمساجد وقراءة القرآن وصلاة التراويح جماعة في المساجد إلي غير ذلك من أعمال صالحة لم تكن بهذه الكيفية في عصر الرسالة ومع ذلك تسمي بالبدعة الحسنة أو المندوبة والمثاب علي فعلها. البدعة المحرمة: فهي الفعل الذي يخالف ما ورد في الكتاب والسنة وما عليه جماعة المسلمين. ومثالها المذاهب الباطلة والمنحرفة عن عقيدة الإسلام كالقدرية والجبرية والمرجئة وغيرها.. وهذه مذاهب تخالف ما عليه صحيح العقيدة من اعتراف بوحدانية الله تعالي وصفاته القديمة وأن دين الإسلام هو خاتم الديانات وأن محمدا صلي الله عليه وآله وسلم هو خاتم الرسل.. فكل ما يخالف ذلك باطل ومن البدع المحرمة والرد علي هذه البدع الباطلة من جانب العلماء يعتبر بدعة واجبة لإبطالها بالحجة البالغة والأدلة الواضحة الدامغة. البدعة المكروهة: وهي كل فعل لا طائل تحته ولا فائدة منه وقد يخل في باب الإسراف إذا تجاوز حده وقد يكون عليه اللوم وليس العقاب. فمثلا: المبالغة في تشييد المساجد وتزويقها ونقشها مما قد يتجاوز الحد اللازم مع أن الله تعالي يكره هذا اللون من التباهي في البنيان والبهرجة في النقوش مما يصرف المصلين عن الخشوع في الصلاة ويصرف فكرهم ونظرهم إلي ما أحيط بهم من ألوان ومسوح مما يقلل من أجرهم وثوابهم. ومن ذلك أيضا نقش وزخرفة المصحف الشريف لنفس العلة التي تصرف القاريء عن تدبر الآيات إلي العناية. بالنظر فيما خط في الصفحات من رسوم وأشكال وزخارف مع الأجزاء والأحزاب والأرباع.. والمنهي في ذلك المبالغة وليس الأدلة علي مواطن الأجزاء فقط. البدعة المباحة: وهي الأفعال التي لا تدخل تحت أي قسم من الأقسام المذكورة.. بل هي أفعال بعيدة كل البعد عن أن توصف بحل أو حرمة أو ندب أو كراهة. فمثلا: التوسع في المأكل والمشرب بدون إسراف ولا تقتير ومنها كل ما قلناه سابقا وما يكون بين المصلين من تحية بالقول أو الفعل أو الدعاء.. أو المصافحة عقب الصلاة والدعاء عقب الوضوء وهذا النوع يثاب فاعله بنيته الحسنة. كما أن هذا النوع هو أكثر ما يوجد في صفوف العوام من بلبلة وجدال ودائما ما يصفون ما يفعله بأنه( مبتدع) لأن ذلك لم يفعله الرسول الكريم ولا الصحابة الكرام ولا التابعون الأخيار فهل لنا أن نميز بين ماهو سنة وما هو بدعة؟