" بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو في محافظات مصر    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ جنوب سيناء يبحث مع رئيس الجهاز المركزي للتعمير عددًا من المشروعات    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    جهاد جريشة: لا بد من محاسبة من تعاقد مع فيتور بيريرا.. ويجب تدخل وزرارة الرياضة والرابطة    وليد عبدالوهاب: نهائي الكونفدرالية سيكون تاريخيا..وجاهزين بالسعة الكاملة لاستقبال الجماهير    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    انقسام إسرائيلي حول غزة يعقد سيناريوهات إنهاء الحرب    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عيار 21 الآن في السودان وسعر الذهب اليوم الجمعة 17 مايو 2024    برشلونة يعزز وصافة الدوري الإسباني بانتصار على ألميريا    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    حسين الشحات : نحترم تاريخ الترجي ولكننا نلعب على الفوز دائما    بهذه الطريقة.. اضبط تردد قناة كراميش 2024    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    بعد ساعات من انتشار الفيديو، ضبط بلطجي الإسماعيلية والأمن يكشف ملابسات الواقعة    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    سعر الفراخ البيضاء والبيض البلدي بعد ارتفاعه الجمعة 17 مايو 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    للرجال على طريقة «البيت بيتي».. أفضل طرق للتعامل مع الزوجة المادية    رد ناري من شريف الشوباشي على يوسف زيدان بعد تصريحاته عن طه حسين (فيديو)    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    مصر ترفض مقترح إسرائيلي بشأن معبر رفح    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    «السياحة» تلزم شركات النقل بالسداد الإلكتروني في المنافذ    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لراحة القلب والبال.. أفضل دعاء في يوم الجمعة «اللّهم ارزقني الرضا وراحة البال»    نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهد علي الحرب والسلام
عبقرية الأداء العسكري والسياسي في‏73‏

في هذه الحلقة من سلسلة مقالات السيد أحمد أبوالغيط وزير الخارجية‏,‏ يفند أبوالغيط الأباطيل والأكاذيب التي رددها البعض عن أن حرب أكتوبر المجيدة كانت مجرد تمثيلية افتعلها الرئيس الراحل أنور السادات. بالاتفاق مع أمريكا‏..‏ ويؤكد الوزير أن مصر ما كانت أبدا لتنسي دماء شهدائها الأبرار‏,‏ وأن هذه الحرب كشفت أن صلابة المقاتل المصري يجب وضعها في الاعتبار عند أي مواجهة‏,‏ ويشرح الوزير كيف أن مصر عزمت علي الدخول في صدام عسكري حكيم ومحسوب يؤدي إلي نشوء وضع استراتيجي جديد بالمنطقة‏..‏ وإلي المقال‏:‏
مع الاقتراب من نهاية مجموعة المقالات الخاصة بحرب أكتوبر‏,‏ أود في هذا المقال أن أعالج بعض النقاط التي كان قد ثار حولها علي مدي السنوات الأخيرة جدل كبير‏...‏ وأراه غير عادل أو موضوعي‏...‏ وتم تناوله بعد رحيل الرئيس السادات وكذلك في أعقاب مبادرته للسلام وزيارة القدس‏...‏ وهو جدال أطلقه البعض‏...‏ بأن هذه الحرب كانت ملفقة وأنها تمت فقط لإتاحة الفرصة لمصر لتحقيق تسوية غير عادلة لها أو للعرب‏...‏ وكأن دماء شهداء مصر في هذا الصدام غير المسبوق مع إسرائيل تم التضحية بها في تمثيلية باهظة الثمن‏...‏ بل وذهب البعض إلي القول‏...‏ بأن مصر أبلغت الجانب الأمريكي عمدا بحدود وأطر أهدافها العسكرية من هجومها عبر القناة‏...‏ وذلك لتأمين التفهم الأمريكي لهذا العمل ومقتضياته‏...‏ ومن ثم التجاوب الأمريكي معه‏...‏ وكأن الحروب والصدامات يمكن أن تحاك وكأنها تمثيلية محبوكة الأطراف وذات دائرة مغلقة لا يستطيع أحد النفاذ إليها‏...‏ أو وكأن الدول الكبري أو الصغري لا تستطيع أن تقرأ بدقة قدرات وإمكانيات الخصم أو الأطراف المتصارعة في نزاع مثل الشرق الأوسط وما يمكن لها القيام به أو تعجز عنه‏.‏
ويمكنني القول وبأكبر قدر من الثقة في التحليل‏...‏ أن من تابع الأوضاع الإستراتيجية والتكتيكية للقوات المسلحة المصرية وقدراتها وإمكانياتها‏...‏ كان سيصل إلي نتيجة مفادها دائما‏...‏ أن هذه القوات وان فكرت في اقتحام قناة السويس واحتلال خط بارليف‏...‏ فإن المتاح أمامها بعد ذلك‏...‏ كان إما البقاء في مواقعها في رأس جسر محدود الاتساع لفترة زمنية غير معروف مداها أو بحد أقصي‏...‏ القدرة علي الوصول إلي ممرات سيناء ذات الأهمية الرئيسية‏,‏ وبالذات في المحور الجنوبي لجبهة القناة‏...‏ ولعل أسلوب وبناء الدفاع الإسرائيلي المتحرك علي الجبهة الجنوبية المصرية كان يؤشر إلي الفكر الإسرائيلي في هذا الصدد‏.‏ وحيث كانت إسرائيل تقدر أنه وبافتراض تحطيم حصون قناة السويس ونجاح الجيش المصري في إقامة رأس جسر علي طول المواجهة إلي الشرق من القناة‏...‏ فإن القوات المدرعة والميكانيكية الإسرائيلية ستعتمد علي قاعدة عمليات في المناطق الأكثر ارتفاعا إلي الشرق من القناة إما دفاعا أو هجوما‏...‏ وللعمل ضد أي تواجد مصري في الشرق إما بهدف القضاء عليه أو النفاذ إلي حد المياه من ثغرة تحققها وحيث تقوم بالعبور إلي غرب القناة للتطويق أو الاحتلال‏.‏
من هنا فان الباحث الجاد في التوجهات المصرية والتي يمكن رصدها في مواقف الرئيس السادات‏...‏ والمشير أحمد إسماعيل علي‏...‏ وغيره من كبار المسئولين المصريين‏...‏ في اجتماعهم في‏30‏ سبتمبر‏1973(‏ الذي تناولناه في المقال السابق‏)‏ يتبين أن الجميع كان يعلم بأن القوات المسلحة المصرية تقل في قدراتها وإمكانياتها عن الإمكانيات العسكرية الإسرائيلية‏...‏ ومن ثم فقد قررت قيادة الجيش‏...‏ وتمشي معها القائد الاعلي بأن تكلف هذه القوات المصرية بالقيام بعملية عسكرية كبيرة‏...‏ تتناسب مع إمكانياتها وقدراتها ولا تستهدف بحال من الأحوال تخليص سيناء كلها من خلال ضربة واحدة‏.‏ ومثلما قال أحمد إسماعيل علي سوف نعمل في حدود إمكانياتنا وبواقعية‏...‏ والعدو متفوق علينا حاليا من حيث نوعية السلاح والطائرات إلا أن ذلك ليس معناه أن العدو سيكسب المعركة ضدنا‏...‏
من هنا أيضا فإن الخلاصة التي يمكن الوصول إليها هي أن مصر كانت تسعي للدخول في صدام مسلح محسوب وبحيث تنتهي المواجهة المسلحة وقد حققت مصر نجاحات عسكرية واضحة ومؤثرة تؤدي إلي تعديلات جوهرية ليس فقط في أوضاع القوات علي الأرض بين الجانبين وإنما تحقق لمصر أيضا أوضاعا سياسية إستراتيجية ما كان لها أن تحققها إلا من خلال عمل عسكري تثبت فيه القدرة العالية لقواتها المسلحة‏.‏ علي الجانب الآخر كان التحرك المصري في قمة الحكمة والقدرة علي المناورة والفاعلية عندما انفتح علي الولايات المتحدة أثناء الصدام المسلح واستجاب لرغبة الأمريكيين في التحاور‏...‏ رغم عنف المعركة المسلحة والمعرفة الكاملة بأن أمريكا ستقف إلي جانب إسرائيل وتتيح لها كل الإمكانيات التي يفترض أن تمكنها من هزيمة الجهد العسكري المصري‏...‏ كما أوضحت تطورات المواجهة فاعلية صاحب القرار المصري في طرح أفكاره ومبادراته سواء من خلال الحوار مع الأمريكيين في رسائل حافظ إسماعيل إلي كسنجر‏...‏ والرئيس السادات إلي نيكسون أو في المواقف العلنية التي أطلقها الرئيس أمام مجلس الشعب المصري يوم‏16‏ أكتوبر‏.‏
ولعل القارئ الكريم يتبين أن هذه المبادرات والمواقف المصرية لم تكن وليدة الساعة‏...‏ أي وليدة النجاح العسكري المصري الذي تحقق علي مدار الأيام العشرة الأولي للحرب بالتحديد‏...‏ وإنما جاءت من خلال الإعداد المسبق مثلما تحدث الدكتور أشرف غربال أمام اجتماع‏30‏ سبتمبر بأهمية طرح مبادرات ومواقف مصرية تعكس رغبة مصر في التسوية السياسية رغم كل ظروف الحرب‏...‏ وهي أطروحات كنا جميعا في مجموعة عمل مستشار الأمن القومي علي إطلاع علي كل عناصرها ولفترة طويلة سابقة علي بدء الحرب‏...‏
لقد صدم كل أبناء مصر لنتائج مواجهة عام‏...67‏ والمؤكد أن كل المصريين بكل مناهجهم كانوا يثقون بأن رد الاعتبار المصري لن يأتي أو يتحقق إلا من خلال توجيه ضربة مساوية ومكافئة لما تعرضت له مصر علي يد إسرائيل في‏5‏ يونيو‏...67‏ كما فهم المصريون وبعمق أسباب هزيمة‏...67‏ من هنا عالجوا في‏73‏ كل مشاكلهم قدر الإمكان وبما أتاحته الظروف‏...‏ وفهموا أنه لا يجب أن توضع القوات المسلحة المصرية مرة أخري في هذا الوضع السياسي‏/‏ والعسكري‏/‏ والاستراتيجي الذي أدي إلي هزيمتها بهذا الشكل الذي شهدناه في‏5‏ يونيو‏...‏ ومن ثم أنهيت المواجهة في اليمن‏...‏ وعاد الجيش إلي مصر‏...‏ وكان عدد قواته هناك كبيرا‏...‏ وأعيد تأهيل القوات وتسليحها وتمكينها من الحصول علي قيادات عسكرية مؤهلة مع إعادة تنظيمها بقواعد وقوانين صارمة‏...‏
وعاد الانضباط لها‏...‏ وابتعدت عن العمل السياسي أو إدارة الدولة‏...‏ وأصبحت بالتالي‏...‏ جاهزة لبدء عمليات أكتوبر‏...73‏
ومرة أخري‏...‏ أعود للحديث عن هذا الجيل من شباب مصر الذي كان يبلغ من العمر في عام‏...67‏ منتصف العشرينات أو أكثر قليلا‏...‏ لقد قاد هذا الجيل‏...‏ جيلي‏...‏ الكتائب والسرايا والوحدات الصغيرة التي قاتلت في حرب الاستنزاف‏...‏ ومعارك الخنادق‏...‏ وقصفات المدفعية‏...‏ وطلعات الطيران‏...‏ وكنت أعمل وقتها دبلوماسيا صغير السن في سفارة مصر بقبرص‏...‏ والحقيقة أنني كنت استشعر قدرا لا بأس به من الخجل وأنا أتابع وأري العشرات من اصدقائي وهم يقاتلون في جبهات القتال ومواجهات المقاتلات‏...‏ وهم بعيدون عن أسرهم وأطفالهم‏...‏ وأنا وأسرتي نقيم في قبرص ونعمل بالعمل الدبلوماسي الذي لا يقارن هدوؤه برحي الحرب الدائرة‏...‏ وقررت أنني لا يمكن أن أقبل بذلك‏...‏ وأخذت أشارك في أعمال‏...‏ من خلال التطوع والتصميم‏...‏ للمخابرات والعمل السري ضد إسرائيل‏...‏ وهي مسائل لا يجب أن أتطرق إليها الآن وسوف يحين الوقت عندما أتحدث بها وأكتب فيها‏...‏
وأقول أننا كنا‏...‏ هذا الجيل‏...‏ نعلم علم اليقين أننا يجب أن نرد الاعتبار لبلدنا‏...‏ ومن ثم وبمجرد انضمامي إلي مجموعة عمل مكتب مستشار الأمن القومي المصري في أوائل أغسطس‏...1972‏ انطلقت في المشاركة في كل ما كان يمكن أن يساهم في خدمة الأهداف الإستراتيجية المصرية في إطارها السياسي‏...‏ بل أجدني أقول وتجرأت‏...‏ بتشجيع من الدكتور عبد الهادي مخلوف مدير المكتب‏...‏ والمستشار أحمد ماهر السيد‏...‏ في الكتابة في بعض المسائل العسكرية التي كنت ولعا بالقراءة النهمة فيها‏...‏
وكان حافظ إسماعيل‏...‏ من السماحة أن قبل بقراءة ما كنت أكتبه وأقوم بعرضه عليه من أفكار ومبادرات بشكل أسبوعي‏...‏ وكنا جميعا أعضاء هيئة الأمن القومي نعي أهمية التفكير الخلاق‏...‏ والمبادرة بطرح الأفكار الجديدة أو المقترحات التي تسعي لدعم فاعلية العمل المصري‏...‏ لقد كانت فترة مليئة بالتوقد والتوتر والإحساس بالحاجة لقبول التحدي‏...‏ وأتذكر اليوم وبعد أن أطلعت علي بعض الأوراق التي توافرت لي كصور لمذكرات كنت أكتبها عندئذ تضمنها الكثير من الأفكار التي كانت تدور في الأفق في حينه‏.‏
وعلي سبيل المثال فقد وجدت في أوراقي مذكرة كتبت في‏3‏ يونيو‏73‏ وعرضت في حينه علي مستشار الأمن القومي وتناولت مسألة الخداع الاستراتيجي توطئة للحرب‏...‏ وجاء نصها علي النحو التالي‏:‏
حول التحضير للصدام العسكري
مع العدو وخطة الخداع الاستراتيجي
‏1-‏ تتفق جميع الآراء في ضرورة وجود خطة للخداع الاستراتيجي والعسكري‏,‏ كي تطبق عند وقوع الصدام المسلح مع العدو‏,‏ لتحقيق هدف إخفاء توقيت بدء العمليات الحربية‏,‏ واتجاهات ومحاور الهجوم‏.‏
‏2-‏ وبطبيعة الحال‏,‏ فإن خطة الخداع تلك‏,‏ يجب أن تتناسب مع حجم العمليات المتوقعة‏,‏ والأهداف المطلوب تحقيقها من خلالها‏.‏
‏3-‏ وبافتراض أن مصر‏,‏ ستلجأ إلي احداث صدام عسكري مع العدو‏,‏ فإنه قد يري النظر في النقاط التالية لتضمينها في عناصر خطة الخداع الاستراتيجي لمصر‏:‏
أ‏-‏ النظر في استخدام شخص رئيس الجمهورية‏,‏ كأحد عناصر تلك الخطة‏,‏ لتضليل العدو عن توقيت‏,‏ أو نوايا مصر الحربية‏,‏ وذلك علي الوجه التالي‏:‏
‏(1)‏ أن يقوم السيد الرئيس‏,‏ بزيارة إحدي الدول العربية‏,‏ ولتكن الجزائر مثلا‏,‏ في يوم‏(‏ ي‏1),‏ علي أن تقوم وسائل الاعلام المصرية بالإشارة إلي أن هدف الزيارة‏,‏ هو بحث الموقف العسكري والسياسي المتوتر في الشرق الأوسط‏,‏ وضمان مشاركة الجزائر في الصدام القادم‏.‏ وأن الزيارة ستستمر لمدة يومين مثلا‏.‏
‏(2)‏ أن يعود السيد الرئيس سرا إلي القاهرة‏,‏ في نفس ليلة السفر‏.‏
‏(3)‏ قد تعطي تلك التحركات بجانب بقية عناصر الخداع الاستراتيجي والعسكري إحساسا بالأمن الكاذب لدي العدو‏,‏ وذلك بافتراض عدم رغبته في توجيه الضربة الأولي‏.‏ إذ قد يتصور العدو أن مصر لا يمكن أن تبدأ الأعمال الحربية الواسعة‏,‏ إلا بعد انتهاء زيارة السيد الرئيس للخارج‏.‏ ويلاحظ في هذا الشأن‏,‏ أن شق الخداع العسكري سيتكفل باخفاء تحضيرات العمليات‏,‏ أو توقيتها‏,‏ أو المحاور المختارة‏.‏
ب‏-‏ قد يري النظر أيضا في مجموعة العناصر التالية في إطار الخداع الاستراتيجي‏:‏
‏(1)‏ أن يقوم أيضا السيد وزير الحربية‏,‏ أو شبيه له‏,‏ بزيارة دولة عربية أخري‏,‏ في ذات التاريخ وفي قمة التوتر السياسي والعسكري‏,‏ بدعوي التحصل علي مزيد من الدعم‏,‏ ولتحقيق نفس الهدف الوارد في البند السابق‏.‏
‏(2)‏ استغلال التوتر السياسي والعسكري الذي سيسبق بدء العمليات‏,‏ في قيام السيد الرئيس بالدعوة لعقد مؤتمر قمة عربي لن يعقد في الحقيقة‏,‏ لبحث وتحديد مسئوليات الأمة في الصراع مع إسرائيل‏.‏ علي أن يقترح موعد عقده في تاريخ لاحق لبدء العمليات‏.‏ وليكن‏(‏ ي‏-3)‏ مثلا‏,‏ ومن ثم قد يوهم العدو أن العمل العسكري العربي لن يأتي إلا بعد الانتهاء من المؤتمر‏.‏
‏(3)‏ قيام وزارة الخارجية بإرسال برقية أو برقيتين رمزيتين إلي جميع بعثاتنا في الخارج‏,‏ تشير في الأولي مثلا إلي وجود نوايا عدوانية لدي العدو‏,‏ وتطلب من السفارات تكثيف نشاطها لاستشفاف نوايا إسرائيل في هذا الاتجاه‏.‏
كذلك قد تبلغ السفارات بالرمز‏,‏ ببيان يتضمن سمات وشواهد التعبئة العامة في إسرائيل‏.‏
وقد تساعد مثل هذه البرقيات المطولة إذا ما كسرت في إقناع العدو أن التفكير المصري هو كعادته ينتظر الضربة الإسرائيلية‏,‏ ولا ينوي البدء بها‏.‏
‏(4)‏ من المتصور وجود عشرات من النقاط التي يمكن تضمينها في خطة الخداع الاستراتيجي علي الصعيدين الداخلي والخارجي‏.‏ وقد يري النظر في تشكيل لجنة من وزارة الخارجية الحربية الاعلام المخابرات العامة‏,‏ لوضع خطة متكاملة‏,‏ تنفذ في توقيتات محددة‏,‏ تتلاءم مع التطورات‏,‏ ومع مراحل الاقتراب من الصدام المسلح‏,‏ علي أن يكون لديها التصور المصري الكامل لشكل الاقتراب من هذا الصدام‏.‏
وأثق اليوم أن من يقرأ هذه المذكرة وهذا الأسلوب في التفكير‏...‏ ولو بعد مرور‏37‏ عاما‏...‏ سيصل إلي خلاصة مفادها أن مسألة الحرب والمواجهة والصدام ورد الاعتبار كانت أمرا متداولا علي مستوي الأجهزة المصرية العاملة في حقل الأمن القومي المصري‏...‏ وأن الإعداد للعمل العسكري المصري كان يتم علي قدم وساق وذلك مثلما جاء في مقال آخر من خلال مذكرة أخري أعددتها وعقب عليها حافظ إسماعيل بشكل مستفيض‏.,‏ المقال المنشور في عدد الأهرام الصادر يوم‏27‏ أكتوبر‏2009].‏
كما وجدت في هذا المجال بين أوراقي الشخصية مذكرة أخري قدمتها إلي السيد حافظ إسماعيل بتاريخ‏5‏ ديسمبر‏1972‏ حاولت خلالها أن أوظف فكرة إعداد وقوع اشتباك جوي معد له إعدادا جيدا مع مقاتلات العدو وبما يحقق له خسائر وأن يتم ذلك الاشتباك في التوقيت الذي قررت فيه مصر أن تذهب إلي الجمعية العامة لعرض قضيتها وبما يقنع المجتمع الدولي بخطورة الموقف واحتمالات تدهوره ومن ثم فقد يقنع هذا التطور‏,‏ الدول الكبري للمزيد من التدخل في القضية وبدافع تسويتها‏...‏ وجاءت صياغة هذه المذكرة علي الوجه الآتي‏:-‏
حول الموقف بالشرق الأوسط
‏1-‏ تتحرك أزمة الشرق الأوسط حاليا في الاطار التالي‏:‏
أ‏-‏ العمل السياسي المصري في الجمعية العامة‏.‏
ب‏-‏ التنشيط العسكري السوري في جبهة الجولان‏.‏
‏2-‏ من المتصور أن المناخ الذي تتحرك في إطاره الأزمة‏,‏ يسمح لمصر بالقيام بعمل عسكري منفصل‏ISOLATED‏ ومحدود‏,‏ وذلك في شكل اشتباك جوي معد له ومخطط مسبقا‏.‏
‏3-‏ يتيح هذا الاشتباك الجوي لمصر شريطة تكبيده لإسرائيل خسائر في مقاتلاتها أو علي الأقل‏,‏ الخروج بمعركة متوازنة جني النتائج التالية‏:‏
أ‏-‏ ممارسة الضغط علي مناقشات الجمعية العامة‏.‏
ب‏-‏ تأكيد خطورة تفجر الوضع بالمنطقة‏,‏ خاصة وأن مثل هذه الحوادث تتبعها اهتمامات اعلامية دولية كبيرة‏.‏
ج‏-‏ إظهار مشاركة مصر أيضا أمام الدول العربية للنشاط العسكري المتصاعد بالمنطقة‏.‏
د‏-‏ محاولة التأثير علي نظرة العدو‏,‏ تجاه القدرة العسكرية المصرية‏.‏
ه‏-‏ التأثير علي الجبهة الداخلية بمصر ورفع الروح المعنوية للقوات المسلحة المصرية‏,‏ بعد انتهاء اثر تداعيات الإحداث الأخيرة بها‏.‏
‏4-‏ يمكن القول في سياق تحليل وقياس رد الفعل الإسرائيلي ان إسرائيل لا ترغب حاليا في تحريك الموقف عسكريا‏,‏ علي الجبهة المصرية‏,‏ وقد وضح ذلك في تصرفاتها فور نشوب العمليات الأخيرة علي الجبهة السورية‏.‏ ومن ثم يمكن توقع عدم حدوث رد فعل عسكري إسرائيلي قوي‏,‏ تجاه هذا العمل المصري المنعزل والمحدود والذي يمكن ترجمته بأنه اشتباك تقليدي مماثل لما يحدث بين الحين والآخر‏.‏
كان مستشار الأمن القومي يقرأ كل هذه المذكرات مني أو من أعضاء المكتب الآخرين بالكثير من الاهتمام‏...‏ فإذا ما استفزته الأفكار‏...‏ يقوم بالتحدث طويلا مع العضو أو يكتب له تعقيبا قصيرا أو مستفيضا بخط جميل ومنمق في الصفحة وبشكل يثير الدهشة‏...‏ كما أنه وفي احيان أخري كان يوقع بالحروف الأولي علي المذكرة ويطلب القيام بإجراء أو مجرد التأشير بأنه قد أطلع علي الموضوع مثلما فعل فعلا مع المذكرة المشار إليها بعاليه‏...‏ وطبقا لهذا النهج‏...‏ كنت قد عرضت عليه في منتصف يوليو‏1973‏ ورقة أخري أعددتها في حينه اقترح فيها فكرة استغلال الجمود الحالي في الموقف العسكري‏,‏ وفشل مجلس الأمن في التوصل إلي الموافقة علي مشروع قرار سعت مصر لطرحه عليه ويتضمن الإطار العام لعناصر التسوية‏...‏ نتيجة للفيتو الأمريكي‏...‏
أقول اقترحت عليه قيام قواتنا المسلحة بعمل عسكري مفاجئ ومحدود‏...‏ أطلقت عليه عملية إغارة بقوة وتتمثل في قيامنا بنقل لواء من القوات الخاصة بالابرار الجوي إلي منطقة شرم الشيخ‏...‏ وقيامنا بتدمير كل تجهيزات العدو في هذه المنطقة علي مدي نصف نهار مع انسحابنا في المساء أو الفجر‏...‏ وأشرت في هذا السياق إلي أهمية الحصول علي السيطرة الجوية علي مستوي المنطقة وأخذت أدافع في الورقة عن الفكرة وأنها ترسل إلي العدو رسالة جادة بأن لمصر قدرات وأسنان حادة كما أن ذلك كان سيفرض علي القيادة الإسرائيلية إبقاء قواتها وعلي مواجهة عريضة في درجات عالية من التيقظ والطوارئ‏...‏ وما لذلك بطبيعة الحال من آثار علي معنويات القوات المعادية‏...‏ وقد قرأ حافظ إسماعيل الورقة ووقع بالحروف الأولي عليها ولم أتجرأ في سؤاله عن رأيه أو موقفه مما طرحته‏...‏
ومرت عدة أسابيع وسافرت مع مستشار الأمن القومي في مهمة قصيرة لمقابلة كل من الرئيس الروماني تشاوتشيسكو والرئيس اليوغسلافي تيتو‏...‏ للتحدث حول رؤيتهما لقدرة رئيسة الوزراء جولدا مائير علي التوصل إلي تسوية سلمية مع مصر‏...‏ وهي مهمة قام بها حافظ أسماعيل بدعوة من رئيسي البلدين للرئيس السادات لإيفاد شخصية مصرية للتحدث معهما حول عروض تعرضها إسرائيل‏...‏ وأثبتت هذه المحاولات أن العروض الإسرائيلية لم تكن تتجاوز الاتفاق علي الانسحاب الجزئي الإسرائيلي إلي ممرات سيناء وأن تقوم بافتتاح قناة السويس وإعادة تسكين مدن القناة‏...‏ وفي رومانيا وعلي أحد شواطئ البحر الأسود في منطقة تسمي مانجاليا أخذ حافظ إسماعيل يتذكر قراءاته وولعه بالبحث في دراسة موضوعات الحرب العالمية الثانية‏...‏ ونظر إلي بنظرة ثاقبة وعميقة وقال‏:‏ لا استطيع أن أوافقك أو أقبل بفكرة قيامنا بتعريض قواتنا المنقولة جوا لخسائر كبيرة من جراء ما تقترحه في مذكرتك يا أحمد‏...‏ انت تفترض حصولنا علي السيطرة الجوية المحلية فوق منطقة شرم الشيخ‏...‏ وهو أمر بالغ الصعوبة‏...‏ أن قواعدنا الجوية في المنطقة ليست كافية‏...‏ ومقاتلاتنا ينقصها المدي‏...‏ أنت تفكر في الإغارة بقوة علي نمط غارة دييب علي الساحل الفرنسي في عام‏...42‏ لقد كانت كارثة للحلفاء وخسر فيها الكنديين الكثير من أفرادهم‏...‏ بل وبلغت خسائر الحلفاء ما بين قتيل وجريح واسر ما يقرب من خمسة آلاف فرد‏...‏ واهتزت معنويات الحلفاء‏...‏ لا أوافق علي عمل بهذا الشكل‏...‏
لقد تبينت لحظتها أنه أي حافظ إسماعيل لم يقرأ فقط المذكرة‏...‏ بل أنه فكر مليا فيها‏...‏ كما أنه استوعب الفكرة بالكامل من واقع قراءاته في الحرب العالمية الثانية‏...‏ ويجب هنا أن اعترف أن الفكرة ذاتها جاءتني بعد قراءات مختلفة حول إغارة دييب التي تناولها هو بالتعقيب‏...‏
لقد كان محور التفكير والعمل مع مستشار الأمن القومي‏...‏ هو البحث الدائم في كيفية تأمين مناخ سياسي يوفر كل الإمكانيات لضربة مصرية عسكرية تغير من موازين الموقف‏...‏ ووقعت الضربة‏...‏ وحققت أهدافها العسكرية والسياسية في نهاية المطاف رغم لحظات حساسة أو ربما مخيفة اهتزت فيها الأمور أمام الكثير منا‏...‏ إلا أننا وفي نهاية المطاف نجحنا في تحريك المياه الراكدة والتحرك في اتجاه تسوية سياسية تعتمد علي فاعلية وكفاءة وقدرة القوات المسلحة المصرية وكذلك من خلال الوقفة البترولية العربية الصارمة وأخيرا نتيجة للنجاح في دفع الولايات المتحدة لأخذ مسئولية تحقيق السلام علي عاتقها‏...‏
لقد قيل الكثير‏...‏ وتساءل الكثيرون عن أسباب عدم مضي مصر في الصدام المسلح أثناء الفترة الصعبة التي مرت بها قواتنا في منطقة الاختراق والثغرة الإسرائيلية‏...‏ ولم يتبين هؤلاء‏...‏ أن مصر كانت تتلقي سلاحها كله من الاتحاد السوفيتي‏...‏ وأن السوفيت كانوا يعطون أولوية للإمداد السوفيتي الكثيف لسوريا باحتياجاتها من السلاح‏...‏ وأن محاولات الرئيس السادات والقادة والمسئولين المصريين في إقناع السوفيت بموافاتنا بكميات من المعدات والمقاتلات تؤمن لنا ضرب الاختراق‏...‏ كانت تواجه بتعقيدات كثيرة من قبل السوفيت‏...‏ لقد كان الاتحاد السوفيتي يرصد التحرك نحو أمريكا وكلما اقترب منا كسنجر أو اقتربنا من واشنطن كلما ابتعد السوفيت عنا‏...‏ وكان ذلك جوهر الموقف المعقد‏...‏ كنا نري أن الولايات المتحدة‏...‏ وبعد الضربة العسكرية‏...‏ هي المفتاح لتحقيق التسوية‏...‏ وكنا نأمل في نفس الوقت الإبقاء علي قدرات عسكرية عالية يتيحها السوفيت الذين كانوا لا يثقون في النوايا المصرية‏...‏ إلا أنهم‏...‏ علي الجانب الآخر‏...‏ لم يكونوا قد فقدوا الأمل في الحفاظ علي علاقة مصرية‏/‏ سوفيتية إيجابية‏...‏
لقد كشفت معركة‏...73‏ وكذلك مأساة‏...67‏ أن من لا يصن ع سلاحه أو يوفر مصادر أجنبية متواصلة وسريعة له يبقي دائما رهنا للضغوط‏...‏ كما أن عليه أن يتجنب الدخول في مواجهات مسلحة واسعة‏...‏ لان خسرانه لسلاحه دون تعويض مناسب ومؤكد‏..‏ سوف يؤدي إلي خسرانه للكثير‏.‏
لقد دارت الكثير من النقاشات والحوارات حول تأخر القوات المسلحة في تطوير الهجوم فور تحقيق الصدمة وهزيمة العدو بشكل كامل في حصون خط بارليف‏...‏ وانه كان ينبغي التحرك وبسرعة لاستغلال النجاح والوصول إلي الممرات واحتلالها ومنع عودة العدو إلي مناطق غرب سيناء‏...‏ وكنت خلال هذه الأيام الأولي للنجاح المصري اكتب لنفسي وبشكل مستمر‏...‏ عن الحاجة لعدم التوقف وأهمية استغلال النجاح‏...‏ وكتبت في يومياتي سعت‏0200‏ يوم الأربعاء‏10‏ أكتوبر‏...‏ أي بعد ثلاثة أيام ونصف من بدء العمليات‏...‏ أن هناك خشية من المواقف الأمريكية ثم تساءلت‏...‏ عما إذا كنا نستطيع إقناع الأمريكيين بأننا لا ننوي الاستمرار في الصدام العسكري لما بعد تحقق الوصول إلي ممرات سيناء‏.‏ وكانت هذه هي المرة الأولي التي تظهر فيها الإشارة إلي الممرات كهدف عسكري مصري‏...‏ ثم عدت إلي المسألة مرة أخري فيما سجلته في نفس اليوم‏,‏ الأربعاء‏10‏ أكتوبر‏]‏ سعت‏1900‏ وتساءلت‏...‏ متي ننطلق إلي الممرات‏.‏
واستمرت المعركة وتم تطوير الهجوم يوم‏14‏ أكتوبر‏...‏ واهتز الموقف بعد ذلك حتي وصلنا إلي وقف إطلاق النار يوم‏28‏ أكتوبر‏...‏
لقد تبين الكثيرون في حينه أنه كان من الضروري تطوير الهجوم والوصول إلي الممرات فور ضرب الهجمات المضادة غير المؤثرة التي قام بها العدو في الفترة من‏8‏ حتي‏10‏ أكتوبر‏...‏ وأنه لما كان الوقت علي التطوير قد فات في حينه‏...‏ فما كان علي الجيش أن يطور الهجوم بعد هذا التاريخ وكان يجب الاكتفاء بالدفاع الصلب الذي هزم كل الضربات المضادة والاحتفاظ بالقوات المدرعة كاحتياطي استراتيجي سواء في الشرق أو الغرب‏...‏
وأقول اليوم أنه وإذا ما كنا قد تمسكنا بالأرض‏...‏ دون تطوير للهجوم لما كنا قد تعرضنا للوضع الذي حل بنا بعد‏16‏ أكتوبر‏...73‏ ولكانت التسوية المصرية‏/‏ الإسرائيلية قد تحققت بشكل أسرع كثيرا عما تم علي مدي السنوات التالية بين نوفمبر‏73‏ وحتي أبريل‏...1982‏ وإن كنت أتصور أن هذه التسوية كانت ستتم بنفس المعايير والأطر التي تمت بها في نهاية الأمر بعد صدمة زيارة القدس‏.‏
لقد كانت زيارة السادات للقدس بمثابة تطوير للهجوم ووثبة للأمام في إطار هدف قومي وإستراتيجية يتناوب فيها العمل العسكري ثم السياسي أدواره المتتابعة‏.‏
لقد وقعت أخطاء فادحة أثناء مكافحة الثغرة والاختراق‏...‏ إلا أنه وباستعادة التوازن للقوات‏...‏ فقد وضح عندئذ أن إسرائيل قد وضعت قواتها أيضا في متناول العقاب المصري‏...‏ ومن ثم رأي الجانبان المصري والإسرائيلي‏...‏ وبمساعدة أمريكية نشطة‏...‏ أهمية تفادي تجديد الصدام والعودة إلي العمل السياسي عبر الولايات المتحدة‏.‏
وتبقي نقطة أخيرة استشعر أهمية التحدث فيها حول الأسباب الحقيقية لقرار التطوير المتأخر‏...‏ وهل جاء فعلا للتخفيف عن سوريا‏.‏ وإذا كنت استشعر أن هذا التسبيب صحيح إلي حد ما‏,‏ إلا أن حقيقة الأمر في تقديري تتمثل في أن النجاح المحقق في العبور وتدمير خط بارليف وظهور فاعلية قواتنا المسلحة في ضرب هجمات مضادة إسرائيلية متعجلة ومع التأكد من تأثير القوات الجوية المصرية التي كان هناك دائما خشية عليها‏...‏ قرر الرئيس السادات أن يمضي في قرار التطوير متأثرا بهذه النجاحات ودون الأخذ في الحسبان عواقب الفشل وأخطاره‏.‏ من هنا أقول أن تخلي السادات عن حذره أدي إلي نتائج ضارة بنا‏,‏ إلا أنها ولا شك الحرب‏..‏ في كل أبعادها وضبابها‏...‏
في الخلاصة‏,‏ هناك عدة نقاط يهمني أن أختتم بها هذه السلسلة من مقالات حرب أكتوبر وهي‏:-‏
أولا‏:‏ أنني رأيت اللواء أركان حرب حسني مبارك قائد القوات الجوية المصرية لأول مرة في قصر عبد المنعم عندما حضر ليومين متتاليين في ساعة متأخرة من المساء لكي يقابل الرئيس السادات في خضم المعركة وخلال أيامها الحاسمة ابتداءا من اللحظات الصعبة والحاسمة يوم‏18‏ أكتوبر‏...‏ لقد رأيت عسكريا هادئا للغاية يتحدث ويتناول الأمور الصعبة بشكل تحليلي عميق وبدون صخب أو توتر‏...‏ وكان لي أحاديث مع أحمد ماهر السيد وحيث كنا نعبر عن استغرابنا لهذا الهدوء الذي يعكسه وجه قائد القوات الجوية التي تتحمل الكثير من المهام في هذه الظروف بالغة الحساسة وكان الملاحظ انه قبل بدعوة مستشار الأمن القومي للعشاء قبل الذهاب لمقابلة الرئيس السادات في قصر الطاهرة‏.‏
ثانيا‏:‏ أن نتائج الحرب ظهرت بشكل مبكر جدا‏...‏ وحيث التزمت الولايات المتحدة بتنفيذ تسوية سياسية‏...‏ أعادت في نهاية الأمر كل الاراضي المصرية في سيناء إلي الوطن الأم‏...‏ وقد يقول قائل أنه كان بإمكاننا أن نفعل هذا أو ذاك‏...‏ وقد يكون أصحاب هذا الرأي صائبون في قراءاتهم للموقف‏...‏ إلا أن المؤكد أن الرئيس السادات كان قد وصل في نهاية عام‏73‏ إلي نهاية الطريق مع السوفيت وافترق الجانبان واتجهت مصر إلي استعادة علاقة بدأت تنحي وبسرعة إلي شكل العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة‏...‏ لقد طبقت مصر وبدقة المقولة البريطانية الشهيرة‏...‏ أنه لا عداوات دائمة أو صداقات دائمة في علاقات الدول‏...‏ ولكن مصالح دائمة تحركها‏.‏
وقد تحركت مصر وراء مصالحها بشكل أساسي مع الإبقاء علي سعيها والتزامها لمساعدة سوريا وتأييدها لحقوق الفلسطينيين‏.‏
ثالثا‏:‏ أن السنوات التالية لانتهاء الصدام المسلح في عام‏73‏ وبدء التسوية السياسية علي مراحل‏...‏ شهدت انطلاقا سياسيا وتوسعا استراتيجيا ضخما للإتحاد السوفيتي‏...‏ وظهر السوفيت من خلال شركاءهم الكوبيين واليسار الدولي والأفريقي في مناطق مثل أنجولا‏/‏ موزمبيق‏/‏ إثيوبيا وغيرها‏...‏ ثم جاء التحرك السوفيتي في احتلال أفغانستان‏...‏ وبدأ الغرب في مواجهة هذا التوسع السوفيتي‏...‏ خاصة وأن الولايات المتحدة استشعرت الهزيمة في فيتنام وأنها قد أصبحت في وضع الدفاع الاستراتيجي‏...‏ وضغط الغرب علي السوفيت‏...‏ وامتد سباق التسلح إلي آفاق جديدة غير مسبوقة‏...‏ وأخذ الاقتصاد السوفيتي تحت ضغط المواجهة ينحسر‏...‏ وانتهي الأمر بانفجار الاتحاد السوفيتي قبل مرور عقدين من حرب‏...73‏ وأخذ البعض يتساءل عما كان سيحدث لدولة مثل مصر‏,‏ اعتمدت بشكل كامل علي التنافس بين القوتين العظمتين في بناء قدراتها المسلحة واستخدمت الدعم العسكري السوفيتي للتصدي للتوسع الإسرائيلي‏.‏ وسوف يبقي هنا السؤال مشروعا ومطروحا‏...‏ خاصة وأن صدام‏73‏ كشف عن قدرات هائلة للأسلحة الهجومية والدفاعية وإمكانيات تدميرية عالية أدت‏...‏ علي سبيل المثال‏...‏ لخسارة إسرائيل ما يقرب من ثمانمائة دبابة علي الجبهة المصرية فقط‏...‏ إن تعويض هذا النوع من الخسائر لم يكن ليستطيع أي طرف أن يستعوضه في حينه وحتي اليوم إلا مثل هذه القوي العظمي التي لم يعد موجودا منها اليوم ومنذ نهاية الحرب الباردة سوي الولايات المتحدة‏.‏ لقد كان أمرا طيبا أن تخلصت مصر من الاحتلال الإسرائيلي في فترة سابقة علي الاضمحلال السوفيتي‏...‏ وإلا ما كنا قد شهدنا تحرير سيناء في تقديري‏.‏
رابعا‏:‏ أنه وبافتراض أن مصر قد تمكنت من استبدال عنصر التسليح السوفيتي بقوة دولية أخري‏...‏ فإن المؤكد أن التطورات التي شهدها التسليح الدولي والنوعيات المتطورة والأجيال الجديدة من الدبابات والمقاتلات وشكل الحرب الحديثة التي بزغت مع الثمانينات‏...‏ كانت ستفرض ثقلها علي مصر التي ما كانت ستتمكن من تمويل احتياجاتها من السلاح الحديث باهظ التكلفة‏...‏ لقد كانت تكلفة المقاتلة الميج‏17‏ في عام‏56‏ حوالي‏25‏ ألف جنيه استرليني‏...‏ ثم وصل سعر الميج‏21‏ في بداية الستينات إلي حوالي‏150‏ ألف جنيه استرليني‏...‏ ورأينا تكلفة المقاتلة الميراج في عام‏...74‏ بحوالي‏20/15‏ مليون دولار‏...‏ وهي حقائق ينبغي دائما وضعها في الحسبان عند الحديث عن الحرب والسلام‏.‏
لقد كتبت حول هذه النقطة تحديدا مذكرة بتاريخ‏25‏ يوليو‏73‏ وعرضت علي مستشار الأمن القومي في نفس اليوم‏...‏ جاء نصها‏:-‏
حول مستقبل التسليح في الشرق الأوسط‏:‏
أولا‏:‏ عام‏:‏
‏1-‏ نشرت وكالات الأنباء نقلا عن مجلة‏'‏ افييشن ويك‏'‏ الأمريكية‏,‏ أن إسرائيل قد عبرت عن اهتمامها للولايات المتحدة‏,‏ في الحصول علي المقاتلة الأمريكية الجديدة‏(F14)‏ في خلال الربع الأخير من العقد الحالي‏,‏ كي تحل مكان الفانتوم التي ستبدأ في التقادم بالنسبة لإسرائيل خلال الثمانينات‏.‏
‏2-‏ أشارت وكالات الأنباء أيضا‏,‏ أن شاه إيران سيناقش خلال زيارته الحالية لواشنطن‏,‏ احتمال حصول بلاده علي هذه المقاتلة الجديدة‏.‏
‏3-‏ المعروف أن الولايات المتحدة ستنتج حوالي‏400‏ وحدة من المقاتلة الجديدة‏,‏ وأنها ستدخل الخدمة في البحرية الأمريكية في خلال عام‏.1974‏
‏4-‏ تبلغ تكلفة هذه المقاتلة‏,‏ حوالي‏2015‏ مليون دولار‏.‏
ثانيا‏:‏ مستقبل التسليح في المنطقة‏:‏
‏5-‏ يمكن القول‏,‏ أن تجربة الصراع العربي الإسرائيلي في السنوات العشرين السابقة‏,‏ تثبت أن دول المنطقة تطمح دائما إلي الحصول علي نوعيات متقدمة من التسليح‏,‏ الأمر الذي أدي إلي اندلاع سباق متصاعد للتسلح من جانب الأطراف المختلفة‏.‏
‏6-‏ إلا أنه من ناحية أخري‏,‏ توضح التطورات النوعية الحالية للأسلحة المختلفة‏,‏ الارتفاع الضخم في تكاليف الانتاج‏,‏ وهو ما انعكس علي حجم الاعداد المنتجة أو المستخدمة من نوع معين‏,‏ كذا أسعار البيع بقصد التصدير‏.‏
‏7-‏ والواقع أنه يمكن القول‏,‏ أن تلك التطورات والمعطيات وبفرض صحتها تفرض علي مصر ضرورة القيام بدراسة أثارها المستقبلية كأحد عناصر تقييم الموقف فيما يخص احتمال امتداد المواجهة العسكرية بين مصر وإسرائيل إلي الثمانينات‏,‏ وذلك علي الوجه التالي‏:‏
أ‏-‏ هل ستستمر مصر وإسرائيل فعلا‏,‏ بافتراض عدم توصلهما إلي تسوية سياسية في السبعينات‏,‏ في السباق الحالي من أجل التسلح المتطور في الحقبة القادمة‏.‏
ب‏-‏ كذلك هل ستستطيع القدرات الذاتية المادية لمصر‏,‏ أن تساير هذا التطور في الثمانينات‏.‏ كما هل ستنجح المعرفة الفنية والعلمية‏,‏ كذا أسلوب الإدارة والقيادة المصرية في التلاؤم مع هذا التطور الجديد‏.‏
ج‏-‏ ثم هل ستبقي أعداد وكميات الأسلحة الأساسية المتوافرة لدي أي من الطرفين علي وضعها الحالي‏,‏ أم أن ارتفاع القيمة وتكاليف التشغيل والاستخدام‏,‏ ستفرض عليهما إنقاص الأعداد المستخدمة من جانبهما بنسبة كبيرة‏,‏ وما يعكسه ذلك من مزايا أو عيوب يتمتع بها أو يتعرض لها أيهما‏.‏
د‏-‏ ثم يبقي السؤال الأخير‏..‏ هل سيكون في صالح أو قدرة مصر‏,‏ في ضوء تلك التطورات‏,‏ امتداد المواجهة العسكرية مع إسرائيل إلي الثمانينات‏,‏ أم أن الأمر قد يفرض ضرورة انهاء تلك المواجهة بشكل أو آخر في جانبها العسكري قبل تحول الظروف كلية إلي غير صالح مصر‏.‏
‏8-‏ في ضوء ذلك‏,‏ فإنه من المرجح أن الأسباب التي تمنع مصر من القيام بعمل عسكري في الحاضر ستستمر‏,‏ بل وستزداد حدتها في غير صالح مصر في المستقبل‏,‏ الأمر الذي يدعو بإلحاح إلي تقييم الموقف‏,‏ والبحث عن حل في إطار تلك المعطيات‏.‏
خامسا‏:‏ لقد كشفت حرب‏73‏ عن نجاح الجانب العربي في تضييق الثغرة التكنولوجية والكيفية مع إسرائيل‏.‏ كما أوضحت المعارك أن الأطراف المتصارعة ستضطر إذا ما استمرت المواجهة المسلحة لفترة طويلة في المستقبل‏-‏ للاحتفاظ ب‏/‏ وتخزين كميات ضخمة للغاية من المعدات والسلاح وذلك لتأمين سرعة استعواض الخسائر الهائلة‏...‏ خاصة وأن عدم التخزين سوف يفرض علي كل طرف أن يعتمد علي قوة كبري تدعمه وما في ذلك من تأثير علي قدرة المناورة وفرض الإرادة علي الخصوم أو الحلفاء‏.‏
سادسا‏:‏ لقد وعت إسرائيل الدرس القائل بأنها إذا لم تترك أمام خصمها اختيارات معقولة للحركة‏...‏ فقد يجد الخصم أن مصلحته هي اللجوء إلي الحرب والعمل العسكري حتي إذا ما كان أقل في قدراته العسكرية‏...‏ وقد كانت إسرائيل تعتقد أن الرئيس‏'‏ السادات‏'‏ ومصر لن تلجأ للصدام المسلح اقتناعا منها بأن مصر عاجزة وليس لديها أمل في النصر‏...‏ أو حتي تحاشي الهزيمة‏.‏ إلا أن إسرائيل غفلت في تقديرها هذا‏...‏ عن أن الرئيس‏'‏ السادات‏'‏ وجد فائدة في اللجوء إلي الحرب عندما وجد فرصة معقولة لتحقيق الأهداف العسكرية المحدودة للعمل العسكري المصري ثم توابعه السياسية البراقة‏.‏
سابعا‏:‏ لقد كشف الصدام المسلح أيضا أن إسرائيل ما كان لها أن تبقي بعد معركة‏73‏ علي الأمر الواقع أو الاحتلال لسيناء‏...‏ كما انكشف وهم السيطرة علي شرم الشيخ كعنصر محوري للأمن الإسرائيلي‏.‏ وأن الجغرافيا من ناحية وتكنولوجيا الصواريخ من ناحية أخري كان لهما تأثير حاسم في التأثير علي مفاهيم الأمن مثلما كانت إسرائيل تتمسك بها حتي ظهر‏6‏ أكتوبر‏.73‏
ثامنا‏:‏ والخلاصة أن الحرب وعبقرية الأداء العسكري والسياسي وضعا مصر في أحسن الظروف من أجل التوصل إلي تسوية تستعيد بها مصر سيطرتها وسيادتها الكاملة علي سيناء‏.‏ كما كشف الصدام لمصر‏,‏ وللإسرائيليين بشكل أساسي‏,‏ أننا كنا دائمي الانتقاص من قدرتنا العسكرية الحقيقية‏...‏ وأن نتائج القتال وصلابة المقاتلين كشفت عن معدن مصري قادر يجب أخذه في الحسبان سلما أو حربا ومواجهة‏.‏
لقد تمثل الوضع الجديد في الشرق الأوسط ولسنوات تالية ممتدة‏...‏ في هبوط طائرة أمريكية عملاقة من طراز‏C5A‏ جلاكسي في مطار القاهرة في أبريل‏74‏ آتية بمعدات وسيارات أمريكية لتأمين زيارة الرئيس الأمريكي‏'‏ نيكسون‏'‏ في الزيارة الأولي لرئيس أمريكي للقاهرة منذ زيارة الرئيس‏'‏ روزفلت‏'‏ أثناء الحرب العالمية الثانية‏.‏
وكنت يومها أنظر من إحدي نوافذ منزلي المطلة علي ممر الاقتراب والهبوط في مطار القاهرة الدولي وتأملت الموقف‏...‏ وقلت في نفسي‏...‏ لعلها في لحظة ما كانت إحدي الطائرات التي نقلت الدبابات إلي مطار العريش وإلي الجيش الإسرائيلي في سيناء‏...‏ ولكنها مرة أخري السياسة الدولية والمصالح وتطويع المواقف لتحقيق الأهداف العليا للدول‏...‏ ومصر في ذلك‏,‏ مثل أي طرف دولي آخر يسعي لمصالحه ولمصالح أمنه‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.