الساحرة الشريرة رجته أن يتجنب تناول الفاكهة المعالجة كيميائيا, وألا يعبر الشارع بمفرده, ويمنع نفسه عن زيارة المستشفيات والمصالح الحكومية, ولا يقف في طابور, ولا يشاهد الفضائيات... الساحرة الشريرة طلبت منه ألا يسمع للساسة وشيوخ المكبرات الصوتية. وأن يحبس أولاده في المنزل خشية التعليم والأوبئة.. وألا يطالع أسعار المطربين ولاعبي الكرة, وأن يتجنب أقسام الشرطة قدر الإمكان, ثم أعطته مطواة ليدافع بها عن نفسه عند التثبيت... من بعيد, في الفضاء, وفي التفاتة مؤثرة نظرت إلي المدينة نظرة أجير فصله القطاع الخاص, وهمست لنفسها بنبرة مستكينة: مبقاليش عيش في البلد دي ثم فكت تعاويذها عمن آذتهم, ومسحت دمعة فرت من عينيها, مستقلة مقشتها إلي منفاها, حيث ستقضي أيامها الأخيرة بعد اعتزال المهنة.... 4*4 ابن ذوات أربع قابل ابن ذوات فأعطاه أربع وصارا متشابهين..... تطوع يحترف مواساة العليل... لديه رصيد من عبارات بث الأمل التي تعود نثرها في عنابر المرضي وقاعات المحاكم تصحبها ابتسامة وديعة... لم يعش طويلا منذ احترف هذا العمل التطوعي... يقولون إنه لم يكن يجيد تفريغ شحنات الهم التي توغلت تدريجيا في وجدانه, حتي تمكنت منه... تاريخ مات الغبي في نوبة فهم مستعصية... يكفيه فخرا أن الشرف الوحيد الذي ناله قبل الموت هو شرف المحاولة مساء فاته القطار, وظل في المحطة وحيدا, أسفل مصباح شاحب, يمضي الوقت في محاكاة لمعة القضبان بما تبقي من بريق عينيه... نور صناعي قال لي إنه اعتاد النوم في النور, قال لي أيضا إن فاتورة النور جاءته هذا الشهر بمبلغ ضخم, زوجته نبهته كثيرا أن نومها في النور يؤرقها, كم تضايقه الفواتير ذات المبالغ الضخمة. قال لي إنه تزوجها منذ عشر سنوات, في الخطوبة اعتاد التندر باسم خطيبته نور, إذ ستوفر له في فاتورة الكهرباء, إنه يخشي الظلام قال لي إن زوجته لم تعد اسما علي مسمي حياة حين فتحوا مقبرته لدفن جديد, دفعت شدة الهواء تراب جسده للخارج فانتشر في أنحاء الجو, واتجه نحو المدينة هابطا علي غسيل البلكونات وثمار الحدائق.. فراشة كانت تتبع إحدي الذرات الهابطة.. لقد شعرت في هذه اللحظة فقط, أن موته لم يعد محزنا بصورته التقليدية.. قضاء حاجة كانت العجوز المتآكلة تأكل كوزا من الذرة, مثلما تأكل النار حطبا. حيث اختفت الحبات البارزة من الكوز في آلة فمها تباعا, حسب حركة دائرية للكوز, تلفه بيدها كسيخ شواء يدور فوق فمها, أو كموتور أتلف زر سرعته, فدار طائشا كإطار سيارة سباق بلا فرامل. فتري صف الحبوب بالكوز لامعا, ثم يطمس في مساره المتجه نحو هاوية فمها, وباكتمال اللفة تسقط حبوبه, ويصير الصف المذكور عاريا في صعوده, كطائر أجبر علي نتف ريشه في معركة طاحنة.. لو تنصت, تكاد أن تسمع أزيزا للكوز الدوار, كأنين امرأة وحيدة حامل حل وقت طلقها.. ولن يلط الكوز إلا حين يصير قالوحا عريانا أفقدته أسنانها متاعه, وأحدثت بجسده فجوات لا يفعلها بركان بفوهته, فجوات أحدثها ارتفاع الأسنان وهبوطها علي جسم الكوز كمن تنتهك عذريتها من شخص عجول, أو كإبرة مسنونة في ماكينة خياطة عفية تجيد كل أشكال النقر والخرق والتنكيل... قضت العجوز حاجتها به ثم ألقته يدها النحيلة كمن يتخلص من أداة جريمته..