قنصوة: جامعة الإسكندرية تقدم كل الدعم للفعاليات الثقافية والفنية لخدمة المجتمع    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    تخطت ال 17 ألف جنيه، مصروفات المدارس المصرية اليابانية بالعام الجديد    ارتفاع مفاجئ فى سعر جرام الذهب صباح اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    محافظ قنا يستأنف استقبال المواطنين بمكتبه لبحث شكاواهم    البورصة المصرية، المؤشرات تقفز لمستوى جديد في بداية جلسة اليوم    الجيش الأردني يعلن تكثيف طلعاته الجوية، اعرف السبب    12 مليون دولار مساعدات إنسانية من كوريا الجنوبية للسودان    "البسولهم الجزيري بيخافوا منه"، ميدو يسخر من الأهلي بعد الهزيمة أمام الزمالك    موعد مباراة بوروسيا دورتموند وأتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا والقناة الناقلة    بعد واقعة إمام عاشور، الأهلي يقرر تغليظ عقوبة "السوشيال ميديا"    إبراهيم نور الدين: أنا الحكم رقم 1 في مصر    مصرع شاب دهسا أسفل عجلات قطار في المنيا    مصرع 7 أشخاص وإصابة 13 آخرين فى انقلاب سيارة بطريق أسيوط الغربي    برنامج مباشر من مصر يستضيف حفيد عالم المصريات سليم حسن في ذكراه    تعرف على موعد عزاء الفنانة الراحلة شيرين سيف النصر    الرقابة الصحية: اعتماد 350 منشأة طبية في 18 محافظة    الرعاية الصحية: تكنولوجيا التحليل الجيني المستقبل الواعد للتشخيص والعلاج الشخصي خلال 2024    وزارة الصحة تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    الخارجية الأمريكية: العراق يمتلك إمكانيات هائلة لتجديد الطاقة بالشرق الأوسط    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    استعدادات طلاب صيدلة قناة السويس للمؤتمر الطلابي السابع    استعدوا لتغيير الساعة.. بدء التوقيت الصيفي في مصر خلال أيام    وزيرا البيئة والإسكان يبحثان مقترحات تشغيل مشروع تطوير موقع التجلي الأعظم    المراكز التكنولوجية تستقبل طلبات التصالح من المواطنين 5 مايو المقبل    أهم ألف مرة.. ماهر همام يعلق على مباراة الأهلي ومازيمبي    أستاذ في الاقتصاد الزراعي: «التموين» تستهدف توريد 3.5 مليون طن قمح هذا العام    التعليم تخاطب المديريات لتنفيذ المراجعات النهائية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية    الأرصاد: طقس حار نهارًا على القاهرة.. والعظمى 31    تحرير 31 محضرا بمخالفات لمخابز فى السنبلاوين    أمطار غزيرة تضرب دولة خليجية وبيان عاجل لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث    مصرع منجد بالبيلنا سوهاج فى مشاجرة بسبب خلافات الجيرة ولهو الأطفال    اليوم.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمين ب"داعش قنا"    ننشر جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل والشهادات في بورسعيد    الصين تؤكد ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    "معلومات الوزراء": الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو    فيلم شقو يتصدر الإيرادات بتحقيق 41 مليون جنيه في 6 أيام    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    كندا تدين الهجمات الإجرامية للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية    «التحالف الوطني» أرسل 4 آلاف طن مساعدات لغزة في المرحلة ال6    خادم الحرمين وولى العهد يعزيان سلطان عمان فى ضحايا السيول والأمطار    مستشار الرئيس: نهدف إلى حصول كل مواطن على الرعاية الصحية الكاملة    وزارة الصحة تكشف أسباب مقاومة المضادات الحيوية للبكتيريا.. التفاصيل    جدول امتحانات المرحلة الثانوية 2024 الترم الثاني بمحافظة الإسكندرية    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رئيس تحرير «الأخبار»: المؤسسات الصحفية القومية تهدف إلى التأثير في شخصية مصر    موعد انتهاء خطة تخفيف أحمال الكهرباء.. متحدث الحكومة يوضح    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    ميدو: إبراهيم نور الدين كان سيجلس في منزله إذا طرد لاعب الأهلي    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة اكتوبر
شاهد علي الحرب‏8‏

يواصل السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية شهادته علي حرب أكتوبر‏1973‏ من خلال عمله أنذاك مع السيد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي المصري‏,‏ ويتطرق في هذه الحلقة إلي تفاصيل مرحلة ما بعد صدور قرار مجلس الأمن‏338‏ الخاص بوقف إطلاق النار والذي لم تلتزم به اسرائيل‏. ويكشف أبو الغيط عن الاتصالات التي جرت بين القاهرة وواشنطن وموسكو لتدارك الموقف‏,‏ واستعداد القوات المصرية لتوجيه ضربة عسكرية شاملة للقوات الاسرائيلية التي حاصرت مدينة السويس‏,‏ إذا لم تعد اسرائيل الي خطوط وقف إطلاق النار‏,‏ خاصة أن الجيش الاسرائيلي تعرض لخسائر جسيمة غير مسبوقة علي مشارف السويس نتيجة المقاومة الشرسة عسكريا وشعبيا التي واجهته‏.‏
ويشير الي الدور الذي لعبه هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية وقتئذ في السيطرة علي جهود التسوية‏,‏ موضحا أن نجاحات مصر العسكرية والسياسية فرضت التسوية السياسية في نهاية المطاف وأدت الي استعادة سيناء بالكامل خلال سنوات تالية‏.‏
في صباح يوم‏23‏ أكتوبر كنا‏...'‏ أحمد ماهر‏'‏ وانا نسير معا‏...‏ في حديقة القصر نتناقش حول الموقف وما يجب توقع انتظاره من تطورات‏...‏ ويجب هنا أن اطلع القارئ الكريم علي أسباب وجودنا دائما معا‏'‏ أحمد ماهر‏'‏ و‏'‏أحمد أبو الغيط‏'‏ في كل مناسبات الحرب‏...‏ فأقول إن هيئة المكتب كانت قد قسمت أنفسها‏_‏ طبقا لتوجيهات السفير مخلوف إلي مجموعات عمل دائمة‏...‏ وكنا‏'‏ ماهر‏'‏ و‏'‏أنا‏'‏ في مجموعة عمل واحدة تصادف وأن شهدت ربما كل اللحظات الأكثر أهمية في هذه الحرب‏...‏ إذ بمستشار الأمن القومي يهبط إلينا قادما من حجرة نومه مباشرة‏...‏ وأخذ يتحدث طويلا وباستفاضة‏...‏ وصمتنا‏...‏ لكي نتيح له فرصة التعبير عن أفكاره وخلاصاته ولكي يحكم قبضته علي ما يواجهنا‏...‏ وكانت الخلاصة لرؤيته في إطار تقييمه لأسلوب الدولة المصرية في إدارة هذه المعركة العسكرية السياسية‏...‏ أن‏'‏ الرئيس‏'‏ كان يعمل في غياب ما تصوره‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ الدعم الكافي من كبار معاونيه‏...‏ وأنه ترك ليتحمل مسئوليات القرار السياسي و أو العسكري‏...‏ فيما عدا بعض المناقشات التي كان بعض كبار المسئولين القريبين منه يجرونها معه بين الحين والآخر‏...‏
واعتقادي‏_‏ بعد مرور كل هذه السنوات‏_‏ بأنه ربما كان‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ يتصور وجود تأثير سلبي للبعض وغياب البعض الآخر عن المساهمة البناءة في رسم الصورة والموقف‏...‏ وأخذ‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ يتحدث ونحن نسير ذهابا وأيابا في حديقة القصر وهي صغيرة‏...‏ وبعد ما يقرب من ثلاثين دقيقة من الحديث معنا غادرنا‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ لكي يرتدي ملابسه الكاملة‏...‏ ويغادر إلي بعض اللقاءات مع الشخصيات الرئيسية بالدولة‏...‏ وقيل عندئذ‏...‏ أنه ذهب للقاء خمسة شخصيات كبيرة أو أكثر‏...‏ منها نائب الرئيس‏'‏ حسين الشافعي‏'‏ الدكتور‏'‏محمود فوزي‏''‏ الدكتور عبد القادر حاتم‏''‏ الدكتور مصطفي خليل‏''‏ الدكتور عزيز صدقي‏'‏ ووزير الداخلية‏'‏ السيد ممدوح سالم‏'...‏ وتحدث معهم حول مايستشعره من حاجة للالتفاف حول‏'‏ الرئيس‏'‏ وعدم تركه بمفرده‏...‏ ونما إلي علمنا بعد ذلك‏...‏ أن أحاديث‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ ومناقشاته مع أربع من الشخصيات الخمس أو أكثر علي الأقل قد وصلت إلي‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ بشكل أعطاه الانطباع الخاطئ بأن‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ يسعي لتقييد حركته‏...‏ ومن ثم كان هذا الموضوع أو هذه المسألة أحد المسببات في اقتراب مستشار الأمن القومي من نهاية مسئولياته وتكليفه بمهام جديدة‏...‏ وتقديري‏...‏ أن هذا الموضوع أو هذه المسألة‏...‏ بفرض صحتها ودقتها لم تكن الوحيدة وراء اقتراب‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ من مغادرة موقعه‏...‏ وهو ما سوف أتعرض له في مناسبة أخري‏...‏ ولكن الأمر المهم حسب ما أتذكر‏...‏ أن‏'‏ أحمد ماهر‏'‏ وبعد مغادرة‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ بعدة أسابيع وفي إطار نقاش لنا حول تجربة الحرب والأمن القومي‏...‏ وهي نقاشات كانت كثيرة في الفترة من فبراير حتي مايو‏1974,‏ وحيث كنا في انتظار النقل إلي بعثات تتيح لنا المزيد من خدمة الدبلوماسية المصرية‏...‏ ونقضي أغلب وقتنا خارج ساعات العمل معا في نادي هليوبوليس الرياضي بمصر الجديدة‏'‏ أن قال‏'‏ أحمد ماهر‏...‏ أتعلم يا‏'‏ أحمد‏'...‏ لقد كنت علي وشك أن أقول له ألا يذهب إلي أي من‏'‏ شخصيات الدولة‏'...‏ وأن عليه أن يتحدث إذا ما اقتنع فعلا بالأمر إلي الرئيس مباشرة وحتي لا يعطي الانطباع الخاطئ لرؤيته‏...‏ علي أي الأحوال كان هذا ما حدث‏...‏ وهي قصة كانت محور حديث لي مع د‏.'‏ عبد الهادي مخلوف‏'‏ مدير مكتب مستشار الأمن القومي خلال لقاء أخير منذ أسابيع قليلة‏.‏
ويبقي أن من المهم لكل من يرغب في التعرف علي المزيد من أحاسيس ومشاعر وتقييم‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ لهذه المرحلة وهذه الأيام بالغة الصعوبة أن يطلع علي بعض صفحات كتابه المشار إليه بعاليه‏'‏ أمن مصر القومي‏_‏ في عصر التحديات‏'.‏
كان‏'‏ هنري كسنجر‏',‏ وزير خارجية الولايات المتحدة خلال مراحل كثيرة في هذا الصدام الذي امتد عسكريا علي مدي ثلاثة أسابيع يمسك بالكثير من الخيوط‏...‏ كما أنه وفي الفترة التالية لوقف العمل العسكري وحتي خروجه من السلطة في‏20‏ يناير‏78,‏ مع وصول إدارة‏'‏ كارتر‏'‏ إلي البيت الأبيض‏,‏ يسيطر علي كل جهود التسوية السياسية ويمسك أيضا بإيقاعها ويسعي للوصول بها إلي نتيجة تحقق السلام والاستقرار بالشرق الأوسط ويؤمن للولايات المتحدة اليد الأعلي في مستقبل ومقدرات المنطقة‏.‏
ولا شك أن كل من يقرأ كتابات‏'‏ كسنجر‏'‏ في معالجته لهذه الأزمة التي واجهت إدارة الرئيس‏'‏ نيكسون‏'‏ في أحد أصعب فتراتها‏...‏ وهي فضيحة‏'‏ ووترجيت‏',‏ يتبين حجم النفوذ والتأثير الذي كان له في إدارته للعلاقات الخارجية الأمريكية في وقت انشغل فيه الرئيس‏'‏ نيكسون‏'‏ إلي حد كبير جدا في محاولة إنقاذ مستقبل إدارته‏.‏ من هنا فقد أبقي‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ الاتصال الوثيق مع الجانب الأمريكي‏...‏ وكلف‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ بالاستمرار في تبادل الرسائل بشكل مكثف‏.‏ كما لم يفت الرئيس السادات أيضا أن يكتب هو الآخر ويتحاور مع‏'‏ نيكسون‏'...‏ وهي حوارات ورسائل أتاحت الفرصة للجانبين لتقييم المواقف تقييما مفيدا لكل منهما‏.‏ وأقول هنا أن‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ وقد أبلغه‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ أن‏'‏ كيسنجر‏'‏ أحاطه علما بأهداف زيارته إلي إسرائيل قادما من موسكو وفي أعقاب صدور قرار مجلس الأمن‏338‏ بنيته في التحدث مع القيادة الإسرائيلية حول أهمية وقف إطلاق النار ومرحلة ما بعده من بدء مفاوضات السلام ودور القوتين العظميين فيها‏...‏ فقد طلب‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ من‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ الإسراع بدعوة‏'‏ كيسنجر‏'‏ لزيارة مماثلة لمصر ولكي يؤكد التوازن في العلاقة بينهما‏...‏ إلا أن‏'‏ كيسنجر‏'‏ تهرب‏.‏ وتقديري الآن وفي حينها أنه كان يعلم بصعوبة الأيام المقبلة وأن ظهوره علي المسرح المصري و أو العربي خطوة لم يكن قد اكتمل نضجها بعد‏,‏ وأقصد بذلك نتائج الصدام المسلح الذي لم يكن قد وصل إلي نهايته بعد بشكل مستقر‏...‏
وجاءت الأيام التالية‏...‏ وبالذات يوما‏24/23‏ بالصدمة الكبري التي هزت الجميع‏...‏ ألا وهي نجاح القوات المدرعة الإسرائيلية في الوصول إلي ميناء الأدبية ومحاولة دخول السويس وحصار المدينة وفرقتي الجيش الثالث في الشرق من القناة‏.‏ وكتبت في اليوميات سعت‏1400‏ من يوم الأربعاء‏24‏ أكتوبر‏...‏ ولم نكن علي اطلاع بعد بنتائج هذه المعركة الخالدة‏...‏ معركة السويس‏...‏ والتي كشفت الكثير في هذه الحرب وبخاصة في هذه اللحظات الصعبة‏...‏ أن هناك أيضا جوانب براقة وذات تأثير حاسم علي مسار المعركة وتطوراتها التالية‏...‏
وأضيف هنا أنني ومع عدد كبير من هيئة مكتب‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ دخلنا السويس فور تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من منطقة الجيب في الدفرسوار‏...‏ في زيارة استغرقت يوما واحدا‏...‏ ورأينا هذا العدد من الدبابات والعربات الإسرائيلية المدرعة والمدمرة بالكامل في مداخل مدينة السويس نتيجة لهذه المعركة الحاسمة في هذه الحرب‏...‏ كما رأينا هذه الإمكانيات العسكرية المصرية التي كانت متوافرة لدي قوات الجيش في منطقة الحصار‏.‏
وكتبت‏...‏
‏,‏العدو يطوق الجيش الثالث‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ يتحدث مع‏'‏ برجنيف‏'‏ سكرتير عام الحزب الشيوعي وزعيم الاتحاد السوفيتي ويطالبه بالتدخل الفوري وطبقا لتعهدات السوفيت وضماناتهم التي قدموها الينا وشجعتنا علي قبول وقف إطلاق النار‏...‏ وأنه يجب وقف العمليات العسكرية من جانب إسرائيل وإلزامها بذلك من قبل السوفيت والولايات المتحدة‏...‏ كما أرسل الرئيس إلي‏'‏ نيكسون‏'‏ يطالبه بنفس الموقف في ضوء نفس التعهدات المقدمة لنا عبر‏'‏ كيسنجر‏'‏ قطع طريق السويس عند الكيلو‏102‏ ضربت معابر الجيش الثالث أو علي الأقل تم تفكيكها لتفادي تدميرها من قبل الطيران والمدفعية الإسرائيلية التي أصبحت تكشفها ثغرات كثيرة في دفاعات بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات القوات الجوية المصرية تبذل جهودا فائقة ورائعة ومستميتة ومع تحملها لقدر من الخسائر لتحقيق مهام الجيش والدفاع عن القوات البرية هل يفرض علي الجيش الثالث في شرق القناة الاستسلام أم أن هذه الفرق المتمرسة سوف تحارب وهما الفرقتان‏19,..7‏
وتستمر اليوميات تكتب وسط ضباب الحرب‏...‏ ويجب هنا أن أؤكد أن الحرب‏...‏ أي حرب‏...‏ دائما ما تكون فيها لحظات صعبة وقد تذهب الأمور إلي هذا الاتجاه أو ذاك‏...‏ أي نصر أو هزيمة‏...‏ إلا أن المؤكد أن صلابة المقاتلين وتضحياتهم وصحة قرارات القيادة ونضوجها ومعرفتها الواقعية بالموقف الذي تواجهه ويواجهه معها العدو دائما ما تحقق للطرف الأكثر ثباتا‏...‏ النتائج الأحسن‏...‏ واستمرت طوال يومي‏25/24‏ أكتوبر جهود تأمين فرق شرق القناة ومدينة السويس‏...‏ وزادت وتيرة الاتصالات المصرية مع الجانبين الأمريكي والسوفيتي وطرحنا الأمر علي مجلس الأمن‏...‏ وصدر القرار الجديد‏339‏ الذي توقعه‏'‏ حافظ إسماعيل‏'...‏ واستشعر السوفيت أن أي نجاح اضافي لإسرائيل أو أي فشل مصري سوف يكون له عواقبه الخطيرة علي الصورة السوفيتية ومن ثم تدخل‏'‏ برجنيف‏'‏ بحدة مع‏'‏ نيكسون‏'‏ وقرر السوفيت الإيحاء للأمريكيين بنيتهم في التدخل للفصل بين القوات‏...‏ وعلي الجانب الأمريكي‏...‏ استجاب الأمريكيون للتحدي شكليا‏...‏ وأعلنوا حالة الاستعداد للقوات الأمريكية عبر العالم‏...‏ إلا أن الأمريكيين كانوا منتبهين إلي أن السماح بنجاح إسرائيل فيما يتجاوز الحدود المرسومة لها يمكن أن تكون له عواقبه علي إهدار فرصة كبيرة أو تاريخية لإمساك أمريكا بالموقف في الشرق الأوسط وتحويله إلي صالحها بشكل كامل‏...‏ من هنا جاءت رسالة‏'‏ نيكسون‏'‏ الأخيرة يوم‏25‏ أكتوبر لكي تؤكد أن واشنطن ستفرض علي إسرائيل وقف إطلاق النار‏...‏ وكانت المعلومات المتواردة إلينا علي مستوي الإمداد العسكري لنا أن القوات المسلحة بدأت في تلقي أعداد طيبة من الدبابات وحيث وصلت مائة دبابة من يوغسلافيا‏T...55‏ كذلك كان من المنتظر وصول المائتي دبابة‏T62‏ خلال ساعات في نهاية يوم‏25‏ أكتوبر وهي معدات ومدرعات كانت ضرورية لإعادة تسليح وتأهيل وحداتنا التي تعرضت لخسائر كبيرة خلال ثلاثة أسابيع من القتال‏...‏ كذلك وردت دبابات من ليبيا وكميات من الجزائر‏.‏
وكان ما يشغلني في الحقيقة‏...‏ ويشغل جميع أعضاء هيئة مكتب مستشار الأمن القومي‏...‏ هو الكيفية التي سيتم من خلالها تأمين فرق الجيش الثالث في شرق القناة‏...‏ وكذلك كيفية إمداد مدينة السويس مع استمرار وجود عدد كبير من سكانها الذين قاتلوا دفاعا عنها وهزموا محاولة قوية من جانب الوحدات المدرعة الإسرائيلية في احتلالها واستمر الضغط المصري السياسي علي الطرفين السوفيتي والأمريكي طوال يوم‏26,‏ وكذلك‏27‏ أكتوبر‏.‏
وكان‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ قد طلب في ذروة الأزمة التي واجهتنا يوم‏24‏ أكتوبر إرسال قوات سوفيتية أمريكية مشتركة للفصل بين القوات‏...‏ إلا أنه وفي ضوء عدم إمكانية اتفاقهما علي ذلك‏,‏ وكذلك مع وقوع أخطار المواجهة المسلحة‏-‏ التي رأيتها شكلية وقتها‏-‏ فقد استقر الأمر علي إنشاء قوة طوارئ جديدة للشرق الأوسط فيما سمي‏UNEFII.‏
وتحت الضغط السوفيتي والأمريكي والدولي وصلت رسالة من‏'‏ كيسنجر‏'‏ فجر يوم السبت‏27‏ أكتوبر ينقل فيها وجهة نظر حكومة‏'‏ مائير‏'‏ حول وقف إطلاق النار ووضعية الجيش الثالث الذي كان من الواضح أنه نجح في إجهاض محاولات دفعه أو فرض الاستسلام عليه‏...‏ واقترحت‏'‏ جولدا مائير‏'‏ في رسالة‏'‏ كسنجر‏'‏ إيفاد ضابط مصري عالي المستوي لكي يقابل رئيس الأركان الإسرائيلي أو حتي وزير الدفاع الإسرائيلي وللاجتماع في الزمان والمكان الذي نختاره لبحث موضوع‏'‏ إيجاد مخرج مشرف للجيش الثالث‏...‏ وقام‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ بالرد علي الرسالة بعد عقد اجتماع هام سعت‏0400‏ وحتي سعت‏0600‏ من فجر يوم‏27‏ أكتوبر‏...‏ شارك فيه كل من القائد العام المشير‏'‏ أحمد إسماعيل علي‏'‏ وكل من‏'‏ عبد الفتاح عبد الله‏'‏ و‏'‏إسماعيل فهمي‏'‏ الذي كان يتحمل مسئوليات وزير الخارجية بالنيابة أثناء غياب وزير الخارجية الدكتور‏'‏ محمد حسن الزيات‏'‏ في نيويورك طوال هذه الأسابيع الثلاثة للحرب‏(‏ وهي في تقديري غيبة طويلة ما كان يصح أن تستمر طويلا بعد بدء العمليات في‏6‏ أكتوبر‏).‏
وتضمن الرد المصري حسب يومياتي المكتوبة سعت‏0800‏ من صباح السبت‏27‏ أكتوبر أننا نقترح علي‏'‏ كسنجر‏'‏ أن يبلغ الإسرائيليين بأن مصر ستوفد ضابطا مصريا برتبة لواء إلي النقطة‏110‏ علي طريق السويس للاجتماع وبحث تفاصيل تنفيذ القرارين‏339‏ و‏338‏ الصادرين عن مجلس الأمن في الأيام الأخيرة‏...‏ وكذلك اقتراح إيقاف القتال كلية سعت‏1300‏ يوم السبت‏...27‏ وأضافت الرسالة المصرية أن موعد اللقاء سيكون سعت‏1500‏ من بعد ظهر نفس اليوم وسوف يصحب الوفد المصري إلي الاجتماع قول إداري لسيارات تموين للجيش الثالث ومدينة السويس‏,‏ حمولة‏60‏ طنا فورا‏.‏
وأضفت في يومياتي‏...‏
اعتقد أن إسرائيل ستقبل‏..‏
وكان‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ قد أبلغنا أن الجيش وقيادته مصممان علي أنه وفي حالة عدم سماح إسرائيل بسريان قوافل الإمداد إلي السويس وفرق الشرق للجيش الثالث فسوف نقوم بتوجيه ضربة قوية لفتح الطريق بالقوة‏_‏ خاصة وقد بدأت إمدادات الجيش بالمدرعات القادمة من الأصدقاء والأشقاء تصل وتستلمها الوحدات‏.‏ وكان المنطق المصري أن هناك وحدات دولية تابعة لقوة الطوارئ والمراقبين بدأت تصل إلي مواقعها وأنه يمكن وفي ظل هذه القوات العودة إلي فتح الطريق بالقوة‏.‏
وكشفت الساعات التالية استمرار توتر الموقف بين القوي العظمي‏...‏ واستمرت مصر تطالب الطرفين الأمريكي والسوفيتي بعودة إسرائيل إلي خطوط وقف إطلاق النار المفترض في‏22‏ أكتوبر‏...‏
وقد كشفت تجربة هذه الأيام الصعبة أن‏'‏ النجاحات‏'‏ الإسرائيلية كان لايزال أمامها الكثير لكي تحقق الهدف منها أو تتمكن من كسر إرادة الجيش المصري‏...‏ خاصة أن لدي مصر أيضا الكثير من أوراق الضغط في مقدمتها‏...‏ الإمكانيات القتالية الكبيرة للفرقتين المدعمتين في رأس كوبري الجيش الثالث‏...‏ وكذلك نجاح مدينة السويس‏/‏ شعبا وجيشا وشرطة في رد عملية احتلال المدينة وبخسائر كبيرة لإسرائيل‏...‏
وأخيرا‏,‏ استمرار تصاعد الضغط المصري من الغرب في اتجاه طريق السويس‏,‏ وسرعة مصر في بناء الاحتياطات واستكمال تأهيل وحدات احتياطي القيادة العامة والفرق التي تعرضت لخسائر في السابق جري استعواضها الآن وهي الفرق‏21‏ مدرع‏/4‏ مدرع‏/23‏ مش ميكا‏/6‏ مش ميكا‏...‏ وكذلك قدرات كبيرة لمصر في منطقة الإسماعيلية وإلي شرق القناة في نطاق فرق الجيش الثاني الميداني‏.‏
ومن المهم في هذه المرحلة من التحليل لمجريات هذه الأيام في ختام الحرب أن نقول إن رسالة‏'‏ مائير‏'‏ عبر‏'‏ كسنجر‏'‏ لم تأت من فراغ‏...‏ بل سبقها اقتراح جاء من الجانب البريطاني قدم للسوفيت ونقله السفير السوفيتي لنا في مقابلته مع‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ سعت‏2400‏ يوم‏25‏ أكتوبر‏...‏ أي فجر‏...26,‏ ويقضي الاقتراح بأن تقوم مصر بتسليم الأسري الإسرائيليين إليها‏,‏ وأن‏'‏ ترفع المدمرات والوحدات المصرية الموجودة في مدخل باب المندب التي تفرض حصارها علي تجارة إسرائيل وسفنها واستخدامها لميناء إيلات‏...‏ وفي المقابل‏...‏ فإن إسرائيل علي استعداد للانسحاب إلي مسافة معقولة وبما يتيح للجيش الثالث اتصالا مباشرا مع بقية الجيش المصري‏.'‏ واستشعرت الرضا لقراءتي لهذه المقابلة التي تحدث بها السفير السوفيتي مع‏'‏ الرئيس‏'...‏
وفكرت لحظتها في حديث الفريق بحري‏'‏ فؤاد ذكري‏'‏ في الأسبوع الثاني من سبتمبر‏...73‏ عندما قال لي‏'‏ إننا سوف نقطع أوصال اتصالاتهم وخطوطهم البحرية وسنضربهم بعنف وسنربك خططهم ونلقنهم درسا‏'...‏
‏,‏ويرجي الرجوع هنا إلي المقالين‏4/3‏ والمنشورين في الأهرام يومي‏10/9‏ يناير‏2010].‏
لقد وفي الرجل بكلمته‏,‏ وله أن يرقد قرير العين وقد حقق لبلاده ما وعدها به‏...‏ لقد توفيت حماته منذ أسابيع قليلة‏...‏ ودهشت من هذا الطابور الممتد من ضباط وأفراد البحرية المصرية وبالملابس الرسمية وهم يقدمون واجب العزاء بمسجد عمر مكرم بالقاهرة‏...‏ بعد وفاته بأكثر من ربع قرن‏...‏ إنها مصر‏...‏ الواجب والوفاء لكل من قدم لها من أبنائها‏.‏
وكتبت في اليوميات المسجلة بخط يدي وبالقلم الرصاص سعت‏0800‏ من السبت‏27‏ لوقائع الأيام الأخيرة السابقة‏...‏ والتي ونتيجة للضغط وتراجع المعنويات لم أعد قادرا علي الكتابة والتسجيل لحظة بلحظة مثلما فعلت في بدايات الحرب‏:'‏ الرئيس يوافق من حيث المبدأ خاصة وأن السفير السوفيتي أكد في حديثه أن بريطانيا أبلغت السوفيت أن إسرائيل ستوافق‏...‏ إذا ما عرض عليها الأمر‏'...‏ بمعني‏...‏ وبمفاهيم الدبلوماسية‏...‏ أن بريطانيا بحثت الأمر مسبقا مع إسرائيل‏.‏ وأخذت أقلب الأمر وسجلت‏...‏ عما إذا كان التحرك هو مبادرة بريطانية مستقلة لجس النبض‏...‏ وأسرعت بالقول أنني لا أعتقد ذلك‏...‏ ومن ثم هل هذا يمثل جس نبض من إسرائيل لتحقيق بعض المكاسب الرئيسية قبل أن يفرض عليها إيصال المؤن إلي مدينة السويس والجيش الثالث في الشرق‏...‏
وتساءلت عما إذا كان الطرف الإسرائيلي الذي سيلتقي معنا سعت‏1500‏ من يوم‏27‏ أكتوبر سيطرح نفس الطرح‏...‏ خاصة وأن الجانب البريطاني في طرحه للفكرة أشار إلي أنها تمثل اتفاقا منفصلا ومستقلا بين مصر وإسرائيل وبعيدا عن تسوية شاملة ولكي تحل مسألتي إغلاق مضيق باب المندب وبالتالي مضيق تيران‏...‏ وإيجاد صلة أرضية بين القوات في السويس وبقية القوات المصرية‏.‏
ووصلتنا رسالة من‏'‏ كسنجر‏'‏ يقترح حضوره في زيارة للقاهرة يوم‏6‏ نوفمبر ولمدة يوم للبحث في كل عناصر التسوية وتنفيذ القرار‏338,242‏ ورحبت مصر بالزيارة‏.‏ وفهمت من أوراق‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ ومقابلاته مع‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ أن الرئيس ينوي أن يعرض علي الجانب الأمريكي وقبل مجئ‏'‏ كسنجر‏'‏ أفكارا محددة تدور حول‏:‏
‏-‏انسحاب إسرائيلي إلي خطوط‏22‏ أكتوبر في مقابل قيام مصر بتسليم الأسري الإسرائيليين لديها وأن تفتح باب المندب‏.‏
‏-‏انسحاب إسرائيلي تال وبعد ذلك بفترة وجيزة إلي شرق ممرات سيناء في مقابل قيام مصر بالبدء في تطهير قناة السويس‏.‏
‏-‏عند استكمال انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية للقناة يبدأ مؤتمر السلام‏...‏ ويمكن لمصر أن ترسل وابتدء من الآن مقدمة للوفد المصري إلي جنيف أو نيويورك للبحث في الجوانب الإجرائية الأولية للمؤتمر‏.‏
وعدت أكتب في اليوميات سعت‏0010‏ من الأحد‏28‏ أكتوبر أنه قد تحدد للمقابلة بين العسكريين المصريين والإسرائيليين سعت‏2400‏ يوم‏27‏ أكتوبر‏...‏ ووقع بعض سوء الفهم‏...‏ إذ إن الإسرائيليين توجهوا إلي النقطة‏110‏ في اتجاه السويس وفهم الجانب المصري أنها النقطة‏101‏ من الطريق‏...‏ وتم تدارك الموقف‏,‏ والتقي‏'‏ اللواء الجمسي‏'‏ رئيس هيئة العمليات مع الجنرال‏'‏ ياريف‏'...‏ ووعد الأمريكيون أن يتم في نفس الليلة دخول قول إداري للتموين من ثلاثين مركبة‏...‏ وأخذ المستشار‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ يتحدث عن النية في عمل عسكري يوجه ضربة لفتح الطريق عنوه وتحت مظلة وجود الأمم المتحدة التي كانت قواتها قد بدأت احتلال مواقعها بين الجانبين‏.‏ وجاء في اليوميات سعت‏1715‏ من الأحد‏28‏ أكتوبر‏...'‏ يقول الجنرال‏'‏ ياريف‏'‏ أنه ليس لديه تعليمات ببحث العودة إلي خط‏22‏ أكتوبر أو مسألة الانسحاب‏,‏ بل آثار موضوع الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وكذلك تبادل الأسري أن اللقاء شابه الاحترام المتبادل‏'.‏ واليوم أقول‏...‏ مثلما توصلت في وقتها‏...‏ إلي نتيجة مفادها أن رغبة‏'‏ كيسنجر‏'‏ الحضور إلي مصر أوضحت عدم نيته في السماح للمصريين أو الإسرائيليين بالتوصل إلي اتفاق فيما بينهم وبمعزل عن الولايات المتحدة مثلما حاولت بريطانيا‏...‏ وأننا ألا يجب نتوقع بالتالي أي نتائج من محادثاتنا الحالية بين العسكريين سوي تفاهمات حول عدم كسر وقف إطلاق النار وأسلوب الإمداد للمدينة المحاصرة وغير ذلك من مسائل التنظيم وخطوط الاتصال بين جيشين يدخلان بشكل كثيف في بعضهما البعض‏.‏
وعلمت أن السيد‏'‏ إسماعيل فهمي‏'‏ سيسافر يوم‏28‏ أكتوبر إلي واشنطن لمقابلات مع‏'‏ كسنجر‏'‏ وربما‏'‏ نيكسون‏'...‏ كما سيعود الدكتور‏'‏ الزيات‏'‏ أخيرا‏...‏ وأضفت في اليوميات‏...'‏ أعتقد أن‏'‏ الزيات‏'‏ في طريقه للخروج قريبا جدا‏...‏ فلقد نجح‏'‏ إسماعيل فهمي‏'‏ في امتلاك فكر‏'‏ الرئيس‏'‏ في شهر الصدام الحالي وخلال الأزمة‏,‏ ومن ثم فإن تقديري عندئذ أن‏'‏ الرئيس‏'‏ سيستفيد به وزيرا للخارجية في المفاوضات القادمة‏...‏ خاصة أن أزمته مع‏'‏ مراد غالب‏'‏ وزير الخارجية خلال‏1972‏ كانت معروفة للجميع عندما وجه‏'‏ إسماعيل فهمي‏'‏ انتقادات حادة إلي السوفيت بما دفع‏'‏ مراد غالب‏'‏ إلي تجميده‏...‏ لقد كان إلغاء تعيين‏'‏ إسماعيل فهمي‏'‏ سفيرا لمصر في ألمانيا في بداية عام‏...73‏ وتكليفه بالعمل وزيرا للسياحة‏...‏ واستمراره خلال تلك الفترة في الكتابة إلي‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ برؤيته في الموقف وتطوراته‏...‏ وكيفية التحرك علي مستوي الأمم المتحدة وتقييمه لفرص ووسائل تنفيذ القرار‏...242‏ كانت كلها مؤشرات بأنه يعد ليشغل مهام وزير الخارجية بدلا من‏'‏ الزيات‏'‏ الذي لا شك أنه غاب عن المسرح الداخلي في فترة حاسمة وهامة‏'.‏
وكنت استشعر الكثير من القلق والضيق في أسلوب‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ ومعالجة بعض المسائل‏...‏ وبما دفع‏'‏ بأحمد ماهر‏'‏ في حديث ممتد معي إلي القول باقتناعه أن هناك صراعات شديدة في قمة السلطة وأن هناك تيارات متنازعة‏...‏ وأنه أخيرا لا يعتقد أن‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ سيستطيع أن يبقي كثيرا أو أن يعمل مع وجود‏'‏ إسماعيل فهمي‏'‏ الذي وثق به‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ في شهر الصدام‏.‏
لقد كانت مهمة‏'‏ إسماعيل فهمي‏'‏ هي محاولة التأثير علي‏'‏ كسنجر‏'‏ والجانب الأمريكي ولكي يأتي الطرح الأمريكي مثلما حاول‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ صياغته في الصفحات السابقة‏...‏ ومن جانبي لم أتوقع تحقيق أهداف هذه المهمة‏...‏ لأن‏'‏ كسنجر‏'‏ كان يحاول تحقيق الهدف المطلوب بنفسه ولكن في القاهرة أثناء زيارته لها‏.‏
علي الجانب الآخر‏...‏ أخذ‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ يتحدث مع السوفيت فيما كان‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ قد أطلعنا عليه‏...‏ وهو نيتنا في توجيه ضربة قوية لغرض فتح طريق السويس إذا ما لم نتبين جدية في الموقف الأمريكي و‏/‏أو الإسرائيلي‏.‏
وقد قرأنا في السنوات التالية للصدام المسلح الكثير من الادعاءات والمزاعم بقدرات غير موجودة أو خيالية لدي الجيش الإسرائيلي‏...‏ ورددت‏'‏ جولدا مائير‏'‏ رئيس الوزراء الإسرائيلية‏...‏ كما تحدث‏'‏ ديان‏'‏ وزير الدفاع و‏'‏العازر‏'‏ رئيس الأركان ومجموعة الجنرالات الذين قادوا الجهد الإسرائيلي في غرب القناة‏...'‏ برن ادن‏'/'‏ ماجن‏'/‏ أو‏'‏ شارون‏'‏ أنه تم إيقافهم تحت تهديد الولايات المتحدة وفرضها عليهم ضرورة وقف الأعمال العدائية قبل استكمال مهام قواتهم‏.‏ والحقيقة أن هذه في تقديري‏...‏ وفي رؤية الكثيرين من المعلقين العسكريين‏...‏ مقولات تجافي الواقع تماما وتتناقض مع ما حدث علي الأرض‏.‏
وإذا كان يمكن أن نعترف أن الكثير من الاحتياطيات المصرية قد لحق بها خسائر فادحة في الغرب نتيجة لسوء الاستخدام أو الحشد أو طبيعة المهام المشوشة التي ألقيت علي عاتقها في لحظات صعبة‏...‏ إلا أن المؤكد أن هزيمة المسعي الإسرائيلي أمام السويس يكشف بأن القوات الإسرائيلية كانت ومع وصولها إلي مشارف هذه المدينة المصرية الباسلة منهكة وقد تعرضت لخسائر جسيمة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل‏...‏ حوالي‏500‏ إلي‏600‏ دبابة‏...‏ وبذا لم يكن لديها القدرة علي الدفع مرة أخري‏...‏ أي وصلت إلي أقصي ما تستطيع تحقيقه تحت الظروف التي كانت ستتغير بالحتم إلي صالح مصر إذا ما أستمر بناء القدرات المصرية خلال الأسابيع التالية‏...‏ مثلما شهدناه في تحضيرات العملية‏'‏ شامل‏'‏ لتصفية الجيب في الغرب في الشهور التالية‏,‏ وأيضا في حفر الدفاعات وموانع الدبابات في منطقة الجيب الإسرائيلي وبما يؤشر إلي تنبه إسرائيل أنها هي التي ستتعرض لعمل عسكري مصري في غرب القناة‏.‏
أما ادعاءات‏'‏ شارون‏'‏ انه كان علي مقربة من الإسماعيلية‏...‏ أو أوشك علي دخولها‏...‏ فهي أيضا تقولات لا قيمة لها‏...‏ إذ إن الدفاع المصري الصلب في الغرب وجنوب طريق الإسماعيلية وشراسة وحدات ومجموعات الصاعقة وعناد قوات المظلات التي قاتلت علي المصاطب‏...‏ كلها تسببت في دحر الجهد العسكري الذي ركز علي الإسماعيلية‏...‏ وكشف الانسحاب بعيدا عن المدينة‏...‏ أنه هناك أيضا في قطاعات الجيش الثاني‏...‏ فقد وصل الجهد الإسرائيلي إلي أقصي ما يستطيع ولم يعد هناك متاحا إلا انتظار تلقي الضربة المصرية القادمة لتصفية الجيب‏.‏
ومع بدء استقرار وقف إطلاق النار كتب السيد‏'‏ محمد حسنين هيكل‏'...‏ مقالا بالأهرام حول إدارة المعركة علي الجانب المصري واستشعرت الاستياء الشديد من جانب‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ مما كتب عندئذ‏,‏ وحيث قدر مستشار الأمن القومي أن المقال يمس بالقائد العام في ظروف بالغة الصعوبة وأنه يجب الاعتراف‏'‏ لأحمد إسماعيل‏'...‏ بأنه حارب وحطم خط بارليف وتحت إمرته هذه القوات الرائعة والقيادات ذات الإرادة الحديدية ثم تحمل عبء المواجهة التالية مع إسرائيل ثم حقق هدف الحرب وأنهي الصدام في التوقيت المناسب محافظا بذلك علي فاعلية وقدرة القوات المسلحة ومع تكبيد إسرائيل لخسائر فادحة وأخيرا قدر الموقف بدقة وبشكل أدي إلي إنذار القائد الأعلي بأهمية الوصول إلي وقف لإطلاق النار بما لا يتجاوز‏72‏ ساعة‏...‏
والمؤكد‏...‏ في تقديري أن هذا الرأي الذي تحدث به‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ وآراء أخري كثيرة كتبت في تفاصيل العملية العسكرية وتحدثت عما كان يمكن وما لا يمكن‏...‏ أن مثل هذا الجدل الايجابي سيبقي معنا ولسنوات‏...‏ إلا أن المؤكد أيضا أن أسماء مثل‏'‏ يوسف عفيفي‏''‏ أحمد بدوي‏''‏ عبد رب النبي حافظ‏''‏ حسن أبو سعده‏''‏ فؤاد غالي‏''‏ العرابي‏''‏ قابيل‏''‏ الزمر‏'‏ وغيرهم كثيرون‏...‏ وبمن فيهم الفريق‏'‏ الشاذلي‏'...‏ سيبقون دائما في ذاكرة المصريين إلي مئات قادمة من السنوات‏...‏ لقد كانت أياما صعبة‏...‏ بعضها قاتمة‏...‏ ولكنها كانت رائعة في نفس الوقت‏.‏
ومرة أخري آمل أن يتاح لي الوقت والظروف لكي استكمل الكتابة في هذه الحرب‏...‏ والاتصالات مع الأمريكيين والروس علي المستوي الدولي‏...‏ أو الاتصالات والمفاوضات مع الإسرائيليين علي المستوي العسكري‏,‏ وأخيرا الأسلوب الشامل الذي أدارت به مصر الحرب في أبعادها العسكرية الاقتصادية السياسية بما فيها الشق العربي واستخدام سلاح البترول‏.‏
وأخيرا خلاصات الحرب ونتائجها وما حققته مصر خلالها من نجاحات عسكرية وسياسية فرضت التسوية السياسية في نهاية المطاف وأدت إلي استعادة سيناء بالكامل خلال سنوات تالية‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.