وفاة كبير مساعدي كيم جونج أون والزعيم ينعاه    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في حادثي تصادم بالدقهلية    فلسطين.. جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس    مسئول بمحافظة الجيزة: عقار إمبابة المنهار عمره يتجاوز 80 عاما.. والسكان لم يبلغوا الحي بالشروخ    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    100 مليون في يوم واحد، إيرادات فيلم AVATAR: FIRE AND ASH تقفز إلى 500 مليون دولار    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    وداعا ل"تكميم المعدة"، اكتشاف جديد يحدث ثورة في الوقاية من السمنة وارتفاع الكوليسترول    أول تعليق نيجيري رسمي على "الضربة الأمريكية"    الشهابي ورئيس جهاز تنمية المشروعات يفتتحان معرض «صنع في دمياط» بالقاهرة    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    انفجار قنبلة يدوية يهز مدينة الشيخ مسكين جنوب غربي سوريا    موسكو تتوسط سرّاً بين دمشق وتل أبيب للتوصّل إلى اتفاق أمني    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وزير العمل: الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ستوفر ملايين فرص العمل بشكل سهل وبسيط    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    أمن الجزائر يحبط تهريب شحنات مخدرات كبيرة عبر ميناء بجاية    ارتفاع حجم تداول الكهرباء الخضراء في الصين خلال العام الحالي    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    استمتعوا ده آخر عيد ميلاد لكم، ترامب يهدد الديمقراطيين المرتبطين بقضية إبستين بنشر أسمائهم    زيلينسكي يبحث هاتفياً مع المبعوثَيْن الأميركيين خطة السلام مع روسيا    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    18 إنذارا للمصريين فى 10 مباريات رصيد حكم مباراة الفراعنة وجنوب أفريقيا    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    هشام يكن: مواجهة جنوب أفريقيا صعبة.. وصلاح قادر على صنع الفارق    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    محمد فؤاد ومصطفى حجاج يتألقان في حفل جماهيري كبير لمجموعة طلعت مصطفى في «سيليا» بالعاصمة الإدارية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    أمم إفريقيا - تعيين عاشور وعزب ضمن حكام الجولة الثانية من المجموعات    «اللي من القلب بيروح للقلب».. مريم الباجوري تكشف كواليس مسلسل «ميدتيرم»    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    محافظة الإسماعيلية تحتفل بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق بحفل "كلثوميات".. صور    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    متابعة مشروع تطوير شارع الإخلاص بحي الطالبية    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    الزمالك يستعد لمباراة غزل المحلة دون راحة    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    تطور جديد في قضية عمرو دياب وصفعه شاب    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    واعظات الأوقاف يقدمن دعما نفسيا ودعويا ضمن فعاليات شهر التطوع    استمرار حملات إزالة التعديات على الأراضي الزراعية بكرداسة    أخبار مصر اليوم: سحب منخفضة على السواحل الشمالية والوجه البحري.. وزير العمل يصدر قرارًا لتنظيم تشغيل ذوي الهمم بالمنشآت.. إغلاق موقع إلكتروني مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    دهس طفل تحت عجلات ميكروباص فوق كوبري الفيوم.. والسائق في قبضة الأمن    أخبار كفر الشيخ اليوم.. إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب رسميًا    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    أخصائي يُحذر: نمط الحياة الكارثي وراء إصابة الشباب بشيخوخة العظام المبكرة    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    حزب المؤتمر: نجاح جولة الإعادة يعكس تطور إدارة الاستحقاقات الدستورية    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من واشنطن
الطريق الطويل إلي المفاوضات المباشرة ؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 09 - 2010

كانت البداية متشائمة للغاية‏,‏ فما إن دخلت إلي تلك المركبة التي تميز مطار دالاس في العاصمة الأمريكية واشنطن‏,‏ وتهبط وتصعد كما شاء لها قائدها‏,‏ حتي وجدت الصديق الدكتور صائب عريقات رئيس دائرة شئون المفاوضات بمنظمة التحرير الفلسطينية. والوزير السابق في عدد من الوزارات الفلسطينية إبان فترة رئاسة ياسر عرفات جالسا داخلها في انتظار الانتقال من الطائرة التي أتي منها إلي داخل المطار‏.‏ كنت قد عرفت صاحبنا منذ عام‏1986‏ عندما التقت المجموعة المصرية في الجمعية العربية للعلوم السياسية في بغداد لأول مرة مع مجموعات عربية أخري كان من بينها تلك المجموعة التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة وتعمل في جامعات بيرزيت والنجاح وغيرهما‏,‏ وكان من بينهم صائب عريقات وعلي الجرباوي وزياد أبو عمرو وغيرهم ممن أصبحوا بعد ذلك نجوما في الساحة السياسية الفلسطينية سواء في داخل الوزارات المختلفة أو في المعارضة أو في الوساطة بينهما‏.‏ وكان الموضوع الذي اجتمعنا من أجله ولا تتعجب أن يكون ذلك في العراق آنذاك هو دراسة تجارب التطور الديمقراطي في العالم العربي في ندوة حظيت باهتمام كبير من القيادة العراقية في ذلك الوقت‏;‏ وكانت النتيجة حكاية تستحق الرواية في مقام آخر‏.‏
وبعد الأحضان والتخلص من آثار سفر طويل حيث كان صائب قادما من عمان في الأردن وأنا من القاهرة من خلال أسئلة سريعة عن أحوال الأسرة‏,‏ سألته هل تستعد الآن لماراثون طويل من المفاوضات؟ وكان السؤال مبررا‏,‏ فصائب عريقات كان تقريبا هو القاسم المشترك الأعظم في كل المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية‏,‏ ويشهد له خصومه قبل أصدقائه بأنه الوحيد الذي يحتفظ بكافة الوثائق الفلسطينية‏,‏ وهو الذي يعرف كافة التفاصيل ويحفظها عن ظهر قلب‏,‏ وفوق كل ذلك وقبله كانت نزاهته الشخصية توضع دائما في موضع مقارنة مع آخرين في السلطة الوطنية الفلسطينية لم يكونوا دائما فوق مستوي الشبهات‏.‏ ولكن صائب فاجأني حينما قال ربما لن تكون المفاوضات طويلة علي الإطلاق‏,‏ ففي السادس والعشرين من سبتمبر سوف يأتي موعد انتهاء التجميد المؤقت للاستيطان‏,‏ وما لم يتم تجديده فلن تكون هناك مفاوضات‏,‏ ونحن مصممون علي ذلك‏.‏ كانت الإجابة قاطعة وحاسمة‏,‏ وتحمل في داخلها أن المفاوضات المباشرة التي سوف يلتقي من أجلها زعماء وقادة‏,‏ يمكنها أن تنتهي قبل أن تبدأ‏.‏
وجاءت المفاجأة رغم أنني كنت قد استعرضت توا خلال السفر الطويل بعضا من المقالات التي نشرتها صحف عالمية عن المفاوضات المباشرة المقبلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين‏,‏ ولفت نظري نوبة التشاؤم الكبيرة المنتشرة فيها‏.‏ وفي‏20‏ أغسطس الماضي وصف إيثان برونر في صحيفة النيويورك تايمز المفاوضات المباشرة بأنها سوف تكون ما بين الذي لا يريد وغير القادر‏,‏ وفي مكان آخر ما بين المعوق والعاجز‏,‏ وكان الأول في الحالتين هو نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي‏,‏ والثاني كان محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية‏.‏
وعندما حانت الفرصة قبل الرحيل للقاء المسئولين في القاهرة لم يكن في حديثهم ما يعطي ظلا من التفاؤل‏,‏ بل كان هناك تأكيد مستمر علي أن الجانب الإسرائيلي لم يترك فرصا كثيرة للنجاح‏,‏ ولكن الواجب يقتضي الوقوف مع الجانب الفلسطيني كما فعلت مصر دائما‏.‏ وفي فلسطين جاءت التصريحات المتشائمة ليس من حماس أو غيرها من المتشددين فقط‏,‏ ولكن جاءت أيضا من جماعات معتدلة‏,‏ حتي إن مصطفي البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية أكد أن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تحقق نتائج جيدة‏.‏ ولم يكن ذلك بعيدا كثيرا عن توقع الفشل الذي قالت به مصادر وزارة الخارجية الإيرانية‏!.‏
كل ذلك لم يفلح في الإعداد لما قاله صائب عريقات‏,‏ وما تلي ذلك من كلمات قليلة جري تبادلها من خلال ذلك الطابور الطويل لختم جوازات السفر حتي جري إنقاذ المفاوض الفلسطيني بعد ساعة من الوقوف‏,‏ وكنا مازلنا في منتصف الطريق‏,‏ من قبل مسئولين من وزارة الخارجية الأمريكية بعد أن ظهر أن المفاوض الفلسطيني سوف يتأخر عن موعده مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري رودهام كلينتون في الساعة الثالثة والنصف بعد ظهر يوم الاثنين الماضي‏.‏ بعد ذلك توالت نذر التشاؤم لدي كل من اتصلت بهم من جماعة الدراسات والبحوث المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي في مراكز البحوث الأمريكية المختلفة ورغم أن المتحدثين في ندوة عقدها يوم الثلاثاء الماضي معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط‏,‏ وشاركت فيها‏,‏ كانت لديهم بعض مظاهر التفاؤل‏,‏ فإن القاعة كانت مغرقة في أشكال مختلفة من أوصاف يوم القيامة ليس فقط نتيجة فشل المفاوضات ولكن لما سيعقب ذلك من كوارث ونوائب‏.‏
ولكن ما خفف من مشاعر الإحباط كلها‏,‏ أن الخبرة بدورات المفاوضات في الصراع العربي الإسرائيلي كانت دوما محاطة بهذا النوع من التشاؤم الذي استمد سواده ويقينه من تلك القدرة الفائقة للصراع علي الاستمرار رغم تغير العصور والأزمنة والنظم الدولية والإقليمية الممتدة عبر أكثر من مائة عام‏.‏ فلم يؤثر كثيرا في الصراع الانتقال من عصر الاستعمار إلي عصر تصفية الاستعمار‏,‏ ولا الانتقال من عصر الحرب الباردة إلي ما بعد الحرب الباردة‏,‏ ولا التحول من العولمة إلي صراع الحضارات‏,‏ ولكن الصدام كان يبقي دائما علي حاله وإن تغيرت الأشكال والألوان‏.‏
وهكذا لم يكن الأمر جديدا بالمرة‏,‏ اللهم في إدراك أنه مقابل هذه الصلابة في استمرار الصراع كانت هناك أيضا صلابة كبري علي الأقل منذ حرب أكتوبر عام‏1973‏ في البحث عن سبل لتسوية الصراع نجم عنها اتفاقيتان للسلام بين إسرائيل من ناحية وكل من مصر والأردن من ناحية أخري‏,‏ وانسحاب جزئي من الجولان‏,‏ وترتيبات أمنية علي الحدود اللبنانية‏,‏ وقيام سلطة وطنية فلسطينية علي أرض فلسطينية لأول مرة في التاريخ‏.‏
وربما كان من أهم نتائج هذا الجدل ما بين القدرة علي استمرار الصراع‏,‏ والحاجة المستمرة للبحث عن حل أو تسوية له‏,‏ هو أن الصراع تحول من حالته الوجودية إلي حالة إستراتيجية‏;‏ وفي الأولي لا يوجد حل لصراع إلا بتصفية طرف للطرف الآخر‏,‏ وفي الثانية فإن القضية تصبح ذات طابع يمكن الإمساك به يتعلق بالحدود والأمن والناس وما له علاقة بالجغرافيا السياسية من موضوعات‏.‏ وفيما يتعلق بالبعد الفلسطيني الإسرائيلي فإن الطريق الطويل للمفاوضات الذي بدأ حتي قبل مؤتمر مدريد عام‏1991,‏ وبعدها علي طريق اتفاقيات أوسلو وتفريعاتها حتي الوصول إلي مباحثات كامب دافيد الثانية‏,‏ وما عرف بتفاهمات كلينتون في ديسمبر‏2000,‏ وصيغ طابا في يناير‏2001,‏ كلها كسرت الكثير من التابوهات التي كان الظن سائدا أنه لا يمكن الاقتراب منها‏.‏
المدهش أن هذا التيار من التشاؤم كان معاكسا لآراء المواطنين الفلسطينيين والإسرائيليين‏,‏ التي رغم وجود نزعة تشاؤمية متزايدة إلا أنها مؤيدة بشكل عام لاتجاه التفاوض والبحث عن تسوية‏.‏ وفي استطلاع مشترك للرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني في شهر أغسطس المنصرم‏,‏ أجراه معهد هاري ترومان للبحوث في الجامعة العبرية بالقدس‏,‏ والمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله فإن‏71.5%‏ من الإسرائيليين أيدوا المفاوضات مع الفلسطينيين‏,‏ كما وافق‏71%‏ منهم علي حل الدولتين‏.‏ وعلي الجانب الفلسطيني فإن‏62.8%‏ أيدوا هذه المفاوضات ووافق‏57%‏ علي حل الدولتين‏.‏ وفي المقابل فإنه بينما وافق‏38.6%‏ من الفلسطينيين علي أن نوعا ما من العنف هو أحسن الوسائل لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية‏;‏ فإن‏34.6%‏ من الفلسطينيين يعتقدون أن المفاوضات هي أحسن السبل للتوصل إلي اتفاق‏,‏ أما‏19.4%‏ فقد وجدوا أن ذلك يتم من خلال الانتفاضة الشعبية السلمية وغير العنيفة‏.‏ وربما كانت نقطة الضعف الأساسية هي أن قادة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لا يتمتعون بالتأييد الكافي الذي يسمح لهم بالتوصل إلي اتفاق فنسبة التأييد التي حصل عليها أبو مازن كانت‏34.6%‏ في يونيو‏2010‏ مقارنة بنسبة‏61.4%‏ في مارس‏2006,‏ أما نيتانياهو فقد هبط التأييد له من‏49%‏ في يوليو‏2009‏ إلي‏36%‏ في مارس‏2010‏
هل يعود التراجع في شعبية كلا القائدين إلي الفشل في تحقيق السلام‏,‏ أم أن ذلك يرجع إلي عدم اتخاذهما مواقف أكثر تشددا؟‏.‏ والثابت هو أن شعبية حماس هي الأخري متدهورة‏,‏ وبعد أن كان التأييد لها‏47%‏ في مارس‏2006‏ فإنه أصبح‏18.9%‏ في يونيو‏2010,‏ والحال كذلك بالنسبة للمعارضة الإسرائيلية حتي إن الحالة باتت نوعا من فقدان الثقة في الطبقة السياسية كلها‏.‏ ولكن الأمر المهم هنا هو أن التوجهات الشعبية التي تؤيد حل الدولتين وأسلوب التفاوض أو المعارضة السلمية كلها ينبغي أن تخفف من كثافة التشاؤم السائد في دوائر متعددة تراقب الصراع العربي الإسرائيلي‏.‏ وربما كان الأمر كله هو أن الفشل الدائم علي مدي العقد الأخير‏,‏ وتواتر العنف والحرب من الانتفاضة الثانية المسلحة حتي حربي إسرائيل مع حزب الله في جنوب لبنان‏,‏ ومع حماس في غزة‏,‏ وكل ذلك خلال عشر سنوات يجعل مثل هذا التشاؤم مبررا للغاية‏.‏
ومع ذلك‏,‏ ومهما كانت التحديات‏,‏ فقد دارت العجلة وأخذت دورتها‏,‏ وحينما سار موكب الصحفيين المصريين من فندق سان ريدجيز في شارع‏16‏ في واشنطن في الطريق القصير إلي البيت الأبيض‏,‏ كانت الحديقة الغناء المواجهة للقصر الرئاسي تعطي فرصة قصيرة للتأمل في الدرجة التي سيكون عليها التفاؤل والتشاؤم ساعة الخروج‏.‏ وكانت البداية عندما استمعنا إلي خطاب باراك أوباما في حديقة الورد وهو محاط بوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون‏,‏ والسيناتور جورج ميتشل مبعوث الرئيس الأمريكي لمفاوضات الشرق الأوسط‏.‏ وكان لافتا للنظر أنه قد حدد هدف المفاوضات بأنه إنهاء الاحتلال للأراضي التي جري احتلالها في حرب يونيو‏1967;‏ وكان ذلك هو ما يطالب به الجانب العربي‏;‏ النتيجة هي أن تكون هناك دولة فلسطينية ديمقراطية تعيش جنبا إلي جنب مع دولة يهودية إسرائيلية‏,‏ وهو ما يطالب به الجانب الإسرائيلي‏.‏ ورغم أن الخطاب كان في عمومه متوازنا‏,‏ إلا أنه لم يخل من الطعن في قناة الإخلاص العربية حينما أشار إلي أن هناك من يلحون دوما علي ضرورة قيام دولة فلسطينية ولكنهم ليسوا علي استعداد لتقديم أي شيء من أجلها‏.‏
ولم يمض وقت طويل حتي عدنا أدراجنا إلي غرفة المؤتمرات الصحفية‏,‏ حيث طلب منا التوجه إلي القاعة الشرقية وكانت تلك هي المرة الأولي التي ندخل فيها إلي داخل البيت الأبيض لكي تبدأ الوفود بعدها في الدخول بدءا من الوفد الفلسطيني‏,‏ ثم تبعه الوفد الإسرائيلي‏,‏ وتلاهما الأردني‏,‏ ثم جاء المصري‏,‏ ومعه جورج ميتشل وهيلاري كلينتون وأخيرا توني بلير ممثلا للرباعية الدولية‏.‏ وبعد دقيقة دخل الرؤساء‏:‏ أوباما ومبارك وأبو مازن والملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء نيتانياهو‏,‏ واكتمل جمع إطلاق المفاوضات مرة أخري‏,‏ وكانت نقطة البداية هي خطاب لكل منهم‏.‏ تقييم هذه الخطب جري ترديده من مصادر متعددة‏,‏ ولكنها لم تكن مختلفة عن كل بدايات المفاوضات‏,‏ حيث يحدد كل طرف الإطار العام لمطالبه‏,‏ تمهيدا لأول الاجتماعات التي سوف تجري في اليوم التالي‏.‏ وكان لافتا للنظر أن الخطاب المصري كان محددا وحاسما في أنه يأتي إلي المفاوضات لكي يؤيد الطرف الفلسطيني‏.‏
هؤلاء المفاوضون ومعاونوهم لديهم مجموعة من الأرصدة التي يستطيعون الاعتماد عليها‏:‏ الأول أن ما يجري وراءه تراث من النجاح تمثل في معاهدتين للسلام كان الوجود المصري والأردني ممثلا له‏.‏ والثاني أنه قد جري تغيير جوهري في الموقف الأمريكي‏,‏ وبعد موقف إدارة بوش التي لم تر في الصراع إلا أمرا غير قابل للحل ولا يستحق وقت الرئيس الأمريكي‏,‏ فإن موقف إدارة باراك أوباما لا تري عكس ذلك فقط‏,‏ وإنما تري أن هذا الصراع تهديد للأمن القومي الأمريكي‏.‏ والثالث أن هناك تراكما كبيرا من المفاوضات السابقة في مساراتها الأولي والثانية بحيث تقود كلها إلي ما يسمي بحل الدولتين‏.‏ والرابع أن هناك مبادرة عربية إقليمية مؤيدة من جانب الجامعة العربية التي خصصت لجنة من الدول العربية لمتابعتها‏.‏ والخامس أن الإقليم أصبح يشهد نقاطا للتوتر بات عمقها مرتبطا بما سوف يحدث للصراع العربي الإسرائيلي‏.‏ والسادس أن البديل للنجاح في المعركة الدبلوماسية سوف يعني مزيدا من العنف وربما الوصول لنقطة الحرب‏.‏
ولكن السياسة لا تعرف أبدا الأرصدة فقط‏,‏ ولكنها تعرف التبعات والأعباء وأولها حالة الانقسام الفلسطيني‏;‏ حيث لا يستطيع المفاوض أن يحارب علي الجبهة الإسرائيلية بينما يتم طعنه من الخلف عندما بدأت العمليات العسكرية ضد الإسرائيليين‏,‏ واستخدمها نيتانياهو بمهارة في خطابه الافتتاحي منوها أن الحادث لم يكن ضد مستوطنين‏,‏ وإنما تم فيه قتل سيدة حامل‏,‏ وأخري أم لستة أطفال‏,‏ وكل ذلك أمام عشرات من شبكات الإعلام الدولية‏.‏
وثانيها أن في إسرائيل وزارة هي الأكثر تطرفا وتشددا في السياسة الإسرائيلية‏,‏ وأعضاؤها هم الذين رفضوا كل خطوات السلام السابقة علي أساس أنها أدت إلي زيادة درجة التهديد لإسرائيل ولم تقلل منه‏.‏
وثالثها أنه لا يوجد وقت كثير لتحقيق النجاح‏,‏ فالمعارضة علي الجانبين لن تترك مناخ المفاوضات دون تسميمه سواء بالضغط من أجل الاستيطان علي الجانب الإسرائيلي‏,‏ أو عمليات العنف الفلسطيني التي تضر بالأمن القومي والمصالح الفلسطينية في النهاية‏.‏
ورابعها قيام الطرف الإسرائيلي بتقديم موضوع له صبغة تاريخية وليست استراتيجية للمفاوضات مثل الحديث عن طبيعة الدولة والقبول به‏.‏ وفي العالم كله فإن طبيعة الدولة هي نوع من التعريف الذاتي تقوم به الدولة في دستورها فيقول الدستور المصري إن مصر جزء من الأمة العربية‏,‏ أو تقرر إيران أن تكون جمهورية إيران الإسلامية‏,‏ وهكذا الحال مع موريتانيا وباكستان‏,‏ فما دخل المفاوض الفلسطيني في طلب قد يكون معناه تشريد المزيد من الفلسطينيين‏.‏
وخامسها أن القيادة علي الجانبين كما رأينا تعاني الكثير من مكانتها المتدنية‏;‏ ولكن ذلك قد يكون دافعا لهم من جانب آخر لكي يحققوا إنجازا في المفاوضات خاصة أن الرئيس الأمريكي هو الآخر في حاجة ماسة لإنجاز تاريخي قبل الانتخابات الرئاسية القادمة‏.‏
وسادسها أن الموضوعات كلها صعبة كما أوضحتها الأهرام فيما سمته وثيقة عريقات التي أوضحت آخر الصيغ التي وصلت إليها المفاوضات السابقة‏,‏ ورغم الجهود المضنية لعبور الفجوات فيها إلا أنها لا تزال واسعة‏.‏
هل يمكن لهذه المفاوضات أن تحقق نتائج إيجابية بعيدا عن نوبات التفاؤل والتشاؤم؟‏.‏ الإجابة هي نعم‏,‏ ولكن شرح ذلك ربما يحتاج مقالا آخر‏;‏ وفي هذه اللحظة فإن ما يهمنا هو مراقبة ماذا تفعل الأطراف المعنية بواحدة من لحظات الصراع العربي الإسرائيلي التي قد تكون فارقة إلي الأمام أو تأخذ المنطقة بأسرها إلي فصل دام جديد‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.