سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 13-8-2025 مع بداية التعاملات    وسائل إعلام: ترامب يحضر إنذارا لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي    نتنياهو: أنا في مهمة تاريخية وروحية ومرتبط بشدة برؤية إسرائيل الكبرى    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة بيراميدز والإسماعيلي بالدوري المصري    عباس شراقي: بحيرة سد النهضة تجاوزت مخزون العام الماضي    عاجل - استقرار سعر الدولار في البنوك المصرية الأربعاء 13 أغسطس 2025    نتنياهو: إيران لا تزال تمتلك 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب    وفد من حركة حماس يصل القاهرة لبحث تطورات غزة والضفة والقدس مع المسؤولين المصريين    الحوثيون يعلنون تنفيذ 4 عمليات عسكرية ضد إسرائيل    تراجع أسعار الذهب العالمي مع تزايد الآمال في خفض الفائدة الأمريكية    إن كيدهن عظيم، كولومبية تفضح أسطورة ريال مدريد على الهواء: رفضته لأنه لا يستحم    "يتعلق بمرض ابنته".. موقف إنساني من إمام عاشور تجاه أقدم عامل بنادي الزمالك    الجو نار «الزم بيتك».. طقس شديد الحرارة على أسوان اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    المتحدة تُطلق حملة توعية بمخاطر حوادث الطرق للحفاظ على الأرواح    خشب المسرح أخده ونزل، لحظة سقوط فنان أسباني شهير أثناء حفله في الأرجنتين (فيديو)    بكتيريا تؤدي إلى الموت.. الجبن الطري يحمل عدوى قاتلة وفرنسا تقرر سحبه من الأسواق    11 لقبًا يُزينون مسيرة حسام البدري التدريبية بعد التتويج مع أهلي طرابلس    مرشحو التحالف الوطني يحسمون مقاعد الفردي للشيوخ بالمنيا    ملف يلا كورة.. شكوى زيزو.. عقوبات الجولة الأولى.. وانتهاء أزمة وسام أبو علي    نيوكاسل الإنجليزي يعلن التعاقد مع لاعب ميلان الإيطالي    منتخب 20 سنة يختتم تدريباته لمواجهة المغرب وديًا    أسعار التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025    نتنياهو: بموافقة واشنطن أو بدونها كنا سننفذ ضرب إيران.. ولحسن الحظ ترامب متعاطف للغاية    انطلاق معرض أخبار اليوم للتعليم العالي برعاية رئيس الوزراء.. اليوم    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    محافظ المنيا يقرر تخفيض مجموع القبول بالثانوي العام والفني    4 أبراج تفتح لها أبواب الحظ والفرص الذهبية في أغسطس 2025.. تحولات مهنية وعاطفية غير مسبوقة    الشيخ رمضان عبد المعز: سيدنا إبراهيم قدوة في الرجاء وحسن الظن بالله    ما حكم الوضوء لمن يعاني عذرًا دائمًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    نشرة التوك شو| زيارة تاريخية للرئيس الأوغندي لمصر.. و"موسى" يهاجم مظاهرة أمام السفارة المصرية بدمشق    للحماية من هبوط الدورة الدموية.. أبرز أسباب انخفاض ضغط الدم    ممنوعة في الموجة الحارة.. مشروبات شهيرة تسبب الجفاف (احذر منها)    الدكتور حسين عبد الباسط قائماً بعمل عميد كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجنوب الوادي    أحمد مجدي: لدي مستحقات متأخرة في غزل المحلة وقد ألجأ للشكوى    الحماية المدنية بالغربية تسيطر على حريق هائل نشب بسيارة بالمحلة الكبرى    «حماس» تشيد بدور مصر الثابت في دعم القضية الفلسطينية    وزيرا خارجيتي السعودية والأردن يبحثان تطورات الأوضاع في غزة    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    فترة تحمل لك فرصًا كبيرة.. حظك اليوم برج الدلو 13 أغسطس    إبراهيم عيسى يٌشكك في نزاهة انتخابات مجلس الشيوخ: مسرحية (فيديو)    طريقة عمل شاورما اللحم فى البيت، أحلى وأوفر من الجاهزة    الصحة تشيد بالأطقم الطبية بمستشفيات الشرقية لنجاحها فى إجراء عمليات معقدة    محافظ القليوبية يكرم 3 سائقي لودر لإنقاذ مصنع أحذية من حريق بالخانكة    بداية أسبوع من التخبط المادي.. برج الجدي اليوم 13 أغسطس    سوق مولد العذراء مريم بدير درنكة.. بهجة شعبية تتجدد منذ آلاف السنين    أكرم القصاص: مصر أكبر طرف يدعم القضية الفلسطينية وتقوم بدور الوسيط بتوازن كبير    مصدر بهيئة قناة السويس ببورسعيد ينفي ما تم تداوله حول إغلاق كوبري النصر العائم    حبس 5 متهمين اقتحموا العناية المركزة بمستشفى دكرنس واعتدوا على الأطباء    متلبسًا بأسلحة نارية وحشيش.. ضبط تاجر مخدرات في طوخ    إخماد حريق نشب في محول كهرباء تابع لترام الإسكندرية    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025    البنك العربي الأفريقي الدولي يرفع حدود استخدام البطاقات الائتمانية والعملات الأجنبية للسفر والشراء    "الإسكان": منصة إلكترونية/لطلبات مواطني الإيجار القديم    للمرة الأولى.. كليات الطب البشري وحاسبات ضمن تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للنظام القديم «ضوابط الالتحاق»    كيف أستغفر ربنا من الغيبة والنميمة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوالغيط .. شاهد علي حرب أكتوبر

السوفييت لم يتفهموا عمق الإساءة التي حلت بنا في عام‏67‏ ورغبتنا في الانتقام .. ومقابلات المجدوب اليومية مع مستشار الأمن القومي جعلتنا نشعر باقتراب حرب أكتوبر مرة أخري‏,‏ ونتيجة لأحاديث الكثير من الزملاء والأصدقاء الذين عاصروا حرب أكتوبر وعاشوا أيامها الصعبة وشاهدوا سنوات المحنة والعذاب التي مرت بنا نحن شباب مصر آنذاك‏,‏ وفي ضوء عودة بعض الكتابات إلي تناول هذه الحرب ونتائجها‏, فقد رأيت أنه لا ضرر من أن أعود مرة أخري لكتابة مقال أو أكثر‏,‏ أضيف فيهما ما خفي أو غاب عن المقالين اللذين نشرتهما صحيفة الأهرام الموقرة في‏27,6‏ أكتوبر عام‏2009‏ حول تجربتي مع مستشار الأمن القومي المصري‏,'‏ محمد حافظ إسماعيل‏'‏ خلال فترة الإعداد للمواجهة المسلحة مع إسرائيل‏,‏ ثم في إدارة الحرب نفسها في بعديها الدبلوماسي والعسكري‏,‏ وأجدني اليوم أعود إلي تناول بعض جوانب هذه الأحداث‏....‏ إلا أنني يجب في إطار التعرض لهذه الأيام الرائعة والصعبة في نفس الوقت‏,‏ أن أشدد علي نقطتين أساسيتين أري أهميتهما قبل أن أمضي في استعراض ما حدث خلال هذا الصدام التاريخي وذلك من وجهة نظر متابع مدقق عايش تلك الأيام‏....‏ وهما‏:‏
أولا‏:‏ أنني أكتب عن أحداث مضي عليها اليوم‏37‏ عاما كنت خلالها أسجل الكثير من وقائعها في يوميات تسرد ما أرصد وأري‏,‏ ثم أعقب علي ما أرصده وأراه لحظة بلحظة‏....‏ واليوم وبعد كل هذه الأعوام الطوال الممتدة‏....‏ أعود إلي تقييم ما كتبته آنذاك مستخلصا النتائج التي رصدتها وقتها وكيف امتد تأثيرها علي مصر ورؤيتها للحرب وضروراتها اليوم‏.‏ من هناك يجب أن أؤكد أنني أكتب تجربتي الشخصية وليس اعتمادا علي كتابات لشخصيات أخري قد تكون شاركت في هذه الأحداث بشكل أو آخر‏....‏ كما أنني لا أكتب للرد علي هذا التقييم أو ذاك أو هذه القضية أو تلك‏...‏ وأخيرا ليس لتناول الكتابات التي صدرت عن عسكريين أو مؤرخين دوليين أو إقليميين حاولوا تحليل هذه الحرب وهذا الصدام في مجمله أو شموليته أو حتي في تفاصيله الصغيرة والمتناهية‏....‏ بل علي العكس قد يبدو أحيانا وكأنني أخالفهم الرأي‏...‏ إلا أن المؤكد أن ما أكتبه الآن يصدر عن مشاهدات مسجلة ومدققة في لحظة وقوع الحدث ومثلما عاصرته أو قرأته وتابعته‏.‏
وأقول هنا انني سجلت هذه اليوميات ابتداء من يوم‏5‏ أكتوبر سعت‏2130‏ وحتي سعت‏1700‏ من يوم‏25‏ نوفمبر‏1973‏ حينما توقفت تلك اليوميات التي حاولت خلالها أن أسجل وبإيجاز شديد ما كان يحدث في هذه الأيام الخمسين وهو الكثير‏.‏ ولعلني استشعر الندم اليوم حيث كانت الأحداث تصنع أمامي‏,‏ وربما كان يجب أن أسجل أكثر كثيرا مما سجلت بالفعل في حينه‏...‏ إلا أن نهجي هذا انطلق من فكرة تبينتها في الكثير من قراءاتي ليوميات كتبتها في الماضي شخصيات عسكرية وسياسية ذات شأن وبالذات خلال فترة صدام البشرية مع بعضها البعض في الحرب العالمية الثانية‏...‏ شخصيات مثل‏'‏ هاينز هالدر‏'‏ رئيس أركان الجيش الألماني‏,‏ أو الجنرال‏'‏ الآن بروك‏'‏ رئيس أركان الإمبراطورية البريطانية أبان هذه الحرب وغيرهم من الآخرين ذوي التأثير والسمعة الكبيرة‏...‏ وهي يوميات اتسمت بالإيجاز والدقة وحازت اهتمام المعلقين والاستراتيجيين الكبار ومازالت تنير للكثيرين من المهتمين بالشأن العسكري والاستراتيجي وتوليفة الدبلوماسية والحرب في مسألة صدامات القوي والشعوب الطريق نحو فهم فلسفة صدام القوة المتمثلة في الحرب كوسيلة لتحقيق أهداف الدول والمجتمعات‏.‏
وقد يتصور البعض أنني أسعي لكي أقارن نفسي بهؤلاء الكبار من القادة العسكريين أو الدبلوماسيين العظام في تاريخ البشرية ممن أبقوا علي يوميات كاشفة وهم كثيرون‏...‏
إلا أن الحقيقة أن هدفي عندئذ في عام‏73‏ كما هو الحال اليوم‏...‏ يتمثل في اطلاع أبناء بلدي علي مشاهداتي وبغض النظر عما كلفت به من مهام أو تبوأته من مناصب‏,‏ وصلت بي إلي منصب وزير خارجية مصر‏,‏ أكبر الدول العربية وإحدي أكثر القوي في الإقليم تأثيرا في شئونه وتطوراته‏.‏
أما النقطة الثانية التي أبغي أن أشدد عليها‏...‏ فهي تتعلق أيضا بالمهمة التي أتحملها اليوم‏,‏ وهي مسئوليات وزير خارجية مصر الذي يضطلع بتنفيذ وتدبير شئون الدبلوماسية المصرية وصولا للنجاح في تحقيق سياسة خارجية قادرة ومؤثرة وبما يؤدي إلي تأمين وحماية المصالح المصرية الاستراتيجية والوطنية في إقليم يتوتر صباح مساء كل يوم من جراء وقوع هذا الحدث أو ذاك‏.‏ من هنا وفي هذا الإطار أجد أن من المهم أن أحرص علي عدم التطرق إلي مسائل قد تؤثر علي العلاقات اليوم مع أطراف أخري وربما‏,‏ بشكل سلبي لا يجب السماح به‏...‏ وإن كنت من ناحية أخري سوف أتمسك وبالكامل بكل صدق الأمانة التي أحملها والتي سجلتها وبشرف الكلمة وبدقة القول والفكر‏....‏
والشاهد أنه ومثلما سبق التحدث به في المقالين السابقين‏...‏ فقد كنا جميعا‏...‏ العاملين مع‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ نستشعر أن هناك شيئا كبيرا وخطيرا لا شك قادم‏....‏ وزاد هذا الشعور في ضوء وجود مؤشرات كثيرة كنت أرصدها بدقة وتحفز‏....‏
إلا أن أهم هذه الشواهد علي إحساس الاقتراب من الحرب‏,‏ ما لاحظته يوما ما‏....‏ خلال شهر أغسطس‏73‏ من وجود اسم العميد‏'‏ عندئذ‏''‏ طه المجدوب‏'‏ علي قائمة المقابلات اليومية لمستشار الأمن القومي وتحت مسمي رئيس فرع الخطط بهيئة عمليات القوات المسلحة‏...‏ وقد رأيت في هذا اليوم‏...‏ هذا العسكري الصارم ذو البشرة السمراء والملامح المصرية الأصيلة وهو يسير في طريقه إلي مكتب‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ قادما من هذا الممر الممتد في قصر عابدين بين مكاتب مستشار الأمن القومي ومكاتب سكرتارية الرئيس للمعلومات والتي كان يشغلها عندئذ الدكتور‏'‏ أشرف مروان‏'....‏ وقد لاحظت وقتها‏-‏ أو أعتقد‏-‏ أنني لاحظت انه كان يرتدي بزه‏'‏ الباتل درس‏'‏ الكاكي الغامقة وبريه الفرسان الأخضر اللون‏...‏
ولقد تكررت هذه الزيارة‏,‏ ولمفاجأتي‏,‏ مرتين أخريين‏...‏ ولم نكن جميعا نعلم في مكتب‏'‏ حافظ إسماعيل‏'-‏ سوي‏'‏ الدكتور السفير عبد الهادي مخلوف‏'‏ مدير مكتب مستشار الأمن القومي‏-‏ مغزي هذه الزيارات واللقاءات بين‏'‏ طه المجدوب‏'‏ و‏'‏حافظ إسماعيل‏'...‏ إلا انني يجب أن اعترف أنه وعندما أتيحت لي فرصة الاطلاع علي مستندات الحرب ووثائقها‏,‏ الموجودة في هذه الخزانة الحديدية التي جاء ذكرها في مقالي السابقين‏...‏ أن‏'‏ طه المجدوب‏'‏ كان قد أوفد من قبل‏'‏ أحمد إسماعيل علي‏',‏ القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية آنذاك لكي يطلع‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ علي الإطار العام لخطة الحرب وأهدافها الإستراتيجية والتعبوية وإطارها الزمني المرغوب فيه‏...‏ وتقديري أن التعاون بين هذين الرجلين‏...‏ بل ودعوني أقول‏'‏ العملاقين العسكريين‏'‏ كان دائما في أحسن صورة وكانا يتبادلان الكثير من الأفكار والمقترحات وينفتحان علي بعضهما البعض دون أي حساسيات أو منافسات‏...‏ بل كان محركهما الاساسي هو الجيش وكيفية بناء قدراته وإمكانياته وتوفير كل ما هو متاح له لكي يخوض معركة قوية تعيد لمصر كرامتها وتحقق لها استعادة سيناء كهدف رئيسي يمكن أن يفتح الطريق لتسوية المشكلة الفلسطينية‏.‏ ويجب أن أقول أيضا في هذا المجال أن كلا من‏'‏ حافظ إسماعيل‏'...‏ و‏'‏أحمد إسماعيل علي‏'‏ كانا من العسكريين المصريين التقليديين الذين شاهدوا وعن قرب وهم صغار السن تجربة الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية المصرية‏...‏ ولا شك أنها اثرت فيهما كثيرا‏...‏ سواء من حيث الفهم الدقيق لاستراتيجية الحرب واستخدام القوة المسلحة في إطارها الاستراتيجي العام أو تفاصيل وتكتيك استخدام القوات والأسلحة في المعركة المتكاملة العناصر وبالذات في الصحراء‏...‏ وهي المقدمة الضرورية والتدريب الأساسي لصقل قدراتهما في مواجهة إسرائيل‏,‏ سواء في النقب أو سيناء وكلاهما صحراء تفرض الاستفادة من دروس السابقين‏....‏
من هنا لا شك أن قراءتهما لكل عمليات شمال أفريقيا سواء علي الجانب البريطاني وتجربة الجيش الثامن بقيادة‏'‏ مونتجمري‏'‏ ومن سبقوه أو العمليات علي الجانب الألماني مثلما مارسها فيلق شمال أفريقيا بفرقه الشهيرة وقيادته المتمرسة المتمثلة في‏'‏ اروين روميل‏'.‏
بل ولعلي أضيف‏...‏ ولا يجب أن أبدو هنا وكأنني احد العسكريين يتحدث في هذه الأمور المتخصصة‏...‏ أنهما فهما أيضا تأثيرات استخدام أسلحة محددة علي نتائج أي معركة‏...‏ مثل‏,....‏ استخدام الدبابة‏...‏ باعتبارها سيدة معركة الصحراء‏...‏ أو المدفع المضاد للدبابات واستخدامه بكفاءة في الصحراء المكشوفة لكي يحد من سيادة أو تفوق الدبابة علي الأرض‏...‏ وكذلك تأثير جندي المشاة الذي يتمسك وبعناد بمواقعه علي الأرض‏,‏ وأخيرا الطائرة وتأثيرها المخيف علي إلحاق الخسائر بالقوات في تحركاتها المكشوفة‏...‏ ومن ثم أهمية الإخفاء والتمويه وغير ذلك من فنون كشفتها معارك شمال أفريقيا‏.‏ وأعود إلي هذين الرجلين الكبيرين وأقول إنها حصلا في سنوات الخمسينات علي أعلي الدرجات العلمية سواء من بريطانيا‏...‏ كلية أركان الحرب في كمبرلي بانجلترا وأكاديمية‏'‏ فرونزا‏'‏ بالاتحاد السوفيتي‏.‏
من هنا كان الاحترام والتقدير يجمعهما‏...‏ والفهم المشترك لقدرات الجيش وما يمكن أن يطلب منه تنفيذه وحدود إمكانياته‏...‏
اطلعت بعد الحرب‏...‏ مثلما سبق وأن أوضحت‏...‏ علي الخطة جرانيت‏1‏ وجرانيت‏2‏ في إطارها العام والتي كان‏'‏ طه المجدوب‏'‏ قد تركها أمانة لدي‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ لكي يتحدث برأيه فيها مع القائد العام‏....‏ وأجدني أقف ولو لوهلة هنا وأقول انني استغربت كثيرا أن يكون‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ قد طرح ما تحدث به أمام اجتماع مجلس الأمن القومي المصري يوم‏29‏ سبتمبر برئاسة‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ واختلافه في الرؤية مع القائد العام‏'‏ أحمد إسماعيل‏'...‏ خاصة أن الوثائق الموجودة في مكتبه كانت تكشف الإطار العام للحرب وكيف ستدار عسكريا‏...‏ وأعلم من بعض وثيقي الصلة بالمشير‏'‏ أحمد إسماعيل‏'‏ أنه هو الآخر استغرب موقف ورؤية‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ في هذا اليوم‏...‏ إلا أن المؤكد أيضا أن ذلك الموقف لم يؤثر علي علاقتهما التي بقيت وطيدة حتي النهاية‏.‏
ويبقي القول في هذا السياق انه ينبغي ألا أقصر مؤشرات الاتجاه نحو الحرب علي زيارة العميد‏'‏ طه المجدوب‏'‏ ولقائه بمستشار الأمن القومي‏...‏ بل كان هناك غيرها الكثير‏...‏ وفي مقدمتها كانت كثافة حديث الدبلوماسيين الغربيين مع سفراء مصر في العواصم المختلفة حول التحذير من العمل العسكري وانه يمكن أن يجر عليها عواقب وخيمة‏...‏ وكذلك أحاديث كبار المسئولين الروس الذين لم يكن لديهم اقتناع بان لدي مصر قدرات وإمكانيات عسكرية أو أن لدي قادتها من العسكريين التأهيل اللازم للتعرض لإسرائيل في معركة ناجحة ذات إطار واسع أو شامل علي كل امتدادات الجبهة في قناة السويس والبحرين الأبيض والأحمر‏...‏ وتقديري بطبيعة الحال‏...‏ كمصري أؤمن بقدرة بلادي وجيشها‏...‏ أننا كنا نختلف مع السوفيت هنا اختلافا شديدا وعميقا‏...‏ إذ إن المؤكد أنهم لم يتفهموا ضخامة وعمق الإساءة التي حلت بنا في عام‏67‏ ورغبتنا في الانتقام لشرف عسكريتنا وبلدنا‏...‏
كما أنهم وللأسف الشديد لم يتعلموا درس الحرب العالمية الثانية‏...‏ عندما نجحت قوات الجيش الأحمر السوفيتي‏...‏ سواء الجندي البسيط أو قائد التشكيل الرئيسي‏,‏ بل والجيش‏...‏ أن الجيوش‏...‏ وتحت ضغط التحدي‏....‏ تستجيب وإذا ما استخدمت قدراتها بوعي وثاقب النظر‏...‏ وتم تدريبها وتسليحها‏...‏ فهي تنطلق لتنفيذ المهمة مهما صعب الأمر علي الآخرين فهم الموقف‏.‏ وأعود الآن لكي استأنف متابعة ملامح ومؤشرات الاقتراب من الحرب إذ إنه وعلي الجانب العسكري كنت أرصد خلال شهور صيف عام‏73‏ كثافة محاولات الاستطلاع الإسرائيلي الجوي علي مستوي الجبهة أو العمق المصري‏,‏ إذ كانت الكثير من تقارير المخابرات الحربية التي ترسل إلي سكرتارية الرئيس للمعلومات لإطلاعه والتي كان مستشار الأمن القومي يحصل دائما وكتعليمات مستديمة علي صورة منها تعكس الاهتمام الإسرئيلي بالتعرف‏,‏ وبشكل مكثف وفي توقيتات متقاربة‏,‏ علي تحركات القوات المصرية أو قياس ردود أفعالها تجاه مثل هذه الطلعات الجوية‏,‏ وبالذات قواتنا الجوية‏.‏
وفي مواجهة كل هذه المؤشرات كان هناك‏,‏ علي الجانب الآخر‏,‏ محاولات لإقناع مصر بمحاولة استكشاف احتمالات التوصل إلي حلول سلمية سياسية للموقف‏...‏ وكان‏'‏ تشاوتشيسكو‏'‏ رئيس رومانيا من بين هؤلاء القادة الذين يلوحون بإمكانياتهم في فتح قنوات اتصال مع‏'‏ جولدا مائير‏'‏ رئيسة وزراء إسرائيل في هذا الوقت‏....‏ كذلك الرئيس اليوغسلافي‏'‏ تيتو‏'‏ الذي كان الحصول علي دعمه لمثل هذه التحركات أمرا مطلوبا‏.‏
وفي وسط هذا الخضم من المناورات والاتصالات والتحركات‏...‏ كانت مصر تسعي لتوفير الأرضية المناسبة لتضييق الخناق علي إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة في مجلس الأمن وبشكل يجردهما من الكثير من الدعم الدولي الذي ستحتاج مصر لبنائه لصالحها‏.‏ إذا ما اضطرتها الظروف للدخول في المواجهة المسلحة‏.‏
من هنا كان الاتجاه إلي عرض القضية‏-‏ مرة أخري‏-‏ أمام مجلس الأمن‏.‏ وأتذكر في هذا الشأن أن‏'‏ حافظ إسماعيل‏',‏ وحفاظا علي سرية أهداف التحرك المصري وأهدافه من طلب عقد مجلس الأمن‏,‏ أوفدني في مهمة إلي باريس‏'‏ لليلة‏'‏ واحدة في شهر يوليو لكي أحمل إلي الدكتور‏'‏ الزيات‏'‏ وزير الخارجية وقتها توجيهات مكتوبة لما ينبغي التحرك في إطاره من أهداف وذلك في ضوء معلومات إضافية كان لها حساسيتها‏,‏ وصلت مصر بعد مغادرة‏'‏ الزيات‏'‏ القاهرة في طريقه إلي باريس ولندن لمشاورات مع وزراء الخارجية للبلدين استهدفت عزل الطرفين الإسرائيلي والأمريكي‏.‏
بقية المقال تنشر غدا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.