سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في بداية الأسبوع السبت 11 مايو 2024    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    مندوب مصر لدى الأمم المتحدة: ما ارتكبته إسرائيل من جرائم في غزة سيؤدي لخلق جيل عربي غاضب    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو حول دعوتها للمشاركة في إدارة مدنية بغزة    مأ أبرز مكاسب فلسطين حال الحصول على عضوية الأمم المتحدة الكاملة؟    على طريقة القذافي.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة (فيديو)    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    الخارجية الفرنسية: ندعو إسرائيل إلى الوقف الفوري للعملية العسكرية في رفح    البحرين تدين اعتداء متطرفين إسرائيليين على مقر وكالة الأونروا بالقدس    هانيا الحمامى تعود.. تعرف على نتائج منافسات سيدات بطولة العالم للإسكواش 2024    أوباما: ثأر بركان؟ يحق لهم تحفيز أنفسهم بأي طريقة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    «كاف» يخطر الأهلي بقرار عاجل قبل مباراته مع الترجي التونسي (تفاصيل)    جاياردو بعد الخماسية: اللاعبون المتاحون أقل من المصابين في اتحاد جدة    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    ضبط المتهم بقتل صديقه وإلقائه وسط الزراعات بطنطا    أنهى حياته بسكين.. تحقيقات موسعة في العثور على جثة شخص داخل شقته بالطالبية    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    حار نهاراً.. ننشر درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت فى مصر    مصرع شخص واصابة 5 آخرين في حادث تصادم ب المنيا    غرق شاب في بحيرة وادي الريان ب الفيوم    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    «عشان ألفين جنيه في السنة نهد بلد بحالها».. عمرو أديب: «الموظفون لعنة مصر» (فيديو)    عمرو أديب عن مواعيد قطع الكهرباء: «أنا آسف.. أنا بقولكم الحقيقة» (فيديو)    حج 2024.. "السياحة" تُحذر من الكيانات الوهمية والتأشيرات المخالفة - تفاصيل    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    سيارة صدمته وهربت.. مصرع شخص على طريق "المشروع" بالمنوفية    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    حظك اليوم برج الجوزاء السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    تراجع أسعار النفط.. وبرنت يسجل 82.79 دولار للبرميل    محمد التاجى: اعانى من فتق وهعمل عملية جراحية غداً    الإبداع فى جامعة الأقصر.. الطلبة ينفذون تصميمات معبرة عن هوية مدينة إسنا.. وإنهاء تمثالى "الشيخ رفاعة الطهطاوى" و"الشيخ محمد عياد الطهطاوى" بكلية الألسن.. ومعرض عن تقاليد الإسلام فى روسيا.. صور    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    أخبار كفر الشيخ اليوم.. تقلبات جوية بطقس المحافظة    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لتعزيز صحة القلب.. تعرف على فوائد تناول شاي الشعير    مادلين طبر تكشف تطورات حالتها الصحية    شهادة من البنك الأهلي المصري تمنحك 5000 جنيه شهريا    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    نقاد: «السرب» يوثق ملحمة وطنية مهمة بأعلى التقنيات الفنية.. وأكد قدرة مصر على الثأر لأبنائها    "سويلم": الترتيب لإنشاء متحف ل "الري" بمبنى الوزارة في العاصمة الإدارية    آداب حلوان توجه تعليمات مهمة لطلاب الفرقة الثالثة قبل بدء الامتحانات    حسام موافي يكشف أخطر أنواع ثقب القلب    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    فضائل شهر ذي القعدة ولماذا سُمي بهذا الاسم.. 4 معلومات مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن العامة، الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة القادمة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    دعاء الجمعة للمتوفي .. «اللهم أنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهد علي الحرب‏(7)‏
بقلم : أحمد أبو الغيط
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 04 - 2010

علي مدي خمسين يوما ابتداء من‏5‏ أكتوبر وحتي‏25‏ نوفمبر‏1973,‏ سجل السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية يومياته وتجربته الشخصية كشاهد علي حرب أكتوبر‏. حيث كان يعمل ضمن فريق مستشار الأمن القومي المصري السيد محمد حافظ اسماعيل‏,‏ الذي كان مطلوبا منه وقتذاك أن يساعد الرئيس أنور السادات في إدارة الشق السياسي الدبلوماسي لضربة أكتوبر‏ ومنذ‏6‏ أكتوبر الماضي بدأ السيد أبو الغيط في نشر تلك اليوميات وتحليله لما جاء بها‏,‏ في شكل حلقات علي صفحات‏'‏ الأهرام‏'‏ قائلا‏:‏ ان هدفي من ذلك في عام‏73‏ كما هو الحال اليوم يتمثل في اطلاع أبناء بلدي علي مشاهداتي‏,‏ وسوف أتمسك وبالكامل بكل صدق الأمانة التي أحملها والتي سجلتها وبشرف الكلمة وبدقة القول والفكر‏.‏
هينرى كيسنجر
وفي الحلقة السابعة من شهادة أبو الغيط التي نعرضها اليوم يتطرق الي تفاصيل الأزمة الصعبة التي شهدها الأسبوع الأخير لحرب أكتوبر‏,‏ بعد وقوع الثغرة والاتصالات الامريكية السوفيتية مع مصر وإسرائيل وصولا لصدور قرار مجلس الأمن الشهير‏338‏ بوقف اطلاق النار‏.‏
الفريق سعد الدين الشاذلى
كنا نجلس سويا‏,‏ أحمد ماهر السيد وأنا سعت‏0200‏ من فجر‏21‏ أكتوبر في إحدي مناوباتنا المشتركة بالدور الأول لقصر عبد المنعم‏,‏ والذي كان يستخدم مقرا لمستشار الأمن القومي حافظ إسماعيل‏,‏ نتحدث بصوت خافت مراعاة لوجودنا بالقرب من حجرة نوم حافظ إسماعيل وكذلك السيد عبدالفتاح عبدالله وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء الذي كان مكلفا بحضور وتسجيل كل مقابلات واتصالات الرئيس‏'‏ السادات‏'‏ أثناء فترات العمل خلال النهار ولساعات طويلة بالليل‏.‏
وقد يتصور البعض عند حديثنا عن قصر عبد المنعم أننا نتناول قصرا كبيرا به عشرات الحجرات والقاعات‏...‏ وحقيقة الأمر أن هذا القصر أو هذه التسمية لم تكن سوي لفيلا صغيرة الحجم نسبيا إذ إن هذا الدور الذي كنا نجلس فيه سويا‏'‏ أحمد ماهر وأحمد أبو الغيط لم يكن سوي حجرة طعام أو ما يسمي صالة تطل عليها ثلاث حجرات صغيرة‏,‏ إحداها تستخدم كمكتب لمستشار الأمن القومي وحجرتا النوم مثلما سبق شرحه‏....‏ وكان يوجد علي حافة صالة الطعام مكتب صغير يوجد فوقه بعض أجهزة التليفون والاتصالات مع‏'‏ عابدين‏'...‏ المقر الرئيسي لرئاسة الجمهورية‏...‏ كما كان هناك‏'‏ بارافان‏'‏ أنيق يحجب الجالس علي مقعد المكتب عن بقية صالة الطعام‏...‏ كنا نتحدث‏'‏ ماهر‏'‏ و‏'‏أنا‏'...‏ نتناول الأخطار والتطورات القاتمة التي بدأت تفرض ثقلها علي هذه المواجهة الدموية‏...‏ والمعركة المستعرة شرق وغرب قناة السويس‏...‏ وكنت شخصيا قد بدأت أتبين‏.‏ علي الأقل قبل هذه اللحظة بحوالي‏48‏ ساعة الأوضاع الصعبة التي تسير إليها المعركة‏...‏ إذ كتبت في يومياتي التي كنت أسجلها كلما أتيحت لي الفرصة‏...‏ سعت‏0100‏ من فجر الجمعة‏19‏ أكتوبر‏...‏
أننا فقدنا المبادأة‏...‏ وأننا سوف ندفع الثمن بالتالي‏...‏ وأن حافظ إسماعيل رغم ذلك يبدو هادئا وواثقا من الموقف وذلك حتي سعت‏0500‏ من فجر يوم‏18‏ أكتوبر‏.‏ من الواضح الآن أن للعدو فعلا قوات كبيرة قادرة علي التعامل معنا في غرب البحيرات‏...‏ كما أن من الواضح أيضا أننا نتعامل معها بأسلوب غير قاطع‏...‏ يجب أن نضرب رأس الجسر الذي يهدد توازن قواتنا في الجبهة شرقها وغربها ثم نتحرك لضرب الاختراق بين الجيشين الثاني والثالث‏...‏ من المهم انتزاع المبادأة بالعمل الفعال النشط وإلا تدهور الموقف واضطررنا إما إلي سحب الجيش من سيناء أو تركه في وضع خطر بها‏.‏
وعند هذه النقطة من هذين المقالين السابع والثامن من سلسلة مقالات شاهد علي حرب أكتوبر‏...‏ يجب أن أنبه القارئ الكريم إلي عناصر أساسية في كل هذا الحديث وهي‏...‏ أنني وعندما كنت أكتب هذه اليوميات والتي تطرقت إليها وسردتها في كل هذه المقالات‏...‏ كنت أتابع وأدقق فيما يحدث وفيما أقرأ من تقارير عسكرية وسياسية‏...‏ إلا أن خلاصاتي كانت تتم في إطار ضبابية الحرب وعدم التيقن من أي شيء وعلما بأن هذه المعلومات والتقارير التي كانت تصل وترفع إلي مستشار الأمن القومي كانت تخضع للإيقاع السريع للمعركة وكثيرا ما جعلتها الأحداث علي ارض الواقع مجرد معلومات حول تطور العمليات ربما منذ ساعات سابقة‏...‏ أما النقطة الثانية التي آمل أن يعذرني القارئ بشأنها‏...‏ هي الاختلافات الشديدة ما بين التشاؤم الحاد‏...‏ والتفاؤل الحذر في متابعة هذه التطورات التي كانت تقع تحت ناظري‏...‏ إلا أن المؤكد أيضا أننا وإلي حد كبير‏...‏ كنا علي اطلاع بالتطورات وعواقبها الخطيرة علي مستقبل الحرب‏.‏
والعنصر الثالث والأخير الذي ينبغي الالتفات إليه دائما وعدم فقدان رؤيته إطلاقا‏...‏ أنه وبرغم كل صعوبات المعركة واللحظات القاتمة التي مرت بنا خلالها‏...‏ فإن هذا كله يجب ألا ينسينا أنه ومع نهاية الصدام المسلح فإن مصر نجحت في تحقيق كل أهداف هذا الصدام‏...‏ إذ فرضت علي الجيش الإسرائيلي الدخول في معركة ممتدة‏,‏ فقد فيها الكثير من قدراته العسكرية ولم يعد هو العنصر المهيمن علي الموقف مثلما كان الأمر بعد‏...67‏ كذلك فلقد انتهي الصدام ولدي مصر قدرات عسكرية كبيرة سواء في الشرق من القناة أو في الغرب منها‏...‏ كما كانت القوات الجوية المصرية نشطة وذات تأثير طوال المعركة وما بعدها‏...‏ وأخيرا تواجد القوات البحرية المصرية التي أغلقت مضيق باب المندب وفرضت علي إسرائيل عدم استخدام ميناء إيلات‏,‏ وبما أدي إلي إلغاء وتجميد التواجد الإسرائيلي في شرم الشيخ‏...‏ وأن القوات المصرية المسلحة وبعد تجربة الصدام المسلح مع إسرائيل‏,‏ وفي ضوء معنوياتها العالية‏,‏ أصبحت قادرة علي تكرار العمل العسكري مرة ومرات إذا ما لم تستجب إسرائيل لمنطق التسوية والانسحاب‏..‏
وفجأة وأثناء جلوسنا ماهر وأبو الغيط أطل علينا الدكتور أشرف مروان الذي كان وجهه عابسا ومتجهما‏...‏ وقال أرجو إيقاظ‏'‏ حافظ بك‏'‏ فورا‏...‏ ثم دخل حجرة المستشار وتحدث لبرهة معه وغادر بعدها فورا‏...‏ وخرج حافظ إسماعيل وكذلك الوزير عبد الفتاح عبد الله الذي تم إيقاظه هو الآخر‏...‏ ولاحظت أن مستشار الأمن القومي يهرول بالصالة الواسعة ثم درج القصر‏...‏ وهو لايزال يحاول ضبط ملبسه‏...‏ وذهب إلي لقاء‏'‏ الرئيس‏'‏ سعت‏0200‏ من فجر يوم الأحد‏21‏ أكتوبر‏.‏
ومرة أخري أعود إلي التفاعل مع أحداث وتطورات اليومين السابقين علي هذه اللحظة الفارقة‏...‏ إذ كتبت في يوميات الجمعة‏19‏ أكتوبر سعت‏1700:[‏ أن رأس جسر العدو به حوالي لواء مدرع‏100‏ دبابة‏]...(‏ وقد كشفت حقائق الأيام التالية والدراسات التي تمت بعد انتهاء القتال إن الجيش الإسرائيلي كان لديه بالغرب ما بين‏4/3‏ ألوية مدرعة‏).‏
وتتطرق اليوميات إلي تساؤلات حول حقيقة أهداف العدو وأكتب في حينه‏...‏
الهدف الإسرائيلي من كل هذا الجهد هو إما الحصول علي رأس جسر ولو صغير وانتظار وقف إطلاق النار‏...‏ أي أن إسرائيل لم تهزم في الصدام مع مصر‏...‏ أو أن تعمل علي محاولة تطويق الجيش الثاني إلي الشمال من البحيرات وحول مدينة الإسماعيلية‏...‏ وهذه عملية صعبة وتحتاج للكثير من الجهد ولا أعتقد أن لإسرائيل القدر الكبير والكافي من القوات لتحقيق ذلك الهدف
وعلي الجبهة الدبلوماسية جاء في اليوميات‏:‏
‏[‏أن المشاورات مع السوفيت كاسيجن وزيارته للقاهرة تضمنت بحث إمكانيات وقف إطلاق النار في المواقع التي بها الأطراف مع الحصول علي ضمانات من القوتين العظميين لضمان انسحاب إسرائيل من سيناء طبقا لمتطلبات القرار‏242...‏ وبسرعة‏...‏ وأن ما يفكر فيه حاليا حافظ إسماعيل‏...‏ هو كيفية تحقيق وقف إطلاق النار‏...‏ والفصل بين القوات وأوضاع رأس الجسر الإسرائيلي لدينا في الغرب‏...‏ وأسلوب التعامل معه سياسيا‏...‏ بالإضافة إلي مؤتمر السلام الذي كنا نطالب بانعقاده فور وقف إطلاق النار وأخيرا تشكيل قوة من الدولتين العظميين تكون مهمتها الفصل بين المتحاربين‏]...‏
وتضمنت اليوميات ولنفس اليوم‏...‏ الجمعة‏19‏ أكتوبر سعت‏1700:‏
‏[‏ أن محاولات إغلاق ثغرة الاختراق من شرق القناة في سيناء لم تنجح‏,‏ وانسحب اللواء مدرع‏25‏ من الجنوب إلي داخل رأس جسر الجيش الثالث‏...‏ وعناصر الفرقة‏21‏ المدرعة من الشمال في رأس كوبري الجيش الثاني وقد لحقتها خسائر جسيمة‏]...‏
ووضح في الكلمات والفقرات التالية التي سجلتها سعت‏0150‏ من يوم السبت‏20‏ أكتوبر أن التشاؤم قد سيطر علي ذهني إذ كتبت‏:‏
‏[‏مازال رأس الجسر الإسرائيلي نشيطا‏...‏ بدأت أشك في إمكانياتنا في ضربه‏,‏ وإذا ما لم ننجح في الساعات والأيام القليلة القادمة في ضربه والقضاء علي هذا التهديد الحقيقي لقواتنا فلن نحقق هدف الحرب ألا وهو تحقيق الانسحاب الكامل من خلال مفاوضات سياسية‏]...‏
ولعل هذه الكلمات التي نقلتها بكل الأمانة من اليوميات تؤشر إلي مدي القلق والتوتر الذي كنا جميعا نستشعره‏...‏ وهنا أجدها فرصة مناسبة أن أتطرق إلي حديث دار مع‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ ظهر الجمعة‏19‏ أكتوبر‏...‏ بعد أن غادر الكثيرون من أعضاء المناوبة القصر للصلاة في أحد المساجد القريبة وبقيت في المناوبة في الدور الأرضي للقصر‏...‏ وبقاعة كبيرة بها مائدة مستطيلة كبيرة كنا نستخدمها في اجتماعاتنا وكتاباتنا ظهر فجأة مستشار الأمن القومي مرتديا قميصا وبنطلونا وأخذ يتحدث حول الموقف‏...‏ ثم اقترب من الخريطة الكبيرة الموجودة علي حائط الغرفة أمام مائدة الاجتماعات‏...(‏ وهي خريطة كان ضابطا المخابرات العامة المتخصصان في المعلومات والتقديرات الخاصة بإسرائيل والمنضمان إلي هيئة المكتب يشرحان دائما عليها تطورات المعركة أخذا في الاعتبار خبرتهما العسكرية وحصولهما علي دورات عسكرية كثيرة مكنتهما من فهم وتحليل الموقف من ناحية والإبقاء علي اتصال مستمر مع المركز‏10‏ مقر القيادة العامة وجهاز المخابرات العامة من ناحية أخري لتأكيد المعلومات والتحقق منها‏...‏ ولا يفوتني هنا أيضا أن أشير إلي وجود المقدم‏'‏ زكريا عزمي‏'‏ ضابط المدرعات المعار من الحرس الجمهوري إلي سكرتارية الرئيس للمعلومات والمكلف بالعمل في نفس الوقت مع حافظ إسماعيل‏...‏ وكان مع ضابطي المخابرات يساهم في إطلاعنا علي التطورات وتحليلها وتبين أبعادها‏).‏
ووقف حافظ إسماعيل أمام الخريطة وأخذ يشرح أهمية أن تتبني القيادة العامة الحاجة لإنشاء‏...‏ وبشكل فوري‏...‏ قيادة مستقلة عن قيادتي الجيشين الثاني والثالث‏...‏ وتكون مسئوليتها التعامل المباشر مع الاختراق الإسرائيلي في غرب القناة وفي منطقة البحيرات‏...‏ وأوضح في مسار حديثه أن مثل هذه القيادة ستؤمن قدرة السيطرة علي القوات المتاحة لها‏...‏ ويجب أن تكون قوات قادرة‏...‏ وغير متنازع عليها بين قيادتي الجيشين‏...‏ وبذا يتاح للجيش أن يعمل بأسلوب وشكل يتيحان الاستخدام الأمثل والشامل للقوات وبعيدا عن ضياع المسئوليات والمهام بين أكثر من قيادة وقائد‏...‏ وأعتقد أن القيادة العامة‏,‏ وقد استقر وقف إطلاق النار في الفترة التالية وبدأت تعد لتصفية الجيب الإسرائيلي في الغرب‏,‏ قد أخذت فعلا برؤية مماثلة خلال نوفمبر أو ديسمبر‏73‏ عندما تم تكليف اللواء سعد مأمون بقيادة كل القوات والاحتياطيات المصرية التي وضعت تحت إمرته للقيام بالعملية‏'‏ شامل‏'‏ التي استهدفت تصفية الجيب الإسرائيلي في الغرب إذا ما لم تتحرك الأمور في اتجاه التسوية أو الانسحاب الإسرائيلي إلي شرق القناة‏.‏
وقد عكس حديث حافظ إسماعيل وشروحه أمامي في هذه اللحظات ليس فقط حكمته وفهمه لحقائق الوضع الذي يواجه الجيش ولكن أيضا القلق والتوتر الذي كان ينتابه عندئذ مثلنا جميعا‏,‏ علي مستقبل الوضع واحتمالاته‏,‏ إلا أن المؤكد أيضا أنه لم يغب عني النقد المغلف لما وصلت إليه الأمور عندما قال في مسار حديثه‏...‏ يجب أن يكون هناك أحد القيادات ذات الكفاءة التي يمكن أن تتحمل المسئولية‏...‏ وأن تتحرك علي الأرض وسط التهديد‏...‏ ولا يمكن أن تدار المعركة عن بعد‏...‏ ربما إشارة إلي وجود القيادة العامة في صحراء مصر الجديدة وليس علي مقربة من خط المواجهة وهي تقترب من مناطق الحساسية الخاصة في الإسماعيلية‏/‏ والسويس وعقد مواصلات الطرق في هذه المنطقة‏.‏ وقد يقال إن الفريق الشاذلي أوفد يوم‏18‏ أكتوبر إلي نطاق الجيش الثاني‏...‏ إلا أن ذلك تم بالتأكيد بمفهوم مختلف‏.‏
وبعد سنوات من هذا الحديث‏...‏ أقول إن هذا النقد الذي تحدث به حافظ إسماعيل كان يتسم بالكثير من الإحباط من جهة والحذر من عدم الظهور وكأنه ينتقد مفهوم إدارة المعركة من جهة أخري‏...‏ من هنا كان حديثه أمامي فقط‏...‏ وإن كان قد لوحظ أن كتابه أمن مصر القومي الصادر في عام‏...78‏ قد كشف الكثير من مكنون نفسه وأفكاره في هذه اللحظات الحالكة‏.‏ وتبقي نقطة أخيرة حول ما سميته حديث حجرة المؤتمرات إشارة حافظ إسماعيل ظهر ذلك اليوم الجمعة‏19‏ أكتوبر إلي عدم ارتياحه لعلاقات القائد العام أحمد إسماعيل‏...‏ مع رئيس الأركان‏...‏ الفريق الشاذلي وانعكاساتها علي أسلوب إدارة المعركة‏...‏ وهي إشارة كان الكثير من المتابعين للأمر يعلمون بصعوبات هذه العلاقة ليس مع بدء القتال أو الإعداد للمعركة أو حتي تطوير الهجوم ولكن مع أول صدام لهما عند وجودهما في الكونجو سويا عام‏...1960‏ عندما كان أحمد إسماعيل يشغل منصب المستشار العسكري للسفير المصري الدكتور‏'‏ مراد غالب‏'...‏ وكان‏'‏ الشاذلي‏'‏ يقود كتيبة المظلات المصرية التي تشارك في قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة‏...‏ وهو صدام ما كان يجب أن يقع حيث لم يكن لأي منهما صلة تنظيمية بالآخر‏...‏ أو هكذا كان يجب أن يكون‏...‏
وأتطرق الآن مرة أخري إلي عودة حافظ إسماعيل وعبد الفتاح عبد الله بعد فترة وجيزة من اللقاء مع الرئيس السادات في قصر الطاهرة وتكليفه لوكيل المخابرات العامة لكي يرسل إلي كسنجر رسالة عبر وكالة المخابرات المركزية بقبول مصر لوقف إطلاق النار علي الخطوط الحالية للطرفين‏...‏ وكان كسنجر قد وصل موسكو بدعوة من بريجنيف سكرتير عام الحزب الشيوعي السوفيتي وفي أعقاب عودة‏'‏ اليكسي كاسيجين‏',‏ رئيس الوزراء السوفيتي من القاهرة وتفاهمه مع الرئيس السادات علي عناصر تسوية الموقف من خلال وقف إطلاق النار وعقد المؤتمر الدولي وغير ذلك من نقاط سبق التعرض لها سابقا في المقالين الخامس والسادس اللذين نشرا في صحيفة الأهرام الغراء يومي‏5‏ و‏6‏ مارس‏.2010‏
وأجدني اليوم وبعد ما يقرب من‏37‏ عاما من الحرب استعيد هذه اللحظات بالغة الصعوبة عندما قام أحمد ماهر بكتابة الرسالة التي أملاها حافظ إسماعيل عليه لكي تلحق بكسنجر في موسكو‏...‏ ويدلف‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ بعدها مباشرة إلي حجرة نومه للراحة وقد وصلت الساعة إلي نحو سعت‏...0400‏ وبهدوء قمت و‏'‏أحمد ماهر‏'‏ بالنزول إلي الدور الأرضي للقصر وقد تركنا عضوا من سكرتارية المكتب يتابع التليفونات واحتمالات الاتصالات خلال هذه الساعات البكر من يوم‏21‏ أكتوبر‏...‏ وحاولنا الاسترخاء قليلا‏...‏ وصعب علينا ذلك‏...‏ وأخذنا نتناول الوضع الصعب بالحديث والتحليل خاصة أننا كنا نعلم الآن أننا في سباق مع الزمن‏...‏ إذ نحتاج لوقف لإطلاق النار ولكي نعمل علي بناء الاحتياطيات المطلوبة للاستمرار في المواجهة المسلحة وإنهاء الوجود الإسرائيلي في الغرب‏...‏ ولم ننم ليلتها‏...‏ وعلمت بعد سنوات وعند قراءتي لكتاب‏'‏ حافظ إسماعيل‏'...‏ أنه الآخر لم يستطع النوم‏...‏ لقد كانت ساعات ضاغطة علي النفس عكستها بدقة مشاعري وأحاسيسي سعت‏0815‏ من صباح الأحد‏21‏ أكتوبر‏...‏ مع وجود‏'‏ كسنجر‏'‏ في موسكو في مشاوراته مع القيادة السوفيتية للتوصل إلي رؤية مقبولة للقوتين العظميين يمكن من خلالها الاتفاق علي قرار بوقف إطلاق النار يصدر عن مجلس الأمن بأسرع وقت ممكن‏.‏ وجاء باليوميات في هذا اليوم‏.‏
‏[‏الرئيس كان قد قابل السفير السوفيتي بعد ظهر السبت‏20‏ أكتوبر حيث أبلغه أن القوات المسلحة المصرية مازالت تحاول ضرب رأس الجسر الإسرائيلي‏...‏ ثم طلب موافاة مصر بدبابات وبشكل فوري حيث تنهال علي إسرائيل مئات الدبابات الأمريكية‏...‏ كما أننا نحتاج إلي صواريخ م‏.‏د‏[‏ مالوتكا‏]‏ وهي التي أثبتت معارك الأسابيع الأخيرة فاعليتها وتأثيرها المدمر علي القوات المدرعة الإسرائيلية‏...‏ وأكد الرئيس أيضا في هذه المقابلة أن مصر تطلب اراييل بطاريات صواريخ لأن أغلب البطاريات متوقف‏...‏ وأنه أي الرئيس يرغب في تحقيق مفاجأة للعدو عن طريق إعادة تشغيل بطاريات الدفاع الجوي كلها فجأة‏]...‏
ويجب أن أعترف أيضا أنني وفي هذه اللحظات الصعبة كنت استشعر الكثير من الغضب من أسلوبنا في التعامل مع رأس الكوبري الإسرائيلي أو ما سمي بعد ذلك جيب الثغرة‏...‏ بالذات لما كشفته العمليات الإسرائيلية من استعداد كبير للمخاطرة بل والمغامرة‏...‏ والذي لم يكن مرجعه‏_‏ في تقديري‏-‏ حنكة عسكرية بقدر ما كان يستند إلي معلومات استطلاعية أمريكية كاملة عن مسرح العمليات علي الجانب المصري‏.‏ وبوصول طلائع الجسر الجوي للإمدادات الأمريكية لإسرائيل أصبح هذا المسرح معدا لهذا العبور الإسرائيلي المضاد‏.‏ إلا أنني يمكنني القول الآن أنني كنت ومازلت مقتنعا بأن هذه المغامرة وإقامة هذا الجيب الإسرائيلي في الغرب من القناة كان دائما قابلا للتحول إلي كارثة غير مسبوقة ضد إسرائيل إذا ما تمكنت مصر في الفترة التالية‏,‏ وبعد إعادة بناء الاحتياطات المصرية وبالإيقاع السريع الذي كان يجري عليه العمل‏,‏ بعمل عسكري جديد يضرب الجيب مثلما كان التخطيط يتم لذلك‏.‏ وعلي الجانب الآخر فإن أي صاحب اطلاع علي تطورات المعركة‏,‏ ممن له القدرة علي الحكم والمعرفة‏,‏ يستطيع التوصل إلي نتيجة مفادها أنه كان ينبغي التركيز علي الثغرة في الغرب منذ لحظتها الأولي وما كان يجب الاستهانة بها إطلاقا وما كان أسهل من تدمير كل قوات إسرائيل في الغرب في الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولي‏...‏ ما بين‏15‏ حتي‏19‏ أكتوبر‏...‏ وهنا تدق كلمات‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ أذني وعقلي عندما أشار إلي خلافات‏'‏ أحمد إسماعيل‏'‏ و‏'‏الشاذلي‏'‏ ونزاعهما في الكيفية التي يمكن بها معالجة الاختراق في شرق القناة وكذلك بدء وجود الجيب الإسرائيلي في الغرب منها‏...‏ وهي مسألة كانت مثار الكثير من التحليلات علي جانبي أصحابها‏...‏ من حيث نقل بعض الوحدات المدرعة من الشرق إلي الغرب من القناة لمعالجة الجيب أو الحفاظ علي وجود الجيشين الثاني والثالث وبكامل وحداته الأساسية في الشرق دون تعديل للأوضاع مع إدارة المعركة بما هو متاح من احتياطيات لدي القيادة العامة والجيشين غرب القناة‏.‏ وحقيقة الأمر وبكل الاقتناع الذي توصلت إليه ومنذ سنوات بعيدة فور انتهاء الصدام المسلح‏...‏ أن الرئيس‏'‏ السادات‏'‏ سلك النهج الأكثر شجاعة لمعالجة الموقف‏.‏ فلقد وضح له أن القوات الإسرائيلية بالثغرة أكبر كثيرا من أن تستطيع القوات المصرية التي تواجهها القضاء عليها في هذا التوقيت أو تلك الظروف‏...‏ كما أن التخفيف من الشرق والنقل إلي الغرب‏...‏ كان له أخطاره‏...‏ سواء في قدرة القوات علي الحفاظ علي رؤوس الكباري تحت الضغط الإسرائيلي في سيناء‏...‏ والإمداد الأمريكي الكبير إلي الجيش الإسرائيلي من خلال العريش‏...‏ أو غياب الاحتياطيات المصرية بالغرب في ضوء خسائرها من قبل قوات إسرائيلية أكبر في الجيب‏...‏ ومن ثم بزوغ احتمال الحاجة إلي انسحاب شامل إلي الغرب وإضاعة كل انجازات العبور‏...‏ بل والتسوية السياسية المرضية لنا‏.‏
من هنا‏...‏ أسرع الرئيس وبحكمة واقتدار إلي الموافقة علي ما طرحه السوفيت من وقف لإطلاق النار‏.‏ ومع ذلك كتبت في يوميات هذا اليوم السبت‏21‏ أكتوبر سعت‏1340'‏ أن شكل التسوية القادم مثلما أراها وفي ضوء المعارك الدائرة من ناحية وما تتحدث به المصادر الدولية والولايات المتحدة‏...‏ من ناحية أخري‏...‏ هي الانسحاب الإسرائيلي من سيناء علي مراحل وعلي مدي عام ونزع السلاح في شبه الجزيرة مع السماح لإسرائيل بالمرور في مضايق تيران وصنافير وحق العبور في قناة السويس مع انتهاء حالة الحرب والاعتراف بإسرائيل وتوقيع معاهدة سلام‏'.‏
وعلي مدي يوم‏21‏ أكتوبر كان القلق يعتصرنا‏...‏ وكنا نترقب مشاورات موسكو بين‏'‏ كسنجر‏'‏ والسوفيت الذين كان الرئيس قد أطلعهم علي موافقته المرسلة إلي‏'‏ كسنجر‏'‏ علي وقف إطلاق النار في نفس ليلة إرسال رسالة‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ إلي الوزير الأمريكي‏...‏ وتعكس الفقرة المقتبسة من كتاب‏'‏ حافظ إسماعيل‏'...‏ أمن مصر القومي‏...‏ صعوبة هذا اليوم وحيث كتب يقول‏'‏ ومن نافذة غرفتي المطلة علي حديقة القصر‏...‏ شهدت بعض مساعدي يتحاورون‏...‏ ولحقت بهم‏...‏ أتحدث إليهم‏,‏ وأستمع منهم‏.‏ فلم أكن أعرف تماما ماذا حدث حتي نتحرك بهذه السرعة نحو قبول وقف إطلاق النار‏...‏ غير المشروط بالانسحاب الإسرائيلي‏...‏ وانتابني شعور مبهم‏...‏ بالمأساة التي تواجهنا‏'...‏
وأقول اليوم‏...‏ أن الأيام التالية لهذا الحديث الذي شاركت و‏'‏أحمد ماهر السيد‏'...‏ وربما الدكتور‏'‏ عبد الهادي مخلوف‏'‏ فيه صبيحة‏21‏ أكتوبر‏...‏ كانت تحمل الرد الحاسم والتفسير الدقيق للحركة السريعة للرئيس‏'‏ السادات‏'‏ في الموافقة علي طلب القوتين العظميين وقف إطلاق النار‏...‏ إنقاذا للأهداف المصرية من الدخول في هذا الصدام المسلح التاريخي مع أمريكا وإسرائيل‏.‏
وجاءنا بعد ظهر يوم‏21‏ أكتوبر أن الطرفين الأمريكي والسوفيتي قد وافقا علي مشروع قرار سيتقدمان به إلي بقية أعضاء مجلس الأمن في نيويورك يقضي بمطالبة الأطراف المتحاربة بوقف إطلاق النار وبدء أعمال مؤتمر دولي للسلام وعقد محادثات بين طرفي النزاع لتنفيذ القرار‏242‏ لمجلس الأمن الصادر في عام‏67‏ تحت الإشراف المناسب‏.‏ وتناولت رسائل الطرفين الأمريكي والسوفيتي لمصر إشارة إلي الضمانات التي اتفقت القوتان العظميان علي إحاطة مشروعهما بها حتي يتم التنفيذ الفوري والكامل للقرار‏...242‏ كما حملت الرسائل السوفيتية إلي مصر في هذا السياق تأكيدات سوفيتية إضافية بتنفيذ وقف إطلاق النار‏...‏ وعقد مجلس الأمن علي عجل فجر يوم الأحد‏22‏ أكتوبر حيث أصدر قراره الشهير‏338‏ والذي تضمن‏:‏
دعوة جميع الأطراف المشاركة في القتال والأعمال العدائية الحالية إلي إيقاف إطلاق النار في خلال اثنتي عشرة ساعة في المواقع التي توجد فيها‏.‏
دعوة الأطراف إلي البدء فورا‏,‏ وفور وقف إطلاق النار‏,‏ بتنفيذ القرار‏242‏ بجميع أجزائه‏.‏
‏-‏البدء فورا وبالتزامن مع وقف إطلاق النار بالدخول في مفاوضات تحت إشراف مناسب بهدف إقامة سلام عادل ودائم بالشرق الأوسط‏.‏
وأخذت أحبس انفاسي انتظارا للحظة توقف القتال سعت‏1900‏ من مساء الأحد‏22‏ أكتوبر وأتابع التطورات والعمليات علي الأرض‏...‏ وأخذت استشعر بعض الهدوء بعد يومين بالغي الصعوبة‏...‏ خاصة وقد رصدت بعض التحسن في الأوضاع العسكرية أو هكذا تصورت‏...‏ إذ جاء في اليوميات سعت‏0150‏ من يوم الاثنين‏22‏ أكتوبر‏:‏
‏[‏أن الموقف العسكري تحسن نسبيا‏..‏ مدرعاتنا وقواتنا بغرب القناة تدفع بالعدو إلي رأس جسر ثابت يمكن بعد ذلك تصفيته‏...‏ أو هكذا قدرنا من تقارير المخابرات الحربية والاستطلاع التي كانت تصلنا كل عدة ساعات‏...‏ ستصلنا مائتي دبابة‏T62‏ ربما غدا أو بعد غد كما أن السوفيت نشطوا بالجسر الجوي للإمداد‏...‏ واستعادت بطاريات الصواريخ في قطاع الجيش الثاني كفاءتها‏...‏ كما أن هناك وعودا سوفيتية لموافاتنا بشكل عاجل بعدد‏85‏ مقاتلة ميج‏21]...‏
وكان هناك إشارة أيضا في تقرير للمخابرات الحربية أن الفرقة‏16‏ علي الحد الأيمن للجيش الثاني‏,‏ والتي تحملت صدمة الاختراق الإسرائيلي وبما أدي إلي انبعاج مواقعها‏,‏ ومعها الفرقة‏21‏ المدرعة والدفع بهما إلي شمال رأس الكوبري عدة كيلومترات‏...‏ أنها حققت ومعها اللواء المدرع‏14‏ من الفرقة‏21‏ بعض النجاح واستعادت بعض الأوضاع‏...‏ وأدت هذه التقارير وما ارتبط بها من ضبابية كاملة للموقف إلي محاولة البعض من هيئة مكتب مستشار الأمن القومي إلي محاولة إقناعه بأن قرار وقف إطلاق النار لا يجب احترامه أو الدفع نحو قبوله‏.‏ وتصور البعض أيضا أن القيادة السياسية والعسكرية لم ترصد وسط ضباب المعركة بأن الموقف ليس بهذه الصعوبة‏...‏ وبقيت علي اقتناعي بأن قبول وقف إطلاق النار هو النهج الأمثل في وجه غياب الاحتياطيات القادرة في حينه علي ضرب العدو في الغرب مع الاقتناع بأهمية استمرار الوجود الفاعل والنشيط والمؤثر في شرق القناة تحقيقا لتأمين تسوية سياسية ذات إيقاع عال خاصة أنني كنت أيضا علي اقتناع بأن الجيب الإسرائيلي في الغرب‏...‏ وإذا ما توافرت الاحتياطات وبسرعة‏..‏ سيمكن التعامل معه في فترة تالية إذا ما لم تتحرك الأمور سياسيا نحو تسوية سلمية‏,‏ خاصة أن السفير السوفيتي كان قد أكد للرئيس‏'‏ السادات‏'‏ سعت‏2230‏ من مساء الأحد‏21‏ أكتوبر عندما سلمه رسالة‏'‏ بريجنيف‏'‏ بالموقف الذي توصل إليه السوفيت والأمريكيون لوقف إطلاق النار‏...‏ وردا علي استفسار الرئيس‏...‏ بأن هناك ضمانات روسية‏/‏ أمريكية‏...‏ وأن مقر المؤتمر الدولي سيكون بالأمم المتحدة كما أن الطرفين السوفيتي‏/‏ والأمريكي يضمنان الانسحاب‏.‏
وكان لي حديث آخر مع مستشار الأمن القومي سعت‏1300‏ من يوم الاثنين‏22‏ أكتوبر وقبل دخول وقف إطلاق النار حيز النفاذ‏...‏ أشار فيه‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ إلي تقديره أن القتال‏...‏ ورغم صدور القرار خلال ساعات قادمة‏...‏ سيستمر علي الأرجح يومين آخرين‏...‏ وأن الأمر سيحتاج إلي قرار آخر‏.‏ ولا شك أن هذا الرأي كان يستند إلي خبرة كبيرة في التعامل مع إسرائيل وعدم التزامها إطلاقا بأي تعهدات تأخذها في حروبها ضد العرب خاصة أن التقدير الغالب عندئذ أن الوجود الإسرائيلي في غرب القناة له نقاط ضعفه وقصوره الشديد التي لا شك لا تغيب عن المصريين‏...‏ من وجهة النظر الإسرائيلية‏.‏ من ثم قدر‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ انهم سيحاولون توسيع حدود الجيب وربما توسيع العمليات لكي تطول حصار أو تطويق الجيشين أو احدهما‏...‏ ومن جانبي رددت بأنه من الخطورة بمكان وقف إطلاق النار مع وجود إسرائيل في الغرب‏...‏ وأنه من الضروري التلكوء بعض الشئ لحين تصفية الجيب‏.‏ وكان من الواضح أنني مع غيري‏..‏ من المتابعين عن بعد من ميدان القتال ولكن عن قرب أيضا لتطورات المعركة‏...‏ لسنا في الصورة من الأخطار التي كان يراها الرئيس‏'‏ السادات‏'‏ أو أطلعه عليها المشير أحمد إسماعيل علي وزير الحربية عندئذ والتي تناولتها بإيجاز في مقالي الأخير المنشور يوم‏6‏ مارس‏.2010‏
واقترب الآن من لحظة فارقة أخري تتناول مسئوليات حافظ إسماعيل ودوره في هذه الساعات الحساسة‏...‏ وكنت قد تطرقت إليها عرضا في مقالي يوم‏27‏ أكتوبر بالأهرام عندما ألمحت إلي انزواء دور حافظ إسماعيل‏.‏
شاهد علي الحرب
الحلقة الثامنةمن مذكرات وزير الخارجية السبت المقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.