أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    تحرك برلماني ضد المخابز بسبب سعر رغيف العيش: تحذير شديد اللجهة    هل هناك خطة للانتهاء من تخفيف أحمال الكهرباء.. الحكومة توضح    الغرف التجارية تكشف مصير أسعار الدواجن والبيض الفترة المقبلة    قصف مدفعي إسرائيلي تزامنًا مع إطلاق نار كثيف في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    ملك الأردن يحذر من خطورة دخول المنطقة في دوامات عنف جديدة    ضرب وشتيمة.. مشاجرة عنيفة داخل برلمان أوروبي بسبب مشروع قانون    لحظات مرعبة.. تعرض كاهن للطعن على يد مجهول بكنيسة في سيدني |فيديو    تعليق محمد هنيدي على فوز الزمالك بلقاء القمة في الدوري الممتاز    عاصفة خماسينية.. بيان مهم بشأن الطقس غدا الأربعاء: «أحكموا غلق النوافذ»    مراجعات الثانوية العامة 2024.. راجع مادة التاريخ للصف الثالث الثانوي    فيلم السرب يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي بعد طرح البرومو    ننشر حصاد مديرية الصحة بالمنوفية خلال عيد الفطر | صور    الاتحاد المصري لطلاب صيدلة الإسكندرية يطلقون حملة للتبرع بالدم    رضا عبد العال يكشف مفاجأة مثيرة بعد خسارة الأهلي في القمة    الهلال ضد العين في دوري أبطال آسيا.. الموعد والقنوات الناقلة    «حلم جيل بأكمله».. لميس الحديدي عن رحيل شيرين سيف النصر    أحمد كريمة: من يتعاطى مسكرا ويرتكب جريمة يعاقب كغير السكران (فيديو)    خبير تحكيمي: كريم نيدفيد استحق بطاقة حمراء في مباراة القمة.. وهذا القرار أنقذ إبراهيم نور الدين من ورطة    عيار 21 الآن يسجل أعلى سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء في الصاغة بعد الارتفاع الجديد    وزير الخارجية الصيني: إيران قادرة على تجنيب المنطقة مزيدا من الاضطراب    خالد الصاوي: بختار أعمالى بعناية من خلال التعاون مع مخرجين وكتاب مميزين    كيلو اللحمة البلدي سيصل 350 جنيها.. ومتوقع تراجعها قيل عيد الأضحى| تفاصيل    مواقيت الصلاة في محافظات مصر اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    19 أبريل.. تامر حسني يحيي حفلاً غنائيًا في القاهرة الجديدة    جمارك مطار القاهرة تحرر 55 محضر تهرب جمركي خلال شهر مارس 2024    هل نقدم الساعة فى التوقيت الصيفي أم لا.. التفاصيل كاملة    بايدن يؤكد سعي واشنطن لتحقيق صفقة بشأن وقف إطلاق النار في غزة    إبراهيم نور الدين يكشف حقيقة اعتزاله التحكيم عقب مباراة الأهلى والزمالك    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها (فيديو)    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    إسكان البرلمان عن قانون التصالح الجديد: آليات مُبسطة وتسهيلات مالية لمعالجة مخالفات البناء    تفاصيل إعداد وزارة التعليم العالي محتوى جامعي تعليمي توعوي بخطورة الإنترنت    هيئة الدواء المصرية توجه نصائح مهمة لانقاص الوزن.. تعرف عليها    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    مع اقتراب عيد الأضحى.. الإفتاء توضح شروط الأضحية والعيوب الواجب تجنبها    الاستعلام عن صحة 4 أشخاص أصيبوا في انقلاب أتوبيس بأوسيم    طرح برومو فيلم السرب تمهيدا لعرضه قريبا    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    خبير تعليمي: عقد مراجعات نهائية للطلاب يعمل على استعادة المدرسة لدورها التربوي    رئيس مجلس إدارة «الأخبار»: ملف التعيينات مطروح مع «الوطنية للصحافة»    رئيس تحرير "الجمهورية": لا يمكن الاستغناء عن الأجيال الجديدة من الصحفيين.. فيديو    خطوات إضافة تابع في حساب المواطن 1445    رئيس تحرير «الأهرام»: لدينا حساب على «التيك توك» لمخاطبة هذه الشريحة.. فيديو    برج الجوزاء.. حظك اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024: انتبه لنفقاتك    ضبط شاب تعدى على شخص بسلاح أبيض فى بنى عبيد بالدقهلية    الإعدام لمتهم بقتل شخص بمركز أخميم فى سوهاج بسبب خلافات بينهما    اليوم.. فتح باب التقديم للمدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2024 / 2025    تكريم 600 من حفظة القرآن الكريم بقرية تزمنت الشرقية فى بنى سويف    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    اليوم.. جلسة النطق بالحكم على المتهمين بقتل سائق توك توك فى الدقهلية    بعد نحو عام من الصراع.. مؤتمر باريس يجمع 2 مليار يورو للسودان    نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني    لست البيت.. طريقة تحضير كيكة الطاسة الإسفنجية بالشوكولاتة    تعرف على جهود مستشفيات المنوفية في عيد الفطر    تجديد اعتماد المركز الدولي لتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس والقيادات بجامعة المنوفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمات الأسبوع الأخير: أصعب أيام الصدام المسلح مع إسرائيل


أحمد أبو الغيط يواصل شهادته الخطيرة
كنا نجلس سويا ، «أحمد ماهر السيد» و«أنا» سعت 0200 من فجر 21 أكتوبر فى إحدى مناوباتنا المشتركة بالدور الأول لقصر عبد المنعم ، والذى كان يستخدم مقرا لمستشار الأمن القومى «حافظ إسماعيل» ، نتحدث بصوت خافت مراعاة لوجودنا بالقرب من حجرة نوم «حافظ إسماعيل» وكذلك السيد «عبد الفتاح عبد الله» وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء الذى كان مكلفاً بحضور وتسجيل كل مقابلات واتصالات الرئيس «السادات» أثناء فترات العمل خلال النهار ولساعات طويلة بالليل. .
وقد يتصور البعض عند حديثنا عن قصر عبد المنعم أننا نتناول قصرا كبيرا به عشرات الحجرات والقاعات.. وحقيقة الأمر أن هذا القصر أو هذه التسمية لم تكن سوى لفيللا صغيرة الحجم نسبيا إذ أن هذا الدور الذى كنا نجلس فيه سويا - «أحمد ماهر» و«أحمد أبو الغيط» - لم يكن سوى حجرة طعام أو ما يسمى صالة تطل عليها ثلاث حجرات صغيرة ، تستخدم كمكتب لمستشار الأمن القومى وحجرتى النوم مثلما سبق شرحه.. وكان يوجد على حافة صالة الطعام مكتب صغير يوجد فوقه بعض أجهزة التليفون والاتصالات مع «عابدين».. المقر الرئيسى لرئاسة الجمهورية.. كما كان هناك «بارافان» أنيق يحجب الجالس على مقعد المكتب عن بقية صالة الطعام.
كان حديثنا نتحدث «ماهر» و«أنا».. يدور حول الأخطار والتطورات القاتمة التى بدأت تفرض ثقلها على هذه المواجهة الدموية.. والمعركة المستعرة شرق وغرب قناة السويس.. وكنت شخصيا قد بدأت أتبين.. على الأقل قبل هذه اللحظة بحوالى 48 ساعة الأوضاع الصعبة التى تسير إليها المعركة.. إذ كتبت فى يومياتى التى كنت أسجلها كلما أتيحت لى الفرصة.. سعت 0100 من فجر الجمعة 19 أكتوبر..
«إننا فقدنا المبادأة.. وإننا سوف ندفع الثمن بالتالى.. وأن «حافظ إسماعيل» رغم ذلك يبدو هادئا وواثقا من الموقف وذلك حتى سعت 0500 من فجر يوم 18 أكتوبر»، «من الواضح الآن أن للعدو فعلا قوات كبيرة قادرة على التعامل معنا فى غرب البحيرات.. كما أنه من الواضح أيضا أننا نتعامل معها بأسلوب غير قاطع.. يجب أن نضرب رأس الجسر الذى يهدد توازن قواتنا فى الجبهة شرقها وغربها ثم نتحرك لضرب الاختراق بين الجيشين الثانى والثالث.. من الهام انتزاع المبادأة بالعمل الفعال النشط وإلا تدهور الموقف واضطررنا.. إما لسحب الجيش من سيناء أو تركه فى وضع خطر بها»..
عند هذه النقطة .. يجب أن أنبه القارئ الكريم إلى عناصر أساسية فى كل هذا الحديث وهى.. أننى وعندما كنت أكتب هذه اليوميات والتى تطرقت إليها وسردتها فى كل هذه المقالات.. كنت أتابع وأدقق فيما يحدث وفيما أقرأ من تقارير عسكرية وسياسية.. إلا أن خلاصاتى كانت تتم فى إطار ضبابية الحرب وعدم التيقن من أى شىء ، وعلما بأن هذه المعلومات والتقارير التى كانت تصل وتُرفع إلى مستشار الأمن القومى كانت تخضع للإيقاع السريع للمعركة وكثيرا ما جعلتها الأحداث على أرض الواقع مجرد معلومات حول تطور العمليات ربما منذ ساعات سابقة.. أما النقطة الثانية التى أمل أن يعذرنى القارئ بشأنها.. هى الاختلافات الشديدة ما بين التشاؤم الحاد.. والتفاؤل الحذر فى متابعة هذه التطورات التى كانت تقع تحت ناظرى.. إلا أن المؤكد أيضا أننا وإلى حد كبير.. كنا على اطلاع بالتطورات وعواقبها الخطيرة على مستقبل الحرب.
والعنصر الثالث والأخير الذى ينبغى الالتفات إليه دائما وعدم فقدان رؤيته إطلاقا.. أنه ورغم كل صعوبات المعركة واللحظات القاتمة التى مرت بنا خلالها.. إلا أن هذا كله لا يجب أن ينسينا أنه ومع نهاية الصدام المسلح فإن مصر نجحت فى تحقيق كل أهداف هذا الصدام.. إذ فرضت على الجيش الإسرائيلى الدخول فى معركة ممتدة فقد فيها الكثير من قدراته العسكرية ولم يعد هو العنصر المهيمن على الموقف مثلما كان الأمر بعد ,67 كذلك فلقد انتهى الصدام ولدى مصر قدرات عسكرية كبيرة سواء فى الشرق من القناة أو فى الغرب منها.. كما كانت القوات الجوية المصرية نشطة وذات تأثير طوال المعركة وما بعدها. وأخيراً تواجد القوات البحرية المصرية التى أغلقت مضيق باب المندب وفرضت على إسرائيل عدم استخدام ميناء إيلات وبما أدى إلى إلغاء وتجميد التواجد الإسرائيلى فى شرم الشيخ.. وأن القوات المصرية المسلحة وبعد تجربة الصدام المسلح مع إسرائيل وفى ضوء معنوياتها العالية.. أصبحت قادرة على تكرار العمل العسكرى مرة ومرات إذا ما لم تستجب إسرائيل لمنطق التسوية والانسحاب. وفجأة وأثناء جلوسنا - «ماهر» و«أبوالغيط» - أطل علينا الدكتور «أشرف مروان» الذى كان وجهه عابساً ومتجهماً.. وقال أرجو إيقاظ «حافظ بك» فوراً.. ثم دخل حجرة المستشار وتحدث لبرهة معه وغادر بعدها فوراً.. وخرج «حافظ إسماعيل» وكذلك الوزير «عبدالفتاح عبدالله» الذى تم إيقاظه هو الآخر.. ولاحظت أن مستشار الأمن القومى يهرول بالصالة الواسعة ثم درج القصر.. وهو لايزال يحاول ضبط ملبسه.. وذهب إلى لقاء «الرئيس» سعت 0200 من فجر يوم الأحد 21 أكتوبر.
مرة أخرى أعود إلى التفاعل مع أحداث وتطورات اليومين السابقين على هذه اللحظة الفارقة.. إذ كتبت فى يوميات الجمعة 19 أكتوبر سعت 1700: «إن رأس جسر العدو به حوالى لواء مدرع 100 دبابة».. «وقد كشفت حقائق الأيام التالية والدراسات التى تمت بعد انتهاء القتال أن الجيش الإسرائيلى كان لديه بالغرب ما بين 4/3 ألوية مدرعة».
وتتطرق اليوميات إلى تساؤلات حول حقيقة أهداف العدو وأكتب فى حينه. الهدف الإسرائيلى من كل هذا الجهد هو إما الحصول على رأس جسر ولو صغير وانتظار وقف إطلاق النار.. أى أن إسرائيل لم تهزم فى الصدام مع مصر.. أو أن تعمل على محاولة تطويق الجيش الثانى إلى الشمال من البحيرات وحول مدينة الإسماعيلية.. وهذه عملية صعبة وتحتاج للكثير من الجهد ولا أعتقد أن لإسرائيل القدر الكبير والكافى من القوات لتحقيق ذلك الهدف. وعلى الجبهة الدبلوماسية جاء فى اليوميات:
إن المشاورات مع رئيس الوزراءالسوفييى - «كاسجين» وزيارته للقاهرة - تضمنت بحث إمكانيات وقف إطلاق النار فى المواقع التى بها الأطراف مع الحصول على ضمانات من القوتين الأعظم لضمان انسحاب إسرائيل من سيناء طبقاً لمتطلبات القرار ,242 وبسرعة.. وأن ما يفكر فيه حالياً «حافظ إسماعيل».. هو كيفية تحقيق وقف إطلاق النار.. والفصل بين القوات وأوضاع رأس الجسر الإسرائيلى لدينا فى الغرب.. وأسلوب التعامل معه سياسياً.. بالإضافة إلى مؤتمر السلام الذى كنا نطالب بانعقاده فور وقف إطلاق النار وأخيراً تشكيل قوة من الدولتين العظميين تكون مهمتها الفصل بين المتحاربين.
وتضمنت اليوميات ولنفس اليوم.. الجمعة 19 أكتوبر سعت 1700:
«إن محاولات إغلاق ثغرة الاختراق من شرق القناة فى سيناء لم تنجح، وانسحب اللواء مدرع 25 من الجنوب إلى داخل رأس جسر الجيش الثالث.. وعناصر الفرقة 21 المدرعة من الشمال فى رأس كوبرى الجيش الثانى ولقد لحقتها خسائر جسيمة».
ووضح فى الكلمات والفقرات التالية التى سجلتها سعت 0150 من يوم السبت 20 أكتوبر أن التشاؤم قد سيطر على ذهنى إذ كتبت:
«مازال رأس الجسر الإسرائيلى نشطاً.. بدأت أشك فى إمكانياتنا فى ضربه، وإذا ما لم ننجح فى الساعات والأيام القليلة القادمة فى ضربه والقضاء على هذا التهديد الحقيقى لقواتنا فلن نحقق هدف الحرب ألا وهو تحقيق الانسحاب الكامل من خلال مفاوضات سياسية».
ولعل هذه الكلمات التى نقلتها بكل أمانة من اليوميات تؤشر إلى مدى القلق والتوتر الذى كنا جميعاً نستشعره.. وهنا أجدها فرصة مناسبة أن أتطرق إلى حديث دار مع «حافظ إسماعيل» ظهر الجمعة 19 أكتوبر.. بعد أن غادر الكثيرون من أعضاء المناوبة القصر للصلاة فى أحد المساجد القريبة وبقيت فى المناوبة فى الدور الأرضى للقصر.. وبقاعة كبيرة بها مائدة مستطيلة كبيرة كنا نستخدمها فى اجتماعاتنا وكتاباتنا .
ظهر فجأة مستشار الأمن القومى مرتدياً قميصاً وبنطلوناً وأخذ يتحدث حول الموقف.. ثم اقترب من الخريطة الكبيرة الموجودة على حائط الغرفة أمام مائدة الاجتماعات.. «وهى خريطة كان ضابطا المخابرات العامة المتخصصان فى المعلومات والتقديرات الخاصة بإسرائيل والمنضمان إلى هيئة المكتب يشرحان دائماً عليها تطورات المعركة أخذًا فى الاعتبار خبرتهما العسكرية وحصولهما على دورات عسكرية كثيرة مكنتهما من فهم وتحليل الموقف من ناحية والإبقاء على اتصال مستمر مع المركز10- مقر القيادة العامة- وجهاز المخابرات العامة من ناحية أخرى لتأكيد المعلومات والتحقق منها.. ولا يفوتنى هنا أيضاً أن أشير إلى وجود المقدم «زكريا عزمى» ضابط المدرعات المعار من الحرس الجمهورى إلى سكرتارية الرئيس للمعلومات والمكلف بالعمل فى نفس الوقت مع «حافظ إسماعيل».. وكان مع ضابطى المخابرات يساهم فى إطلاعنا على التطورات وتحليلها وتبين أبعادها».
ووقف «حافظ إسماعيل» أمام الخريطة وأخذ يشرح أهمية أن تتبنى القيادة العامة الحاجة لإنشاء.. وبشكل فورى.. لقيادة مستقلة عن قيادتى الجيشين الثانى والثالث.. وتكون مسئوليتها التعامل المباشر مع الاختراق الإسرائيلى فى غرب القناة وفى منطقة البحيرات.. وأوضح فى مسار حديثه أن مثل هذه القيادة ستؤمن قدرة السيطرة على القوات المتاحة لها.. ويجب أن تكون قوات قادرة.. وغير متنازع عليها بين قيادتى الجيشين.. وبهذا يتاح للجيش أن يعمل بأسلوب وشكل يتيحان الاستخدام الأمثل والشامل للقوات وبعيداً عن ضياع المسئوليات والمهام بين أكثر من قيادة وقائد.. وأعتقد أن القيادة العامة، وقد استقر وقف إطلاق النار فى الفترة التالية وبدأت تعد لتصفية الجيب الإسرائيلى فى الغرب، قد أخذت فعلاً برؤية مماثلة خلال نوفمبر أو ديسمبر 73 عندما تم تكليف اللواء «سعد مأمون» بقيادة كل القوات والاحتياطيات المصرية التى وضعت تحت إمرته للقيام بالعملية «شامل» التى استهدفت تصفية الجيب الإسرائيلى فى الغرب إذا ما لم تتحرك الأمور فى اتجاه التسوية أو الانسحاب الإسرائيلى إلى شرق القناة.
عكس حديث «حافظ إسماعيل» وشروحه أمامى فى هذه اللحظات حكمته وفهمه لحقائق الوضع الذى يواجه الجيش كما عكس أيضاً القلق والتوتر اللذين كانا ينتاباه عندئذ مثلنا جميعاً، على مستقبل الوضع واحتمالاته، إلا أن المؤكد أيضاً أنه لم يغب عنى النقد المغلف لما وصلت إليه الأمور عندما قال فى مسار حديثه.. يجب أن يكون هناك أحد القيادات ذات الكفاءة التى يمكن أن تتحمل المسئولية.. وأن تتحرك على الأرض وسط التهديد.. ولا يمكن أن تدار المعركة عن بعد.. ربما إشارة إلى وجود القيادة العامة فى صحراء مصر الجديدة وليس على مقربة من خط المواجهة وهى تقترب من مناطق الحساسية الخاصة فى الإسماعيلية/ والسويس وعقد مواصلات الطرق فى هذه المنطقة، وقد يقال أن الفريق الشاذلى أوفد يوم 18 أكتوبر إلى نطاق الجيش الثانى.. إلا أن ذلك تم بالتأكيد بمفهوم مختلف.
وبعد سنوات من هذا الحديث.. أقول إن هذا النقد الذى تحدث به «حافظ إسماعيل» كان يتسم بالكثير من الإحباط من جهة والحذر من عدم الظهور وكأنه ينتقد مفهوم إدارة المعركة من جهة أخرى.. من هنا كان حديثه أمامى فقط.. وإن كان قد لوحظ أن كتابه «أمن مصر القومى» الصادر فى عام 1978,. قد كشف الكثير من مكنون نفسه وأفكاره فى هذه اللحظات الحالكة.
وتبقى نقطة أخيرة حول ما سميته «حديث حجرة المؤتمرات» إشارة حافظ إسماعيل ظهر ذلك اليوم- الجمعة 19 أكتوبر- إلى عدم ارتياحه لعلاقات القائد العام «أحمد إسماعيل».. مع رئيس الأركان.. الفريق «الشاذلى» وإنعكاساتها على أسلوب إدارة المعركة.. وهى إشارة كان الكثير من المتابعين للأمر يعلمون بصعوبات هذه العلاقة ليس مع بدء القتال أو الإعداد للمعركة أو حتى تطوير الهجوم ولكن مع أول صدام لهما عند وجودهما فى الكونجو سوياً عام 1960. عندما كان «أحمد إسماعيل» يشغل منصب المستشار العسكرى للسفير المصرى الدكتور «مراد غالب».. وكان «الشاذلى» يقود كتيبة المظلات المصرية التى تشارك فى قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.. وهو صدام ما كان يجب أن يقع حيث لم يكن لأى منهما صلة تنظيمية بالآخر.. أو هكذا كان يجب أن يكون.
أتطرق الآن- مرة أخرى- إلى عودة «حافظ إسماعيل» و«عبدالفتاح عبدالله» بعد فترة وجيزة من اللقاء مع الرئيس «السادات» فى قصر الطاهرة وتكليفه لوكيل المخابرات العامة لكى يرسل إلى «كيسنجر» رسالة عبر وكالة المخابرات المركزية بقبول مصر لوقف إطلاق النار على الخطوط الحالية للطرفين.. وكان «كيسنجر» قد وصل موسكو بدعوة من «بريجنيف» سكرتير عام الحزب الشيوعى السوفيتى وفى أعقاب عودة «إليكسى كاسيجين»، رئيس الوزراء السوفيتى من القاهرة وتفاهمه مع الرئيس «السادات» على عناصر تسوية الموقف من خلال وقف إطلاق النار وعقد المؤتمر الدولى وغير ذلك من نقاط سبق التعرض لها سابقاً فى المقالين الخامس والسادس اللذين نشرا فى صحيفة الأهرام الغراء يومى 5 و6 مارس .2010
وأجدنى اليوم وبعد ما يقرب من 37 عاماً من الحرب أستعيد هذه اللحظات بالغة الصعوبة عندما قام «أحمد ماهر» بكتابة الرسالة التى أملاها «حافظ إسماعيل» عليه لكى تلحق «بكيسنجر» فى موسكو.. ويدلف «حافظ إسماعيل» بعدها مباشرة إلى حجرة نومه للراحة وقد وصلت الساعة إلى حوالى سعت .0400 وبهدوء قمت و«أحمد ماهر» بالنزول إلى الدور الأرضى للقصر وقد تركنا عضو من سكرتارية المكتب يتابع التليفونات واحتمالات الاتصالات خلال هذه الساعات البكر من يوم 21 أكتوبر.. وحاولنا الاسترخاء قليلاً.. وصعب علينا ذلك.. وأخذنا نتناول الوضع الصعب بالحديث والتحليل وخاصة أننا كنا نعلم الآن أننا فى سباق مع الزمن.. إذ نحتاج لوقف لإطلاق النار ولكى نعمل على بناء الاحتياطيات المطلوبة للاستمرار فى المواجهة المسلحة وإنهاء التواجد الإسرائيلى فى الغرب.. ولم ننم ليلتها.. وعلمت بعد سنوات وعند قراءتى لكتاب «حافظ إسماعيل».. إنه الآخر لم يستطع النوم.. لقد كانت ساعات ضاغطة على النفس عكستها بدقة مشاعرى وأحاسيسى سعت 0815 من صباح الأحد 21 أكتوبر.. مع وجود «كيسنجر» فى موسكو فى مشاوراته مع القيادة السوفيتية للتوصل إلى رؤية مقبولة للقوتين العظميين يمكن من خلالها الاتفاق على قرار بوقف إطلاق النار يصدر عن مجلس الأمن بأسرع وقت ممكن. وجاء باليوميات فى هذا اليوم.
الرئيس كان قد قابل السفير السوفيتى بعد ظهر السبت 20 أكتوبر، حيث أبلغه أن القوات المسلحة المصرية لازالت تحاول ضرب رأس الجسر الإسرائيلى.. ثم طلب موافاة مصر بدبابات وبشكل فورى حيث تنهال على إسرائيل مئات الدبابات الأمريكية.. كما أننا نحتاج إلى صواريخ م.د «مالوتكا» وهى التى أثبتت معارك الأسابيع الأخيرة فاعليتها وتأثيرها المدمر على القوات المدرعة الإسرائيلية.. وأكد الرئيس أيضا فى هذه المقابلة أن مصر تطلب آراييل بطاريات صواريخ لأن أغلب البطاريات متوقف.. وأنه - أى الرئيس - يرغب فى تحقيق مفاجأة للعدو عن طريق إعادة تشغيل بطاريات الدفاع الجوى كلها فجأة.
يجب أن أعترف أننى وفى هذه اللحظات الصعبة كنت استشعر الكثير من الغضب من أسلوبنا فى التعامل مع رأس الكوبرى الإسرائيلى أو ما سمى بعد ذلك جيب الثغرة.. بالذات لما كشفته العمليات الإسرائيلية من استعداد كبير للمخاطرة بل والمغامرة.. والذى لم يكن مرجعه - فى تقديرى - حنكة عسكرية بقدر ما كان يستند إلى معلومات استطلاعية أمريكية كاملة عن مسرح العمليات على الجانب المصرى. وبوصول طلائع الجسر الجوى للإمدادات الأمريكية لإسرائيل أصبح هذا المسرح معدا لهذا العبور الإسرائيلى المضاد.. إلا أننى يمكننى القول الآن أننى كنت ولازلت مقتنعا بأن هذه المغامرة وإقامة هذا الجيب الإسرائيلى فى الغرب من القناة كان دائما قابلا للتحول إلى كارثة غير مسبوقة ضد إسرائيل إذا ما تمكنت مصر فى الفترة التالية، وبعد إعادة بناء الاحتياطات المصرية وبالإيقاع السريع الذى كان يجرى عليه العمل، بعمل عسكرى جديد يضرب الجيب مثلما كان التخطيط يتم لذلك. وعلى الجانب الآخر فإن أى صاحب إطلاع على تطورات المعركة، ممن له القدرة على الحكم والمعرفة، يستطيع التوصل إلى نتيجة مفادها أنه كان ينبغى التركيز على الثغرة فى الغرب منذ لحظتها الأولى وما كان يجب الاستهانة بها إطلاقا وما كان أسهل من تدمير كل قوات إسرائيل فى الغرب فى الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى.. ما بين 15 حتى 19 أكتوبر.. وهنا تدق كلمات «حافظ إسماعيل» أذنى وعقلى عندما أشار إلى خلافات «أحمد إسماعيل» و«الشاذلى» ونزاعهما فى الكيفية التى يمكن بها معالجة الاختراق فى شرق القناة وكذلك بدء تواجد الجيب الإسرائيلى فى الغرب منها.. وهى مسألة كانت مثار الكثير من التحليلات على جانبى أصحابها.. من حيث نقل بعض الوحدات المدرعة من الشرق إلى الغرب من القناة لمعالجة الجيب أو الحفاظ على تواجد الجيش الثانى والثالث وبكامل وحداته الأساسية فى الشرق دون تعديل للأوضاع مع إدارة المعركة بما هو متاح من احتياطيات لدى القيادة العامة والجيشين غرب القناة. وحقيقة الأمر وبكل الاقتناع الذى توصلت إليه ومنذ سنوات بعيدة فور انتهاء الصدام المسلح.. أن الرئيس «السادات» سلك النهج الأكثر شجاعة لمعالجة الموقف. فلقد وضح له أن القوات الإسرائيلية بالثغرة أكبر كثيرا من أن تستطيع القوات المصرية التى تواجهها القضاء عليها فى هذا التوقيت أو تلك الظروف.. كما أن التخفيف من الشرق والنقل إلى الغرب.. كان له أخطاره.. سواء فى قدرة القوات على الحفاظ على رؤوس الكبارى تحت الضغط الإسرائيلى فى سيناء.. والإمداد الأمريكى الكبير إلى الجيش الإسرائيلى من خلال العريش.. أو غياب الاحتياطيات المصرية بالغرب فى ضوء خسائرها من قبل قوات إسرائيلية أكبر فى الجيب.. ومن ثم بزوغ احتمال الحاجة إلى انسحاب شامل إلى الغرب وإضاعة كل إنجازات العبور.. بل والتسوية السياسية المرضية لنا.
من هنا.. أسرع الرئيس وبحكمة واقتدار إلى الموافقة على ما طرحه السوفييت من وقف لإطلاق النار. ومع ذلك كتبت فى يوميات هذا اليوم السبت 21 أكتوبر سعت 1340 «أن شكل التسوية القادم مثلما أراها وفى ضوء المعارك الدائرة من ناحية وما تتحدث به المصادر الدولية والولايات المتحدة.. من ناحية أخرى.. هى الانسحاب الإسرائيلى من سيناء على مراحل وعلى مدى عام ونزع السلاح فى شبه الجزيرة مع السماح لإسرائيل بالمرور فى مضايق تيران وصنافير وحق العبور فى قناة السويس مع انتهاء حالة الحرب والاعتراف بإسرائيل وتوقيع معاهدة سلام.
على مدى يوم 21 أكتوبر كان القلق يعتصرنا.. وكنا نترقب مشاورات موسكو بين «كيسنجر» والسوفييت الذين كان الرئيس قد أطلعهم على موافقته المرسلة إلى «كيسنجر» على وقف إطلاق النار فى نفس ليلة إرسال رسالة «حافظ إسماعيل» إلى الوزير الأمريكى.. وتعكس الفقرة المقتبسة من كتاب «حافظ إسماعيل».. أمن مصر القومى.. صعوبة هذا اليوم وحيث كتب يقول ، «ومن نافذة غرفتى المطلة على حديقة القصر.. شهدت بعض مساعدى يتحاورون.. ولحقت بهم.. أتحدث إليهم، وأستمع منهم. فلم أكن أعرف تماما ماذا حدث حتى نتحرك بهذه السرعة نحو قبول وقف إطلاق النار.. غير المشروط بالانسحاب الإسرائيلى.. وانتابنى شعور مبهم.. بالمأساة التى تواجهنا».
وأقول اليوم.. إن الأيام التالية لهذا الحديث الذى شاركت و«أحمد ماهر السيد».. وربما الدكتور «عبدالهادى مخلوف» فيه صبيحة 21 أكتوبر.. كانت تحمل الرد الحاسم والتفسير الدقيق للحركة السريعة للرئيس «السادات» فى الموافقة على طلب القوتين العظميين وقف إطلاق النار.. إنقاذاً للأهداف المصرية من الدخول فى هذا الصدام المسلح التاريخى مع أمريكا وإسرائيل
وجاءنا بعد ظهر يوم 21 أكتوبر أن الطرفين الأمريكى والسوفيتى قد وافقا على مشروع قرار سيتقدمان به إلى بقية أعضاء مجلس الأمن فى نيويورك يقضى بمطالبة الأطراف المتحاربة بوقف إطلاق النار وبدء أعمال مؤتمر دولى للسلام وعقد محادثات بين طرفى النزاع لتنفيذ القرار 242 لمجلس الأمن الصادر فى عام 67 تحت الإشراف المناسب وتناولت رسائل الطرفين الأمريكى والسوفيتى لمصر إشارة إلى الضمانات التى اتفقت القوتان الأعظم على إحاطة مشروعهما بها حتى يتم التنفيذ الفورى والكامل للقرار .242 كما حملت الرسائل السوفيتية إلى مصر فى هذا السياق تأكيدات سوفيتية إضافية بتنفيذ وقف إطلاق النار.. وعقد مجلس الأمن على عجل فجر يوم الأحد 22 أكتوبر حيث أصدر قراره الشهير 338 والذى تضمن:-
- دعوة جميع الأطراف المشاركة فى القتال والأعمال العدائية الحالية إلى إيقاف إطلاق النار فى خلال اثنتى عشرة ساعة فى المواقع التى تتواجد فيها.
- دعوة الأطراف إلى البدء فوراً، وفور وقف إطلاق النار، بتنفيذ القرار 242 بجميع أجزائه. - البدء فوراً وبالتزامن مع وقف إطلاق النار بالدخول فى مفاوضات تحت إشراف مناسب بهدف إقامة سلام عادل ودائم بالشرق الأوسط.
أخذت أحبس انفاسى انتظاراً للحظة توقف القتال سعت 1900 من مساء الأحد 21 أكتوبر وأتابع التطورات والعمليات على الأرض.. وأخذت أستشعر بعض الهدوء بعد يومين بالغى الصعوبة.. خاصة وقد رصدت بعض التحسن فى الأوضاع العسكرية أو هكذا تصورت... إذ جاء فى اليوميات سعت 0150 من يوم الاثنين 22 أكتوبر:
إن الموقف العسكرى تحسن نسبياً.. مدرعاتنا وقواتنا بغرب القناة تدفع بالعدو إلى رأس جسر ثابت يمكن بعد ذلك تصفيته... أو هكذا قدرنا من تقارير المخابرات الحربية والاستطلاع التى كانت تصلنا كل عدة ساعات...
ستصلنا مائتا دبابة T62 ربما غداً أو بعد غد كما أن السوفييت نشطوا بالجسر الجوى للإمداد.. واستعادت بطاريات الصواريخ فى قطاع الجيش الثانى كفاءتها... كما أن هناك وعودا سوفيتية لموافاتنا بشكل عاجل بعدد 85 مقاتلة ميج .21
وكانت هناك إشارة أيضاً فى تقرير للمخابرات الحربية أن الفرقة 16 على الحد الأيمن للجيش الثانى، والتى تحملت صدمة الاختراق الإسرائيلى بما أدى إلى انبعاج مواقعها، ومعها الفرقة 21 المدرعة والدفع بها إلى شمال رأس الكوبرى عدة كيلو مترات.. أنها حققت ومعها اللواء المدرع 14 من الفرقة 21 بعض النجاح واستعادت بعض الأوضاع.. وأدت هذه التقارير وما ارتبط بها من ضبابية كاملة للموقف إلى محاولة البعض من هيئة مكتب مستشار الأمن القومى إلى محاولة إقناعه بأن قرار وقف إطلاق النار لا يجب احترامه أو الدفع نحو قبوله. وتصور البعض أيضاً أن القيادة السياسية والعسكرية لم ترصد وسط ضباب المعركة بأن الموقف ليس بهذه الصعوبة... وبقيت على اقتناعى بأن قبول وقف إطلاق النار هو النهج الأمثل فى وجه غياب الاحتياطات القادرة فى حينه على ضرب العدو فى الغرب مع الاقتناع بأهمية استمرار التواجد الفاعل والنشط والمؤثر فى شرق القناة تحقيقاً لتأمين تسوية سياسية ذات إيقاع عال خاصة أننى كنت أيضاً على اقتناع بأن الجيب الإسرائيلى فى الغرب.. وإذا ما توافرت الاحتياطات وبسرعة.. سيمكن التعامل معه فى فترة تالية إذا ما لم تتحرك الأمور سياسياً نحو تسوية سلمية، خاصة أن السفير السوفييتى كان قد أكد للرئيس «السادات» سعت 2230 من مساء الأحد 21 أكتوبر عندما سلمه رسالة «بريجنيف» بالموقف الذى توصل إليه السوفييت والأمريكيين لوقف إطلاق النار.. ورداً على استفسار الرئيس...
بأن هناك ضمانات روسية/ أمريكية.. وأن مقر المؤتمر الدولى سيكون بالأمم المتحدة كما أن الطرفين السوفييتى/ والأمريكى يضمنان الانسحاب.وكان لى حديث آخر مع مستشار الأمن القومى سعت 1300 من يوم الاثنين 22 أكتوبر وقبل دخول وقف إطلاق النار حيز النفاذ... أشار فيه «حافظ إسماعيل» إلى تقديره أن القتال... ورغم صدور القرار خلال ساعات قادمة... سيستمر على الأرجح يومين آخرين... وأن الأمر سيحتاج إلى قرار آخر.
ولا شك أن هذا الرأى كان يستند إلى خبرة كبيرة فى التعامل مع إسرائيل وعدم التزامها إطلاقاً بأى تعهدات تأخذها فى حروبها ضد العرب خاصة أن التقدير الغالب عندئذ أن التواجد الإسرائيلى فى غرب القناة له نقاط ضعفه وقصوره الشديدين التى لا شك لا تغيب عن المصريين.. من وجهة النظر الإسرائيلية.. من ثم قدر «حافظ إسماعيل» أنهم سيحاولون توسيع حدود الجيب وربما توسيع العمليات لكى تطول حصار أو تطويق الجيشين أو أحدهما.. ومن جانبى رددت بأنه من الخطورة بمكان وقف إطلاق النار مع وجود إسرائيل فى الغرب... وأنه من الضرورى التلكؤ بعض الشىء لحين تصفية الجيب وكان من الواضح أننى مع غيرى.. من المتابعين عن بعد من ميدان القتال ولكن عن قرب أيضاً لتطورات المعركة... لسنا فى الصورة من الأخطار التى كان يراها الرئيس «السادات» أو أطلعه عليها المشير «أحمد إسماعيل على» وزير الحربية عندئذ والتى تناولتها بإيجاز فى مقالى الأخير المنشور يوم 6 مارس 2010 فى روزاليوسف. وأقترب الآن من لحظة فارقة أخرى تتناول مسئوليات «حافظ إسماعيل» ودوره فى هذه الساعات الحساسة... وكنت قد تطرقت إليها عرضاً فى مقالى السابق عندما ألمحت إلى انزواء دور «حافظ إسماعيل».
أزمة ما بعد صدور القرار 338
فى صباح يوم 23 أكتوبر كان «أحمد ماهر وأنا» نسير سويا.. فى حديقة القصر نتناقش حول الموقف وما يجب توقع انتظاره من تطورات.. ويجب هنا أن أطلع القارئ الكريم على أسباب تواجدنا دائما سويا «أحمد ماهر وأحمد أبوالغيط» فى كل مناسبات الحرب.. فأقول أن هيئة المكتب كانت قد قسمت نفسها - طبقا لتوجيهات السفير مخلوف - إلى مجموعات عمل دائمة.. وكنا - «ماهر» و«أنا» - فى مجموعة عمل واحدة تصادف أن شهدت - ربما - كل اللحظات الأكثر أهمية فى هذه الحرب.. إذ بمستشار الأمن القومى يهبط إلينا قادما من حجرة نومه مباشرة.. وأخذ يتحدث طويلا وباستفاضة.. وصمتنا.. لكى نتيح له فرصة التعبير عن أفكاره وخلاصاته ولكى يحكم قبضته على ما يواجهنا.. وكانت الخلاصة لرؤيته فى إطار تقييمه لأسلوب الدولة المصرية فى إدارة هذه المعركة العسكرية السياسية.. إن «الرئيس» كان يعمل فى غياب ما تصوره «حافظ إسماعيل» الدعم الكافى من كبار معاونيه.. وأنه ترك ليتحمل مسئوليات القرار السياسى و/ أو العسكرى.. فيما عدا بعض المناقشات التى كان بعض كبار المسئولين القريبين منه يجرونها معه بين الحين والآخر.
واعتقادى - بعد مرور كل هذه السنوات - أنه ربما كان «حافظ إسماعيل» يتصور وجود تأثير سلبى للبعض وغياب البعض الآخر عن المساهمة البناءة فى رسم الصورة والموقف.. وأخذ «حافظ إسماعيل» يتحدث ونحن نسير ذهابا وإيابا فى حديقة القصر وهى صغيرة.. وبعد ما يقرب من ثلاثين دقيقة من الحديث معنا غادرنا «حافظ إسماعيل» لكى يرتدى ملابسه الكاملة.. ويغادر إلى بعض اللقاءات مع الشخصيات الرئيسية بالدولة.. وقيل عندئذ.. أنه ذهب للقاء خمس شخصيات كبيرة أو أكثر.. منها نائب الرئيس «حسين الشافعى»/ الدكتور «محمود فوزى»/ «الدكتور عبدالقادر حاتم»/ الدكتور مصطفى خليل/ الدكتور عزيز صدقى/ ووزير الداخلية السيد ممدوح سالم.. وتحدث معهم حول ما يستشعره من حاجة للالتفاف حول «الرئيس» وعدم تركه بمفرده.. ونمي إلى علمنا بعد ذلك.. أن أحاديث «حافظ إسماعيل» ومناقشاته مع أربع من الشخصيات الخمس أو أكثر على الأقل قد وصلت إلى «الرئيس السادات» بشكل أعطاه الانطباع الخاطئ بأن «حافظ إسماعيل» يسعى لتقييد حركته.. ومن ثم كان هذا الموضوع أو هذه المسألة أحد المسببات فى اقتراب مستشار الأمن القومى من نهاية مسئولياته وتكليفه بمهام جديدة.. وتقديرى..
أن هذا الموضوع أو هذه المسألة.. بفرض صحتها ودقتها لم تكن الوحيدة وراء اقتراب «حافظ إسماعيل» من مغادرة موقعه.. وهو ما سوف أتعرض له فى مناسبة أخرى.. ولكن الأمر الهام حسب ما أتذكر.. أن «أحمد ماهر» وبعد مغادرة «حافظ إسماعيل» بعدة أسابيع وفى إطار نقاش لنا حول تجربة الحرب والأمن القومى.. وهى نقاشات كانت كثيرة فى الفترة من فبراير حتى مايو 1974 وحيث كنا فى انتظار النقل إلى بعثات تتيح لنا المزيد من خدمة الدبلوماسية المصرية.. ونقضى أغلب وقتنا خارج ساعات العمل سوياً فى نادى هليوبوليس الرياضى بمصر الجديدة أن قال «أحمد ماهر».. أتعلم يا «أحمد».. لقد كنت على وشك أن أقول له ألا يذهب إلى أى من «شخصيات الدولة».. وأن عليه أن يتحدث - إذا ما اقتنع فعلاً بالأمر - إلى الرئيس مباشرة وحتى لا يعطى الانطباع الخاطئ لرؤيته.. على أى الأحوال كان هذا ما حدث.. وهى قصة كانت محور حديث لى مع د. «عبدالهادى مخلوف» مدير مكتب مستشار الأمن القومى خلال لقاء أخير منذ أسابيع قليلة.
ويبقى أن من المهم لكل من يرغب فى التعرف على المزيد من أحاسيس ومشاعر وتقييم «حافظ إسماعيل» لهذه المرحلة وهذه الأيام بالغة الصعوبة أن يطلع على بعض صفحات كتابه المشار إليه بعاليه «أمن مصر القومى - فى عصر التحديات».
كان «هنرى كيسنجر»، وزير خارجية الولايات المتحدة خلال مراحل كثيرة فى هذا الصدام الذى امتد عسكرياً على مدى ثلاثة أسابيع يمسك بالكثير من الخيوط.. كما أنه وفى الفترة التالية لوقف العمل العسكرى وحتى خروجه من السلطة فى 20 يناير 78 مع وصول إدارة «كارتر» إلى البيت الأبيض، يسيطر على كل جهود التسوية السياسية ويمسك أيضاً بإيقاعها ويسعى للوصول بها إلى نتيجة تحقق السلام والاستقرار بالشرق الأوسط ويؤمن للولايات المتحدة اليد العليا فى مستقبل ومقدرات المنطقة.
ولا شك أن كل من يقرأ كتابات «كسنجر» فى معالجته لهذه الأزمة التى واجهت إدارة الرئيس «نيكسون» فى إحدي أصعب فتراتها.. وهى فضيحة «ووترجيت»، يتبين حجم النفوذ والتأثير الذى كان له فى إدارته للعلاقات الخارجية الأمريكية فى وقت انشغل فيه الرئيس «نيكسون» إلى حد كبير جداً فى محاولة إنقاذ مستقبل إدارته، من هنا فقد أبقى «الرئيس السادات» الاتصال الوثيق مع الجانب الأمريكى.. وكلف «حافظ إسماعيل» بالاستمرار فى تبادل الرسائل بشكل مكثف، كما لم يفت الرئيس السادات أيضاً أن يكتب هو الآخر ويتحاور مع «نيكسون».. وهى حوارات ورسائل أتاحت الفرصة للجانبين لتقييم المواقف تقييماً مفيداً لكل منهما، وأقول هنا أن «الرئيس السادات» وقد أبلغه «حافظ إسماعيل» أن «كسنجر» أحاطه علماً بأهداف زيارته إلى إسرائيل قادماً من موسكو، وفى أعقاب صدور قرار مجلس الأمن 338 نيته فى التحدث مع القيادة الإسرائيلية حول أهمية وقف إطلاق النار ومرحلة ما بعده من بدء مفاوضات السلام ودور القوتين العظميين فيها.. فقد طلب «الرئيس السادات» من «حافظ إسماعيل» الإسراع بدعوة «كسنجر» لزيارة مماثلة لمصر ولكى يؤكد التوازن فى العلاقة بينهما.. إلا أن «كيسنجر» تهرب، وتقديرى الآن وفى حينها أنه كان يعلم بصعوبة الأيام القادمة وأن ظهوره على المسرح المصرى أو العربى خطوة لم يكن قد اكتمل نضجها بعد، وأقصد بذلك نتائج الصدام المسلح الذى لم يكن قد وصل إلى نهايته بعد بشكل مستقر.
وجاءت الأيام التالية.. وبالذات يوما 23/24 بالصدمة الكبرى التى هزت الجميع.. ألا وهى نجاح القوات المدرعة الإسرائيلية فى الوصول إلى ميناء الأدبية ومحاولة دخول السويس وحصار المدينة وفرقتى الجيش الثالث فى الشرق من القناة، وكتبت فى اليوميات سعت 1400 من يوم الأربعاء 24 أكتوبر.. ولم نكن على اطلاع بعد بنتائج هذه المعركة الخالدة.. معركة السويس.. والتى كشفت الكثير فى هذه الحرب وبخاصة فى هذه اللحظات الصعبة.. أن هناك أيضاً جوانب براقة وذات تأثير حاسم على مسار المعركة وتطوراتها التالية.
وأضيف هنا أننى ومع عدد كبير من هيئة مكتب «حافظ إسماعيل» دخلنا السويس فور تحقيق الانسحاب الإسرائيلى من منطقة الجيب فى الدفرسوار.. فى زيارة استغرقت يوماً واحداً.. ورأينا هذا العدد من الدبابات والعربات الإسرائيلية المدرعة والمدمرة بالكامل فى مداخل مدينة السويس نتيجة لهذه المعركة الحاسمة فى هذه الحرب.. كما رأينا هذه الإمكانيات العسكرية المصرية التى كانت متوافرة لدى قوات الجيش فى منطقة الحصار.
وكتبت..
العدو يطوق الجيش الثالث/ «الرئيس السادات» يتحدث مع «برجنيف» سكرتير عام الحزب الشيوعى وزعيم الاتحاد السوفيتى ويطالبه بالتدخل الفورى، وطبقاً لتعهدات السوفييت وضماناتهم التى قدموها إلينا وشجعتنا على قبول وقف إطلاق النار.. وأنه يجب وقف العمليات العسكرية من جانب إسرائيل وإلزامها بذلك من قبل السوفييت والولايات المتحدة.. كما أرسل الرئيس إلى «نيكسون» يطالبه بنفس الموقف فى ضوء نفس التعهدات المقدمة لنا عبر «كيسنجر»/ قطع طريق السويس عند الكيلو 102/ ضربت معابر الجيش الثالث أو على الأقل تم تفكيكها لتفادى تدميرها من قبل الطيران والمدفعية الإسرائيلية التى أصبحت تكشفها/ ثغرات كثيرة فى دفاعات بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات/ القوات الجوية المصرية تبذل جهوداً فائقة ورائعة ومستميتة ومع تحملها لقدر من الخسائر لتحقيق مهام الجيش والدفاع عن القوات البرية/ هل يفرض على الجيش الثالث فى شرق القناة الاستسلام أم أن هذه الفرق المتمرسة سوف تحارب وهما الفرقتان 70، 19
تستمر اليوميات تُكتب وسط ضباب الحرب.. ويجب هنا أن أؤكد أن الحرب - أى حرب - دائماً ما تكون فيها لحظات صعبة وقد تذهب الأمور إلى هذا الاتجاه أو ذاك - أى نصر أو هزيمة - إلا أن المؤكد أن صلابة المقاتلين وتضحياتهم وصحة قرارات القيادة ونضوجها ومعرفتها الواقعية بالموقف الذى تواجهه ويواجهه معها العدو دائماً ما تحقق للطرف الأكثر ثباتاً.. النتائج الأحسن.. واستمرت طوال يومى 24/25 أكتوبر جهود تأمين فرق شرق القناة ومدينة السويس.. وزادت وتيرة الاتصالات المصرية مع الجانبين الأمريكى والسوفيتى وطرحنا الأمر على مجلس الأمن.. وصدر القرار الجديد 339 الذى توقعه «حافظ إسماعيل».. واستشعر السوفييت أن أى نجاح إضافى لإسرائيل أو أى فشل مصرى سوف يكون له عواقبه الخطيرة على الصورة السوفيتية ومن ثم تدخل «برجنيف» بحدة مع «نيكسون» وقرر السوفييت الإيحاء للأمريكيين بنيتهم فى التدخل للفصل بين القوات.. وعلى الجانب الأمريكى.. استجاب الأمريكيون للتحدى شكلياً.. وأعلنوا حالة الاستعداد للقوات الأمريكية عبر العالم... إلا أن الأمريكيين كانوا منتبهين إلى أن السماح بنجاح إسرائيل فيما يتجاوز الحدود المرسومة لها يمكن أن تكون له عواقبه على إهدار فرصة كبيرة أو تاريخية لإمساك أمريكا بالموقف فى الشرق الأوسط وتحويله إلى صالحها بشكل كامل.. من هنا جاءت رسالة «نيكسون» الأخيرة يوم 25 أكتوبر لكى تؤكد أن واشنطن ستفرض على إسرائيل وقف إطلاق النار.. وكانت المعلومات المتواردة إلينا على مستوى الإمداد العسكرى لنا أن القوات المسلحة بدأت فى تلقى أعداد طيبة من الدبابات وحيث وصلت مائة دبابة من يوغسلافيا T55.. كذلك كان من المنتظر وصول المائتى دبابة T62 خلال ساعات فى نهاية يوم 25 أكتوبر وهى معدات ومدرعات كانت ضرورية لإعادة تسليح وتأهيل وحداتنا التى تعرضت لخسائر كبيرة خلال ثلاثة أسابيع من القتال.. كذلك وردت دبابات من ليبيا وكميات من الجزائر.
وكان ما يشغلنى فى الحقيقة.. ويشغل جميع أعضاء هيئة مكتب مستشار الأمن القومى.. هو الكيفية التى سيتم من خلالها تأمين فرق الجيش الثالث فى شرق القناة.. وكذلك كيفية إمداد مدينة السويس مع استمرار وجود عدد كبير من سكانها الذين قاتلوا دفاعاً عنها وهزموا محاولة قوية من جانب الوحدات المدرعة الإسرائيلية فى احتلالها واستمر الضغط المصرى السياسى على الطرفين السوفيتى والأمريكى طوال يوم ,26 وكذلك 27 أكتوبر.
كان الرئيس «السادات» قد طلب فى ذروة الأزمة التى واجهتنا يوم 24 أكتوبر إرسال قوات سوفيتية/ أمريكية مشتركة للفصل بين القوات.. إلا أنه وفى ضوء عدم إمكانية اتفاقهما على ذلك، وكذلك مع وقوع أخطار المواجهة المسلحة- التى رأيتها شكلية وقتها- فقد استقر الأمر على إنشاء قوة طوارئ جديدة للشرق الأوسط فيما سمى UNEF II.
وتحت الضغط السوفيتى/ والأمريكى/ والدولى وصلت رسالة من «كيسنجر» فجر يوم السبت 27 أكتوبر ينقل فيها وجهة نظر حكومة «مائير» حول وقف إطلاق النار ووضعية الجيش الثالث الذى كان من الواضح أنه نجح فى إجهاض محاولات دفعه أو فرض الاستسلام عليه.. واقترحت «جولدا مائير» فى رسالة «كيسنجر» إيفاد ضابط مصرى عالى المستوى لكى يقابل رئيس الأركان الإسرائيلى أو حتى وزير الدفاع الإسرائيلى وللاجتماع فى الزمان والمكان الذى نختاره لبحث موضوع «إيجاد مخرج مشرف للجيش الثالث.. وقام «حافظ إسماعيل» بالرد على الرسالة بعد عقد اجتماع هام سعت 0400 وحتى سعت 0600 من فجر يوم 27 أكتوبر.. شارك فيه كل من القائد العام المشير «أحمد إسماعيل على» وكل من «عبدالفتاح عبدالله» و«إسماعيل فهمى» الذى كان يتحمل مسئوليات وزير الخارجية بالنيابة أثناء غياب وزير الخارجية الدكتور «محمد حسن الزيات» فى نيويورك طوال هذه الأسابيع الثلاثة للحرب (وهى فى تقديرى غيبة طويلة ما كان يصح أن تستمر طويلاً بعد بدء العمليات فى 6 أكتوبر).
وتضمن الرد المصرى حسب يومياتى المكتوبة سعت 0800 من صباح السبت 27 أكتوبر أننا نقترح على «كيسنجر» أن يبلغ الإسرائيليين بأن مصر ستوفد ضابطا مصريا برتبة لواء إلى النقطة 110 على طريق السويس للاجتماع وبحث تفاصيل تنفيذ القرارين 339 و338 الصادرين عن مجلس الأمن فى الأيام الأخيرة.. وكذلك اقتراح إيقاف القتال كلية سعت 1300 يوم السبت ,.27 وأضافت الرسالة المصرية أن موعد اللقاء سيكون سعت 1500 من بعد ظهر نفس اليوم وسوف يصحب الوفد المصرى إلى الاجتماع «قُول» إدارى لسيارات تموين للجيس الثالث ومدينة السويس، حمولة 60 طنا فورا.
وأضفت فى يومياتى: أعتقد أن إسرائيل ستقبل.
وكان (حافظ إسماعيل) قد أبلغنا أن الجيش وقيادته مصممان على أنه وفى حالة عدم سماح إسرائيل بسريان قوافل الإمداد إلى السويس وفرق الشرق للجيش الثالث فسوف نقوم بتوجيه ضربة قوية لفتح الطريق بالقوة - خاصة أنه قد بدأت إمدادات الجيش بالمدرعات القادمة من الأصدقاء والأشقاء تصل وتستلمها الوحدات. وكان المنطق المصرى أن هناك وحدات دولية تابعة لقوة الطوارئ والمراقبين بدأت تصل إلى مواقعها وأنه يمكن وفى ظل هذه القوات العودة إلى فتح الطريق بالقوة.
وكشفت الساعات التالية استمرار توتر الموقف بين القوى العظمى.. واستمرت مصر تطالب الطرفين الأمريكى والسوفيتى بعودة إسرائيل إلى خطوط وقف إطلاق النار المفترض فى 22 أكتوبر..
كشفت تجربة هذه الأيام الصعبة أن (النجاحات) الإسرائيلية كان لا يزال أمامها الكثير لكى تحقق الهدف منها أو تتمكن من كسر إرادة الجيش المصرى.. خاصة أن لدى مصر أيضا الكثير من أوراق الضغط فى مقدمتها.. الإمكانيات القتالية الكبيرة للفرقتين المدعمتين فى رأس كوبرى الجيش الثالث.. وكذلك نجاح مدينة السويس / شعبا وجيشا وشرطة فى رد عملية احتلال المدينة وبخسائر كبيرة لإسرائيل...
وأخيرا استمرار تصاعد الضغط المصرى من الغرب فى اتجاه طريق السويس وسرعة مصر فى بناء الاحتياطات واستكمال تأهيل وحدات احتياطى القيادة العامة والفرق التى تعرضت لخسائر فى السابق جرى استعواضها الآن وهى الفرق 21 مدرع /4 مدرع /23 مش ميكا /6 مش ميكا.. وكذلك قدرات كبيرة لمصر فى منطقة الإسماعيلية وإلى شرق القناة فى نطاق فرق الجيش الثانى الميدانى.
ومن المهم فى هذه المرحلة من التحليل لمجريات هذه الأيام فى ختام الحرب أن نقول إن رسالة (مائير) عبر (كيسنجر) لم تأت من فراغ.. بل سبقها اقتراح جاء من الجانب البريطانى قدم للسوفييت ونقله السفير السوفيتى لنا فى مقابلته مع (الرئيس السادات) سعت 2400 يوم 25 أكتوبر.. أى فجر .26 ويقضى الاقتراح بأن تقوم مصر بتسليم الأسرى الإسرائيليين إليها وأن (ترفع المدمرات والوحدات المصرية المتواجدة فى مدخل باب المندب التى تفرض حصارها على تجارة إسرائيل وسفنها واستخدامها لميناء إيلات.. وفى المقابل.. فإن إسرائيل على استعداد للانسحاب إلى مسافة معقولة وبما يتيح للجيش الثالث اتصالا مباشرا مع بقية الجيش المصرى). (واستشعرت الرضا لقراءتى لهذه المقابلة التى تحدث بها السفير السوفيتى مع (الرئيس).. وفكرت لحظتها فى حديث الفريق بحرى (فؤاد ذكرى) فى الأسبوع الثانى من سبتمبر .73 عندما قال لى: (إننا سوف نقطع أوصال اتصالاتهم وخطوطهم البحرية وسنضربهم بعنف وسنربك خططهم ونلقنهم درسا)...
لقد وفى الرجل بكلمته وله أن يرقد قرير العين وقد حقق لبلاده ما وعدها به.. لقد توفيت حماته منذ أسابيع قليلة.. ودهشت من هذا الطابور الممتد من ضباط وأفراد البحرية المصرية وبالملابس الرسمية وهم يقدمون واجب العزاء بمسجد عمر مكرم بالقاهرة.. بعد وفاته بأكثر من ربع قرن.. إنها مصر.. الواجب والوفاء لكل من قدم لها من أبنائها.
وكتبت فى اليوميات المسجلة بخط يدى وبالقلم الرصاص سعت 0800 من السبت 27 لوقائع الأيام الأخيرة السابقة.. والتى ونتيجة للضغط وتراجع المعنويات لم أعد قادرا على الكتابة والتسجيل لحظة بلحظة مثلما فعلت فى بدايات الحرب: (الرئيس يوافق من حيث المبدأ، خاصة أن السفير السوفيتى أكد فى حديثه أن بريطانيا أبلغت السوفييت أن إسرائيل ستوافق.. إذا ما عرض عليها الأمر).. بمعنى.. وبمفاهيم الدبلوماسية... أن بريطانيا بحثت الأمر مسبقا مع إسرائيل. وأخذت أقلب الأمر وسجلت.. عما إذا كان التحرك هو مبادرة بريطانية مستقلة لجس النبض.. وأسرعت بالقول إننى لا أعتقد ذلك.. ومن ثم هل هذا يمثل جس نبض من إسرائيل لتحقيق بعض المكاسب الرئيسية قبل أن يفرض عليها إيصال المؤن إلى مدينة السويس والجيش الثالث فى الشرق..
وتساءلت عما إذا كان الطرف الإسرائيلى الذى سيلتقى معنا سعت 1500 من يوم 27 أكتوبر سيطرح نفس الطرح.. خاصة أن الجانب البريطانى فى طرحه للفكرة أشار إلى أنها تمثل اتفاقا منفصلا ومستقلا بين مصر وإسرائيل وبعيدا عن تسوية شاملة ولكى تحل مسألتى إغلاق مضيق باب المندب وبالتالى مضيق تيران.. وإيجاد صلة أرضية بين القوات فى السويس وبقية القوات المصرية.
ووصلتنا رسالة من «كيسنجر» يقترح حضوره فى زيارة للقاهرة يوم 6 نوفمبر ولمدة يوم للبحث فى كل عناصر التسوية وتنفيذ القرار 338 ،242 ورحبت مصر بالزيارة. وفهمت من أوراق «حافظ إسماعيل» ومقابلاته مع «الرئيس السادات» أن الرئيس ينوى أن يعرض على الجانب الأمريكى وقبل مجىء «كيسنجر» أفكاراً محددة تدور حول:
- انسحاب إسرائيلى إلى خطوط 22 أكتوبر فى مقابل قيام مصر بتسليم الأسرى الإسرائيليين لديها وأن تفتح باب المندب.
- انسحاب إسرائيلى تال وبعد ذلك بفترة وجيزة إلى شرق ممرات سيناء فى مقابل قيام مصر بالبدء فى تطهير قناة السويس.
- عند استكمال انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية للقناة يبدأ مؤتمر السلام.. ويمكن لمصر أن ترسل وابتداءً من الآن مقدمة للوفد المصرى إلى جنيف أو نيويورك للبحث فى الجوانب الإجرائية الأولية للمؤتمر.
وعدت أكتب فى اليوميات سعت 0010 من الأحد 28 أكتوبر أنه قد تحدد للمقابلة بين العسكريين المصريين والإسرائيليين سعت 2400 يوم 27 أكتوبر.. ووقع بعض سوء الفهم.. إذ إن الإسرائيليين توجهوا إلى النقطة 110 فى اتجاه السويس وفهم الجانب المصرى أنها النقطة 101 من الطريق.. وتم تدارك الموقف والتقى« اللواء الجمسى» رئيس هيئة العمليات مع الجنرال «ياريف»... ووعد الأمريكيون أن يتم فى نفس الليلة دخول «قُول» إدارى للتموين من ثلاثين مركبة.. وأخذ المستشار «حافظ إسماعيل» يتحدث عن النية فى عمل عسكرى يوجه ضربة لفتح الطريق عنوة وتحت مظلة وجود الأمم المتحدة التى كانت قواتها قد بدأت احتلال مواقعها بين الجانبين.
جاء فى اليوميات سعت 1715 من الأحد 28 أكتوبر... «يقول الجنرال «ياريف» أنه ليس لديه تعليمات ببحث العودة إلى خط 22 أكتوبر أو مسألة الانسحاب بل أثار موضوع الملاحة فى البحر الأحمر/ وباب المندب وكذلك تبادل الأسرى/ أن اللقاء شابه الاحترام المتبادل» واليوم أقول... مثلما توصلت فى وقتها... إلى نتيجة مفادها أن رغبة «كيسنجر» الحضور إلى مصر أوضحت عدم نيته فى السماح للمصريين أو الإسرائيليين بالتوصل إلى اتفاق فيما بينهم وبمعزل عن الولايات المتحدة مثلما حاولت بريطانيا... وأننا لا يجب أن نتوقع بالتالى أى نتائج من محادثاتنا الحالية بين العسكريين سوى تفاهمات حول عدم كسر وقف إطلاق النار وأسلوب الإمداد للمدينة المحاصرة وغير ذلك من مسائل التنظيم وخطوط الاتصال بين جيشين يدخلان بشكل كثيف فى بعضهما البعض.
وعلمت أن السيد «إسماعيل فهمى» سيسافر يوم 28 أكتوبر إلى واشنطن لمقابلات مع كيسنجر وربما «نيكسون»... كما سيعود الدكتور «الزيات» أخيراً... وأضفت فى اليوميات «أعتقد أن «الزيات» فى طريقه للخروج قريباً جداً... فلقد نجح «إسماعيل فهمى» فى امتلاك فكر «الرئيس» فى شهر الصدام الحالى وخلال الأزمة ومن ثم فإن تقديرى - عندئذ - أن «الرئيس» سيستفيد به وزيراً للخارجية فى المفاوضات القادمة... خاصة أن أزمته مع «مراد غالب» وزير الخارجية خلال 1972 كانت معروفة للجميع عندما وجه «إسماعيل فهمى» انتقادات حادة إلى السوفييت بما دفع «مراد غالب» إلى تجميده... لقد كان إلغاء تعيين «إسماعيل فهمى» سفيراً لمصر فى ألمانيا فى بداية عام ,.73 وتكليفه بالعمل وزيراً للسياحة... واستمراره خلال تلك الفترة فى الكتابة إلى «الرئيس السادات» برؤيته فى الموقف وتطوراته... وكيفية التحرك على مستوى الأمم المتحدة وتقييمه لفرص ووسائل تنفيذ القرار ,.242 كانت كلها مؤشرات بأنه يعد ليشغل مهام وزير الخارجية بدلاً من «الزيات» الذى لا شك أنه غاب عن المسرح الداخلى فى فترة حاسمة وهامة».
وكنت أستشعر الكثير من القلق والضيق فى أسلوب «حافظ إسماعيل» ومعالجة بعض المسائل... وبما دفع «بأحمد ماهر» فى حديث ممتد معى إلى القول باقتناعه إن هناك صراعات شديدة فى قمة السلطة وإن هناك تيارات متنازعة... وإنه أخيراً لا يعتقد أن «حافظ إسماعيل سيستطيع أن يبقى كثيراً أو أن يعمل مع وجود «إسماعيل فهمى» الذى وثق به «الرئيس السادات» فى شهر الصدام.
لقد كانت مهمة «إسماعيل فهمى» هى محاولة التأثير على «كيسنجر» والجانب الأمريكى ولكى يأتى الطرح الأمريكى مثلما حاول «الرئيس السادات» صياغته فى الصفحات السابقة... ومن جانبى لم أتوقع تحقيق أهداف هذه المهمة... لأن «كيسنجر» كان يحاول تحقيق الهدف المطلوب بنفسه ولكن فى القاهرة أثناء زيارته لها.
على الجانب الآخر.. أخذ «الرئيس السادات» يتحدث مع السوفييت فيما كان «حافظ إسماعيل» قد أطلعنا عليه.. وهو نيتنا فى توجيه ضربة قوية لغرض فتح طريق السويس إذا ما لم نتبين جدية فى الموقف الأمريكى و/ أو الإسرائيلى.
وقد قرأنا فى السنوات التالية للصدام المسلح الكثير من الادعاءات والمزاعم بقدرات غير موجودة أو خيالية لدى الجيش الإسرائيلى.. ورددت «جولدا مائير» رئيس الوزراء الإسرائيلية.. كما تحدث «ديان» وزير الدفاع و«العازر» رئيس الأركان ومجموعة الجنرالات الذين قادوا الجهد الإسرائيلى فى غرب القناة.. «برن ادن»/ «ماجن»/ أو «شارون» أنه تم إيقافهم تحت تهديد الولايات المتحدة وفرضها عليهم ضرورة وقف الأعمال العدائية قبل استكمال مهام قواتهم. والحقيقة أن هذه فى تقديرى.. وفى رؤية الكثيرين من المعلقين العسكريين.. مقولات تجافى الواقع تماما وتتناقض مع ما حدث على الأرض.
وإذا كان يمكن أن نعترف أن الكثير من الاحتياطيات المصرية قد لحقت بها خسائر فادحة فى الغرب نتيجة لسوء الاستخدام أو الحشد أو طبيعة المهام المشوشة التى ألقيت على عاتقها فى لحظات صعبة.. إلا أن المؤكد أن هزيمة المسعى الإسرائيلى أمام السويس يكشف أن القوات الإسرائيلية كانت ومع وصولها إلى مشارف هذه المدينة المصرية الباسلة منهكة وقد تعرضت لخسائر جسيمة غير مسبوقة فى تاريخ إسرائيل.. حوالى 500 إلى 600 دبابة.. وبذا لم تكن لديها القدرة على الدفع مرة أخرى.. أى وصلت إلى أقصى ما تستطيع تحقيقه تحت الظروف التى كانت ستتغير بالحتم إلى صالح مصر إذا ما استمر بناء القدرات المصرية خلال الأسابيع التالية.. مثلما شهدناه فى تحضيرات العملية «شامل» لتصفية الجيب فى الغرب فى الشهور التالية، وأيضا فى حفر الدفاعات وموانع الدبابات فى منطقة الجيب الإسرائيلى وبما يؤشر إلى تنبه إسرائيل أنها هى التى ستتعرض لعمل عسكرى مصرى فى غرب القناة.
أما ادعاءات «شارون» أنه كان على مقربة من الإسماعيلية... أو أوشك على دخولها.. فهى أيضا تقولات لا قيمة لها.. إذ إن الدفاع المصرى الصلب فى الغرب وجنوب طريق الإسماعيلية وشراسة وحدات ومجموعات الصاعقة وعناد قوات المظلات التى قاتلت على المصاطب. كلها تسببت فى دحر الجهد العسكرى الذى ركز على الإسماعيلية.. وكشف الانسحاب بعيدا عن المدينة.. أن هناك أيضا فى قطاعات الجيش الثانى.. فقد وصل الجهد الإسرائيلى إلى أقصى ما يستطيع ولم يعد هناك متاح إلا انتظار تلقى الضربة المصرية القادمة لتصفية الجيب.
ومع بدء استقرار وقف إطلاق النار كتب السيد محمد حسنين هيكل».. مقالا بالأهرام حول إدارة المعركة على الجانب المصرى واستشعرت الاستياء الشديد من جانب «حافظ إسماعيل» مما كتب عندئذ وحيث قدر مستشار الأمن القومى أن المقال يمس بالقائد العام فى ظروف بالغة الصعوبة وأنه يجب الاعتراف «لأحمد إسماعيل» بأنه حارب وحطم خط بارليف وتحت إمرته هذه القوات الرائعة والقيادات ذات الإرادة الحديدية ثم تحمل عبء المواجهة التالية مع إسرائيل ثم حقق هدف الحرب وأنهى الصدام فى التوقيت المناسب محافظا بذلك على فاعلية وقدرة القوات المسلحة ومع تكبيد إسرائيل لخسائر فادحة وأخيرا قدر الموقف بدقة وبشكل أدى إلى إنذار القائد الأعلى بأهمية الوصول إلى وقف لإطلاق النار بما لا يتجاوز 72 ساعة.
والمؤكد.. فى تقديرى أن هذا الرأى الذى تحدث به «حافظ إسماعيل» وآراء أخرى كثيرة كتبت فى تفاصيل العملية العسكرية وتحدثت عما كان يمكن ومالا يمكن.. أن مثل هذا الجدل الإيجابى سيبقى معنا ولسنوات.. إلا أن المؤكد أيضا أن أسماء مثل «يوسف عفيفى»/ «أحمد بدوى»/ «عبد رب النبى حافظ»/ «حسن أبوسعدة»/ «فؤاد غالى»/ «العرابى»/ «قابيل»/ «الزمر» وغيرهم كثيرون.. وبمن فيهم الفريق «الشاذلى».. سيبقون دائما فى ذاكرة المصريين إلى مئات قادمة من السنوات.. لقد كانت أياما صعبة.. بعضها قاتم.. ولكنها كانت رائعة فى نفس الوقت. ومرة أخرى آمل أن يتاح لى الوقت والظروف لكى أستكمل الكتابة فى هذه الحرب.. والاتصالات مع الأمريكيين والروس على المستوى الدولى.. أو الاتصالات والمفاوضات مع الإسرائيليين على المستوى العسكرى وأخيرا الأسلوب الشامل الذى أدارت به مصر الحرب فى أبعادها العسكرية/ الاقتصادية / السياسية بما فيها الشق العربى واستخدام سلاح البترول.
وأخيرا خلاصات الحرب ونتائجها وما حققته مصر خلالها من نجاحات عسكرية وسياسية فرضت التسوية السياسية فى نهاية المطاف وأدت إلى استعادة سيناء بالكامل خلال سنوات تالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.