· السياحة المحافظة تنافس سياحة الخمور والقمار والسياحة الجنسية فندق «كايريس» بتركيا طاقته تتعدي ال 1000 سرير وعجز عن تلبية الحجوزات! هناك دائما اعتراضات من الأسر المتدينة والمحافظة التي لديها قدرة عالية علي الانفاق من عدم توافر منتجعات تتوافق مع العادات والتقاليد المحافظة، وعلي الجانب الآخر دائما ما يتعلل رجال السياحة بأنهم ملتزمون بمعايير دولية مفروضة عليهم من قبل سلاسل شركات الإدارة العالمية بالإضافة إلي أن قطاع السياحة لا يستطيع الاعتماد علي أنماط معينة من السياحة طوال العام مثل السياحة الداخلية أو السياحة العربية التي تنشط في مواسم معينة فقط، ولهذا نقدم نموذجا متكاملا عن تجربة السياحة المحافظة في تركيا وكيفية الاستفادة والتطبيق لهذه التجربة في مصر مع علمنا التام بأن هناك منتجعات سياحية محافظة تعمل علي استحياء في السوق المصري! والسياحة المحافظة تحولت إلي ظاهرة تغزو سوق السياحة في تركيا وتدفع المستثمرين في مجال السياحة إلي ضخ المزيد من الأموال للاستثمار في هذا النمط السياحي وقد بدأ هذا النمط السياحي يتردد في وسائل الإعلام التركية منذ عشر سنوات تقريبا حينما قامت إحدي المجموعات الاقتصادية التركية التي تتخذ من ألمانيا مقرا لها بشراء فندق كبير من فئة الخمس نجوم يطل علي شواطئ بحر ايجه وقام هذا الفندق الذي أطلق عليه اسم «كايريس» بتنظيم حملة إعلانية قوية يؤكد فيها أنه لا يقدم الخمور وأن لديه مسجدا وحمامات سياحية خاصة للنساء، الأمر الذي أثار إعجاب الأسر المحافظة والمتدينة في تركيا وكان دافعا قويا للإقبال علي الفندق. وفي خلال السنوات الأولي من ظهور هذا الفندق بهذا المفهوم الجديد للسياحة عجز الفندق عن تلبية جميع الحجوزات بالرغم من أن طاقته تتعدي الألف سرير، الأمر الذي أدي إلي إقبال المستثمرين الأترك علي الاستثمار في هذا النمط السياحي، فظهرت بعد ذلك فنادق وقري سياحية أخري تطل علي بحر ايجه تتبع نفس المفهوم في الإدارة وتباينت درجات هذه الفنادق والقري السياحية بين الأربع نجوم والخمس نجوم وقد ساعد ظهور الفنادق الجديدة علي خلق روح المنافسة التي انعكست بشكل إيجابي علي السائحين فقد بدأت هذه القري السياحية في الإبداع في تقديم الأطعمة الفاخرة وخصوصا العثمانية وتنظيم مسابقات رياضية وحفلات للأغاني والرقصات الذاتية ومسابقات هادفة للأطفال في الألعاب الرياضية والسباحة والحرف اليدوية والحقيقة أنني أعرض النموذج التركي في السياحة المحافظة كتجربة متكاملة ونظرا للتشابه الموجود في الثقافة بين الشعب المصري والتركي تمهيدا لطرح الموضوع من وجهة نظر اقتصادية يتقنها جيدا رجال الأعمال والمستثمرون العاملون في قطاع السياحة بعيدا عن الدخول في مناقشات دينية. ويجب أن تحدد ملامح هذا النشاط فالسياحة صناعة تعتمد علي التفوق في جودة الخدمات المقدمة للسائح بالإضافة إلي ما تفرضه من عوامل بيئية وثقافية، وبالإضافة إلي عامل علي درجة كبيرة من الأهمية هو الهوية الثقافية للمقصد السياحي التي تظهر في العادات والتقاليد والأديان وطريقة الحياة والفكر وهذه العوامل مجتمعة تكون ما يسمي بالمنتج السياحي الذي يقوم بوضع الخطط اللازمة لتسويقه وعلي ذلك نستطيع أن نستنتج ببساطة أن السائح هو الذي يتحكم في شكل وخصائص المنتج السياحي، بالإضافة إلي أننا لا نستطيع تسويق منتج لا يوجد طلب عليه وحتي يكون الأمر واضحا نستطيع أن نرصد نشأة وتكوين المقاصد السياحية المصرية الحديثة مثل الغردقة وشارم الشيخ التي اعتمدت منذ البداية علي السائح الأوروبي خصوصا السائح الذي يهوي ممارسة رياضة الغوص والسائح الأوروبي أيضا الذي يهوي الاستمتاع بالصحراء فظهرت شرم الشيخ بالشكل الذي نراه عليها الآن، وعندما بدأت الفنادق في شرم الشيخ البيع بنظام الاقامة الشاملة Allihdase كان المسمي الذي يندرج تحته هذا النظام في شارم الشيخ it alenclvb أو النادي الإيطالي حيث كان السوق الإيطالي هو أكبر الأسواق المصدرة للسائحين في شارم الشيخ في هذا الوقت. والعاملون في قطاع السياحية يعلمون علم اليقين أن حركة السياحة دائما تعبر عن «موضة» وكذلك أنماط السياحة تمثل «موضة» أيضا فعندما بدأت موضة السياحة الاستشفائية لاحظنا اهتمام الفنادق والقري السياحية بإنشاء مراكز خاصة بالسياحة الاستشفائية «spa» وتعاقدت مع أكبر المتخصيصن في مجال «spa» علي مستوي العالم الأمر الذي دفع وزارة السياحة إلي وضع معايير عالمية لهذه الموضة السياحية أو النمط السياحي الذي بات يمثل هدفا قويا للاستثمارات السياحية وسوف يلاحظ هذا السباق يتكرر في أنماط سياحية أخري مثل سياحة الصحراء التي تبشر بمستقبل واعد. وعندما نعود ثانية للحديث عن السياحة المحافظة فسنجد فيها كل العناصر المكونة لمنتج سياحي في غاية الجودة فهناك سائح لديه القدرة المالية «معدل انفاقه مرتفع» وهناك الأسواق القريبة المتمثلة في السياحة الداخلية أو السياحة العربية، بالإضافة إلي أعداد كبيرة من المسلمين في الدول الأوروبية. وهناك الوفرة في رءوس الأموال الإسلامية التي تستطيع بسهولة جذبها للاستثمار في هذا النمط السياحي، بالإضافة إلي خبرة قطاع السياحة المصري التي تشكلت علي مر السنين في مواجهة الأزمات التي أضافت إليها الكثير من المرونة التي تجعلها قادرة علي التعامل مع مختلف الأنماط السياحية، فإذا كانت لدينا مقاصد سياحية شهيرة قائمة علي السياحة الأوروبية وأخري تولي اهتماما كبيرا بالقمار مثل منطقة طابا لاعتمادها بشكل كبير علي السياحة الإسرائيلية فلا يوجد ما يمنع الاهتمام بمقاصد سياحية أخري تعتمد علي السياحة المحافظة. ودعونا نطرح بعض الأسئلة التي تثير قلق المستثمرين السياحيين في هذا النمط السياحي. فإذا كان البعض يخشي هروب السائح الأوروبي الأكثر كثافة في السياحة الوافدة كنتيجة لعدم تقديم الخمور فأنا أعتقد أن هذا الخوف غير مبرر، لأننا لا نطالب كل القري السياحية بعدم تقديم الخمور، بالإضافة إلي أن هناك الكثيرين من السائحين الأوروبيين الذين يمتلكون وحدات سكنية في المقاصد السياحية المصرية لا توجد بها خدمات وشروط تقديم الخمور هذه من اشتراطات شركات إدارة الفنادق العالمية، ولدينا الكثير من الفنادق والقري السياحية تحت إدارة شركات إدارة مصرية لا تتعرض لمثل هذه الضغوط فلا يجب وضع نموذج فندق مثل جراند حياة عندما أصدر مالكه تعليمات بعدم تقديم الخمور متجاهلا العقد المبرم بينه وبين شركة الإدارة العالمية من الممكن أن يتخوف البعض من توقف الأرباح الناتجة عن بيع الخمور، ولكن بمتابعة حالة الفنادق والقري السياحية الواقعة في المقاصد المصرية بعيدا عن فنادق القاهرة سنجد أن طريقة البيع بالاقامة الشاملة قد قلصت حجم مبيعات الخمور. ومن الممكن أن يتخوف البعض من الخلافات العرقية نتيجة هذا النمط السياحي أو يظهر تصنيف جديد للفنادق هذه قبطية وهذه مسلمة وأعتقد أن هذا لن يحدث حيث إن القيم والأعراف السائدة في المجتمع المصري واحدة عند جميع الأطراف ونحن هنا نتحدث عن السياحة المحافظة وليست السياحة الدينية. ومن الممكن أن يكون النمط السياحي الأوروبي السائد في المقاصد السياحية المصرية وراء عزوف الكثير من الأسر المصرية علي الإقبال علي هذا النمط السياحي ويجب أن نعلم أن 60% من حركة السياحة الأمريكية هي سياحة داخلية وتمثل السياحة العربية 20% من حركة السياحة الوافدة إلي المقاصد المصرية ومن الممكن أن تتضاعف هذه النسبة إذا توافر نمط السياحة المحافظة في بعض المقاصد المصرية.