شعبة الدواجن: ننتج 4 ملايين كتكوت و40 مليون بيضة يوميا    أخبار مصر اليوم.. «الصحة» تطلق خطة شاملة لتعزيز الصحة المدرسية ..رئيس سنغافورة يزور مصر ويلتقي السيسي ومدبولي والطيب وتواضروس    السيدة انتصار السيسي تشكر ملكة إسبانيا بعد إهدائها وسام إيزابيل لاكاتوليكا    وكيل جهاز المخابرات السابق: مصر تعاملت مع اجتياز حماس للحدود في 2008 بشكل حضاري    أموريم: نحتاج لتفادي الأخطاء.. وصدام تشيلسي يختلف عن أي مواجهة أخرى    مصر على موعد مع الكاميرون في النهائي الأفريقي لشباب الطائرة    معهد علوم البحار: اضطرابات البحر المتوسط طبيعية موسمية.. والالتزام بالتحذيرات ضروري للسلامة    فرقة الأنامل الصغيرة تفتتح الدورة الأولى لمهرجان بورسعيد السينمائي    شيرين عبد الوهاب تنفي إحياء حفل مع فضل شاكر في دبي    رواية شباك المنور لفاطمة الشرنوبي.. الغياب يروي مأساة فتاة    وكيل صحة شمال سيناء يوقع خصما من مستحقات شركة النظافة خلال جولة بمستشفى الشيخ زويد    غرق شاب في بوغاز رشيد وجهود مكثفة لانتشال جثمانه بكفر الشيخ    "شينخوا" تكشف تفاصيل الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الصيني والأمريكي    رئيس جامعة الإسكندرية يبحث مع قنصل السعودية تعزيز التعاون الأكاديمي والثقافي    رئيس جامعة الأزهر: نسعى لتخريج جيل متميز في شتى مجالات العلوم    القاهرة الإخبارية: نتنياهو أمر الجيش بهدم مدينة غزة حتى جذورها    وزير المالية الألماني: برلين تتابع أزمة الديون الفرنسية بقلق    وزارة الصحة تطلق خطة شاملة لتعزيز الصحة المدرسية بالتعاون مع التعليم والأزهر الشريف    قصف على مسجد في الفاشر يودي بحياة أكثر من 70 مدنيًا وسط استمرار الحصار    دمج ذوي الهمم في بطولة الشركات لأول مرة    ضبط 10 تجار سجائر بالغربية يقومون بالبيع بأزيد من التسعيرة الرسمية    موعد صلاة المغرب.. ودعاء عند ختم الصلاة    5 أعراض تكشف عن وجود مشكلات في النظر    وزير الدفاع الإسرائيلي ل زعيم الحوثيين: سيأتي دورك    خلل صادم في كاميرا آيفون 17 يثير الجدل.. والشركة تكشف سر الصور المشوّهة    لم يُنزّل من السماء كتاب أهدى منه.. إمام المسجد النبوي: القرآن أعظم الكتب وأكملها    تقرير برتغالي: فيتوريا قد يعود لمصر من بوابة الأهلي    محافظ أسوان: غرامة 50 ألف جنيه لمُنتهكي حرم الطريق بالحواجز الحديدية أو «الإستندات»    أطباء الجيزة تكرم استشاري تخدير شهير باحتفالية «يوم الطبيب 2025»    صورة جديدة للزعيم عادل إمام تشعل السوشيال ميديا    أميرة أديب تطلق أغنية "أحمد" من ألبومها الجديد    هل فكرت عائشة بن أحمد في اعتزال التمثيل؟.. الفنانة تجيب    نتنياهو: نوجه لحماس ضربات قوية ولن نتوقف    اليوم.. استئناف الجولة الخامسة بدوري المحترفين    خطيب المسجد الحرام يدعو للتحصّن بالقرآن والسنة: قول لا إله إلا الله مفتاح الجنة    بالصور - جامعة أسوان تُكرم 200 حافظًا للقرآن الكريم في احتفالية روحانية    افتتاح مسجدين جديدين بسيدي سالم والحامول في كفر الشيخ    بدء اجتماعات مصرية كورية لإنشاء مركز محاكاة متكامل للتدريب وإدارة المخلفات    محافظ البحيرة تشهد إيقاد الشعلة إيذاناً ببدء إحتفالات العيد القومي    مديرية أمن الشرقية تنظم حملة للتبرع بالدم لصالح المرضى    الداخلية تضبط عنصرًا جنائيًا بالمنوفية غسل 12 مليون جنيه من نشاط الهجرة غير الشرعية    تعليم القاهرة: انتهاء كافة الترتيبات لاستقبال 2.596.355 طالبا وطالبة بالعام الدراسي الجديد 2025- 2026    ارتفاع عالمي جديد.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-9-2025 وعيار 21 بالمصنعية الآن    الأنبا مكسيموس يترأس مؤتمر خدام إيبارشية بنها    تعرف على رابط إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    مجدي عبدالغني: لن أترشح لانتخابات الأهلي أمام الخطيب    الداخلية: ضبط 98665 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الداخلية توضح حقيقة فيديو ادعاء اختطاف طفل بالقاهرة: مجرد تصادم بين سيارتين    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات كفر الشيخ ويوجه بإصلاحات عاجلة    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    خدعة كاميرات المراقبة.. أبرز حيل سرقة الأسورة الذهبية من داخل المتحف    وظائف الأزهر الشريف 2025 .. فتح باب التقديم لوظائف معلم مساعد ب9 آلاف فرصة    «دينا عيب إحنا في برنامج».. كوميديا عمرو يوسف ودينا الشربيني في حلقة «منى الشاذلي»    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    أسعار الدولار في البنوك المصرية اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من بوسطن
الحرب القادمة إلي الشرق الأوسط
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 08 - 2010

سألت صديقي المحلل الاستراتيجي الأمريكي في واحد من مراكز بحوث بوسطن المرموقة عما إذا كان يتوقع قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران؟ وبعد لحظات من التفكير العميق جاءت إجابته مركبة‏,‏ تحمل الإيجاب والنفي في آن واحد‏. إذ قال إن المؤكد هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو‏,‏ أو غيره في القيادات الإسرائيلية‏,‏ لا يستطيع القيام بهذه الخطوة ما لم يتلق ضوءا أخضر من الولايات المتحدة‏.‏ وبعد لحظة صمت أخري أضاف‏:‏ هذه خطوة كبيرة لا تستطيع إسرائيل تحملها وحدها لأن نتائجها سوف تكون هائلة ومؤثرة علي مستقبل المنطقة وربما العالم أيضا‏.‏
وبينما كنت أحاول استيعاب الكلمات والاستعداد للسؤال التالي‏,‏ كان صاحبنا قد أردف دون انتظار‏:‏ ومادامت واشنطن مستمرة في الحديث عن عدم تعريض أرواح الأمريكيين للخطر‏,‏ فإن أحدا في إسرائيل لن يكون لديه الشجاعة لكي يقوم بهذه الخطوة منفردا تابع هذا التعبير وفي اللحظة التي تتوقف فيها إدارة أوباما عن استخدامه فإن ذلك يعني أن الموعد قريب‏!.‏
كان المعني هنا هو أنه لا توجد مصلحتان منفصلتان بين أمريكا وإسرائيل فيما يتعلق بالسلاح النووي الإيراني إذا كان موجودا كما كان الحال في السابق عندما قامت إسرائيل منفردة بالهجوم علي مفاعل أوزيراك العراقي‏.‏ ففي هذه المرة فإن اللحم والدم الأمريكي موجود في العراق‏,‏ وأفغانستان‏,‏ ودول الخليج كلها‏,‏ كما أن المصالح الأمريكية كثيفة ومتسعة ومتخمة بالبشر بأكثر من أي وقت مضي‏.‏ ولذا فإن أخطار الحرب لن يتحملها الذي يبدأ في القتال بعملية أو عمليات قصف للمواقع النووية الإسرائيلية‏,‏ وإنما سوف يتحملها الطرف الآخر في كل الأحوال أرواحا وجراحا عميقة‏.‏
ومرة أخري وقبل أن أعلق متسائلا عما هو الجديد في هذه العلاقة الأمريكية الإسرائيلية الوثيقة دائما‏,‏ عاجلني الرجل بالسؤال عما إذا كنت قد تابعت زيارات إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي إلي واشنطن؟ ولما أجبت بالنفي‏,‏ كانت إجابته هي أنه لم يحدث في التاريخ الإسرائيلي المعاصر أن قام وزير الدفاع بمثل هذه الزيارات المتكررة التي تكاد تكون كل ثلاثة أسابيع تقريبا‏,‏ تتخللها زيارات من مستويات أخري من الموساد ووزارة الدفاع الإسرائيلية وزيارات مماثلة تقوم بها المستويات المقابلة في البنتاجون ووكالة المخابرات المركزية إلي إسرائيل‏.‏ مثل هذه الكثافة في الزيارات المتبادلة تعني أن هناك ما هو مهم واستراتيجي‏,‏ ويحتاج إلي الكثير من التفاهمات وتبادل وجهات النظر والعمل علي حل اختلافات موضوعية في أسلوب العمل‏.‏
ولا تنس‏,‏ والحديث لا يزال للرجل‏,‏ أن إسرائيل تعمل عسكريا بطريقة مختلفة عن واشنطن‏;‏ فهي تحدد الهدف الاستراتيجي الرئيسي ثم بعد ذلك توجه كل ما لديها من قوة لضربه‏,‏ وينتهي الحدث عند ذلك‏.‏ وكان ذلك هو ما جري عند ضرب مفاعل أوزيراك في العراق‏,‏ والمفاعل الكوري الشمالي في سوريا‏,‏ وفي هذه الثانية فإن إسرائيل حتي لم تعلن عن قيامها بهذه الضربة وتركت الأمر كله للتخمين لمن يريد أن يخمن وللتصريح لمن يريد أن يصرح‏.‏
ولو أن الولايات المتحدة كان عليها القيام بهذه المهمة‏,‏ فإن الفكر العسكري الأمريكي لا يقوم بهذه المهمة إلا بعد القيام أولا بضرب جميع استحكامات الدفاع الجوي التي يمكنها أن تعوق عملية تدمير الأهداف‏;‏ وثانيا شل حركة سلاح الطيران المعادي حتي لا يزعج الطائرات المقتربة من فريستها‏;‏ وثالثا التأكد من أن كل قواعد الصواريخ وقدرات رد الضربة قد تم تحييدها علي الأقل لفترة معقولة حتي تكون الأهداف الصديقة جاهزة للمواجهة‏;‏ وبعد ذلك رابعا يتم توجيه الضربة المطلوبة بحيث تكون مؤلمة وجراحية‏.‏ التوفيق بين وجهتي النظر هاتين ليس عملية سهلة ولكن معقدة من الطراز الأول‏.‏
الكلام هكذا بدا مختلطا‏,‏ فهو من ناحية يعني أن اللحظة لم تحن بعد‏;‏ ولكنه يعني أيضا أن الاستعداد لهذه اللحظة يجري علي قدم وساق‏.‏ وبشكل ما‏,‏ والحديث للرجل مرة أخري‏,‏ فإن باراك لا يقوم فقط بمهمة التنسيق العسكري باعتباره وزيرا للدفاع‏,‏ وإنما يقوم أيضا بمهمة وزير الخارجية لأنه لا يوجد أحد يطيق ليبرمان في واشنطن‏,‏ وهو يعرف ذلك‏,‏ وعندما يريد أن يقابل أصدقاءه من الليكود الأمريكي المتطرف فإنه يذهب إلي نيويورك في انتظار دعوة من واشنطن للقدوم والزيارة‏,‏ ولكنه لا يتلقاها فيعود إلي إسرائيل‏.‏ أما من يقوم بالمهمة السياسية‏,‏ بالإضافة إلي نتنياهو بالطبع‏,‏ فهو إيهود باراك ولا أحد غيره‏.‏
وبمراجعة الوقائع منذ بداية العام الحالي فقط ظهر أن رئيس الأركان الأمريكي قد قام بزيارة إسرائيل في شهر يناير لبحث التصعيد النووي الإيراني‏,‏ وأعقبها في شهر فبراير زيارة لجيمس جونز مستشار الأمن القومي الأمريكي في شهر فبراير‏;‏ وزيارة أخري سرية قام بها ليون بانيتا مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية‏,‏ وقبل أن ينتهي الشهر كان إيهود باراك قد قام بزيارة واشنطن للتباحث حول العقوبات المفروضة علي إيران وسبل التعامل مع ملفها النووي اجتمع فيها مع وزير الدفاع لتنسيق التعاون الأمني بين الجانبين ونظام الدفاع الصاروخي والوضع في الشرق الأوسط والأراضي الفلسطينية والملف النووي الإيراني‏.‏
وبمجرد عودة باراك إلي إسرائيل لحق به رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الأدميرال مايك مولن في‏28‏ فبراير‏2010,‏ لمناقشة تطورات الملف النووي الإيراني‏,‏ وسبل الحفاظ علي التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي‏,‏ والتحديات الأمنية المشتركة‏.‏ ولم يكد هذا الأخير يعود إلي واشنطن حتي كان رئيس الأركان الإسرائيلي جابي اشكينازي يرد الزيارة بالذهاب إلي واشنطن في مارس‏2010‏ للتباحث حول الملف النووي الإيراني‏.‏ ولم يمر شهر واحد حتي اجتمع في واشنطن إيهود باراك مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس في‏28‏ أبريل‏2010‏ للنقاش حول أمن إسرائيل‏.‏ وبعد سلسلة من الزيارات قام بها نائب الرئيس الأمريكي بايدن ومسئولون في وزارة الدفاع الأمريكية إلي إسرائيل‏,‏ وزيارات أخري قام بها بنيامين نتنياهو ومجموعات من مستشاريه إلي واشنطن نجد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك يقوم بزيارة أخري إلي واشنطن في‏26‏ يوليو‏2010,‏ للتباحث حول الملف النووي الإيراني‏,‏ والمفاوضات مع الفلسطينيين وطلب إسرائيل شراء أنواع من الأسلحة الأمريكية‏.‏
قبل هذا اللقاء بأيام قليلة كان دانيل كيرتزر السفير الأمريكي السابق في القاهرة وتل أبيب والأستاذ حاليا في دراسات الشرق الأوسط في جامعة برينستون قد أصدر ورقة صغيرة عن مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك بعنوان حرب لبنان الثالثة علي أساس أن الحرب الأولي هي التي جرت في عام‏1982,‏ والثانية في صيف‏2006,‏ أما الثالثة فإنه يتصور نشوبها خلال فترة زمنية تتراوح ما بين اثني عشر وثمانية عشر شهرا‏.‏ هذه الحرب لها أسباب تتعلق بحزب الله وإسرائيل معا‏,‏ ويمكن إيجازها في ثلاثة عوامل‏:‏ أولها أن حزب الله وسع من نفوذه السياسي داخل الساحة اللبنانية منذ آخر الحروب مع إسرائيل‏;‏ وثانيها ما نجم عن ذلك من زيادة التسليح للحزب كما ونوعا من مصادر إيرانية وسورية بالمخالفة لقرار مجلس الأمن رقم‏1701‏ الذي طالب بنزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان كما جاء في قرار الحكومة اللبنانية في‏27‏ يوليو‏2006‏ الذي جاء فيه ألا يكون هناك أسلحة أو سلطة في لبنان غير الدولة اللبنانية‏.‏ وثالثها أن إسرائيل تعتبر حزب الله جزءا من الإستراتيجية العسكرية الإيرانية سواء لتوجيه ضربة أولي إلي إسرائيل أو توجيه الضربة الثانية لها إذا ما حدث أنها بدأت تدمير القدرات النووية الإيرانية‏.‏
كيرتزر وجد ثلاثة مؤشرات للتدليل علي خطورة الحالة‏:‏ الأول هو الزيادة الكبيرة في سخونة اللهجة التي يستخدمها الشيخ حسن نصر الله عند الهجوم علي إسرائيل‏,‏ بما فيها توجيه التهديد لضرب أهداف استراتيجية في إسرائيل نفسها‏,‏ وهو ما حدث في خطابه في الرابع من يونيو الماضي وما بعدها من أحاديث‏.‏ والثاني زيادة التصريحات الصحفية الرسمية الإسرائيلية التي تربط بين حزب الله وإيران‏,‏ وخاصة تلك المتعلقة بالإمداد بالسلاح أو معسكرات التدريب‏,‏ وكثافة المناقشات الجارية في الصحافة الإسرائيلية عما كان واجبا لاعتراض السفن والقوافل التي تحمل السلاح إلي لبنان‏.‏ والثالث ارتفاع درجة الاستعداد العسكري الإسرائيلي وتجهيزات الدفاع المدني‏.‏ وخلال مناورات الحجر المحترق التي أجرتها إسرائيل في فبراير‏2010‏ فإن عمليات التدريب قامت علي أساس مواجهة هجمات واسعة لحزب الله يستخدم فيها صواريخ متقدمة طويلة المدي ومعها نظم كاملة للدفاع الجوي‏.‏
الطريف في الأمر أن ورقة كيرتزر تقوم علي نصح الإدارة الأمريكية بالعمل علي منع هذه الحرب من الحدوث سواء عن طريق التدخل الدبلوماسي أو الضغط علي الأطراف المعنية بما فيها إسرائيل وسوريا أو حتي بالتفاوض مع حزب الله نفسه‏;‏ ولكنه أيضا لا يمانع من قيام إسرائيل بتوجيه ضربات عسكرية محدودة ضد خطوط الإمداد بالصواريخ طويلة المدي أو معسكرات التدريب حتي لو كانت داخل سوريا‏,‏ دون تقدير أولا احتمالات التنسيق الجارية بين إسرائيل والولايات المتحدة‏;‏ وثانيا‏:‏ أن حزب الله نفسه قد يقبل علي الأرجح بقواعد اللعبة ويندفع في اتجاه حرب ربما تجهض المخططات الجارية تجاه إيران‏.‏
هل يمكن فهم الموضوع كله في إطار أوسع وهو أننا إزاء منطقة متخمة باختيارات حادة تميل إلي العنف سواء كان ذلك من داخل الدول‏,‏ أو من داخل الإقليم‏,‏ أو حتي من خارجه ؟‏,‏ خلال السنوات العشر الماضية‏,‏ أي منذ مطلع القرن الحالي‏,‏ نشبت الحرب الأمريكية علي العراق وأفغانستان‏,‏ وجرت حروب أهلية في العراق والسودان‏,‏ وحدثت حرب لبنان الثانية بين إسرائيل وحزب الله‏,‏ وحرب إسرائيل الأخيرة ضد غزة‏,‏ وكل ذلك غير ما جري من أحداث عنف أقل‏,‏ وأشكال مختلفة من الإرهاب والإرهاب المضاد‏.‏ أسباب هذه الحالة الدموية ليست موضوعنا الآن‏,‏ وعلي الأرجح أنها علي درجة من التعقيد السياسي والاقتصادي حتي الثقافي يصعب حصرها‏,‏ ولعلها كانت حالة مستمرة مع إقليم عجز عن تبني خيارات أخري للتعامل مع تناقضات تاريخية حادة‏,‏ ولكن قضيتنا كانت في الأول والآخر تخص مصر التي توجد وسط ذلك كله تحاول أن تضبط الميزان وتخفف من غلواء تطرف وتعصب أطراف مختلفة‏.‏
وفيما يخصنا فإن المسألة يبدو لها وجهان‏:‏ أولهما سلامة الاختيار الإستراتيجي المصري في السلام الذي لم يعد لمصر أراضيها فقط‏;‏ وإنما أيضا لأنه جعلها بعيدة عن تلك الدوامة الدامية من التيارات العنيفة التي رجت الإقليم رجا علي مدي العقد الماضي كله‏.‏ وثانيهما أن هناك محاولات كثيرة لاستدراج مصر إلي داخل هذا الأتون من تيارات العنف والتطرف‏.‏
وخلال الأعوام الأخيرة كان هناك تركيز من قبل قوي كثيرة علي سيناء للقضاء علي السمعة الباهرة التي حققتها التنمية في جنوبها من ناحية‏,‏ والنفاذ إلي الوادي المصري من ناحية أخري‏.‏ وجري ذلك أولا من خلال حفر الأنفاق تحت الحدود المصرية الفلسطينية‏;‏ ثم تمت محاولة الاجتياح المعروفة لشبه الجزيرة من خلال الإغراق السكاني‏;‏ ومن قبلها كان قد تم القيام بعدد من العمليات الإرهابية التي جرت في طابا ودهب وشرم الشيخ‏;‏ ومن بعدها من خلال محاولات اختراق أهلنا في سيناء بأشكال شتي كان أهمها وأكثرها خطورة الخلية الإرهابية التي حاول حزب الله زرعها في مصر لتهديد قناة السويس والبحر الأحمر‏.‏ كل هذه التحركات الخطيرة ليست منفصلة عن بعضها البعض‏,‏ وعلي الأرجح أنها جزء من عمليات تجهيز لمسرح العمليات‏.‏
والحقيقة أنه ليس سهلا وضع تصور للتعامل مع هذه التهديدات‏,‏ وبالتأكيد فإن هناك من هم أجدر وأكثر استعدادا للتعامل مع هذه المهمة‏,‏ وهم في كل الأحوال من أحبطوا كل المحاولات السابقة لاستدراج مصر للدخول إلي هذه الحلبة‏.‏ ولكن المدهش هو أن النخبة السياسية تكاد تكون قد انغلقت علي نفسها حتي اختفي العالم الخارجي من النقاش العام في مصر‏;‏ وفيما عدا قوي بعينها لا تزال تتحدث عن الدور الإقليمي المصري وكأننا ما زلنا نعيش في عالم الخمسينيات‏,‏ وليس عالم العقد الأول من القرن الحادي والعشرين‏,‏ فإنه لا يوجد نقاش جاد للحالة الإقليمية وما فيها من مخاطر‏.‏
ونظرة علي الصحف المصرية‏,‏ أو الحوارات التليزيونية‏,‏ أو أي من ساحات المعرفة الأخري‏,‏ سوف نجد غيابا موحشا لتصورات عن التعامل مع أوضاع إقليمية مقلقة‏;‏ وفيما عدا لوم إسرائيل عن حق من وقت لآخر‏,‏ أو لوم الولايات المتحدة عن حق أيضا من يوم لآخر‏,‏ فإن تحليل الحالة القائمة وتصورا للكيفية الخاصة بالتعامل معها لخدمة المصالح المصرية لم يعد موجودا تقريبا ضمن قائمة الأعمال المصرية‏.‏
أعرف أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية قريبة‏,‏ وكليهما يستحق بالفعل اهتماما خاصا من كل القوي السياسية‏,‏ ولكن هل يمكن التغافل عن أوضاع هي بالفعل خطرة ومنذرة وأصحابها في كل الأحوال لا يريدون منا إلا أن نتبعهم إلي حيث يسيرون ويندفعون؟ أعرف كذلك أن الأوضاع الاقتصادية فيها الكثير مما يستحق الاهتمام‏,‏ وبعضها محبط‏,‏ وبعضها الآخر مشجع‏,‏ ولكن هذه وتلك لا ينبغي لها أبدا أن تصرف النظر عن قضايا الأمن القومي المصري الحيوية‏.‏
ومعذرة إذا كانت أحاديث بوسطن قد طالت أكثر مما ينبغي‏,‏ ولكنها كانت فرصة لكي أنقل ما سمعت‏,‏ وما ناقشت من قضايا مختلفة بعضها خص مصر‏,‏ وبعضها الآخر خص العالم والقضية الفلسطينية‏,‏ وكان لا بد أن نري كل ذلك من بعيد‏,‏ فربما كان في القول عبرة‏.‏ وكل عام وأنتم بخير‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.