حينما يكون شرير العمل الدرامي هو الممثل «غسان مطر» يجب علي المرء أن يحاول أن يمنع نفسه من إحصاء عدد المرات التي شاهده فيها بالأداء نفسه والملابس نفسها والنظارة السوداء، والسيجار نفسه، والشخطة نفسها، والصوت الأجش العالي نفسه حتي لو كان يتحدث عن مؤامرة سرية، وهو أمر يتطلب الصوت الخفيض خاصة أنه يقف وعصابته في مكان عام، وقد يسمعه أي عابر سبيل. العدد صعب لأن العدد في الليمون وفي المسلسلات والأفلام التي مثلها جميعًا تقريبًا بنفس الأداء النمطي، وهو يقدم في مسلسل «بفعل فاعل» شخصية مستر إبراهام عنان رجل الأعمال الغامض الذي يتقرب إليه رجل الأعمال المصري «ياسر جلال» لعقد صفقات أكثر غموضاً من مستر إبراهام عنان نفسه. المستر إبراهام هو أيضاً سبب تدهور العلاقة بين البطلة المحامية «تيسير فهمي» وزوجها رجل الأعمال «ياسر جلال». الجدل لا ينتهي بين الزوجين حول قيمة المبادئ والمثل العليا في الزمن والعصر الحالي. البطلة شخصية شديدة المثالية إلي حد ممل، يمكن أن تدفع مثاليتها المتفرج إلي التعاطف مع الشرير في صراعه مع تلك المثالية الدرامية المفتعلة، وزوجها رجل عملي لا يمانع في عقد صفقات مع ما يسميه كل منهما ب «الناس دول»، وهم نوعية معينة من الناس ترفض زوجته علاقته بهم نظراً لأنهم يعقدون صفقات مشبوهة مع «الناس التانيين»، وهم نوع من الأجانب الوحشين كما يفهم من سياق الحوار، ويمكن اكتشاف جنسيتهم بصعوبة من خلال مشاجرة كلامية بين البطلة وزوجها، حيث يظل المتفرج في انتظار أن يقول أي منهما اسم هؤلاء الناس أو نوعيتهم أو ديانتهم أو حتي إذا كانوا من البشر أو كائنات فضائية، إلي أن تأتي أخيراً جملة حوار علي لسان «ياسر جلال» يبرر لزوجته فيها أنه لا يمانع في التعامل مع «الناس دول» ما دامت هناك اتفاقية سلام بيننا وبينهم، وهنا يمكن للمشاهد الفطن أن يحل الفزورة بسهولة، فبالتأكيد هم يتكلمون عن «إسرائيل».. نعم والله العظيم إنها بالتأكيد «إسرائيل»، ولكن يبدو أنهم نسوا اسمها، أو خشي كاتب الحوار أن يدنس الشهر الكريم بذكر اسمها في الحوار، وتركها للمشاهد فزورة يتسلي بحلها، وبعد أن يتعرف المشاهد علي اسم البلد الفزورة تعاجله البطلة بجملة ترد فيها علي زوجها الذي يبرر تجارته وعمله مع الإسرائيليين بأن هناك سلاماً بيننا وبينهم، فتقول له في حوارها الزوجي الذي تحول إلي مناظرة سياسية تنافس مناظرات برامج قناة الجزيرة: "المعاهدة ديه كان ليها ظروفها الحتمية.. واللي عملتها قيادة سياسية هي عارفة كويس أوي هي بتعمل إيه، لكن فيه ناس كتير رأيهم غير كده.. و«أنا من الناس دول»، وهنا مرة أخري يعود الحوار إلي الفوازير، وإجابة الفزورة الأولي عن اسم «القيادة السياسية»، فهي بالتأكيد تعني الرئيس السادات، أما الظروف الحتمية فهي إحدي أغرب الجمل التي يمكن أن ترد في مشاجرة زوجية، وعلي أي حال ما زال هناك كثير من الحلقات متبقية لنفهم ما هي تلك الظروف الحتمية التي دفعت السادات إلي عقد معاهدة السلام مع إسرائيل. أما الفزورة الأخيرة فهي محاولة فهم الإجابة عن سؤال بسيط، وهو إذا كانت البطلة تصرح أنها ضد معاهدة السلام، كما يفهم من الجزء الأخير من كلامها، فلماذا تدافع عنها من الأساس كما يفهم من سياق الجزء الأول من كلامها المتعلق بتبريرات من نوعية الظروف الحتمية؟! وهذه الفزورة من الصعب الإجابة عنها، لأن من تتكلم بهذه الشفرة مع زوجها، لابد أن تعاني مشاكل خاصة بالقدرة علي التعبير عما تريده للناس، وتيسير المعاني لمن كان فهمه علي قده!.