«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحرك الأساسي للقيادة كان لسيناء والتسوية الفلسطينية

في الحلقة السابقة من هذا المقال التي نشرت أمس‏,‏ تناولت بعض المؤشرات التي لاحظتها خلال عملي مع مستشار الأمن القومي حافظ إسماعيل في منتصف عام‏1973,‏ وجعلتنا نشعر باقتراب موعد الحرب مع إسرائيل‏.‏ ومن هذه المؤشرات الزيارات اليومية التي كان يقوم بها العميد طه المجدوب رئيس فرع الخطط بهيئة عمليات القوات المسلح عندئذ للسيد حافظ إسماعيل‏,‏ في إطار التنسيق المستمر مع أحمد إسماعيل علي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية وقتها حول خطة الحرب وأهدافها الاستراتيجية‏.‏ وعلي الجانب الآخر كانت هناك محاولات لإقناع مصر بمحاولة استكشاف احتمالات التوصل إلي حلول سلمية سياسية للموقف‏.‏
دخلنا شهر أغسطس واستمر العمل والتحضير الدبلوماسي بكثافة شديدة وكأنها خلية نحل تعمل بإتقان للإعداد والترتيب‏.‏ وصاحبت مستشار الأمن القومي والدكتور‏'‏ عبد الهادي مخلوف‏'‏ في زيارة لعدة أيام في النصف الثاني من أغسطس الي كل من رومانيا ويوغوسلافيا حيث التقينا بالرئيس‏'‏ تشاوتشيسكو‏'‏ في منتجع منجاليا علي البحر الأسود وحيث شرح له‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ رؤية‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ واستعداده لبدء مفاوضات غير مباشرة أو‏'‏ مفاوضات عن قرب‏'‏ عبر رومانيا وسؤال عن تقييمه عما إذا كانت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير تملك من عناصر القوة والقدرة علي التفاوض وقبول الانسحاب من الأراضي المصرية والتحرك في اتجاه تسوية فلسطينية عادلة‏...‏ ام أنها تستمر تتمسك بهذه الأفكار التي تنكر وجود شعب فلسطين‏,‏ الأمر الذي وصل بها يوما ما للقول علي نفسها‏'‏ نحن الفلسطينيون‏'‏ إنكارا لوجود هذا الشعب المناضل‏...‏ وتكررت نفس الرسالة مع يوغوسلافيا والرئيس‏'‏ تيتو‏'‏ في منتجع آخر أكثر جمالا هو مدينة دوبروفنيك الكرواتية الرائعة‏.‏ ووعد الجانبان بنقل الرسائل إلي إسرائيل‏...‏ وجاءت الردود باردة والتصريحات الإسرائيلية مليئة بالعجرفة‏...‏ ومضت مصر في طريق الحرب‏...‏ ومضي أغسطس بحرارته المعهودة وانشغال أهل مصر بصيف مليء بالتكهنات‏...‏ ورأيت من ناحيتي أننا نقترب من أيام ثقيلة وأنني احتاج فعلا إلي عدة أيام لكي أعيد فيها شحن بطاريات جسدي وعقلي‏...‏ كما استشعرت أن هناك حاجة لكي أقضي عدة أيام مع‏'‏ زوجتي‏'‏ وابني‏'‏ الطفل كمال‏'...‏ واستأذنت الدكتور‏'‏ مخلوف‏'‏ لإجازة قصيرة وسافرت إلي الإسكندرية‏...‏
وكعادتي كل صيف‏...‏ قمت بزيارة اللواء بحري‏'‏ فؤاد ذكري‏'‏ قائد القوات البحرية في منزله بمنطقة العجمي وتربطني به صلة قرابة وثيقة‏...‏ حيث جلسنا نتحدث‏...‏ وهنا أجد لزاما أن أشرح ولو بإيجاز شديد شكل هذه العلاقة التي تجمع دبلوماسيا صغير السن ثلاثون عاما وقتها ذ وقائدا للبحرية المصرية لمرتين‏...‏ احدهما ما بين‏67‏ 69‏ والأخري بين عامي‏72‏ 74‏ إذ انه كان يعلم باهتمامي الشديد الذي يقرب من الولع بدراسة التاريخ العسكري والإستراتيجية الحربية وشخصيات التاريخ والقادة‏...‏ وهو علي الجانب الآخر يقرب من كونه مؤرخا بحريا‏...‏ ولاشك أن دراسته في بريطانيا وإتقانه اللغة الانجليزية سهلت عليه الاطلاع علي الكثير‏...‏
من هنا كانت مناقشاتنا مثرية جدا‏...‏ وكان يتحدث دائما معي بكل الجدية والوضوح‏.‏ وأقول في مسار حديثي معه في ذلك اليوم انني تطرقت إلي ما أرصده من مؤشرات وما أراه من ملامح من اقتراب شيء ما كبير‏...‏ خاصة وقد وضح أيضا أن الأيام الأولي من سبتمبر‏73‏ بدأت تشهد توترات بين إسرائيل وسوريا‏...‏ وعقب‏'‏ فؤاد ذكري‏'‏ بقوله‏,‏ ولاحظت هنا انه يتحدث بتحفظ شديد‏,'‏ أننا سوف نقطع أوصال اتصالاتهم وخطوطهم البحرية وسنضربهم بعنف‏....‏ وسنربك خططهم ونلقنهم درسا‏'...‏ وتصورت رغم معرفتي الوثيقة به‏...‏ انه يتحدث من منطلق وطنيته وحبه لبلاده ولم أتبين ما كان يقصده إلا بعد بدء الحرب وانكشاف تواجد الوحدات البحرية المصرية في مدخل باب المندب وعلي سواحل اليمن ولكي تصل الرسالة إلي إسرائيل‏...‏ بأن سيطرتها علي مضيق شرم الشيخ أو تيران وصنافير لا يجديها نفعا وأننا نستطيع أن نغلق عليها البحر الأحمر ونمنع وصول سفنها إلي ميناء ايلات‏.‏
ويجب هنا ألا أترك هذه المناسبة دون أن اعبر عن عميق الإعجاب بهذا الرجل الذي قاد البحرية المصرية باقتدار في ظروف بالغة الصعوبة وأدار معاركها بحنكة وحذر حقق من خلالهما الكثير من النتائج التي كان لها تأثيرها علي المعركة خاصة في ختامها‏.‏ وأقول مرة أخري إن‏'‏ فؤاد ذكري‏'‏ كان مطلعا إطلاعا واسعا علي الاستراتيجيات والمعارك البحرية وبالذات تاريخي الحربين العالميين الأولي والثانية‏,‏ وكثيرا علي مدي السنوات ما ذهبت إليه شارحا رؤية أو تفصيلا متعلقا بقراءتي لمقال هنا أو كتاب هناك يتناول المسائل البحرية ومعاركها المختلفة وكان دائما علي اطلاع واسع ومتخصص ليس فقط كضابط بحري ولكن أيضا كمؤرخ متعمق في كل جوانب التاريخ الحربي البحري‏....‏
ومضينا‏'‏ فؤاد ذكري‏'‏ وأنا‏,‏ نتحدث في منزله الساحلي‏...‏ وإذ يذاع في الراديو أن اشتباكا جويا قد وقع في هذا اليوم بين سوريا وإسرائيل وقالت إسرائيل أنها أسقطت ثلاث عشرة طائرة ميج سورية وفوجئ‏'‏ ذكري‏'...‏ بل وظهر عليه الكثير من القلق‏,‏ خاصة أننا كنا قد انتهينا لتونا من التحدث حول لقاءات مصرية سورية علي مستوي القائد العام والقيادات المصرية للقوات المسلحة مع قرنائهم في سوريا بمدينة الإسكندرية‏...‏ لقاءات كنت أعلم بها‏...‏ وأن‏'‏ فؤاد ذكري‏'‏ كان يشارك فيها وأسرع يجري اتصالاته التليفونية مع حجرة عمليات البحرية ثم مع عمليات القوات المسلحة‏...‏ ويعود واجما لما علمه من أن هذه الأخبار الإسرائيلية في الغالب صحيحة‏...‏ وظهر لي بعد ذلك أن هذا القلق العميق لم يقتصر علي‏'‏ فؤاد ذكري‏'‏ بل امتد إلي كل قيادات القوات المسلحة التي كانت تعد لمعركة أكتوبر بمشاركة من سوريا التي اعتمدنا عليها لتوزيع جهد العدو وتشتيت قدراته بضربة من الشمال والجنوب‏.‏
وقد يتذكر القارئ الكريم أن المقالين السابقين والذي يجب أن أقول أيضا إن مجلة روزاليوسف قد قامت بنشرهما سويا‏...‏ تناول احدهما بداية الحرب‏,‏ والأربع والعشرين ساعة أو ربما الست وثلاثون ساعة الأولي من رصد الاقتراب المباشر من المعركة أو اليوم الأول لها‏...‏ ثم ثانيهما الذي عالج إشكالية وقف القتال وتحقيق أهداف الحرب مثلما حددها‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ ونفذتها قيادة واعية وعاقلة للقوات المسلحة وجيش تم تدريبه علي المهمة ومتطلباتها علي مدي أكثر من ستة أعوام‏...‏
وفي مقال اليوم أتطلع إلي تغطية بقية أيام الأسبوع الأول من الحرب وما وقع خلالها من أزمة أو أزمات كثيرا ما تقع خلال الحروب والصدامات المسلحة وتكشف في الحقيقة مدي عمق وتصميم القائمين علي الحرب أو فقدانهم لعناصر فهمها وبكل تداعياتها نصرا أو خسرانا‏...‏
والشاهد فقد كان يوم الاثنين‏8‏ أكتوبر يوما ذ طبقا ليومياتي ذ يتسم باستمرار انسياب الحشد المصري إلي سيناء‏...‏ ووصل عمق القوات في بعض مناطق رؤوس الكباري الخمسة‏15‏ كيلوا مترا ونجحت هذه الفرق الخمس في توحيد مواقعها في رأسي كوبري للجيشين الثالث بالجنوب والثاني بالشمال‏...‏ ورصدت في هذا اليوم وحسب تقارير المخابرات الحربية‏...‏ أن القوات الجوية المعادية مبعثرة المجهود علي جبهتنا‏...‏ كذا قدرتها علي الشوشرة الالكترونية محدودة‏....‏ ووضح أن مصر قد قضت علي خط بارليف الذي وضع العدو فيه الكثير من ثقته‏.‏ واستمر الجيش ينتظر الضربة الإسرائيلية المضادة‏...‏ والتي لم تأت‏...‏ ولكن جاءت بدلها هجمات مضادة متفرقة ضربتها قواتنا محدثة بهم الكثير من الخسائر‏...‏ وعلي الجانب الآخر كان هناك مؤشرات بأن سوريا هي الأخري حققت نجاحات كبيرة في الجولان واقتربت قواتها المدرعة من الجليل الأعلي‏...‏ إلا أنه ظهر أيضا أن القوات الجوية الإسرائيلية تركز علي التصدي للتهديد السوري المباشر علي إسرائيل‏...‏ ووقعت خسائر كبيرة للغاية‏...‏ وبدأت مصادر سوفيتية تتحدث عن رغبة سورية في وقف القتال وقد نجحت قواتها حتي تاريخه في هذا الصدام‏...‏ وسجلت في يومياتي ليوم الاثنين‏8‏ أكتوبر سعت‏2330‏ أن سوريا تميل إلي وقف إطلاق النار ويردد السوفيت هذا في أكثر من عاصمة‏'....‏ واستشعرت الكثير من القلق بل والوجل لعواقب هذا الوضع إذا ما صح أو تحقق‏....‏ إذ أن إسرائيل قد تقبل به وتركز بعد ذلك علي الجبهة المصرية‏...‏ وإنهي متابعة اليوميات لهذا اليوم الاثنين‏8‏ أكتوبر سعت‏2400'‏ أن القيادة العسكرية السوفيتية تبلغنا‏...‏ من واقع متابعة تطورات القتال أن لديها قلقا من عدم وجود عمق كاف لرؤوس الكباري‏...‏ ويطمئنهم‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ بأننا سنداوم تعميق هذه الكباري وتوحيدها في كبريين رئيسيين‏'...‏ ثم يجيء يوم الثلاثاء‏9‏ أكتوبر وأسجل في اليوميات‏....‏ سعت‏0200‏ أن هجمات العدو لازالت متفرقة وغير قادرة علي إحداث أي اختراق لكبارينا‏...‏ كما أن الجهد الجوي المعادي لم يحقق منع استمرار تعزيز وتشوين المعدات والذخيرة للجيشين في سيناء‏...‏ ثم يأتي ذكر سوريا‏....‏ مرة أخري‏....‏ وتعكس معلومات السوفيت لنا‏...‏ وبقية مصادرنا الرسمية وغيرها‏...‏ أن إسرائيل قد فرضت علي الجيش السوري الانسحاب مرة أخري من الجولان وبخسائر فادحة‏...‏ وأن هذه القوات قد حاربت ببسالة منقطعة النظير‏...‏ وبالذات الوحدات المدرعة التي الحق بها خسائر فادحة‏....‏ وعلي الجانب الآخر بدأت القوات الإسرائيلية المدرعة والجوية نشاطا عاليا ضد الجبهة المصرية وفي محاولات إما لاختراق رؤوس الكباري‏...‏ وبالذات في القطاع الأوسط للجيش الثاني أو لفتح ثغرات في دفاعات بطاريات الصواريخ علي جانب القناة في الغرب‏...‏
وتكشف اليوميات في هذه اللحظات سعت‏0200‏ من يوم‏9‏ أكتوبر صعوبة الموقف والاقتراب من الأزمة‏...‏ إذ يعود الوزير‏'‏ عبد الفتاح عبد الله‏',‏ وزير الدولة بمجلس الوزراء‏,‏ والمصاحب‏'‏ للرئيس السادات‏'‏ في قصر الطاهرة والذي حضر وشارك في كل مقابلات الرئيس مع السفراء وغيرهم‏...‏ يعود إلي قصر عبد المنعم‏(‏ الحرية‏)‏ لكي يفرغ مجموعة المقابلات التي تمت خلال اليوم‏...‏ ويكلفني الدكتور‏'‏ عبد الهادي مخلوف‏'...‏ مرة أخري‏...‏ بالإشراف علي موظف الآلة الكاتبة المناوب‏...‏ وحتي أساعده أيضا‏...‏ بالإضافة إلي الحفاظ علي سرية المضمون‏...‏ لفك طلاسم شفرة خط‏'‏ عبد الفتاح عبد الله‏'‏ الذي كان يصعب قراءته إلي حد كبير‏....‏ وأقول لقد فزعت من مضمون المحضر‏...‏ إذ كان يعكس رسالة من‏'‏ برجنيف‏'‏ السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي والمسيطر علي القرار السوفيتي من خلال المكتب السياسي للحزب‏...‏ يقول فيها‏...‏ أن سوريا ترغب في التوصل إلي وقف فوري لإطلاق النار‏....‏ وأن‏'‏ برجنيف‏'‏ يشجع هذا الاتجاه‏...‏ بل ويحث‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ علي القبول به خشية استمرار العمل العسكري وتركيزه علي سوريا وصولا إلي دمشق بكل ما يعنيه ذلك من تهديد لمستقبل الوضع بالمنطقة والمصالح السوفيتية بالإقليم وفي علاقتها بالقوة العظمي الأخري‏...‏ ويجب أن أعترف هنا أن شعورا هائلا بالجذع داخلني لاحساسي بخطورة هذه الرسالة السوفيتية‏...‏ إلا أن رد‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ كان حازما‏...‏ سوف تمضي مصر في المواجهة المسلحة حتي تحقق كامل الأهداف السياسية المصرية‏...‏ وأضفت في اليوميات‏...‏ في نفس هذه الفقرات سعت‏0200‏ من يوم الثلاثاء‏9‏ أكتوبر‏...'‏ الموقف مع سوريا تاريخي‏'...‏ الرئيس يرسل مندوبا للتحدث مع الرئيس السوري بأهمية الاستمرار في المعركة مع التحول للدفاع وبهدف استنزاف العدو‏...‏ مع طلب المزيد من العتاد من السوفيت في إطار الإمداد العسكري‏...‏ وإشراك الجيش العراقي الذي يتحرك ببطء‏.‏وأصل الآن وفي هذا الاستعراض ليوم الثلاثاء‏9‏ أكتوبر‏...‏ أي نهار هذا اليوم‏...‏ لكي أسجل سعت‏1830‏ الموقف جيد‏/‏ خسائر العدو مخيفة‏/‏ صدت جميع الهجمات المضادة ضد قواتنا‏/‏ العدو يستهلك قواته كأجزاء وليس ككل متكامل‏...‏ وهذا بسبب التسرع والرغبة في إحداث أثر علينا‏...‏ من هنا خسائره‏/‏ واللواء الإسرائيلي المدرع‏190‏ مثال علي ذلك‏/'‏ أحمد إسماعيل‏'‏ يبلغ‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ تليفونيا سعت‏1600‏ أن الألوية المدرعة الثلاثة الإسرائيلية في مواجهة قواتنا قد أصبحت غير قادرة علي القتال‏'‏ ويقول‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ أيضا أن الجيش سيتقدم مرة أخري بعد مرحلة إعادة تنظيم وترتيب أوضاع‏....‏ الوقفة التعبوية الشهيرة التي دار حولها الكثير من الحديث واللغط والتي قد أتطرق إليها في مقالات أخري‏,‏ مستقبلا‏.‏
ولا يفوتني هنا أن أذكر واقعة خلال هذا اليوم الذي اتسمت كل أخباره علي الجبهة المصرية بالإيجابية‏...‏ أن‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ وفي حديث لي معه في شرفة القصر في مساء هذا اليوم‏...‏ انه يستشعر الآن أنه يستطيع أن يلتقي وفورا مع أي مسئول إسرائيلي وبالتحديد‏'‏ إيجال ألون‏'‏ صاحب الأفكار المختلفة للتسوية مع العرب‏...‏ وفي أي مكان إذ أن الجيش ضربهم وكشف حدود إمكانياتهم‏,‏ والحقيقة فقد دهشت عندئذ لهذه الجرأة في التفكير والمبادرة‏...‏ إلا أن الحقيقة أن هذا الموقف كان يعكس تقديره الممتاز لأهداف العمل العسكري‏...‏ واستخدام نجاحاته لتحقيق المزايا والأهداف السياسية المطلوبة‏...‏
وتقترب اليوميات من سعت‏2000‏ من يوم الأربعاء‏10‏ اكتوبر لكي تقول وبالحرف‏'‏ السوفيت يضغطون علي الرئيس لقبول وقف إطلاق النار‏/‏ الرئيس يرفض بحزم‏/‏ احتد علي السفير السوفيتي وهدده بفضح الموقف السوفيتي‏/‏ طلب منه أيضا أن يستمر السوفيت بالإمداد بالمعدات والجسور والآرايل المطلوبة لبطاريات الصواريخ‏..‏ وبجسر جوي عاجل وإلا فإنه سوف يخرج للأمة بالحقيقة‏/..‏ من الواضح أن السوفيت يتعرضون لضغط أمريكي‏....‏ وهو لاشك ما يخشاه أيضا‏'‏ الرئيس السادات‏'.‏
وأصل في هذا الاستعراض للفقرة الحاسمة في هذا اليوم‏...‏ وربما في أزمة الأسبوع الأول للحرب‏...‏ عندما أتصل‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ تليفونيا بالرئيس‏'‏ الأسد‏'...‏ وقد أوضح الرئيس السوري اقتناعه بأن موقف سوريا العسكري جيد للغاية وأنها صدت الاختراقات الإسرائيلية وأوقفتها‏...‏ وقام الرئيس المصري بإبلاغ الرئيس السوري بالموقف من السوفيت‏.‏ وتأتي بعد ذلك رسالة مندوب الرئيس إلي سوريا بعد حديثه مع السوريين ويؤكد أنهم ماضون في الصدام‏...‏ وهنا يجب أن أعترف أن اليوميات تكشف ولأول مرة قلقي من الموقف السوفيتي والكثير من الشكوك التي تموج في رؤوس القادة المصريين تجاه السوفيت‏...‏ وربما أيضا بعض القلق والتحسب من الرؤية السورية للحرب وأهدافها والحاجة القوية للتنسيق السياسي والعسكري بين الجانبين العربيين اللذين كانا يعملان باتساق عسكري ولكن عن بعد عن بعضهما البعض سياسيا‏.‏
لقد حاول السوفيت إقناع‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ بقبول وقف القتال‏...‏ وتقديري أنهم كانوا يخشون أن تستخدم الولايات المتحدة إمكانياتها كلها لدعم إسرائيل وبشكل يحقق للأخيرة التفوق في المعركة وبما يؤثر تأثيرا سلبيا علي المصالح السوفيتية‏.‏ وعندما رفض وبحزم‏...‏ استشعروا الحاجة للحفاظ علي علاقتهم به مهما كانت تتصف بالتوتر أو عدم الثقة والشك‏...‏ من هنا أتخذ القادة السوفيت قرارهم ببدء الإمداد للجيشين السوري والمصري وتعويض الخسائر وتلبية الاحتياجات‏...‏ إلا أن المؤكد أن التصرفات السوفيتية تجاه الجيشين كانت تعكس تفضيل احدهما علي الآخر أو علي الأقل الإحساس بالحاجة الضرورية لدعم احدهما فورا في مقابل تزويد الثاني‏...‏ الجيش المصري‏...‏ بما يطلبه ولكن كأولوية ثانية‏.‏
وترصد يومياتي أن السوفيت وقد اتخذوا قرار الإمداد فقد حركوا بعض الوحدات المدرعة السوفيتية إلي ميناء‏'‏ اودسا‏'‏ لكي تسلم دباباتها إلي السفن السوفيتية للإبحار الفوري‏...‏ وتقول معلوماتنا المؤكدة عندئذ أن السوفيت وما بين الفترة من‏8‏ إلي‏11‏ أكتوبر أرسلوا ربعمائة دبابة سوفيتية وصلت اللاذقية في مساء يوم‏11‏ أكتوبر وجري تفريغها فورا لاستخدامها من قبل الجيش السوري الذي كان قد فقد الكثير منها‏.‏ وكان الملاحظ أيضا أن القوات الجوية الإسرائيلية ابتعدت في هذه الأيام عن ميناء اللاذقية ونتيجة لرسائل سوفيتية حادة بأن الهجوم علي أي من السفن السوفيتية في أثناء رحلتها إلي اللاذقية أو بداخل الميناء سيكون له عواقبه الخطيرة‏.‏ وعلي الجانب الآخر انتظرت القوات المسلحة المصرية لحين وصول أعداد كبيرة من آرايل بطاريات الصواريخ التي كانت تدمرها إسرائيل بشكل كثيف لتعمية الدفاع الجوي المصري‏...‏ كما انتظرنا صورايخ الفولجا ذات المدي الأبعد للدفاع بها عن القوات في عمق سيناء‏,‏ ولاشك أن صاحب فلسفة الهجوم المصري قد خطط أعمال الهجوم وتوقيتاته وإيقاعه بشكل يؤمن عدم خروج القوات البرية المصرية خارج مظلة دفاعات الصواريخ المضادة للطائرات‏....‏ كما أنه فضل عدم السماح باستهلاك القوات الجوية المصرية في صدامات مع إسرائيل قد تؤدي إلي تدميرها‏....‏ من هنا كانت أهمية الدفاع الجوي لكل فلسفة المعركة‏....‏ ومن هنا أيضا كانت اتصالات‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ التي تكشفها مقابلاته مع السفير السوفيتي تركز علي هذا النوع من الإمداد تحديدا‏...‏ وأخذنا نقترب من لحظة تطوير الهجوم‏...‏ وهي مسألة كنا ننتظرها جميعا منذ الوثوب علي خط بارليف وتدميره وضرب الهجمات المضادة المتناثرة‏....‏ وكان البعض يستشعر تأخرنا فيها وكان البعض الآخر يتفهم احتياجاتها لتأمين القوات بالكامل ضد الهجمات الجوية الإسرائيلية مثلما وسبق القول‏....‏ لقد ركز الإسرائيليون علي سوريا في الأيام الأولي لتلقيهم الضربة الافتتاحية للمعركة‏...‏ وقدر البعض وكنت منهم أن هذا التصرف الإسرائيلي في التركيز علي سوريا أولا يجافي المنطق‏...‏ إذ أن تجربة الحروب في مثل هذا النوع من الصدامات تفرض علي هؤلاء الذين يعملون علي‏'‏ خطوط داخلية‏'‏ أن يركزوا علي الطرف الأقوي والأكثر تأثيرا لهزيمته‏...‏ ثم التحول إلي الطرف الأضعف والأقل خطرا‏...‏ إلا أن المؤكد أيضا أن اقتراب المدرعات السورية من الجليل الأعلي فرض علي القيادة الإسرائيلية أن تركز علي مفهوم‏'‏ سوريا أولا‏'...‏ ومن ثم ظهر هذا الوضع الخطر الذي تعرض له الجيش السوري‏...‏ وحدوث الاختراق الذي أدي إلي هذه الحساسية المفرطة لدي السوفيت‏...‏ ثم القيادة السورية‏...‏ وفرض أيضا علي مصر أن تتحرك في اتجاه التطوير ومحاولة إما الوصول إلي الممرات بسيناء أو مجرد السعي إلي التخفيف عن سوريا بعملية برية كبيرة من الجنوب علي الجبهة المصرية‏...‏ من هنا اقتربنا من الأزمة الثانية في الحرب‏...‏ وآمل أن تكون تلك محل مقال آخر قادم يتناول أيضا اتصالات‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ الخارجية وكيف استمرت مصر في عملها الدبلوماسي النشط حتي مع استمرار صدام الدروع‏.‏ وقد يكون من المناسب وقبل أن اختتم هذا المقال أن أتطرق إلي اليوميات في يومي الجمعة‏12‏ والسبت‏13‏ أكتوبر وحيث تعكس إلي حد كبير ما كنا نستشعره من حساسية الموقف‏...‏ وقد كتبت سعت‏150‏ يوم الجمعة بأن‏'‏ موقف سوريا العسكري سئ للغاية‏/‏ تقدمت مدرعات إسرائيل نحو دمشق في اختراق عمقه‏5‏ كم السوريون يهاجمون بعنف لرد الاختراق‏/‏ ماذا سيحدث إذا ما خرجت سوريا من المعركة سنستمر طبعا‏/‏ هل فقدنا المبادأة‏/-‏ ربما‏-‏ مازلنا في انتظار الصواريخ الفولجا‏/‏ ويبلغنا السوفيت أنها ستصل اليوم أو غدا‏/‏ من الواضح أن المعركة ستكون أطول كثيرا مما تصورت‏...‏ ربما خمسة عشر يوما أخري‏/‏ سيوجه الإسرائيليون جهدهم الأساسي قريبا ضدنا‏/‏ الرئيس يمارس ضغوطه علي أمريكا من خلال دول الخليج البترولية‏/‏ كذلك من خلال استمرار الحوار مع‏'‏ كسنجر‏'‏ عبر‏'‏ حافظ إسماعيل‏'/‏ حذرنا الأمريكيين أننا سنضرب المدنيين في إسرائيل إذا ما استمرت في ضرب المدنيين المصريين‏/‏ هذا هو التحذير الثاني‏/‏ بدأ الجسر الجوي السوفيتي إلي مصر منذ الأمس‏/‏ هل سنلحق باستخدام الصواريخ الجديدة‏/‏ هل ستصلنا كميات معقولة لكي تكون مؤثرة‏/‏ أتمني‏/‏ وصلتنا معدات كباري إضافية‏/‏ أتصور أن العدو سيهاجمنا بحدة قريبا‏...‏ وسوف نرد عملياته ونهزمها ثم ننطلق تحت غطاء الصواريخ‏...‏ بل ربما ننطلق قريبا جدا قبل بدء هجوم العدو الكبير‏/‏ الموقف حساس‏..‏ لم يصل إلي كونه حرجا‏/‏ ربما بعد يومين‏/‏ أمامنا الآن ثلاث مجموعات قتال إسرائيلية‏/‏ المستشار‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ متضايق وعصبي جدا بسبب الوضع السوري‏...‏
إما ما سجلته يوم السبت‏13‏ أكتوبر في ساعاته الأولي فقد ركز علي سوريا وحيث قلت‏'‏ الهجوم المضاد السوري نجح في وقف الاختراق الإسرائيلي‏/‏ الجميع متفائل‏...‏ سوف تنجح سوريا في رد الاختراق‏'.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.