تنسيق الثانوية العامة 2025 ..شروط التنسيق الداخلي لكلية الآداب جامعة عين شمس    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر و10 أيام عطلة للموظفين في أغسطس    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025    5 أجهزة كهربائية تتسبب في زيادة استهلاك الكهرباء خلال الصيف.. تعرف عليها    أمازون تسجل نتائج قوية في الربع الثاني وتتوقع مبيعات متواصلة رغم الرسوم    إس إن أوتوموتيف تستحوذ على 3 وكالات للسيارات الصينية في مصر    حظر الأسلحة وتدابير إضافية.. الحكومة السلوفينية تصفع إسرائيل بقرارات نارية (تفاصيل)    ترامب: لا أرى نتائج في غزة.. وما يحدث مفجع وعار    الاتحاد الأوروبى يتوقع "التزامات جمركية" من الولايات المتحدة اليوم الجمعة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مستندات المؤامرة.. الإخوان حصلوا على تصريح من دولة الاحتلال للتظاهر ضد مصر.. ومشرعون ديمقراطيون: شركات أمنية أمريكية متورطة فى قتل أهل غزة    مجلس أمناء الحوار الوطنى: "إخوان تل أبيب" متحالفون مع الاحتلال    حماس تدعو لتصعيد الحراك العالمي ضد إبادة وتجويع غزة    كتائب القسام: تدمير دبابة ميركافا لجيش الاحتلال شمال جباليا    عرضان يهددان نجم الأهلي بالرحيل.. إعلامي يكشف التفاصيل    لوهافر عن التعاقد مع نجم الأهلي: «نعاني من أزمة مالية»    محمد إسماعيل يتألق والجزيرى يسجل.. كواليس ودية الزمالك وغزل المحلة    النصر يطير إلى البرتغال بقيادة رونالدو وفيليكس    الدوري الإسباني يرفض تأجيل مباراة ريال مدريد أوساسونا    المصري يفوز على هلال الرياضي التونسي وديًا    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    عملت في منزل عصام الحضري.. 14 معلومة عن البلوجر «أم مكة» بعد القبض عليها    بعد التصالح وسداد المبالغ المالية.. إخلاء سبيل المتهمين في قضية فساد وزارة التموين    حبس المتهم بطعن زوجته داخل المحكمة بسبب قضية خلع في الإسكندرية    ضياء رشوان: إسرائيل ترتكب جرائم حرب والمتظاهرون ضد مصر جزء من مخطط خبيث    عمرو مهدي: أحببت تجسيد شخصية ألب أرسلان رغم كونها ضيف شرف فى "الحشاشين"    عضو اللجنة العليا بالمهرجان القومي للمسرح يهاجم محيي إسماعيل: احترمناك فأسأت    محيي إسماعيل: تكريم المهرجان القومي للمسرح معجبنيش.. لازم أخذ فلوس وجائزة تشبه الأوسكار    مي فاروق تطرح "أنا اللي مشيت" على "يوتيوب" (فيديو)    تكريم أوائل الشهادات العامة والأزهرية والفنية في بني سويف تقديرا لتفوقهم    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    الزمالك يهزم غزل المحلة 2-1 استعدادًا لانطلاقة بطولة الدوري    اصطدام قطار برصيف محطة السنطة وتوقف حركة القطارات    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    مجلس الشيوخ 2025.. "الوطنية للانتخابات": الاقتراع في دول النزاعات كالسودان سيبدأ من التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء    «إيجاس» توقع مع «إيني» و«بي بي» اتفاقية حفر بئر استكشافي بالبحر المتوسط    مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    فتح باب التقدم للوظائف الإشرافية بتعليم المنيا    رئيس جامعة بنها يصدر عددًا من القرارات والتكليفات الجديدة    أحمد كريمة يحسم الجدل: "القايمة" ليست حرامًا.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    فوائد شرب القرفة قبل النوم.. عادات بسيطة لصحة أفضل    متى يتناول الرضيع شوربة الخضار؟    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    حركة فتح ل"إكسترا نيوز": ندرك دور مصر المركزى فى المنطقة وليس فقط تجاه القضية الفلسطينية    أمين الفتوى يوضح أسباب إهمال الطفل للصلاة وسبل العلاج    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير الخارجية الفرنسي: منظومة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية مخزية    ممر شرفى لوداع لوكيل وزارة الصحة بالشرقية السابق    رئيس جامعة بنها يشهد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشرى    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من واشنطن
الطريق الطويل إلي المفاوضات المباشرة ؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 09 - 2010

كانت البداية متشائمة للغاية‏,‏ فما إن دخلت إلي تلك المركبة التي تميز مطار دالاس في العاصمة الأمريكية واشنطن‏,‏ وتهبط وتصعد كما شاء لها قائدها‏,‏ حتي وجدت الصديق الدكتور صائب عريقات رئيس دائرة شئون المفاوضات بمنظمة التحرير الفلسطينية. والوزير السابق في عدد من الوزارات الفلسطينية إبان فترة رئاسة ياسر عرفات جالسا داخلها في انتظار الانتقال من الطائرة التي أتي منها إلي داخل المطار‏.‏ كنت قد عرفت صاحبنا منذ عام‏1986‏ عندما التقت المجموعة المصرية في الجمعية العربية للعلوم السياسية في بغداد لأول مرة مع مجموعات عربية أخري كان من بينها تلك المجموعة التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة وتعمل في جامعات بيرزيت والنجاح وغيرهما‏,‏ وكان من بينهم صائب عريقات وعلي الجرباوي وزياد أبو عمرو وغيرهم ممن أصبحوا بعد ذلك نجوما في الساحة السياسية الفلسطينية سواء في داخل الوزارات المختلفة أو في المعارضة أو في الوساطة بينهما‏.‏ وكان الموضوع الذي اجتمعنا من أجله ولا تتعجب أن يكون ذلك في العراق آنذاك هو دراسة تجارب التطور الديمقراطي في العالم العربي في ندوة حظيت باهتمام كبير من القيادة العراقية في ذلك الوقت‏;‏ وكانت النتيجة حكاية تستحق الرواية في مقام آخر‏.‏
وبعد الأحضان والتخلص من آثار سفر طويل حيث كان صائب قادما من عمان في الأردن وأنا من القاهرة من خلال أسئلة سريعة عن أحوال الأسرة‏,‏ سألته هل تستعد الآن لماراثون طويل من المفاوضات؟ وكان السؤال مبررا‏,‏ فصائب عريقات كان تقريبا هو القاسم المشترك الأعظم في كل المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية‏,‏ ويشهد له خصومه قبل أصدقائه بأنه الوحيد الذي يحتفظ بكافة الوثائق الفلسطينية‏,‏ وهو الذي يعرف كافة التفاصيل ويحفظها عن ظهر قلب‏,‏ وفوق كل ذلك وقبله كانت نزاهته الشخصية توضع دائما في موضع مقارنة مع آخرين في السلطة الوطنية الفلسطينية لم يكونوا دائما فوق مستوي الشبهات‏.‏ ولكن صائب فاجأني حينما قال ربما لن تكون المفاوضات طويلة علي الإطلاق‏,‏ ففي السادس والعشرين من سبتمبر سوف يأتي موعد انتهاء التجميد المؤقت للاستيطان‏,‏ وما لم يتم تجديده فلن تكون هناك مفاوضات‏,‏ ونحن مصممون علي ذلك‏.‏ كانت الإجابة قاطعة وحاسمة‏,‏ وتحمل في داخلها أن المفاوضات المباشرة التي سوف يلتقي من أجلها زعماء وقادة‏,‏ يمكنها أن تنتهي قبل أن تبدأ‏.‏
وجاءت المفاجأة رغم أنني كنت قد استعرضت توا خلال السفر الطويل بعضا من المقالات التي نشرتها صحف عالمية عن المفاوضات المباشرة المقبلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين‏,‏ ولفت نظري نوبة التشاؤم الكبيرة المنتشرة فيها‏.‏ وفي‏20‏ أغسطس الماضي وصف إيثان برونر في صحيفة النيويورك تايمز المفاوضات المباشرة بأنها سوف تكون ما بين الذي لا يريد وغير القادر‏,‏ وفي مكان آخر ما بين المعوق والعاجز‏,‏ وكان الأول في الحالتين هو نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي‏,‏ والثاني كان محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية‏.‏
وعندما حانت الفرصة قبل الرحيل للقاء المسئولين في القاهرة لم يكن في حديثهم ما يعطي ظلا من التفاؤل‏,‏ بل كان هناك تأكيد مستمر علي أن الجانب الإسرائيلي لم يترك فرصا كثيرة للنجاح‏,‏ ولكن الواجب يقتضي الوقوف مع الجانب الفلسطيني كما فعلت مصر دائما‏.‏ وفي فلسطين جاءت التصريحات المتشائمة ليس من حماس أو غيرها من المتشددين فقط‏,‏ ولكن جاءت أيضا من جماعات معتدلة‏,‏ حتي إن مصطفي البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية أكد أن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تحقق نتائج جيدة‏.‏ ولم يكن ذلك بعيدا كثيرا عن توقع الفشل الذي قالت به مصادر وزارة الخارجية الإيرانية‏!.‏
كل ذلك لم يفلح في الإعداد لما قاله صائب عريقات‏,‏ وما تلي ذلك من كلمات قليلة جري تبادلها من خلال ذلك الطابور الطويل لختم جوازات السفر حتي جري إنقاذ المفاوض الفلسطيني بعد ساعة من الوقوف‏,‏ وكنا مازلنا في منتصف الطريق‏,‏ من قبل مسئولين من وزارة الخارجية الأمريكية بعد أن ظهر أن المفاوض الفلسطيني سوف يتأخر عن موعده مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري رودهام كلينتون في الساعة الثالثة والنصف بعد ظهر يوم الاثنين الماضي‏.‏ بعد ذلك توالت نذر التشاؤم لدي كل من اتصلت بهم من جماعة الدراسات والبحوث المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي في مراكز البحوث الأمريكية المختلفة ورغم أن المتحدثين في ندوة عقدها يوم الثلاثاء الماضي معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط‏,‏ وشاركت فيها‏,‏ كانت لديهم بعض مظاهر التفاؤل‏,‏ فإن القاعة كانت مغرقة في أشكال مختلفة من أوصاف يوم القيامة ليس فقط نتيجة فشل المفاوضات ولكن لما سيعقب ذلك من كوارث ونوائب‏.‏
ولكن ما خفف من مشاعر الإحباط كلها‏,‏ أن الخبرة بدورات المفاوضات في الصراع العربي الإسرائيلي كانت دوما محاطة بهذا النوع من التشاؤم الذي استمد سواده ويقينه من تلك القدرة الفائقة للصراع علي الاستمرار رغم تغير العصور والأزمنة والنظم الدولية والإقليمية الممتدة عبر أكثر من مائة عام‏.‏ فلم يؤثر كثيرا في الصراع الانتقال من عصر الاستعمار إلي عصر تصفية الاستعمار‏,‏ ولا الانتقال من عصر الحرب الباردة إلي ما بعد الحرب الباردة‏,‏ ولا التحول من العولمة إلي صراع الحضارات‏,‏ ولكن الصدام كان يبقي دائما علي حاله وإن تغيرت الأشكال والألوان‏.‏
وهكذا لم يكن الأمر جديدا بالمرة‏,‏ اللهم في إدراك أنه مقابل هذه الصلابة في استمرار الصراع كانت هناك أيضا صلابة كبري علي الأقل منذ حرب أكتوبر عام‏1973‏ في البحث عن سبل لتسوية الصراع نجم عنها اتفاقيتان للسلام بين إسرائيل من ناحية وكل من مصر والأردن من ناحية أخري‏,‏ وانسحاب جزئي من الجولان‏,‏ وترتيبات أمنية علي الحدود اللبنانية‏,‏ وقيام سلطة وطنية فلسطينية علي أرض فلسطينية لأول مرة في التاريخ‏.‏
وربما كان من أهم نتائج هذا الجدل ما بين القدرة علي استمرار الصراع‏,‏ والحاجة المستمرة للبحث عن حل أو تسوية له‏,‏ هو أن الصراع تحول من حالته الوجودية إلي حالة إستراتيجية‏;‏ وفي الأولي لا يوجد حل لصراع إلا بتصفية طرف للطرف الآخر‏,‏ وفي الثانية فإن القضية تصبح ذات طابع يمكن الإمساك به يتعلق بالحدود والأمن والناس وما له علاقة بالجغرافيا السياسية من موضوعات‏.‏ وفيما يتعلق بالبعد الفلسطيني الإسرائيلي فإن الطريق الطويل للمفاوضات الذي بدأ حتي قبل مؤتمر مدريد عام‏1991,‏ وبعدها علي طريق اتفاقيات أوسلو وتفريعاتها حتي الوصول إلي مباحثات كامب دافيد الثانية‏,‏ وما عرف بتفاهمات كلينتون في ديسمبر‏2000,‏ وصيغ طابا في يناير‏2001,‏ كلها كسرت الكثير من التابوهات التي كان الظن سائدا أنه لا يمكن الاقتراب منها‏.‏
المدهش أن هذا التيار من التشاؤم كان معاكسا لآراء المواطنين الفلسطينيين والإسرائيليين‏,‏ التي رغم وجود نزعة تشاؤمية متزايدة إلا أنها مؤيدة بشكل عام لاتجاه التفاوض والبحث عن تسوية‏.‏ وفي استطلاع مشترك للرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني في شهر أغسطس المنصرم‏,‏ أجراه معهد هاري ترومان للبحوث في الجامعة العبرية بالقدس‏,‏ والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله فإن‏71.5%‏ من الإسرائيليين أيدوا المفاوضات مع الفلسطينيين‏,‏ كما وافق‏71%‏ منهم علي حل الدولتين‏.‏ وعلي الجانب الفلسطيني فإن‏62.8%‏ أيدوا هذه المفاوضات ووافق‏57%‏ علي حل الدولتين‏.‏ وفي المقابل فإنه بينما وافق‏38.6%‏ من الفلسطينيين علي أن نوعا ما من العنف هو أحسن الوسائل لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية‏;‏ فإن‏34.6%‏ من الفلسطينيين يعتقدون أن المفاوضات هي أحسن السبل للتوصل إلي اتفاق‏,‏ أما‏19.4%‏ فقد وجدوا أن ذلك يتم من خلال الانتفاضة الشعبية السلمية وغير العنيفة‏.‏ وربما كانت نقطة الضعف الأساسية هي أن قادة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لا يتمتعون بالتأييد الكافي الذي يسمح لهم بالتوصل إلي اتفاق فنسبة التأييد التي حصل عليها أبو مازن كانت‏34.6%‏ في يونيو‏2010‏ مقارنة بنسبة‏61.4%‏ في مارس‏2006,‏ أما نيتانياهو فقد هبط التأييد له من‏49%‏ في يوليو‏2009‏ إلي‏36%‏ في مارس‏2010‏
هل يعود التراجع في شعبية كلا القائدين إلي الفشل في تحقيق السلام‏,‏ أم أن ذلك يرجع إلي عدم اتخاذهما مواقف أكثر تشددا؟‏.‏ والثابت هو أن شعبية حماس هي الأخري متدهورة‏,‏ وبعد أن كان التأييد لها‏47%‏ في مارس‏2006‏ فإنه أصبح‏18.9%‏ في يونيو‏2010,‏ والحال كذلك بالنسبة للمعارضة الإسرائيلية حتي إن الحالة باتت نوعا من فقدان الثقة في الطبقة السياسية كلها‏.‏ ولكن الأمر المهم هنا هو أن التوجهات الشعبية التي تؤيد حل الدولتين وأسلوب التفاوض أو المعارضة السلمية كلها ينبغي أن تخفف من كثافة التشاؤم السائد في دوائر متعددة تراقب الصراع العربي الإسرائيلي‏.‏ وربما كان الأمر كله هو أن الفشل الدائم علي مدي العقد الأخير‏,‏ وتواتر العنف والحرب من الانتفاضة الثانية المسلحة حتي حربي إسرائيل مع حزب الله في جنوب لبنان‏,‏ ومع حماس في غزة‏,‏ وكل ذلك خلال عشر سنوات يجعل مثل هذا التشاؤم مبررا للغاية‏.‏
ومع ذلك‏,‏ ومهما كانت التحديات‏,‏ فقد دارت العجلة وأخذت دورتها‏,‏ وحينما سار موكب الصحفيين المصريين من فندق سان ريدجيز في شارع‏16‏ في واشنطن في الطريق القصير إلي البيت الأبيض‏,‏ كانت الحديقة الغناء المواجهة للقصر الرئاسي تعطي فرصة قصيرة للتأمل في الدرجة التي سيكون عليها التفاؤل والتشاؤم ساعة الخروج‏.‏ وكانت البداية عندما استمعنا إلي خطاب باراك أوباما في حديقة الورد وهو محاط بوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون‏,‏ والسيناتور جورج ميتشل مبعوث الرئيس الأمريكي لمفاوضات الشرق الأوسط‏.‏ وكان لافتا للنظر أنه قد حدد هدف المفاوضات بأنه إنهاء الاحتلال للأراضي التي جري احتلالها في حرب يونيو‏1967;‏ وكان ذلك هو ما يطالب به الجانب العربي‏;‏ النتيجة هي أن تكون هناك دولة فلسطينية ديمقراطية تعيش جنبا إلي جنب مع دولة يهودية إسرائيلية‏,‏ وهو ما يطالب به الجانب الإسرائيلي‏.‏ ورغم أن الخطاب كان في عمومه متوازنا‏,‏ إلا أنه لم يخل من الطعن في قناة الإخلاص العربية حينما أشار إلي أن هناك من يلحون دوما علي ضرورة قيام دولة فلسطينية ولكنهم ليسوا علي استعداد لتقديم أي شيء من أجلها‏.‏
ولم يمض وقت طويل حتي عدنا أدراجنا إلي غرفة المؤتمرات الصحفية‏,‏ حيث طلب منا التوجه إلي القاعة الشرقية وكانت تلك هي المرة الأولي التي ندخل فيها إلي داخل البيت الأبيض لكي تبدأ الوفود بعدها في الدخول بدءا من الوفد الفلسطيني‏,‏ ثم تبعه الوفد الإسرائيلي‏,‏ وتلاهما الأردني‏,‏ ثم جاء المصري‏,‏ ومعه جورج ميتشل وهيلاري كلينتون وأخيرا توني بلير ممثلا للرباعية الدولية‏.‏ وبعد دقيقة دخل الرؤساء‏:‏ أوباما ومبارك وأبو مازن والملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء نيتانياهو‏,‏ واكتمل جمع إطلاق المفاوضات مرة أخري‏,‏ وكانت نقطة البداية هي خطاب لكل منهم‏.‏ تقييم هذه الخطب جري ترديده من مصادر متعددة‏,‏ ولكنها لم تكن مختلفة عن كل بدايات المفاوضات‏,‏ حيث يحدد كل طرف الإطار العام لمطالبه‏,‏ تمهيدا لأول الاجتماعات التي سوف تجري في اليوم التالي‏.‏ وكان لافتا للنظر أن الخطاب المصري كان محددا وحاسما في أنه يأتي إلي المفاوضات لكي يؤيد الطرف الفلسطيني‏.‏
هؤلاء المفاوضون ومعاونوهم لديهم مجموعة من الأرصدة التي يستطيعون الاعتماد عليها‏:‏ الأول أن ما يجري وراءه تراث من النجاح تمثل في معاهدتين للسلام كان الوجود المصري والأردني ممثلا له‏.‏ والثاني أنه قد جري تغيير جوهري في الموقف الأمريكي‏,‏ وبعد موقف إدارة بوش التي لم تر في الصراع إلا أمرا غير قابل للحل ولا يستحق وقت الرئيس الأمريكي‏,‏ فإن موقف إدارة باراك أوباما لا تري عكس ذلك فقط‏,‏ وإنما تري أن هذا الصراع تهديد للأمن القومي الأمريكي‏.‏ والثالث أن هناك تراكما كبيرا من المفاوضات السابقة في مساراتها الأولي والثانية بحيث تقود كلها إلي ما يسمي بحل الدولتين‏.‏ والرابع أن هناك مبادرة عربية إقليمية مؤيدة من جانب الجامعة العربية التي خصصت لجنة من الدول العربية لمتابعتها‏.‏ والخامس أن الإقليم أصبح يشهد نقاطا للتوتر بات عمقها مرتبطا بما سوف يحدث للصراع العربي الإسرائيلي‏.‏ والسادس أن البديل للنجاح في المعركة الدبلوماسية سوف يعني مزيدا من العنف وربما الوصول لنقطة الحرب‏.‏
ولكن السياسة لا تعرف أبدا الأرصدة فقط‏,‏ ولكنها تعرف التبعات والأعباء وأولها حالة الانقسام الفلسطيني‏;‏ حيث لا يستطيع المفاوض أن يحارب علي الجبهة الإسرائيلية بينما يتم طعنه من الخلف عندما بدأت العمليات العسكرية ضد الإسرائيليين‏,‏ واستخدمها نيتانياهو بمهارة في خطابه الافتتاحي منوها أن الحادث لم يكن ضد مستوطنين‏,‏ وإنما تم فيه قتل سيدة حامل‏,‏ وأخري أم لستة أطفال‏,‏ وكل ذلك أمام عشرات من شبكات الإعلام الدولية‏.‏
وثانيها أن في إسرائيل وزارة هي الأكثر تطرفا وتشددا في السياسة الإسرائيلية‏,‏ وأعضاؤها هم الذين رفضوا كل خطوات السلام السابقة علي أساس أنها أدت إلي زيادة درجة التهديد لإسرائيل ولم تقلل منه‏.‏
وثالثها أنه لا يوجد وقت كثير لتحقيق النجاح‏,‏ فالمعارضة علي الجانبين لن تترك مناخ المفاوضات دون تسميمه سواء بالضغط من أجل الاستيطان علي الجانب الإسرائيلي‏,‏ أو عمليات العنف الفلسطيني التي تضر بالأمن القومي والمصالح الفلسطينية في النهاية‏.‏
ورابعها قيام الطرف الإسرائيلي بتقديم موضوع له صبغة تاريخية وليست استراتيجية للمفاوضات مثل الحديث عن طبيعة الدولة والقبول به‏.‏ وفي العالم كله فإن طبيعة الدولة هي نوع من التعريف الذاتي تقوم به الدولة في دستورها فيقول الدستور المصري إن مصر جزء من الأمة العربية‏,‏ أو تقرر إيران أن تكون جمهورية إيران الإسلامية‏,‏ وهكذا الحال مع موريتانيا وباكستان‏,‏ فما دخل المفاوض الفلسطيني في طلب قد يكون معناه تشريد المزيد من الفلسطينيين‏.‏
وخامسها أن القيادة علي الجانبين كما رأينا تعاني الكثير من مكانتها المتدنية‏;‏ ولكن ذلك قد يكون دافعا لهم من جانب آخر لكي يحققوا إنجازا في المفاوضات خاصة أن الرئيس الأمريكي هو الآخر في حاجة ماسة لإنجاز تاريخي قبل الانتخابات الرئاسية القادمة‏.‏
وسادسها أن الموضوعات كلها صعبة كما أوضحتها الأهرام فيما سمته وثيقة عريقات التي أوضحت آخر الصيغ التي وصلت إليها المفاوضات السابقة‏,‏ ورغم الجهود المضنية لعبور الفجوات فيها إلا أنها لا تزال واسعة‏.‏
هل يمكن لهذه المفاوضات أن تحقق نتائج إيجابية بعيدا عن نوبات التفاؤل والتشاؤم؟‏.‏ الإجابة هي نعم‏,‏ ولكن شرح ذلك ربما يحتاج مقالا آخر‏;‏ وفي هذه اللحظة فإن ما يهمنا هو مراقبة ماذا تفعل الأطراف المعنية بواحدة من لحظات الصراع العربي الإسرائيلي التي قد تكون فارقة إلي الأمام أو تأخذ المنطقة بأسرها إلي فصل دام جديد‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.