سواء أجاب الناس ب نعم أو لا غدا في الاستفتاء علي الدستور, فالنتيجة واحدة, وهي أننا أمام شعب علي مستوي المسئولية, وسواء ذهب البعض إلي لجان الاستفتاء أو أحجم عنها, فنحن أمام حرية رأي. وسواء جاهر هؤلاء أو أولئك برأيهم للتأثير علي المشاركين, فهي ديمقراطية كنا نتطلع إليها, وسواء رأت طائفة ما أن هناك قصورا في مواد الدستور, ورأت طائفة أخري غير ذلك, فنحن أمام حالة صحية كنا ننشدها, وسواء تشدد البعض في انتقاد الدولة الرسمية علي خلفية هذا الدستور, أو بالغ البعض الآخر في مدحها, فهذه هي الحالة الثورية التي كان من الضروري أن تفرض نفسها علي مجريات حياتنا اليومية, فما بالنا بالسياسية منها؟!. أما أن يبالغ البعض بالدعوة إلي تعطيل العمل والإنتاج, أو بالدعوة إلي قطع طرق وتخريب وسائل المواصلات والاتصالات, فلسنا أبدا أمام حالة صحية ولا ثورية, ولا حتي أخلاقية, وإذا صدرت هذه الدعوات من جهلاء أو أغبياء أو سفهاء, فمن الممكن تقويمهم بالنصح تارة, وبالقانون تارة أخري, أما إن صدرت عن نخبة سياسية, فبالتأكيد نحن أمام أزمة لا يجب أبدا تجاهلها أو التغاضي عنها, أما وإن تعدت هذه الأقوال والدعوات إلي الفعل, مثلما حدث في بعض المواقع, فهذه هي مسئولية الشعب كل الشعب بالتصدي لها, ووأدها في مهدها, ولا يجب بأي حال الاعتماد علي السلطة الرسمية فقط في مقاومتها, لأننا جميعا نعاقب دون ذنب اقترفناه, ولأننا جميعا ندفع ثمن خلافات سياسية, هي في الحقيقة يجب أن تكون ظواهر إيجابية. ومن هنا يمكن القول إن صناديق الاستفتاء اليوم, هي الحكم, وهي القول الفصل في كل هذه المشاحنات, وبالتالي كان علي الأطراف المختلفة اللجوء مبكرا إلي الشارع للتوعية بوجهة نظرها سواء كانت نعم أو لا, دون إخلال بالأمن, المختل بحكم الواقع, ودون تعطيل لحركة السير, المعطلة بطبيعتها, ودون إراقة لمزيد من الدماء, التي ما كان لها أن تراق, ودون إثارة التوتر في مجتمع هو في أمس الحاجة إلي الاستقرار, أما وقد حدث ما حدث, وقد لطف الله بعباده, كما هي الحالة المصرية دائما, فالكرة اليوم في ملعب الشعب الذي من المهم أن يستمر في إثبات أنه علي مستوي المسئولية, وأنه يستحق أكثر من ذلك, ولنعبر بالسفينة إلي بر الأمان, أملا في مرحلة أخري أكثر استقرارا وأمنا. فقد تحدث وزير التخطيط عن خسائر بلغت أكثر من100 مليار جنيه جراء المليونيات والاضطرابات, كما تحدث وزير المالية عن عجز في الموازنة بلغ185 مليار جنيه وقد يصل إلي234 مليارا, بينما تحدث رئيس مجلس الوزراء عن تجاوز الدين العام رقم1.2 تريليون جنيه, وتحدثت الإحصاءات عن إغلاق أكثر من4000 مصنع وشركة, وتحدثت الأرقام عن ارتفاع البطالة بين الشباب إلي30%, وتحدث الخبراء عن مخاوف من الإفلاس إذا استمرت الأوضاع بهذه الطريقة, وتحدث قطاع السياحة عن تسريح50% من العمالة المنتظمة, بالإضافة إلي خسائر بلغت أربعة مليارات دولار, وعانت سوق الأوراق المالية خسائر بلغت30 مليار جنيه خلال يوم واحد, بينما شهد الجنيه هبوطا غير مسبوق أمام العملات الأجنبية. ماذا ننتظر إذن حتي نعي أن الخطر قادم, إن لم يكن قد أتي بالفعل؟, وماذا تنتظر النخبة السياسية حتي تعي أن الوقت يداهمنا؟, وماذا تنتظر السلطة الرسمية حتي تعي أنها يجب أن تتحمل مسئولياتها تجاه هذا التدهور؟, وماذا سيكون الوضع إذا استمرت هذه الحالة بذلك الانفلات الحاصل في المجتمع؟, وماذا سيكون الموقف إذا استمرت مؤسسات النقد العالمية فاقدة الثقة فينا وفي اقتصادنا وفي سياستنا الداخلية؟, وماذا لو استمر هذا التراجع السياحي؟, وكيف سيكون الوضع إذا استمر هذا العجز في الموازنة بما لا يتيح الإنفاق علي الخدمات وتحسين حال المرافق؟, وكيف يمكن لعجلة الحياة أن تدور في ظل هذا الانفلات الأمني والأخلاقي؟!. أعتقد أنها مسئولية جماعية يجب أن يعيها كل فرد في المجتمع, وأن استفتاء الغد ما هو إلا اختبار حقيقي لشعب صبر وصمد وعاني, وآن له أن يستقر, أما إذا كان البعض يراهن علي استمرار هذه الحالة أملا في تحقيق مكاسب معينة, فهو, بالتأكيد, رهان خاسر, وذلك لأن حالة وقف الحال هذه تضر بالمجتمع, كل المجتمع, ولا تصب في النهاية في مصلحة أي فئة لحساب أخري, وخاصة بعد أن أدركت الغالبية الصامتة أبعاد الأزمة, فراحت تنشد الأمن والأمان, حتي لو كان علي حساب تطلعات سياسية كانت تأمل في تحقيقها, وهو أمر أعتقد أنه سوف تعبر عنه نتائج صناديق الاستفتاء اليوم, ويبقي أن يعيد البعض حساباتهم في ضوء هذه النتائج للاستفادة منها مستقبلا بالفعل ما ستسفر عنه نتائج اليوم يجب أن يكون بمثابة رسالة واضحة إلي كل القوي الساعية إلي فرض إرادتها, وفحوي هذه الرسالة هو أن الشعب في النهاية هو الذي يحكم, وليس فئة بعينها, ومن هنا فإن تطلعات الشعب يجب أن تؤخذ في الاعتبار دون أدني مزايدة علي حقوقه أو مكتسباته, وليكن الصراع من الآن فصاعدا علي صناديق الانتخابات والاستفتاءات, وليس من خلال استعراض القوة في الميادين والشوارع, بعد أن اختلط فيها الحابل بالنابل, وتصدر فيها الخرطوش والمولوتوف المشهد, فكانت النتيجة خسائر يومية في الأرواح, وإرهاب السكان في أكثر من موقع, ونهب محال, وحرق سيارات, ونزيف من الخسائر اليومية علي كل المستويات التجارية والاقتصادية والمالية, ناهيك عن تعطيل المدارس هنا وهناك. ولأن الأمر كذلك, فسوف نظل نناشد السلطة الرسمية فرض سيطرة الدولة التي توارت خلف أصحاب الحناجر ومرتادي الفضائيات, وسوف نظل نؤكد أن هناك حكومة واحدة في الدولة, وهذه الحكومة يجب أن تتحمل مسئوليتها تجاه كل هذه الأحداث, وإلا فلتعلن فشلها وتنسحب بهدوء, وإلا فبماذا نفسر ذلك الانسحاب الأمني من كل مواقع الاضطرابات؟, وبماذا نفسر تلك القرارات الاقتصادية المتضاربة؟, وبماذا نفسر ذلك الفشل في إدارة البلاد؟, وبماذا نفسر ذلك التردي في الخدمات والمرافق؟, وبماذا نفسر ذلك الارتفاع غير المبرر للأسعار؟, وبماذا نفسر حالة الكآبة التي يعيشها أفراد المجتمع علي مختلف أعمارهم؟, وبماذا نفسر ذلك الانفلات الحاصل في الشارع علي كل المستويات؟, وبماذا نفسر استمرار تفشي الفساد والرشوة والتسيب في أجهزة الإدارة المحلية؟!. إذن ما أود تأكيده هو أن نتيجة استفتاء الغد حتي لو جاءت بنعم, فليس معني ذلك رضا الشعب عن أداء الحكومة بأي حال, وإنما هو نتاج حالة من اليأس والضجر آثرت فيها الأسرة المصرية أن تستقر الأمور وتدور عجلة الحياة لمنح الحكومة فرصة, أؤكد أنها الأخيرة, كي تتدارك الموقف وتطوي صفحة التخاذل والضعف, ولتبدأ صفحة جديدة من العمل الحقيقي وتحمل المسئولية تجاه مستوي من الفقر وصل إلي أسوأ حالاته, ومستوي من الضنك وصل إلي أقصي درجاته, وإلا فإن البديل الطبيعي, هو ثورة شعب حقيقية تحمل بصمات كل الأطياف, وليست قوي بعينها, بل ربما كان وقودها أطفال الشوارع والمتشردون والمهمشون, بعد أن وصلت إلي أرقام لم تستطع أجهزة الإحصاء رصدها. ومن هنا.. فإن الإجابة بنعم علي ورقة الاستفتاء لا يجب بأي حال أن تكون وساما علي صدر هذه الحكومة, بقدر ما تلقي بمزيد من العبء عليها, وذلك بإعلان خطتها علي الفور لمواجهة هذه الأزمات التي يعانيها المجتمع, وسوف ينتظر رجل الشارع تطورا ملموسا في حياته علي أرض الواقع, وذلك بعد أن فقدت لغة الأرقام بريقها, وبعد أن فقد سيل التصريحات أهميته, ولا أعتقد أن خطة حكومية بمزيد من فرض الضرائب أو زيادة الأسعار, وخاصة في ظل هذه الظروف, سوف تكون مواتية أو قابلة للهضم بأي حال, ولذلك فإن أمر صدور القرارات أي قرارات في حد ذاته; يجب أن يخضع لمزيد من البحث والنقاش, حتي لا يظل التراجع سمة من سمات المرحلة. وفي كل الأحوال سوف نظل نؤكد أن القوي السياسية هي الأخري يجب أن تهدأ, وذلك من أجل إيجاد مناخ يشجع علي العمل والإنتاج, بل الإبداع, وجذب رؤوس الأموال والاستثمارات, أما وقد استمرت في إشعال الحرائق الخلافية, فسوف يظل قطاع عريض من الشارع يلتمس للحكومة العذر, وليس ذلك فقط, بل سوف تظل هذه القوي, في نظر رجل الشارع, علامة بارزة علي التآمر, وضيق الأفق, وإيثار المصالح الشخصية والحسابات الآنية, ومن هنا سوف تصبح مطالبة هي الأخري بعد الاستفتاء مباشرة أيا كانت نتائجه بصياغة عهد جديد من التعاون مع السلطة الرسمية من أجل مصلحة الوطن ككل, بعيدا عن الأيديولوجيات التي لا تعني غالبية الشعب بأي حال, وبمنأي عن الشعارات التي أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع. وربما كانت الدعوة, التي وجهتها القوات المسلحة للم شمل القوي الوطنية مع السلطة قبيل الانتخابات, بمثابة محاولة لتهدئة الأوضاع كان يمكن البناء عليها مستقبلا, إلا أن ردود الأفعال علي هذه الدعوة قد حالت دون تنفيذها, وهو ما يؤكد أن النفوس متخمة بما هو أسوأ من المعلن بكثير, ولو أن مصلحة الوطن كانت في الاعتبار لما رفض أي فصيل دعوة بهذا الشأن, وخاصة في هذه الظروف التي تتطلب حكمة ورجاحة عقل بالدرجة الأولي, لامتصاص حالة الغليان هنا أو التطرف هناك, وربما تكون القوات المسلحة قد أدركت, جراء هذا الموقف, إلي أي مدي وصلت الأمور, وإلي أي مدي يمكن أن تصل, وهي التي يقع علي عاتقها, إلي جانب وزارة الداخلية, غدا تأمين عملية الاستفتاء, وهو ما يجعلنا نناشد عامة الشعب أن يكونوا علي مستوي المسئولية في مساعدة الجيش والشرطة في هذه المهمة لتفويت الفرصة علي كل من يريد تعكير أجواء مصر. علي أي حال.. الكلمة غدا للشعب, وباستطاعته أن يسطر فصلا جديدا في تاريخه المجيد, وإذا كانت هناك خلافات بين القوي التي تحاول فرض نفسها علي الساحة الآن; فإن كلمة الشعب, في النهاية, هي التي سوف تتصدر المشهد, وما علي هؤلاء وأولئك إلا الامتثال لإرادة هذا الشعب الذي كان, دائما وأبدا, نموذجا في الوطنية, وكلمة الشعب غدا لا تنتظرها الصناديق فقط, بل ينتظرها العالم بأسره ليحكم علي التجربة المصرية سلبا أو إيجابا, وكلمة الشعب غدا ليست مجرد مرحلة, وإنما هي مستقبل وطن, ومستقبل أجيال, بل ربما ترقي إلي مستقبل منطقة بأسرها تتطلع إلي مصر النموذج, ومصر القدوة, ومصر أم الدنيا, ولم لا؟!, وهي بالفعل أم الدنيا. المزيد من مقالات عبد الناصر سلامة