أنباء عن إطلاق المضادات الجوية من شرقي مدينة أصفهان | فيديو    مسؤول أمريكي: إسرائيل شنت ضربات جوية داخل إيران | فيديو    "ليست أول فرصة يهدرها في حياته".. كلوب يعلق على الانتقادات ضد صلاح    محمد بركات يطمئن جماهير الأهلي قبل موقعة مازيمبي    ملف رياضة مصراوي.. ليفربول يودع الدوري الأوروبي.. أزمة شوبير وأحمد سليمان.. وإصابة محمد شكري    كمامة ومفيش خروج.. ظواهر جوية تتعرض لها مصر الأيام المقبلة    هدي الإتربي: أحمد السقا وشه حلو على كل اللى بيشتغل معاه    رانيا هاشم تقدم حلقة خاصة من داخل العاصمة الإدارية الجديدة في "بصراحة"    الهلال الأحمر الفلسطيني: نقل إصابة ثانية من مخيم نور شمس جراء اعتداء قوات الاحتلال    مجلس الوزراء يحسم الجدل حول حقيقة وجود عرض استثمارى جديد ل«رأس جميلة»    أسعار العملات الأجنبية اليوم الجمعة.. آخر تحديث لسعر الدولار عند هذا الرقم    عز بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 إبريل بالمصانع والأسواق    صدمة .. إصابة أحد صفقات الأهلي في الميركاتو الصيفي    هدف قاتل يحقق رقما تاريخيا جديدا في سجل باير ليفركوزن    مواعيد أهم مباريات اليوم الجمعة 19- 4- 2024 في جميع البطولات    وعد وهنوفي بيه، الحكومة تحدد موعد إنهاء تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    3 ليال .. تحويلات مرورية بشارع التسعين الجنوبي بالقاهرة الجديدة    محمود التهامي يحيي الليلة الختامية لمولد أبو الإخلاص الزرقاني بالإسكندرية (فيديو وصور)    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    شاهد.. نجوم الفن في افتتاح الدورة الثالثة ل مهرجان هوليود للفيلم العربي    سوزان نجم الدين تتصدر التريند بعد حلقتها مع إيمان الحصري.. ما القصة؟    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    البابا تواضروس خلال إطلاق وثيقة «مخاطر زواج الأقارب»: 10 آلاف مرض يسببه زواج الأقارب    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    أبو الغيط يأسف لاستخدام الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين بالأمم المتحدة    متحدث الحكومة: دعم إضافي للصناعات ذات المكون المحلي.. ونستهدف زيادة الصادرات 17% سنويا    «علاقة توكسيكو؟» باسم سمرة يكشف عن رأيه في علاقة كريستيانو وجورجينا (فيديو)    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    انطلاق برنامج لقاء الجمعة للأطفال بالمساجد الكبرى الجمعة    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    ظهور أسماك حية في مياه السيول بشوارع دبي (فيديو)    أول تعليق من حماس على الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    فيوتشر يرتقي للمركز الثامن في الدوري بالفوز على فاركو    خبير عسكري: هجوم إسرائيل على إيران في لبنان أو العراق لا يعتبر ردًا على طهران    تخفيض سعر الخبز السياحي بجنوب سيناء    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    برج الدلو.. حظك اليوم الجمعة 19 أبريل 2024 : يساء فهمك    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    النشرة الدينية.. هل يجوز تفويت صلاة الجمعة بسبب التعب؟.. وما هي أدعية شهر شوال المستحبة؟    جريمة ثاني أيام العيد.. حكاية مقتل بائع كبدة بسبب 10 جنيهات في السلام    طريقة عمل الدجاج سويت اند ساور    طريقة عمل الكب كيك بالريد فيلفت، حلوى لذيذة لأطفالك بأقل التكاليف    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    بسبب أزمة نفسية.. فتاة تنهي حياتها بالحبة السامة بأوسيم    المشدد 5 سنوات لشقيقين ضربا آخرين بعصا حديدية بالبساتين    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    البيت الأبيض: واشنطن وتل أبيب تتفقان على الهدف المشترك بهزيمة حماس في رفح    محافظ الإسكندرية يفتتح أعمال تطوير "حديقة مسجد سيدى بشر"    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    ردد الآن.. دعاء الشفاء لنفسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد أبوالغيط يكتب : شاهد علي حرب أكتوبر


من نص يومياتي في 12 و13 أكتوبر
السادات يحذر أمريكا :
سنضرب المدنيين في إسرائيل إذا استمرت في ضرب المدنيين المصريين
مرة أخري، ونتيجة لأحاديث الكثير من الزملاء والأصدقاء الذين عاصروا حرب أكتوبر وعاشوا أيامها الصعبة وشاهدوا سنوات المحنة والعذاب التي مرت بنا نحن شباب مصر آنذاك، وفي ضوء عودة بعض الكتابات إلي تناول هذه الحرب ونتائجها، فقد رأيت أنه لا ضرر من أن أعود مرة أخري لكتابة مقال أو أكثر، أضيف فيها ما خفي أو غاب عن المقالين اللذين نشرتهما صحيفة الأهرام الموقرة في 6 و27 أكتوبر عام 2009 حول تجربتي مع مستشار الأمن القومي المصري محمد حافظ إسماعيل خلال فترة الإعداد للمواجهة المسلحة مع إسرائيل، ثم في إدارة الحرب نفسها في بعديها الدبلوماسي والعسكري، وأجدني اليوم أعود إلي تناول بعض جوانب هذه الأحداث.. إلا أنني يجب في إطار التعرض لهذه الأيام الرائعة والصعبة في الوقت نفسه أن أشدد علي نقطتين أساسيتين أري أهميتهما قبل أن أمضي في استعراض ما حدث خلال هذا الصدام التاريخي، وذلك من وجهة نظر متابع مدقق عايش تلك الأيام.. وهما:
أولا: أنني أكتب عن أحداث مضي عليها اليوم 37 عاما كنت خلالها أسجل الكثير من وقائعها في يوميات تسرد ما أرصد وأري، ثم أعقب علي ما أرصده وأراه لحظة بلحظة.. واليوم وبعد كل هذه الأعوام الطوال الممتدة، أعود إلي تقييم ما كتبته آنذاك مستخلصا النتائج التي رصدتها وقتها وكيف امتد تأثيرها علي مصر ورؤيتها للحرب وضروراتها اليوم. من نص يومياتي في 12 و 13 أكتوبر : السادات يحذر آمريكا : سنضرب المدنيين في إسرائيل إذا استمرت في ضرب المدنيين المصريين من هنا يجب أن أؤكد أنني أكتب تجربتي الشخصية وليس اعتمادا علي كتابات لشخصيات أخري قد تكون شاركت في هذه الأحداث بشكل أو آخر، كما أنني لا أكتب للرد علي هذا التقييم أو ذاك أو هذه القضية أو تلك، وأخيرا ليس لتناول الكتابات التي صدرت عن عسكريين أو مؤرخين دوليين أو إقليميين حاولوا تحليل هذه الحرب وهذا الصدام في مجمله أو شموليته أو حتي في تفاصيله الصغيرة والمتناهية، بل علي العكس قد يبدو أحيانا وكأنني أخالفهم الرأي.. إلا أن المؤكد أن ما أكتبه الآن يصدر عن مشاهدات مسجلة ومدققة في لحظة وقوع الحدث ومثلما عاصرته أو قرأته وتابعته.
وأقول هنا إنني سجلت هذه اليوميات ابتداء من يوم 5 أكتوبر الساعة 2130 وحتي الساعة 1700 من يوم 25 نوفمبر .1973 حينما توقفت تلك اليوميات التي حاولت خلالها أن أسجل وبإيجاز شديد ما كان يحدث في هذه الأيام الخمسين وهو الكثير، ولعلني أستشعر الندم اليوم، حيث كانت الأحداث تصنع أمامي، وربما كان يجب أن أسجل أكثر كثيرا مما سجلت بالفعل في حينه، إلا أن نهجي هذا انطلق من فكرة تبينتها في الكثير من قراءاتي ليوميات كتبتها في الماضي شخصيات عسكرية وسياسية ذات شأن، وبالذات خلال فترة صدام البشرية مع بعضها البعض في الحرب العالمية الثانية، شخصيات مثل هاينز هالدر رئيس أركان الجيش الألماني، أو الجنرال آلان بروك رئيس أركان الإمبراطورية البريطانية إبان هذه الحرب وغيرهما من الآخرين ذوي التأثير والسمعة الكبيرة.. وهي يوميات اتسمت بالإيجاز والدقة وحازت اهتمام المعلقين والاستراتيجيين الكبار، ولاتزال تنير للكثيرين من المهتمين بالشأن العسكري والاستراتيجي وتوليفة الدبلوماسية والحرب في مسألة صدامات القوي والشعوب الطريق نحو فهم فلسفة صدام القوة المتمثلة في الحرب كوسيلة لتحقيق أهداف الدول والمجتمعات.
أمانة الماضي ومسئولية الحاضر
وقد يتصور البعض أنني أسعي لكي أقارن نفسي بهؤلاء الكبار من القادة العسكريين أو الدبلوماسيين العظام في تاريخ البشرية ممن أبقوا علي يوميات كاشفة وهم كثيرون. إلا أن الحقيقة أن هدفي عندئذ في عام .73 كما هو الحال اليوم.. يتمثل في إطلاع أبناء بلدي علي مشاهداتي وبغض النظر عما كلفت به من مهام أو تبوأته من مناصب، وصلت بي إلي منصب وزير خارجية مصر، أكبر الدول العربية وإحدي أكثر القوي في الإقليم تأثيرا في شئونه وتطوراته. أما النقطة الثانية التي أبغي أن أشدد عليها؛ فهي تتعلق أيضا بالمهمة التي أتحملها اليوم، وهي مسئوليات وزير خارجية مصر الذي يضطلع بتنفيذ وتدبير شئون الدبلوماسية المصرية وصولا للنجاح في تحقيق سياسة خارجية قادرة ومؤثرة وبما يؤدي إلي تأمين وحماية المصالح المصرية الاستراتيجية والوطنية في إقليم يتوتر صباح مساء كل يوم من جراء وقوع هذا الحدث أو ذاك.. من هنا وفي هذا الإطار أجد أن من المهم أن أحرص علي عدم التطرق إلي مسائل قد تؤثر علي العلاقات اليوم مع أطراف أخري وربما بشكل سلبي لايجب السماح به.. وإن كنت من ناحية أخري سوف أتمسك وبالكامل بكل صدق الأمانة التي أحملها والتي سجلتها وبشرف الكلمة وبدقة القول والفكر.
والشاهد؛ أنه ومثلما سبق التحدث به في المقالين السابقين، فقد كنا جميعا.. العاملون مع حافظ إسماعيل.. نستشعر أن هناك شيئا كبيرا وخطيرا لاشك قادم.. وزاد هذا الشعور في ضوء وجود مؤشرات كثيرة كنت أرصدها بدقة وتحفز.
إلا أن أهم هذه الشواهد علي إحساس الاقتراب من الحرب، ما لاحظته يوما ما.. خلال شهر أغسطس 73 من وجود اسم العميد - عندئذ- طه المجدوب علي قائمة المقابلات اليومية لمستشار الأمن القومي، وتحت مسمي رئيس فرع الخطط بهيئة عمليات القوات المسلحة.. وقد رأيت في هذا اليوم.. هذا العسكري الصارم ذا البشرة السمراء والملامح المصرية الأصيلة وهو يسير في طريقه إلي مكتب حافظ إسماعيل قادما من هذا الممر الممتد في قصر عابدين بين مكاتب مستشار الأمن القومي ومكاتب سكرتارية الرئيس للمعلومات، التي كان يشغلها عندئذ الدكتور أشرف مروان.. وقد لاحظت وقتها - أو أعتقد أنني لاحظت - أنه كان يرتدي بزة الباتل درس الكاكي الغامقة وباريه الفرسان الأخضر اللون.
ولقد تكررت هذه الزيارة، ولمفاجأتي مرتين أخريين.. ولم نكن جميعا نعلم في مكتب حافظ إسماعيل- سوي الدكتور السفير عبدالهادي مخلوف مدير مكتب مستشار الأمن القومي - مغزي هذه الزيارات واللقاءات بين طه المجدوب وحافظ إسماعيل، إلا أنني يجب أن أعترف أنه وعندما أتيحت لي فرصة الاطلاع علي مستندات الحرب ووثائقها، الموجودة في هذه الخزانة الحديدية التي جاء ذكرها في مقالي السابقين.. أن طه المجدوب كان قد أوفد من قبل أحمد إسماعيل علي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية آنذاك لكي يطلع حافظ إسماعيل علي الإطار العام لخطة الحرب وأهدافها الاستراتيجية والتعبوية وإطارها الزمني المرغوب فيه.. وتقديري أن التعاون بين هذين الرجلين.. بل دعوني أقول العملاقين العسكريين.. كان دائما في أحسن صورة، وكانا يتبادلان الكثير من الأفكار والمقترحات وينفتحان علي بعضهما البعض دون أي حساسيات أو منافسات.. بل كان محركهما الأساسي هو الجيش وكيفية بناء قدراته وإمكانياته وتوفير كل ما هو متاح له لكي يخوض معركة قوية تعيد لمصر كرامتها وتحقق لها استعادة سيناء كهدف رئيسي يمكن أن يفتح الطريق لتسوية للمشكلة الفلسطينية. ويجب أن أقول أيضا في هذا المجال إن كلا من حافظ إسماعيل وأحمد إسماعيل علي كانا من العسكريين المصريين التقليديين الذين شاهدوا وعن قرب وهم صغار السن تجربة الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية المصرية.. ولاشك أنها أثرت فيهما كثيرا، سواء من حيث الفهم الدقيق لاستراتيجية الحرب واستخدام القوة المسلحة في إطارها الاستراتيجي العام أو تفاصيل وتكتيك استخدام القوات والأسلحة في المعركة المتكاملة العناصر وبالذات في الصحراء.. وهي المقدمة الضرورية والتدريب الأساسي لصقل قدراتهما في مواجهة إسرائيل، سواء في النقب أو سيناء، وكلاهما صحراء تفرض الاستفادة من دروس السابقين.
عسكرية مصرية محترفة
من هنا، لا شك أن قراءتهما لجميع عمليات شمال أفريقيا سواء علي الجانب البريطاني وتجربة الجيش الثامن بقيادة مونتجمري ومن سبقوه، أو العمليات علي الجانب الألماني مثلما مارسها فيلق شمال أفريقيا بفرقه الشهيرة وقيادته المتمرسة المتمثلة في أروين روميل.
بل ولعلي أضيف.. ويجب ألا أبدو هنا وكأنني أحد العسكريين يتحدث في هذه الأمور المتخصصة - أنهما فهما أيضا تأثيرات استخدام أسلحة محددة علي نتائج أي معركة.. مثل.. استخدام الدبابة.. باعتبارها سيدة معركة الصحراء.. أو المدفع المضاد للدبابات واستخدامه بكفاءة في الصحراء المكشوفة لكي يحد من سيادة أو تفوق الدبابة علي الأرض، وكذلك تأثير جندي المشاة الذي يتمسك وبعناد بمواقعه علي الأرض، وأخيرا الطائرة وتأثيرها المخيف علي إلحاق الخسائر بالقوات في تحركاتها المكشوفة.. ومن ثم أهمية الإخفاء والتمويه وغير ذلك من فنون كشفتها معارك شمال أفريقيا. وأعود إلي هذين الرجلين الكبيرين وأقول إنهما حصلا في سنوات الخمسينيات علي أعلي الدرجات العلمية سواء من بريطانيا.. كلية أركان الحرب في كمبرلي بإنجلترا وأكاديمية فرونزا بالاتحاد السوفيتي.
ومن هنا كان الاحترام والتقدير يجمعهما.. والفهم المشترك لقدرات الجيش وما يمكن أن يطلب منه تنفيذه وحدود إمكانياته.
بشائر ساعة الصفر
اطلعت بعد الحرب.. مثلما سبق أن أوضحت.. علي الخطة جرانيت 1 وجرانيت 2 في إطارها العام، التي كان طه المجدوب قد تركها أمانة لدي حافظ إسماعيل لكي يتحدث برأيه فيها مع القائد العام.. وأجدني أقف ولو لوهلة هنا وأقول إنني استغربت كثيرا أن يكون حافظ إسماعيل قد طرح ما تحدث به أمام اجتماع مجلس الأمن القومي المصري يوم 29 سبتمبر برئاسة الرئيس السادات واختلافه في الرؤية مع القائد العام أحمد إسماعيل، خاصة أن الوثائق الموجودة في مكتبه كانت تكشف الإطار العام للحرب وكيف ستدار عسكريا.. وأعلم من بعض وثيقي الصلة بالمشير أحمد إسماعيل أنه هو الآخر استغرب موقف ورؤية حافظ إسماعيل في هذا اليوم..إلا أن المؤكد أيضا أن ذلك الموقف لم يؤثر علي علاقتهما التي بقيت وطيدة حتي النهاية.
ويبقي القول في هذا السياق أنه ينبغي ألا أقصر مؤشرات الاتجاه نحو الحرب علي زيارة العميد طه المجدوب ولقائه بمستشار الأمن القومي.. بل كان هناك غيرها الكثير.. وفي مقدمتها كانت كثافة حديث الدبلوماسيين الغربيين مع سفراء مصر في العواصم المختلفة حول التحذير من العمل العسكري، وأنه يمكن أن يجر عليها عواقب وخيمة.. وكذلك أحاديث كبار المسئولين الروس الذين لم يكن لديهم اقتناع بأن لدي مصر قدرات وإمكانيات عسكرية أو أن لدي قادتها من العسكريين التأهيل اللازم للتعرض لإسرائيل في معركة ناجحة ذات إطار واسع أو شامل علي جميع امتدادات الجبهة في قناة السويس والبحرين الأبيض والأحمر.. وتقديري بطبيعة الحال.. كمصري أومن بقدرة بلادي وجيشها.. إننا كنا نختلف مع السوفييت هنا اختلافا شديدا وعميقا.. إذ إن المؤكد أنهم لم يتفهموا ضخامة وعمق الإساءة التي حلت بنا في عام ,67 ورغبتنا في الانتقام لشرف عسكريتنا وبلدنا.
كما أنهم وللأسف الشديد لم يتعلموا درس الحرب العالمية الثانية.. عندما نجحت قوات الجيش الأحمر السوفيتي.. سواء الجندي البسيط أو قائد التشكيل الرئيسي، بل والجيش.. أن الجيوش.. وتحت ضغط التحدي.. تستجيب وإذا ما استخدمت قدراتها بوعي وثاقب النظر، وتم تدريبها وتسليحها.. فهي تنطلق لتنفيذ المهمة مهما صعب الأمر علي الآخرين فهم الموقف. وأعود الآن لكي أستأنف متابعة ملامح ومؤشرات الاقتراب من الحرب، إذ إنه وعلي الجانب العسكري كنت أرصد خلال شهور صيف عام 73 كثافة محاولات الاستطلاع الإسرائيلي الجوي علي مستوي الجبهة أو العمق المصري، إذ كانت الكثير من تقارير المخابرات الحربية التي ترسل إلي سكرتارية الرئيس للمعلومات لإطلاعه والتي كان مستشار الأمن القومي يحصل دائما وكتعليمات مستديمة علي صورة منها تعكس الاهتمام الإسرائيلي بالتعرف، وبشكل مكثف وفي توقيتات متقاربة، علي تحركات القوات المصرية أو قياس ردود أفعالها تجاه مثل هذه الطلعات الجوية، وبالذات قواتنا الجوية.
معركة دبلوماسية
وفي مواجهة كل هذه المؤشرات كان هناك، علي الجانب الآخر، محاولات لإقناع مصر بمحاولة استكشاف احتمالات التوصل إلي حلول سلمية سياسية للموقف.. وكان تشاوتشيسكو رئيس رومانيا من بين هؤلاء القادة الذين يلوحون بإمكانياتهم في فتح قنوات اتصال مع جولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل في هذا الوقت.. كذلك الرئيس اليوغسلافي تيتو الذي كان الحصول علي دعمه لمثل هذه التحركات أمرا مطلوبا.
وفي وسط هذا الخضم من المناورات والاتصالات والتحركات.. كانت مصر تسعي لتوفير الأرضية المناسبة لتضييق الخناق علي إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة في مجلس الأمن وبشكل يجردهما من الكثير من الدعم الدولي الذي ستحتاج مصر لبنائه لصالحها إذا ما اضطرتها الظروف للدخول في المواجهة المسلحة. من هنا كان الاتجاه إلي عرض القضية - مرة أخري - أمام مجلس الأمن. وأتذكر في هذا الشأن أن حافظ إسماعيل، وحفاظا علي سرية أهداف التحرك المصري وأهدافه من طلب عقد مجلس الأمن، أوفدني في مهمة إلي باريس لليلة واحدة في شهر يوليو لكي أحمل إلي الدكتور الزيات وزير الخارجية وقتها توجيهات مكتوبة لما ينبغي التحرك في إطاره من أهداف، وذلك في ضوء معلومات إضافية كان لها حساسيتها، وصلت مصر بعد مغادرة الزيات القاهرة في طريقه إلي باريس ولندن لمشاورات مع وزراء الخارجية للبلدين استهدفت عزل الطرفين الإسرائيلي والأمريكي.
ودخلنا شهر أغسطس واستمر العمل والتحضير الدبلوماسي بكثافة شديدة وكأنها خلية نحل تعمل بإتقان للإعداد والترتيب. وصاحبت مستشار الأمن القومي والدكتور عبدالهادي مخلوف في زيارة لعدة أيام في النصف الثاني من أغسطس إلي كل من رومانيا ويوغوسلافيا، حيث التقينا بالرئيس تشاوتشيسكو في منتجع منجاليا علي البحر الأسود، وحيث شرح له حافظ إسماعيل رؤية الرئيس السادات واستعداده لبدء مفاوضات غير مباشرة أو مفاوضات عن قرب عبر رومانيا وسؤال عن تقييمه عما إذا كانت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير تملك من عناصر القوة والقدرة علي التفاوض وقبول الانسحاب من الأراضي المصرية والتحرك في اتجاه تسوية فلسطينية عادلة.. أم أنها تستمر تتمسك بهذه الأفكار التي تنكر وجود شعب فلسطين، الأمر الذي وصل بها يوما ما للقول علي نفسها نحن الفلسطينيون إنكارا لوجود هذا الشعب المناضل.. وتكررت الرسالة نفسها مع يوغوسلافيا والرئيس تيتو في منتجع آخر أكثر جمالا هو مدينة دوبروفنيك الكرواتية الرائعة. ووعد الجانبان بنقل الرسائل إلي إسرائيل.. وجاءت الردود باردة والتصريحات الإسرائيلية مليئة بالعجرفة.. ومضت مصر في طريق الحرب.. ومضي أغسطس بحرارته المعهودة وانشغال أهل مصر بصيف مليء بالتكهنات.. ورأيت من ناحيتي أننا نقترب من أيام ثقيلة وأنني أحتاج فعلا إلي عدة أيام لكي أعيد فيها شحن بطاريات جسدي وعقلي.. كما استشعرت أن هناك حاجة لكي أقضي عدة أيام مع زوجتي وابني الطفل كمال.. واستأذنت الدكتور مخلوف لإجازة قصيرة وسافرت إلي الإسكندرية.
وكعادتي كل صيف.. قمت بزيارة اللواء بحري فؤاد أبوذكري قائد القوات البحرية في منزله بمنطقة العجمي وتربطني به صلة قرابة وثيقة.. حيث جلسنا نتحدث.. وهنا أجد لزاما أن أشرح ولو بإيجاز شديد شكل هذه العلاقة التي تجمع دبلوماسيا صغير السن - ثلاثون عاما وقتها - وقائدا للبحرية المصرية لمرتين.. إحداهما ما بين 67 - 69 والأخري بين عامي 72 -74.. إذ أنه كان يعلم باهتمامي الشديد الذي يقرب من الولع بدراسة التاريخ العسكري والاستراتيجية الحربية وشخصيات التاريخ والقادة.. وهو علي الجانب الآخر يقرب من كونه مؤرخا بحريا.. ولا شك أن دراسته في بريطانيا وإتقانه اللغة الإنجليزية سهلت عليه الاطلاع علي الكثير.
سنضربهم بعنف
ومن هنا كانت مناقشاتنا مثرية جدا.. وكان يتحدث دائما معي بكل الجدية والوضوح.. وأقول في مسار حديثي معه في ذلك اليوم أنني تطرقت إلي ما أرصده من مؤشرات وما أراه من ملامح من اقتراب شيء ما كبير، خاصة وقد وضح أيضا أن الأيام الأولي من سبتمبر 73 بدأت تشهد توترات بين إسرائيل وسوريا.. وعقب فؤاد أبوذكري بقوله، ولاحظت هنا أنه يتحدث بتحفظ شديد: إننا سوف نقطع أوصال اتصالاتهم وخطوطهم البحرية وسنضربهم بعنف.. وسنربك خططهم ونلقنهم درسا.. وتصورت رغم معرفتي الوثيقة به.. أنه يتحدث من منطلق وطنيته وحبه لبلاده، ولم أتبين ما كان يقصده إلا بعد بدء الحرب وانكشاف تواجد الوحدات البحرية المصرية في مدخل باب المندب وعلي سواحل اليمن ولكي تصل الرسالة إلي إسرائيل.. بأن سيطرتها علي مضيق شرم الشيخ أو تيران وصنافير لا يجديها نفعا، وأننا نستطيع أن نغلق عليها البحر الأحمر ونمنع وصول سفنه إلي ميناء إيلات.
ويجب هنا ألا أترك هذه المناسبة دون أن أعبر عن عميق الإعجاب بهذا الرجل الذي قاد البحرية المصرية باقتدار في ظروف بالغة الصعوبة وأدار معاركها بحنكة وحذر حقق من خلالهما الكثير من النتائج التي كان لها تأثيرها علي المعركة، وبخاصة في ختامها. وأقول مرة أخري إن فؤاد أبوذكري كان مطلعا اطلاعا واسعا علي الاستراتيجيات والمعارك البحرية وبالذات تاريخي الحرب العالمية الأولي والثانية، وكثيرا علي مدي السنوات ما ذهبت إليه شارحا رؤية أو تفصيل متعلق بقراءتي لمقال هنا أو كتاب هناك يتناول المسائل البحرية ومعاركها المختلفة، وكان دائما علي اطلاع واسع ومتخصص ليس فقط كضابط بحري ولكن أيضا كمؤرخ متعمق في جميع جوانب التاريخ الحربي البحري..
ومضينا فؤاد أبوذكري وأنا، نتحدث في منزله الساحلي.. وإذ يذاع في الراديو أن اشتباكا جويا قد وقع في هذا اليوم بين سوريا وإسرائيل، وقالت إسرائيل أنها أسقطت ثلاث عشرة طائرة ميج سورية، وفوجئ ذكري.. بل وظهر عليه الكثير من القلق، خاصة أننا كنا قد انتهينا لتونا من التحدث حول لقاءات مصرية - سورية علي مستوي القائد العام والقيادات المصرية للقوات المسلحة مع قرنائهم في سوريا بمدينة الإسكندرية.. لقاءات كنت أعلم بها.. وأن فؤاد أبوذكري كان يشارك فيها وأسرع يجري اتصالاته التليفونية مع حجرة عمليات البحرية ثم مع عمليات القوات المسلحة.. ويعود واجما لما علمه من أن هذه الأخبار الإسرائيلية في الغالب صحيحة.. وظهر لي بعد ذلك أن هذا القلق العميق لم يقتصر علي فؤاد أبوذكري، بل امتد إلي جميع قيادات القوات المسلحة التي كانت تعد لمعركة أكتوبر بمشاركة من سوريا التي اعتمدنا عليها لتوزيع جهد العدو وتشتيت قدراته بضربة من الشمال والجنوب.
وقد يتذكر القارئ الكريم أن المقالين السابقين والذي يجب أن أقول أيضا أن مجلة روزاليوسف قد قامت بنشرهما سويا.. تناول أحدهما بداية الحرب، والأربع والعشرين ساعة أو ربما الست وثلاثين ساعة الأولي من رصد الاقتراب المباشر من المعركة أو اليوم الأول لها.. ثم ثانيهما الذي عالج إشكالية وقف القتال وتحقيق أهداف الحرب مثلما حددها الرئيس السادات ونفذتها قيادة واعية وعاقلة للقوات المسلحة وجيش تم تدريبه علي المهمة ومتطلباتها علي مدي أكثر من ستة أعوام.
بدايات الحرب
وفي مقال اليوم أتطلع إلي تغطية بقية أيام الأسبوع الأول من الحرب وما وقع خلالها من أزمة أو أزمات كثيرا ما تقع خلال الحروب والصدامات المسلحة وتكشف في الحقيقة مدي عمق وتصميم القائمين علي الحرب أو فقدانهم لعناصر فهمها وبكل تداعياتها نصرا أو خسرانا.
والشاهد، فقد كان يوم الاثنين 8 أكتوبر يوما - طبقا ليومياتي - يتسم باستمرار انسياب الحشد المصري إلي سيناء.. ووصل عمق القوات في بعض مناطق رؤوس الكباري الخمسة 15 كيلومترا، ونجحت هذه الفرق الخمس في توحيد مواقعها في رأسي كوبري للجيشين الثالث بالجنوب والثاني بالشمال.. ورصدت في هذا اليوم وحسب تقارير المخابرات الحربية.. أن القوات الجوية المعادية مبعثرة المجهود علي جبهتنا.. كذا قدرتها علي الشوشرة الإلكترونية محدودة.. ووضح أن مصر قد قضت علي خط بارليف الذي وضع العدو فيه الكثير من ثقته. واستمر الجيش ينتظر الضربة الإسرائيلية المضادة.. التي لم تأت.. ولكن جاءت بدلها هجمات مضادة متفرقة ضربتها قواتنا محدثة بهم الكثير من الخسائر.
وعلي الجانب الآخر كان هناك مؤشرات بأن سوريا هي الأخري حققت نجاحات كبيرة في الجولان واقتربت قواتها المدرعة من الجليل الأعلي.. إلا أنه ظهر أيضا أن القوات الجوية الإسرائيلية تركز علي التصدي للتهديد السوري المباشر علي إسرائيل.. ووقعت خسائر كبيرة للغاية.. وبدأت مصادر سوفيتية تتحدث عن رغبة سورية في وقف القتال، وقد نجحت قواتها حتي تاريخه في هذا الصدام.. وسجلت في يومياتي ليوم الاثنين 8 أكتوبر الساعة 2330 أن سوريا تميل إلي وقف إطلاق النار ويردد السوفييت هذا في أكثر من عاصمة.. واستشعرت الكثير من القلق، بل والوجل لعواقب هذا الوضع إذا ما صح أو تحقق.. إذ إن إسرائيل قد تقبل به وتركز بعد ذلك علي الجبهة المصرية.. وانهي متابعة اليوميات لهذا اليوم الاثنين 8 أكتوبر الساعة 2400 أن القيادة العسكرية السوفيتية تبلغنا.. من واقع متابعة تطورات القتال أن لديها قلقا من عدم وجود عمق كافٍ لرؤوس الكباري.. ويطمئنهم الرئيس السادات بأننا سنداوم تعميق هذه الكباري وتوحيدها في كبريين رئيسيين.. ثم يجيء يوم الثلاثاء 9 أكتوبر وأسجل في اليوميات.. الساعة 2000 أن هجمات العدو لاتزال متفرقة وغير قادرة علي إحداث أي اختراق لكبارينا.. كما أن الجهد الجوي المعادي لم يحقق منع استمرار تعزيز وتشوين المعدات والذخيرة للجيشين في سيناء.. ثم يأتي ذكر سوريا.. مرة أخري.. وتعكس معلومات السوفييت لنا.. وبقية مصادرنا الرسمية وغيرها.. أن إسرائيل قد فرضت علي الجيش السوري الانسحاب مرة أخري من الجولان وبخسائر فادحة.. وأن هذه القوات قد حاربت ببسالة منقطعة النظير.. وبالذات الوحدات المدرعة التي ألحق بها خسائر فادحة.. وعلي الجانب الآخر بدأت القوات الإسرائيلية المدرعة والجوية نشاطا عاليا ضد الجبهة المصرية وفي محاولات إما لاختراق رؤوس الكباري.. وبالذات في القطاع الأوسط للجيش الثاني أو لفتح ثغرات في دفاعات بطاريات الصواريخ علي جانب القناة في الغرب.
الضغط علي سوريا
وتكشف اليوميات في هذه اللحظات الساعة 0200 من يوم 9 أكتوبر صعوبة الموقف والاقتراب من الأزمة.. إذ يعود الوزير عبدالفتاح عبدالله، وزير الدولة بمجلس الوزراء، والمصاحب للرئيس السادات في قصر الطاهرة والذي حضر وشارك في جميع مقابلات الرئيس مع السفراء وغيرهم.. يعود إلي قصر عبدالمنعم الحرية لكي يفرغ مجموعة المقابلات التي تمت خلال اليوم.. ويكلفني الدكتور عبدالهادي مخلوف.. مرة أخري.. بالإشراف علي موظف الآلة الكاتبة المناوب.. وحتي أساعده أيضا.. بالإضافة إلي الحفاظ علي سرية المضمون.. لفك طلاسم شفرة خط عبدالفتاح عبدالله الذي كان يصعب قراءته إلي حد كبير.. وأقول لقد فزعت من مضمون المحضر.. إذ كان يعكس رسالة من بريجينيف السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي والمسيطر علي القرار السوفيتي من خلال المكتب السياسي للحزب.. يقول فيها.. إن سوريا ترغب في التوصل إلي وقف فوري لإطلاق النار.. وأن بريجينيف يشجع هذا الاتجاه.. بل ويحث الرئيس السادات علي القبول به خشية استمرار العمل العسكري وتركيزه علي سوريا وصولا إلي دمشق بكل ما يعنيه ذلك من تهديد لمستقبل الوضع بالمنطقة والمصالح السوفيتية بالإقليم وفي علاقتها بالقوة العظمي الأخري.. ويجب أن أعترف هنا أن شعورا هائلا بالجذع داخلني لإحساسي بخطورة هذه الرسالة السوفيتية.. إلا أن رد الرئيس السادات كان حازما.. سوف تمضي مصر في المواجهة المسلحة حتي تحقق كامل الأهداف السياسية المصرية.. وأضفت في اليوميات.. في نفس هذه الفقرات الساعة ال 0200 من يوم الثلاثاء 9 أكتوبر.. الموقف مع سوريا تاريخي.. الرئيس يرسل مندوباً للتحدث مع الرئيس السوري بأهمية الاستمرار في المعركة مع التحول للدفاع وبهدف استنزاف العدو.. مع طلب المزيد من العتاد من السوفييت في إطار الإمداد العسكري.. وإشراك الجيش العراقي الذي يتحرك ببطء.
وأصل الآن وفي هذا الاستعراض ليوم الثلاثاء 9 أكتوبر... أي نهار هذا اليوم.. لكي أسجل الساعة 1830,. الموقف جيد / خسائر العدو مخيفة / صدت جميع الهجمات المضادة ضد قواتنا / العدو يستهلك قواته كأجزاء، وليس ككل متكامل... وهذا بسبب التسرع والرغبة في إحداث أثر علينا... من هنا خسائره / واللواء الإسرائيلي المدرع 190 مثال علي ذلك / أحمد إسماعيل يبلغ حافظ إسماعيل تليفونياً الساعة 1600 أن الألوية المدرعة الثلاثة الإسرائيلية في مواجهة قواتنا قد أصبحت غير قادرة علي القتال. ويقول حافظ إسماعيل أيضا إن الجيش سيتقدم مرة أخري بعد مرحلة إعادة تنظيم وترتيب أوضاع... الوقفة التعبوية الشهيرة التي دار حولها الكثير من الحديث واللغط، والتي قد أتطرق إليها في مقالات أخري، مستقبلاً. ولا يفوتني هنا أن أذكر واقعة خلال هذا اليوم الذي اتسمت كل أخباره علي الجبهة المصرية بالإيجابية... أن حافظ إسماعيل، وفي حديث لي معه في شرفة القصر في مساء هذا اليوم... أنه يستشعر الآن أنه يستطيع أن يلتقي وفوراً مع أي مسئول إسرائيلي وبالتحديد إيجال ألون صاحب الأفكار المختلفة للتسوية مع العرب... وفي أي مكان، إذ إن الجيش ضربهم وكشف حدود إمكانياتهم، والحقيقة فقد دهشت عندئذ لهذه الجرأة في التفكير والمبادرة.. إلا أن الحقيقة أن هذا الموقف كان يعكس تقديره الممتاز لأهداف العمل العسكري... واستخدام نجاحاته لتحقيق المزايا والأهداف السياسية المطلوبة.
أزمة الأسبوع الأول
وتقترب اليوميات من سعت 2000 من يوم الأربعاء 10 أكتوبر لكي تقول وبالحرف السوفييت يضغطون علي الرئيس لقبول وقف إطلاق النار/ الرئيس يرفض بحزم / احتد علي السفير السوفيتي وهدده بفضح الموقف السوفيتي / طلب منه أيضا أن يستمر السوفييت بالإمداد بالمعدات والجسور والآرايل المطلوبة لبطاريات الصواريخ.. وبجسر جوي عاجل، وإلا فإنه سوف يخرج للأمة بالحقيقة / .. من الواضح أن السوفييت يتعرضون لضغط أمريكي.. وهو لاشك مايخشاه أيضا الرئيس السادات.
وأصل في هذا الاستعراض للفقرة الحاسمة في هذا اليوم... وربما في أزمة الأسبوع الأول للحرب... عندما اتصل الرئيس السادات تليفونيا بالرئيس الأسد... وقد أوضح الرئيس السوري اقتناعه بأن موقف سوريا العسكري جيد للغاية وأنها صدت الاختراقات الإسرائيلية وأوقفتها، وقام الرئيس المصري بإبلاغ الرئيس السوري بالموقف من السوفييت، وتأتي بعد ذلك رسالة مندوب الرئيس إلي سوريا بعد حديثه مع السوريين، ويؤكد أنهم ماضون في الصدام.. وهنا يجب أن أعترف أن اليوميات تكشف ولأول مرة قلقي من الموقف السوفيتي، والكثير من الشكوك التي تموج في رؤوس القادة المصريين تجاه السوفييت.. وربما أيضا بعض القلق والتحسب من الرؤية السورية للحرب وأهدافها والحاجة القوية للتنسيق السياسي والعسكري بين الجانبين العربيين اللذين كانا يعملان باتساق عسكري، ولكن عن مبعده عن بعضهما البعض سياسيا. لقد حاول السوفييت إقناع الرئيس السادات بقبول وقف القتال.. وتقديري أنهم كانوا يخشون أن تستخدم الولايات المتحدة إمكانياتها كلها لدعم إسرائيل، وبشكل يحقق للأخيرة التفوق في المعركة وبما يؤثر تأثيراً سلبياً علي المصالح السوفيتية. وعندما رفض وبحزم... استشعروا الحاجة للحفاظ علي علاقتهم به مهما كانت تتصف بالتوتر أو عدم الثقة والشك... من هنا اتخذ القادة السوفييت قرارهم ببدء الإمداد للجيشين السوري والمصري وتعويض الخسائر وتلبية الاحتياجات... إلا أن المؤكد أن التصرفات السوفيتية تجاه الجيشين كانت تعكس تفضيل أحدهما علي الآخر أو علي الأقل الإحساس بالحاجة الضرورية لدعم أحدهما فوراً في مقابل تزويد الثاني - الجيش المصري - بما يطلبه، ولكن كأولوية ثانية.
وترصد يومياتي أن السوفييت وقد اتخذوا قرار الإمداد فقد حركوا بعض الوحدات المدرعة السوفيتية إلي ميناء أودسا لكي تسلم دباباتها إلي السفن السوفيتية للإبحار الفوري. وتقول معلوماتنا المؤكدة عندئذ أن السوفييت، وما بين الفترة من 8 إلي 11 أكتوبر أرسلوا أربعمائة دبابة سوفيتية وصلت اللاذقية في مساء يوم 11 أكتوبر وجري تفريغها فوراً لاستخدامها من قبل الجيش السوري الذي كان قد فقد الكثير منها.
وكان الملاحظ أيضا أن القوات الجوية الإسرائيلية ابتعدت في هذه الأيام عن ميناء اللاذقية ونتيجة لرسائل سوفيتية حادة بأن الهجوم علي أي من السفن السوفيتية في أثناء رحلتها إلي اللاذقية أو بداخل الميناء سيكون له عواقبه الخطيرة. وعلي الجانب الآخر انتظرت القوات المسلحة المصرية لحين وصول أعداد كبيرة من آرايل بطاريات الصواريخ التي كانت تدمرها إسرائيل بشكل كثيف لتعمية الدفاع الجوي المصري.. كما انتظرنا صواريخ الفولجا ذات المدي الأبعد للدفاع بها عن القوات في عمق سيناء، ولاشك أن صاحب فلسفة الهجوم المصري قد خطط أعمال الهجوم وتوقيتاته وإيقاعه بشكل يؤمن عدم خروج القوات البرية المصرية خارج مظلة دفاعات الصواريخ المضادة للطائرات.. كما أنه فضل عدم السماح باستهلاك القوات الجوية المصرية في صدامات مع إسرائيل قد تؤدي إلي تدميرها.. من هنا كانت أهمية الدفاع الجوي لكل فلسفة المعركة..
ومن هنا أيضا كانت اتصالات الرئيس السادات التي تكشفها مقابلاته مع السفير السوفييتي تركز علي هذا النوع من الإمداد تحديداً.. وأخذنا نقترب من لحظة تطوير الهجوم.. وهي مسألة كنا ننتظرها جميعا منذ الوثوب علي خط بارليف وتدميره وضرب الهجمات المضادة المتناثرة.. وكان البعض يستشعر تأخرنا فيها، وكان البعض الآخر يتفهم احتياجاتها لتأمين القوات بالكامل ضد الهجمات الجوية الإسرائيلية مثلما سبق القول.. لقد ركز الإسرائيليون علي سوريا في الأيام الأولي لتلقيهم الضربة الافتتاحية للمعركة.. وقدر البعض وكنت منهم أن هذا التصرف الإسرائيلي في التركيز علي سوريا أولاً يجافي المنطق.. إذ إن تجربة الحروب في مثل هذا النوع من الصدامات تفرض علي هؤلاء الذين يعملون علي خطوط داخلية أن يركزوا علي الطرف الأقوي والأكثر تأثيرا لهزيمته.. ثم التحول إلي الطرف الأضعف والأقل خطرا.. إلا أن المؤكد أيضا أن اقتراب المدرعات السورية من الجليل الأعلي فرض علي القيادة الإسرائيلية أن تركز علي مفهوم سوريا أولا.. ومن ثم ظهر هذا الوضع الخطر الذي تعرض له الجيش السوري.. وحدوث الاختراق الذي أدي إلي هذه الحساسية المفرطة لدي السوفييت.. ثم القيادة السورية.. وفرض أيضا علي مصر أن تتحرك في اتجاه التطوير ومحاولة إما الوصول إلي الممرات بسيناء أو مجرد السعي إلي التخفيف عن سوريا بعملية برية كبيرة من الجنوب علي الجبهة المصرية.. من هنا اقتربنا من الأزمة الثانية في الحرب.. وآمل أن تكون تلك محل مقال آخر قادم يتناول أيضا اتصالات الرئيس السادات الخارجية وكيف استمرت مصر في عملها الدبلوماسي النشط حتي مع استمرار صدام الدروع. وقد يكون من المناسب وقبل أن أختتم هذا المقال أن أتطرق إلي اليوميات في يومي الجمعة 12 والسبت 13 أكتوبر، حيث تعكس إلي حد كبير ما كنا نستشعره من حساسية الموقف.. وقد كتبت الساعة 150 يوم الجمعة بأن موقف سوريا العسكرية سيئ للغاية/ تقدمت مدرعات إسرائيل نحو دمشق في اختراق عمقه 5كم/ السوريون يهاجمون بعنف لرد الاختراق/ ماذا سيحدث إذا ما خرجت سوريا من المعركة/ سنستمر طبعا/ هل فقدنا المبادأة / ربما / مازلنا في انتظار الصواريخ الفولجا/ ويبلغنا السوفييت أنها ستصل اليوم أو غدا/.
من الواضح أن المعركة ستكون أطول كثيرا مما تصورت.. ربما خمسة عشر يوما أخري/ سيوجه الإسرائيليون جهدهم الأساسي قريبا ضدنا/ الرئيس يمارس ضغوطه علي أمريكا من خلال دول الخليج البترولية/ كذلك من خلال استمرار الحوار مع كسنجر عبر حافظ إسماعيل/ حذرنا الأمريكيين أننا سنضرب المدنيين في إسرائيل إذا ما استمرت في ضرب المدنيين المصريين/ هذا هو التحذير الثاني/ بدأ الجسر الجوي السوفييتي إلي مصر منذ الأمس/ هل سنلحق باستخدام الصواريخ الجديدة/ هل ستصلنا كميات معقولة لكي تكون مؤثرة/ أتمني/ وصلتنا معدات كباري إضافية/ أتصور أن العدو سيهاجمنا بحدة قريبا.. وسوف نرد عملياته ونهزمها ثم ننطلق تحت غطاء الصواريخ.. بل ربما ننطلق قريبا جدا قبل بدء هجوم العدو الكبير/ الموقف حساس.. لم يصل إلي كونه حرجا/ ربما بعد يومين/ أمامنا الآن ثلاث مجموعات قتال إسرائيلية/ المستشار حافظ إسماعيل متضايق وعصبي جدا بسبب الوضع السوري.
أما ما سجلته يوم السبت 13 أكتوبر في ساعاته الأولي فقد ركز علي سوريا، وحيث قلت الهجوم المضاد السوري نجح في وقف الاختراق الإسرائيلي/ الجميع متفائل.. سوف تنجح سوريا في رد الاختراق.
وإلي مقال آخر قادم بإذن الله يتناول الفترة من 14 إلي 28 أكتوبر .73
ينشر بالتزامن مع جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.