تدمي القلوب قصص انتحار أو محاولات انتحار بعض الشباب الذين مازالوا في مقتبل العمر, وتجعل النفس السوية تضطرب اضطرابا عظيما لمثل هذا العمل الذي يرفضه الإسلام. ففي أسابيع متتالية انتحر شاب من فوق كوبري قصر النيل, وبعدها محاولة لشاب آخر من فوق كوبري الجيزة, وقبلها آخر تحت عجلات مترو الأنفاق, وتشير الأرقام إلي أن حالات الانتحار في مصر تجاوزت الثلاث آلاف حالة, تتراوح أعمار معظم المنتحرين ما بين22 و35 عاما, أي في ريعان الشباب. وإذا كانت ثقافة الانتحار أو قتل النفس معروفة في العديد من مجتمعات الرفاهية كالدول الاسكندنافية واليابان وأستراليا, فإن مثل هذه الثقافة لم تعرف في العالم العربي, بما يشكل ظاهرة لأسباب دينية في الأساس, فقد ظلت أعداد المنتحرين قليلة, ولم تكن تشكل ظاهرة أبدا, غير أن تزايد الأعداد كما كشفت الإحصاءات السابقة أصبح أمرا يدعو للقلق, ويدق ناقوس الخطر أمام المؤسسات المسئولة لتأخذ الأمر بجدية, وتحلل وتبحث في أسباب زيادة أعداد المنتحرين, خاصة من هم مازالوا في مقتبل العمر. والواقع أن بعض الشباب في الجامعة, أو ما بعد التخرج بسنوات قليلة, يشعرون بالإحباط والتشويش والتخبط, سواء لعدم النضج, أو لقلة الخبرة والتجربة, أو لنقص المعلومات, ولم يعد لدي أغلبهم الصبر والجلد اللذين يتمتع بهما آباؤهم أو الأجيال التي سبقتهم, فقد نضجوا في ظل ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية أكثر انفتاحا بكثير من تلك الظروف التي عاصرتها الأجيال الأكبر سنا, وتعرضت أجيال الشباب الحالية إلي هزة قوية جدا في المفاهيم ومنظومة القيم الاجتماعية التي تربت عليها الأجيال السابقة, كالانفتاح الإعلامي الواسع, وظهور عالم الإنترنت الرهيب أدي إلي اهتزازأفكار وقيم هؤلاء الشباب في وقت لم يكونوا مستعدين فيه, ولم نضع في اعتبارنا أن نعدهم لذلك, وتركناهم يسبحون وحدهم في بحر العولمة بدون مرشد أو هاد أو قدوة, فكان من الطبيعي أن يغرق بعضهم ويسقط ضحية لظروف ليس له دخل بها, ولم يكن قادرا علي تحملها أو تقبلها بسهولة, فما يسمعه من الأسرة والمدرسة والإعلام والحكومة شيء.. والواقع شيئا آخر.