«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السادات لكاسيجين‏:‏ افتحوا جيوبكم !‏

في هذه الحلقة الرابعة من يومياته يتحدث الوزير أبوالغيط عن تطورات الأسبوع الثاني للحرب وتحديدا من 14‏ وحتي 21‏ أكتوبر ويشير الي خطاب الرئيس الراحل أنور السادات. والذى كان أمام مجلس الشعب في‏16‏ أكتوبر. والذي أعلن فيه السادات عن استعداد مصر لحضور مؤتمر سلام دولي بمجرد انسحاب إسرائيل من كل الأراضي المحتلة‏,‏ كما يتحدث عن الاتصالات التي جرت بين السيد محمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي المصري آنذاك مع وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر ولقاء الرئيس السادات مع رئيس الوزراء السوفيتي أليكسي كاسيجين‏..‏ وينتهي الوزير أبوالغيط الي إقرار حقيقة استخلصها من يومياته وهي أن وقف إطلاق النار في‏21‏ أكتوبر كان بداية لمرحلة جديدة للصراع العربي الإسرائيلي‏..‏ والي مقال السيد أحمد أبوالغيط‏:‏
اقترنت الأيام القليلة التالية لنجاح إسرائيل في إجهاض جهد القوات المصرية لتطوير الهجوم يوم‏14‏ أكتوبر بعدد من التطورات الهامة التي كان لها تأثيرها الكبير علي شكل مسار العمل العسكري من ناحية‏,‏ والجهد الدبلوماسي من ناحية أخري‏.‏ فقد تحرك‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ يوم‏16‏ أكتوبر لكي يطرح أمام مجلس الشعب المصري الرؤية المصرية المتكاملة فيما تتصوره مصر من شكل للتسوية المقترحة ويصيغ بشكل متكامل كل ما تحدث به مع سفراء الدول الرئيسية علي مدي الأيام السابقة وما تضمنته رسائل‏'‏ محمد حافظ إسماعيل‏'‏ إلي‏'‏ كيسنجر‏'‏ طوال الأسبوع الأول للحرب‏.‏
جاء حديث‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ أمام المجلس لكي يؤكد أن هدف مصر هو استعادة أراضيها في سيناء وتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي‏,‏ كما أن مصر علي استعداد لقبول وقف إطلاق النار علي أساس انسحاب إسرائيل من كل الأراضي المحتلة فورا وتحت إشراف دولي‏,‏ وأن مصر علي استعداد‏,‏ فور إتمام الانسحاب من كل الاراضي المحتلة‏,‏ أن تحضر مؤتمر سلام دولي بالأمم المتحدة من أجل وضع قواعد وضوابط سلام في المنطقة يقوم علي الحقوق المشروعة لكل شعوبها‏,‏ ثم ذكر‏'‏ الرئيس‏'‏ أخيرا استعداد مصر للبدء الفوري بتطهير قناة السويس وفتحها للملاحة‏.‏ ولاشك أن هذا الطرح تضمن إشارات جديدة بشأن الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقة وكذلك ضوابط وقواعد السلام في المنطقة‏....‏وهي كلها إشارات مضت فيها مصر منذ ذلك الحين وحتي الوصول إلي محادثات كامب دافيد وتوقيع معاهدة السلام المصرية‏/‏ الإسرائيلية‏,‏ مرورا بمؤتمر جنيف للسلام في ديسمبر‏73‏
وكان‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ في سياق اتصالاته مع‏'‏ كسنجر‏'‏ قد نقل إلي الأخير رؤية مصرية قريبة لما تحدث به‏'‏ الرئيس‏'‏ وإن كانت قد تقدمت بعض الشئ عما جاء علي لسان‏'‏ الرئيس‏'‏ أمام الشعب‏.‏ وقد طلب‏'‏ إسماعيل‏'‏ يوم‏10‏ أكتوبر أن تنسحب إسرائيل في فترة زمنية محددة إلي خطوط‏5‏ يونيو وذلك تحت إشراف الأمم المتحدة وأنه عند إتمام الانسحاب تنهي حالة الحرب‏,‏ كما أنه وبعد الانسحاب أيضا يوضع قطاع غزة تحت إشراف الأمم المتحدة وإلي حين مباشرة الفلسطينيين حق تقرير المصير‏.‏ وجاء رد‏'‏ كسنجر‏'‏ سريعا علي خطاب الرئيس أمام مجلس الشعب وكذلك رسالة‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ المرسلة يوم‏9‏ أكتوبر المشار إليها بعاليه وحيث وضح أن أمريكا‏'‏ تبغي إنهاء القتال والصدام الحالي تحت ظروف تسهل التقدم نحو تسوية نهائية‏'.‏ وكانت هذه الفقرة في رسالة‏'‏ كسنجر‏'‏ كاشفة لما سعي إليه الأمريكي خلال الأسبوع التالي من القتال والتي استهدفت مساعدة إسرائيل بكل الدعم العسكري لكي تعيد التوازن العسكري والاستراتيجي مع مصر وبما يمكن‏'‏ كسنجر‏'‏ أن يلعب دوره في التقريب بين الأطراف والتحرك بها نحو تسوية للنزاع‏.‏ وعاد‏'‏ كسنجر‏'‏ لكي يؤكد‏'‏ لحافظ إسماعيل‏'‏ أن الرؤية المصرية التي جاءت في خطاب‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ ورسائل‏'‏ مستشار الأمن القومي المصري‏',‏ لا يمكن تحقيقها إلا من خلال حرب ممتدة وأن مصر عليها أن تنظر في تقييد أهدافها إذ أن الإصرار علي الحد الأقصي للرؤية المصرية سيعني استمرار الصدام المسلح واحتمال تعرض كل النجاح المصري المحقق حتي الآن للتآكل‏.‏ وركز‏'‏ كسنجر‏'‏ أخيرا علي مطلبه في أهمية وقف إطلاق النار علي الخطوط الحالية مع تأمين موافقة الأطراف المتنازعة ببدء مفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة لإقامة سلام كامل وعادل علي أساس القرار‏242‏ مع أهمية التوازن بين السيادة والأمن‏.‏
وكان‏'‏ كسنجر‏'‏ في هذا السياق قد كتب إلي‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ يوم‏14‏ أكتوبر بأن أمريكا سوف تسعي إلي إمداد إسرائيل بمعدات ومواد‏'‏ تستهلك‏'.‏
وكتبت في يومياتي الساعة‏0700‏ من يوم‏15‏ أكتوبر أن هذه الرسالة الأخيرة توضح أن القرار الأمريكي في البدء بالإمداد يشير ذ كحجة‏-‏ إلي بدء السوفيت فعلا بإمداد مصر وسوريا باحتياجاتهما للاستمرار في المعركة‏,‏ وأوضح‏'‏ كسنجر‏'‏ أيضا في رسالته أن الولايات المتحدة ستوقف هذا الإمداد فور توقف القتال‏,‏ وأضاف أنه يريد استمرار هذا التشاور المفيد وأنه طلب من إسرائيل عدم التعرض للمدنيين وأنه كان أيضا قد حصل من إسرائيل علي موافقة بوقف إطلاق النار علي المواقع الحالية إلا أن مصر هي التي رفضت الأمر‏.‏
وبطبيعة الحال فإن أي قارئ اليوم لهذه الرسائل مع ربطها بتطورات القتال علي الأرض بدءا من يوم‏15‏ أكتوبر مساء يصل إلي هذه النتيجة الواضحة أن أمريكا كانت قد قررت في ضوء رفض مصر لوقف إطلاق النار أن تسعي إلي إحداث تغيير جوهري علي الأرض يعيد التوازن إلي الموقف‏,‏ من وجهة النظر الأمريكية‏,‏ ويمكن إسرائيل من تحقيق مكاسب في مقابل المكاسب المصرية في تحطيم خط بارليف واستعادة السيطرة العسكرية المصرية علي هذا الشريط الممتد علي طوال مواجهة القناة وإلي الشرق منها وبعمق‏15/10‏ كيلو متر‏.‏
وأقول أن هذا التبادل المصري‏/‏ الأمريكي للرسائل والمواقف وطرح‏'‏ الرئيس‏'‏ لرؤيته بشكل متكامل أمام المجتمع الدولي‏,‏ أقترن أيضا بزيارة هامة قام بها‏'‏ كاسيجين‏'‏ رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي‏,‏ للقاهرة مساء يوم‏16‏ أكتوبر‏.‏ وكان الواضح أن‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ وفي اختياره لموعد إلقاء بيانه أمام مجلس الشعب في صباح يوم وصول‏'‏ كاسيجين‏',‏ أستهدف طرح الموقف المصري المتكامل وبما لا يتيح‏'‏ لكاسيجين‏'‏ أن يؤثر علي قرارنا في المضي في السعي لتحقيق أهداف الصدام وعدم القبول بالمطلب السوفيتي لوقف إطلاق النار علي الخطوط الحالية دون وضوح الأفق السياسي للتسوية المطلوبة‏.‏ وكتبت في يومياتي لهذا اليوم الساعة‏0100‏ من الثلاثاء‏16‏ أكتوبر‏'‏ يحضر‏'‏ كاسيجين‏'‏ إلي مصر اليوم‏/‏ سيحاول الضغط علينا من أجل وقف إطلاق النار‏/‏ سيلقي الرئيس خطابه ليسبق‏'‏ كاسيجين‏'‏ وليعلن مبادرته في النقاط الخمس وسوف يورط ذلك السوفيت في مواجهة الأمريكيين الذين أخذوا هذا القرار المتعلق بالدعم العسكري لإسرائيل‏/‏ وسوف يتأزم الموقف سياسيا‏'.‏ وجاء في اليوميات في هذا السياق أيضا إشارة إلي محاولة‏'‏ الرئيس‏'‏ في استخدام اتصالاته الوثيقة‏'‏ بشاه إيران‏'‏ لكي يتحرك في اتجاه أمريكا ولتخفيض غلواء الموقف الأمريكي‏.‏ وهنا يجب أن أذكر أن‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ قد أبقي علي أكبر قدر من التواصل والاتصال مع‏'‏ الشاه‏'‏ منذ بداية العمل العسكري عن طريق‏'‏ سفير إيران‏'‏ النشط بالقاهرة عندئذ‏....‏ وأخذ‏'‏ الشاه‏'‏ من جانبه يتجاوب مع‏'‏ السادات‏'‏ ويرد عليه ويسعي لمحاولة التأثير علي الموقف الأمريكي لصالح مصر‏...‏ وهي مسألة لا أعتقد أنها كانت بعيدة عن تفكير‏'‏ الرئيس‏'‏ في رد فعله علي ما واجهه‏'‏ الشاه‏'‏ بعد ذلك وقبول‏'‏ السادات‏'‏ بلجوئه إلي مصر‏.‏
ومن الهام هنا أن أتطرق إلي ما سبق وأن تحدث به‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ معي في الأيام الأولي للصدام وحيث قال ما معناه أنه لا يمانع الآن في لقاء‏'‏ إيجال ألون‏'‏ خاصة وقد تحررت مصر من مأساة وإذلال معركة‏67‏ مقالي الأخير بالأهرام يوم‏10‏ يناير‏2010‏ وأعود للقول بأن يوميات الساعة‏0100‏ من يوم‏16‏ تتناول أيضا هذه المسألة مرة أخري وحيث عاودت مناقشة الأمر مع‏'‏ مستشار الأمن القومي‏'‏ مشيرا إلي أهمية متابعة التحرك في اتجاه ما سبق وأن تحدث به يوم‏9‏ أكتوبر وأننا يجب أن نتسلح بالمرونة في تفكيرنا ولا نمانع في اللقاء مع الإسرائيليين بشكل مباشر خاصة وقد أبرحناهم ضربا‏....‏ وأجاب‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ أن ما يقلقه هو سوريا والخسارة التي حلت بها في الأراضي وكيف يمكن ترضيتها‏...‏ كذلك فإن الدول العربية التي سارعت بالمشاركة في القتال بوحدات صغيرة سوف تمثل هي الأخري مشكلة يجب التعامل والتفاعل معها‏.‏
وأعود الآن إلي زيارة‏'‏ كاسيجين‏'‏ وجلساته الممتدة مع‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ بمفردهما وبهدف الاتفاق ليس فقط علي شكل التنسيق السياسي المصري السوفيتي المشترك علي مستوي الاتصالات مع الأمريكيين وعلي مستوي مجلس الأمن‏,‏ ولكن أيضا للتفاهم علي ما سوف يقوم السوفيت بإمدادنا به من معدات وأسلحة‏.‏ وأتذكر قراءاتي لأحد محاضر مقابلات‏'‏ الرئيس‏'‏ مع‏'‏ السفير السوفيتي‏'‏ بالقاهرة في اليوم السابق لزيارة‏'‏ كاسيجين‏'‏ قوله للسفير‏'‏ أرجو أن تخطر صديقي اليكسي‏[‏ كاسيجين‏]‏ أن يعد نفسه ويفتح جيوبه وسوف أضع يدي فيها واغترف مما بها من معدات وأسلحة وكل احتياجات قواتنا‏.‏
وجاء التفاهم المصري‏/‏ السوفيتي في نهاية هذا اللقاء بين‏'‏ السادات‏'‏ و‏'‏كاسيجين‏'‏ والذي غادر القاهرة يوم‏19‏ أكتوبر مع بدء تهديد حاد للوضع العسكري المصري‏,‏ وبحيث يقوم السوفيت بالسعي مع الأمريكيين للاتفاق علي تحرك سوفيتي‏/‏ أمريكي مشترك لوقف إطلاق النار مع بدء انسحاب إسرائيل فور تحقيق وقف إطلاق النار تنفيذا للقرار‏242‏ مع الحصول علي ضمانات أمريكية‏/‏ سوفيتية مشتركة لتنفيذ كل عناصر هذا التفاهم‏.‏
وفور وصول‏'‏ كاسيجين‏'‏ إلي موسكو قام بطلب قيام الأمريكيون بإيفاد‏'‏ كسنجر‏'‏ إلي العاصمة السوفيتية بشكل فوري للتشاور حول ما يمكن لهما القيام به سويا للسيطرة علي الاقتتال ووقفه والتحرك في اتجاه تسوية مرضية ومؤتمر دولي‏.‏وأجد من الضروري في هذا السياق الذي سيطر عليه العمل الدبلوماسي أن أعود إلي تناول الوضع العسكري الذي بدأ يتطور بشكل أشر إلي وجود أخطار في تقليص نجاحنا المحقق حتي هذه اللحظة من الصدام‏.‏
وأقرأ في يومياتي من نفس يوم الثلاثاء‏16‏ أكتوبر الساعة‏1720'‏ العدو يقوم باختراق بين ج‏2‏ ج‏3‏ ويدفع بقوات برمائية عبر البحيرات المرة في مواجهة منطقة الدفرسوار ويهاجم الضفة الغربية للقناة بهدف تدمير المعابر الخاصة بقواتنا وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات والتي تعوق حرية الحركة لمقاتلاته القاذفة في التصدي لقواتنا‏/‏ قواتنا المدرعة وأساسا الفرقة‏21‏ المدرعة تهاجمه بعنف حتي الساعة‏1400‏ من اليوم‏/‏ سنفقد المبادأة بسبب جمودنا الحالي‏/‏ يجب أن نتحرك بسرعة وإلا سنخسر كثيرا‏/‏ ماذا يهدف العدو بعملياته هذه‏/‏ هل تطوير هجوم في الغرب‏...‏ ربما‏/‏ أشعر بالضيق الشديد بسبب نشاط زائد للعدو وهو ما تسببنا فيه بعدم حركتنا‏'...‏ وأعود إلي اليوميات الساعة‏1500‏ من يوم الأربعاء‏17‏ أكتوبر وقد تضمنت قولي‏'‏ سكوت مريب‏/‏ القتال عنيف جدا في محور الفرقة المشاة‏16‏ من الجيش الثاني‏/‏ لا بيانات ولا أخبار أو إبلاغات‏/‏ هل يرغب العدو بعملياته تحقيق ثغرة علي الضفتين الشرقية والغربية للقناة‏/‏ يجب وبسرعة قتل قواته في الغرب وحتي لا يكرر المحاولة‏...‏ يجب قتل قواته وليس الأسر‏...‏ القتل‏/‏ من الواضح أن العدو قد بدأ معركة مصر رغم أنه لم ينه معركة سوريا ولن يتمكن من إنهائها ومن ثم لا يتصور أنه يستطيع أن ينهي بنجاح معركة مصر‏'...‏
وقد أطلعت بعد كتابة هذا التقييم بسنوات طويلة علي مستند بريطاني رسمي تناول هذه الفترة من الصدام وحيث جاء بالتقرير البريطاني المعروض علي رئيس الوزراء البريطاني الساعة‏1130‏ يوم الثلاثاء‏16‏ عام‏73‏ أن الأغلب أن تحاول القوات الإسرائيلية في سوريا الوقوف علي مواقع تهدد دمشق ولكن في نفس الوقت تمكن الإسرائيليون من الدفاع عنها بقوات أقل وبما يتيح للإسرائيليين نقل قواتهم إلي جبهة سيناء‏'...‏
وبطبيعة الحال لم أكن علي إطلاع بأن إسرائيل ستقوم في الأيام التالية بنقل الجزء الأعظم من قواتها للتعرض للقوات المصرية في جبهة القناة‏.‏
واستمر القتال في الأيام الحرجة التالية وتضمنت اليوميات الساعة‏0800‏ من صباح الخميس‏18‏ أكتوبر‏'‏ معركة الأمس كانت حرجة للغاية العدو يهدف إلي إقامة رأس جسر له علي الجانب الغربي للبحيرات وضرب الجيش‏/‏ قواتنا المدرعة تضربه في أجنابه‏'‏ ونصل في اليوميات إلي الساعة‏0100‏ من يوم الجمعة‏19‏ أكتوبر لكي أكتب‏'‏ لقد فقدنا المبادأة وسندفع الثمن‏/‏ من الواضح أن للعدو فعلا قوات كبيرة قادرة علي التعامل معنا في الغرب من القناة‏/'‏ المستشار‏'‏ مع ذلك واثق من نجاحنا في الصدام العسكري‏/‏ يجب أن نضرب رأس الجسر الإسرائيلي ثم نضرب الاختراق في الشرق‏/‏ يجب أن ننتزع المبادأة بالعمل الفعال النشط وإلا تدهور الموقف وقد نضطر بالتالي إما إلي سحب الجيش من سيناء لمواجهة الاختراق في الغرب أو خسرانه‏'.‏
وتصل اليوميات بعد ذلك إلي الساعة‏1700‏ من نفس يوم الجمعة‏19‏ أكتوبر وأكتب‏'‏ تحاول إسرائيل إما الحصول علي مجرد رأس جسر وانتظار وقف إطلاق النار‏...‏ أي أن إسرائيل لم تهزم‏...‏ أو أن تعمل علي تطويق الجيش الثاني‏...‏ وهذه عملية صعبة للغاية وتحتاج للكثير من الجهد ولا أعتقد أن لإسرائيل قدر مناسب من القوات لتحقيق هذا الهدف‏/‏ يقول‏'‏ المستشار‏'‏ في أحاديثه معنا أن أمريكا وإسرائيل يعملان علي خروج الجميع متساويين ومن ثم يسهل التوصل إلي تسوية تالية‏/'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ لا يزال متفائلا ويفكر في الكيفية التي سنحقق بها وقف إطلاق النار حسب الاتفاق مع‏'‏ كاسيجين‏'‏ والعمل علي الفصل بين القوات وأسلوب تنفيذ ذلك وكيف سنتناول رأس الجسر الإسرائيلي في الغرب مع وقف إطلاق النار‏.‏
وتصل اليوميات إلي اللحظات الحرجة يوم السبت‏20‏ أكتوبر وأكتب‏'‏ قواتنا تسعي لإغلاق ثغرة الاختراق من الشرق والغرب معا وتتعرض لخسائر رهيبة ولكنها تقاتل بشراسة متناهية‏'.‏
ونقترب بعد ذلك وخلال اليومين التاليين وبسرعة إلي قبول وقف إطلاق النار وأكتب الساعة‏0815‏ من الأحد‏21‏ أكتوبر‏'‏ حضر‏'‏ أشرف مروان‏'‏ للقاء‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ الساعة‏0200‏ من فجر هذا اليوم وأصطحبه إلي‏'‏ الرئيس‏'‏ ثم عاد بعد فترة وجيزة وطلب‏'‏ مستشار الأمن القومي‏'‏ قيام وكيل المخابرات العامة‏'‏ رفعت حسنين‏'‏ باستدعاء ممثل المخابرات المركزية بالقاهرة لإبلاغه بإرسال رسالة إلي‏'‏ كسنجر‏'‏ في موسكو بموافقة مصر علي وقف إطلاق النار علي الخطوط الحالية وعقد مؤتمر سلام فوري بضمان أمريكي‏/‏ سوفيتي بتحقق هذا الوقف للاقتتال وانسحاب إسرائيل‏/‏ من الواضح أن الموقف العسكري الصعب قد فرض هذا القرار‏/‏ أبلغنا المستشار‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ أن القائد العام وبعد أن قام‏'‏ الرئيس السادات‏'‏ بزيارة مقر العمليات والتأكد من خطط المواجهة مع الاختراق الإسرائيلي‏,‏ اختلي‏'‏ بالرئيس‏'‏ وحيث أبلغه أنه يحتاج للمزيد من الاحتياطات والتي يتطلب إعدادها وتجهيزها وقتا ولكي نعاود الصدام المسلح مع الإسرائيليين في الشرق والغرب من القناة‏.‏ من هنا فان‏'‏ أحمد إسماعيل علي‏'‏ لا يمانع من التوصل الآن إلي وقف لإطلاق النار لتحقيق بناء المزيد من القدرات والاحتياطات‏'.‏ وأضفت في اليوميات أن وقف إطلاق النار قد يتم بعد حوالي ثلاثة أيام والمتصور أن إسرائيل ستقبل هي الأخري بذلك‏,‏ ولاشك أن الأمريكيين سيهتمون وبسرعة بوقف القتال علي الخطوط الحالية وبحيث تكون مصر في سيناء وإسرائيل في الغرب من القناة ومن ثم تحقيق التوازن الذي يسعي‏'‏ كسنجر‏'‏ لتحقيقه وبحيث يتم تسهيل العمل الدبلوماسي والتوصل إلي التسوية‏.‏
وخلاصة القول مثلما رأيتها منذ‏37‏ عاما‏,‏ وتعزز اقتناعي بها عندما عاودت الاطلاع علي ما كتبته عندئذ وما كتب من قبل آخرين‏,‏ في مقدمتهم‏'‏ حافظ إسماعيل‏'‏ مستشار الأمن القومي‏...‏ أن إجهاض تطوير الهجوم نحو مداخل الممرات بسيناء يوم‏14‏ أكتوبر وخسائرنا الفادحة في ذلك اليوم‏...‏ أتاح لإسرائيل فرصة الهجوم المضاد وتحقيق ثغرة في دفاعات قواتنا في الشرق ثم الوثوب إلي الفضاء المصري الخالي من القوات في الغرب وتحقيق هذا النجاح الذي أثر علي علاقات القوي بين الطرفين والتوازن العسكري بينهما‏.‏
ولا شك أن التدخل الأمريكي الكاسح للإمداد لإسرائيل كان له تأثيره الأكبر‏...‏ ليس فقط لتحقيق هذا الاختراق‏...‏ ولكن أساسا في تمكين الجيش الإسرائيلي في التصدي للتطوير المصري‏...‏ وأعتقد أنه ليس ببعيد أيضا أن خفوت القتال علي الجبهة السورية في الفترة من‏13‏ حتي صدور قرار وقف إطلاق النار في‏22‏ أكتوبر كان له أثره في إتاحة الفرصة للإسرائيليين بتحريك قواتهم إلي الجنوب نحو سيناء وهو ما كشفت عنه تطورات المعركة من ناحية‏,‏ وأكدته التقارير الدولية من ناحية أخري وهو الأمر الذي سوف تتناوله المقالات القادمة إن شاء الله‏.‏
ويبقي أن نقص الاحتياطات الفاعلة المصرية كان له أثره في إتاحة الفرصة للإسرائيليين بالتحرك الناجح في الغرب وتوسيع آثار التهديد للقوات المصرية‏...‏ ومع ذلك يبقي أن نؤكد أن قوة الأداء العسكري المصري وصلابته وتصميمه في استمرار الضغط علي الإسرائيليين في غرب القناة وشرقها والكمائن ذات التأثير القاسي علي الإسرائيليين والخسائر الكبيرة التي حلت بهم في هذه المنطقة كان لها أيضا ثقلها في وصول القيادة الإسرائيلية إلي الخلاصة بأن أقصي ما سوف يمكنهم تحقيقه هو إقامة قدر من التوازن مع مصر وبما يفتح الطريق لمفاوضات نشطة للتسوية‏...‏
لقد ناور‏'‏ كسنجر‏'‏ والجانب الأمريكي لكي يصل الوضع بين الجيشين إلي هذه النتيجة وبحيث يتحرر الجانبان من عواقب إحساس احدهما بهزيمته من الآخر وبما فتح فعلا الطريق إلي هذا النشاط الدبلوماسي والسياسي في الفترة التالية لتوقف القتال‏...‏ والمؤكد أيضا هنا أنه ينبغي الإشارة إلي أن النجاح الإستراتيجي المصري كان هو الأساس في تحريك الأوضاع وإعادة التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط بين مصر وسوريا من ناحية‏,‏ وإسرائيل علي الجانب الآخر‏,‏ وبما أدي إلي انزواء تأثير هزيمة‏67‏ إلي حد كبير في علاقات الطرفين بعضهما البعض‏.‏
ويبقي أن املي كبير في أن أتابع الكتابة في هذا الموضوع واستعرض هذه الفترة بالغة الصعوبة التي أتسمت بها الأوضاع العسكرية والدبلوماسية فيما بين‏21‏ أكتوبر وحتي‏28‏ أكتوبر‏,‏ يوم توقف القتال فعلا‏...‏ كما آمل مواصلة تحليل الكثير من العناصر التي فرضت ثقلها علينا وعلي القيادتين السياسية والعسكرية للحرب وخلاصتها الإستراتيجية النهائية الناجحة‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.