لا أحد في قطاع السياحة يمكنه أن ينكرأان قضية نظام الاقامة الشاملة أو ما يعرف بالانجليزيةALLINCLUSIVE بات يشكل واحدة من القضايا التي تمثل خطورة كبيرة علي صناعة السياحة أو تحديدا حجم العائد منها ليس في مصر فقط بل في أماكن أو دول سياحية أخري بالعالم. ورغم انني سبق أن كتبت وناقشت علي هذه الصفحة قضية الاقامة الشاملة وحذرت من خطورتها علي مدي ما تحققه صناعة السياحة من عائد ضعيف علي الاقتصاد القومي خاصة في ظل زيادة العمل بهذا النظام للدرجة التي جعلتني أسمي هذا النظام بالفيروس الشامل الذي يستشري في جسد السياحة المصرية ويضعفها أو يقلل العائد المادي منها لصالح الاقتصاد القومي. ولاشك ان الجميع يعلم أن السبب في القول إن ذلك فيروس قاتل هو أن الاقامة الشاملة تعني الاقامة الرخيصة أو الرخيصة جدا.. لدرجة انك لو سألت عن غالبية الأسعار في مصر وتحديدا في فنادق الغردقة وشرم الشيخ التي تقبل بهذا النظام ستجد ان سعر الاسبوع اقامة شاملة بالطائرة لا يتعدي500 أو600 يورو في الاسبوع بما في ذلك سعر الطائرة الذي يصل الي300 أو350 يورو في أغلب الأحيان. ولك أن تتخيل أن باقي المبلغ300 يورو للاقامة والأغذية والمشروبات يعني في أحسن الأحوال20 يورو للفرد في الليلة للاقامة والأكل والشرب بل للأسف اسمع انها تنزل أحيانا الي12 يورو في بعض الفنادق.. هل هذا معقول, وهل هذه أسعار في دولة تستهدف أن تكون السياحة إحدي دعائم الاقتصاد القومي فيها؟ لا أعتقد ذلك مطلقا!! بل يجب أن نعيد النظر في قضية الأسعار بشكل عام.. فللأسف يأتي البعض أحيانا ويفرض أسعارا مبالغا فيها علي بعض الجنسيات العربية وهو أمر مرفوض لأن الاسعار يجب أن تكون موحدة لكل الجنسيات. ويمكن أن تكون موسمية لكل الجنسيات ايضا. وبرغم أنني كما قلت وسبق وكتبت في هذه القضية.. وجاءتني اجابات أعرفها مقدما وهي ان الفنادق والشركات تعوض هذه الاسعار الرخيصة بطرق ملتوية أي أن المهم ان يأتي السائح وتقوم الشركات بعد ذلك بتنظيم رحلات خاصة له في الصحراء للسفاري أو تأخذه للشراء من البازارات أو أي وسائل أخري تعوض خسارتها.. الا أنني أري أن في ذلك نوعا من الخسارة للدولة.. ربما تعوض الشركات خسائرها خاصة تلك الشركات التي تبيع بالخسارة أي تبيع سعر الغرفة والأغذية والمشروبات بأقل من التكلفة علي أمل التعويض كما قلت...! الا ان في ذلك التفافا علي حقوق الدولة والاقتصاد القومي وضعف الصورة الذهنية عن السياحة المصرية وعائدها بشكل عام. ولقد قلنا قبل ذلك أن أحد الاسباب المهمة التي يجب مواجهتها في ذلك هو ما اسميناه الدائرة الجهنمية وهي ان نظام السياحة في مصر كله أصبح يعتمد علي ان شركة السياحة هي التي تجلب السائح وهي التي تبني وتمتلك الفندق والبازار والاتوبيس والفندق العائم وبالتالي هذه المنظومة العجيبة في العمل تعود بالخسارة علي الاقتصاد القومي.. ربما تعود بالمكسب علي صاحب الشركة لكن من المؤكد ان تنظيم مزاولة العمل والتخصيص في السياحة يمكن ان يكون حافزا, لزيادة دخل السياحة لصالح الاقتصاد القومي. والظاهرة الأخطر التي تنتشر اليوم والتي أدت الي انتشار هذا الفيروس الاقامة الشاملة التي وصلت الي فنادق الخمس نجوم وشركات فنادق عالمية تعمل في مصر للأسف ان شركات السياحة العالمية الكبري مثل توي وينكر مان وغيرهما أصبح يهمها في إطار العولمة شركات وفنادق وفروع وشراكة في مصر مع شركات كبري وبالتالي في هذه الشركات تفرض الي حد كبير العمل بنظام الاقامة الشاملة المدفوع من السائح مقدما وبالتالي وفي اطار الشراكة مع نظيره المصري تستطيع القول ان عائدا كبيرا يعود الي الخارج لهذه الشركات ولا تأخد الشركات المصرية أو الاقتصاد القومي الا نسبا ضئيلة للأسف. ربما يقول البعض انني أبالغ في الحديث عن نظام الاقامة الشاملة ونتائجه وربما يقول البعض انه معمول به في دول عديدة.. وأقول نعم.. لكن ذلك بالطبع يجب ان يقودنا الي قضية الكم والكيف في السياحة المصرية.. فنحن دولة نمتلك مقومات طبيعية وأثرية وثقافية فريدة وليس لها مثيل في العالم وبالتالي ذلك يفرض علينا أن نحافظ عليها. وأن نختار بين الكم والكيف أن الي حد بعيد أي نهتم بالكيف وبالجودة في الخدمات لأن ذلك هو السبيل لزيادة العائد من السياحة لمصلحة الاقتصاد القومي. بل استطيع ان أقول ان اختيار الكيف هو إحدي الوسائل القوية لحصار الفيروس القاتل أو الإقامة الشاملة. وربما يساعدنا في ذلك ان هناك اتجاها عالميا ملحوظا الآن في عدد من دول العالم السياحية الكبري المصدرة للسياحة مثل ألمانيا وفرنسا وانجلتزا للهروب من هذا النظام, فقد أصبح مواطنوها أو الراغبون في السفر والسياحة يميلون الي البحث عن الكيف أو الجودة بل الهروب من المقاصد أو الفنادق التي ينتشر فيها نظام الاقامة الشاملة. ان البحث عن الخصوصية والاستمتاع والتواصل مع الناس في الدولة أو المكان الذي يزوره السائح أصبح أحد الأهداف المهمة للسائح وهو ما يمكن تسميته في علم أو فن التسويق الحديث التجربة أي أن السائح يبحث عن تجربة ويجب أن تقدم له تجربة يستمتع بها.. فالسائح إذا كانت تجذبه الحملات الاعلامية أو الاعلانية,, لكن بعض السائحين يبحثون عن التجربة الممتعة في السفر والسياحة وعن التواصل الانساني والمعرفة والثقافة وهو الهدف الأسمي للسياحة. أعلم ان تلك قضية صعبة وأن الخلاص من هذا الفيروس أصبح صعبا مع انتشاره القوي.. وأعلم ان هناك اتجاها يؤيد ذلك دعما لزيادة أعداد السائحين الي مصر ودعما لخطط التنمية والتشغيل.. لكني أري ان حصار هذا الفيروس لايتعارض مع ذلك بل يمكن ان يكون الاختيار بين الكم والكيف في صالح الكيف والجودة لان ذلك هو الهدف الذي يبحث عنه السائح في أغلب الأحوال.. أو علي الأقل السائح الذي نريده حماية لمقوماتنا الطبيعية والثقافية وتراثنا, فالفرح بالإعداد يجب الا يكون الي مدي مالانهاية له.. بل يجب ان يكون الفرح بما تحققه هذه الأعداد من دخل أو عائد للاقتصاد القومي. ويتبقي السؤال قائما..هل ننجح في مقاومة أو حصار نظام الاقامة الشاملة ذلك الفيروس القاتل للسياحة أو لعائدات من السياحة؟ الله أعلم!! [email protected] المزيد من مقالات مصطفى النجار