عائد إلي الحياة يا سيدي.. نالت مني الاحزان ولم يبق مني سوي البقايا اصبحت كالقمر العجوز الذي غاب عنه الضياء.. انطفأت عني كل مصابيح الدنيا ولم يعد في حياتي إلا الشكوي. امطرتني تلك المرأة احزان السنين.. امطرتني جحيما .. فقد استهواها الكذب واحترفت الضلال والتضليل وعرفت الذهاب إلي مخابئ الخطيئة والدنس ومنعت عني نعيم الراحة وتركتني لجحيم الشك وثورة الهواجس.. فقد باعت نفسها للشيطان وأرتمت في أحضان الرذيلة.. وقفلت كل شئ سيدي حتي أنسي ولكن كيف؟ كيف يكون النسيان وتحاصرني الهواجس بأن تلك الصغيرات الثلاثة لسن من صلبي وعصبي.. وان الدماء التي تسري في عروقهن هي غير دمائي وانهن نشأن من نبت حرام.. عدت لا اطيق رؤيتهن سيدي وعلي الملأ بملء فمي انكر نسب هؤلاء الصغيرات اللاتي يحملن أسمي لانهن اصبحن وصمه عار في جبيني. المحكمة... فررنا نحن... و... عرض الأب وبناته الثلاثة علي مصلحة الطب الشرعي لاجراء تحاليل الحامض النووي لاثبات نسب البريئات لابيهن أو انكار نسبهن لهن. لتبدأ كل واحدة منهن رحلة البحث عن أبيها. يا سيدي.. تلك المرأة كانت لي كل مفردات الجمال والسهر والليل والقمر وبرق الشوق والمطر.. كانت مضيئة مثل شمس النهار.. ارتجفت لها أوصالي سيدي وانا ابن الحسب والنسب فقد اوقعني حظي العثر في مخالبها عندما كنت عائدا من مدينة الاسكندرية واستقل سيارتي واختلت في يدي عجلة القيادة ورحت اترنح بالسيارة يمينا ويسارا وعبرت الجزيرة الوسطي حتي اصطدمت بعمود إنارة وبعدها لم اشعر بشيئا وفوجئت بانني ارقد في احد المستشفيات بمدينة الاسكندرية وملاك الرحمة تسهر علي راحتي وتداوي جراحي وآلامي مر اليوم الاول والثاني والعاشر وانا اقيم في المستشفي ومن حولي كانت تجلس اسرتي واصدقائي الا انني عدت لم أر سواها ولم اسمع غير صوتها العذب وكنت اتلهف لرؤيتها أشعر بالوحدة دونها وانا ارقد بين اهلي وعشيرتي وسارت دمائها تسري في عروقي وأنفاسها نسائم أماني وباتت شريان حياتي وسبب بقائي في الدنيا وبات بريق عينيها يضئ لي طرقاتي في الليالي الحالكة السوداء. لم يقف ثرائي وتاريخ عائلتي المرموق وشهادة بكالوريوس الهندسة حجر عثر في طريق زواجنا فقد اعلنت حربا شرسة علي عائلتي عندما اعترضوا علي زواجي من ملاك الرحمة فكيف ذلك وطابورا من البنات ينتظرن اشارة من اصبعي وانا الذي كنت وكنت وكنت وهل ينتهي بي المطاف واتزوج ممرضة لايملك والدها سوي ستر الدنيا ونابغه عائلتها واكثرهن علما حاصل علي دبلوم التجارة ويلقبونه بالاستاذ لانه الوحيد الذي نال حظا وافرا من التعليم. وقامت الدنيا واشتعلت نيران الغضب والرفض من والدي ووالدتي. فكيف يضع هذا الطبيب المرموق يده في يد عامل النظافة وكيف ستتحدث أمس سيدة الروتاري مع بائعه الخبز. ولم امتنعت سيدي لتلك الفوارق فقد نال حبها مني وكان اروع مفاجآت القدر.. وكانت لي وجها لامعا ونجما ساطعا وشاهدتها نجمة وقررت ان اقطفها من حدائق السماء. لم يجد والدي امامه سبيلا سوي الموافقة علي الزواج علي مغض وتحول حفل زفافي إلي موكب جنائزي وكأن اسرتي كانت تنقل نعشي الي مثواي الاخير وتزوجتها بعد ان اسكنت الحزن والحسرة في قلوب عائلتي.. اسكنتها في قلبي وتوجتها ملكة واميرة قلبي وقاطعت عائلتي من اجلها بعد ان اشترطت علي اسرتي عدم اصطحابها اثناء زيارت لهم لان شيئا ما يسد كل ابواب الالفه والمودة بينهم وكأن عائلتي كانت تدرك ان تلك الملعونة سوف تهوي إلي طريق الرذيلة. مر العام الاول والثاني والعاشر علي زواجنا وكانت ملاك الرحمة هي سيدة القصر تأمر وتحكم وتنهي وتطلب وانا اجيب كل طلباتها ووهبتنا الاقدار ثلاث بنات كن يحملن وجها ملائكيا وتلفعن بخصال عائلتي في الرقي والرقه وحسن الطباع وخلال السنوات الثلاثة الاخيرة من عمر زواجنا الذي له عشرة سنوات فوجئت بزوجتي تقلد والدتي وتذهب لانديه الروتاري وتحضر حفلات الجمعيات الخيرية وتتبرع بأموالي وكانت تحلم ان تكون مثل الهوانم ولم اعترض سيدي فكنت اتمني ان تكون مثل أمي ليتباهي بها بناتي ولكن تكرر غيابها عن المنزل لفترات طويلة والسهر ليلا وترك البنات مع الخادمات وذات ليله حالكة السواد فوجئت بقوة تطرق بابي بشده وإذا بضابط وامينين شرطة يقفون ويطلبون مني الذهاب معهم الي قسم شرطة(.....) اكتشفت في قسم الشرطة ان تلك الملعونة تم ضبطها في إحدي الشقق المفروشة وهي تمارس الاعمال المنافيه للاداب لا لشيئ سيدي سوي لجمع المال لم اجد امامي سبيلا سيدي سوي تطليقها داخل قسم الشرطة. عدت سيدي القاضي الي بيتي وشاهدت تلك الملعونة في بناتي الثلاث وتذكرت المثل القائل أكفي القدره علي فمها تطلع البنت لأمها.. ووسوس الي الشيطان ان تلك الصغيرات البريئات لسن بناتي.. فما أدراني سيدي القاضي فقد يكن جئن من بذور حرام وأصبحن نبت حرام.. عدت لا اطيق رؤيتهن وتحولن في نظري الي ثلاثة شيطانات.. ونيران الشك تحرقني يا سيدي انكر نسب هؤلاء الصغيرات وارفض ان يحملن أسمي.. وبعد ان قررت المحكمة برئاسة المستشار محمود خليل رئيس محكمة استئناف القاهرة للاحوال الشخصية تأجيل نظر الدعوي حتي تنتهي مصلحة الطب الشرعي من اجراء تحاليل الحامض النووي للاب وبناته الثلاثة جاء تقرير الطبيب الشرعي الذي اعاد الاب للحياة والعودة من طريق الضياع حيث اكدت نتائج التحاليل ان الصغيرات الثلاثة من صلب الاب وتطابقت نتائج التحاليل وأحتضن المخدوع صغيراته وارتمي في أحضان عائلته.