ذكّرنى وضع فطر «الكمأ» على قائمة أغلى الأطعمة على مستوى العالم، بسطوة الذهب وقصة إستبداده بالقلوب والعقول بعد اكتشاف كولومبوس أمريكا وإشعاله حمى الذهب فى كاليفورنيا، فهناك تشابه كبير بين إستكشاف الذهب والبحث عن “الكمأ”، ذلك الكنز المدفون فى باطن الأرض، فكلاهما نادر وسعره مرتفع جداً، حيث يصل سعر الجرام الواحد من الكمأ إلى 8 دولارات، وتنبت “عشبة الكمأ” فى الأرض الكلسية الصلبة، وتشبه أوراقها أوراق الريحان، ولها زهرة صفراء فاقع لونها، حيث يقومون بشى الكمأ فى النار وأكلها مثل ثمرة البطاطس الصغيرة، وهم لا يدركون من قيمتها السوقية سوى أن رائحتها مميزة، وغذاء مفيد لأهل الصحراء طعمه لذيذ، فما هو “الكمأ” ؟، وما قيمته الحقيقية؟، وكيف يمكن استثمار وجوده فى صحراء سيناء لتحقيق قيمة اقتصادية مضافة لقيمته الغذائية والدوائية؟ الكمأ من أندر الفطريات التى توجد بشكل طبيعى فى البرية، ويتميز بنكهة خاصة ورائحة مميزة، ويسمى أيضاً ب «الترفاس» والفقع ونبات الرعد، ويزدهر عادة بعد موسم الأمطار «الرعدية» بالمناطق الصحراوية، ففى الثقافة المتوارثة لأهل الصحراء أن الرعد والبرق يضاعفان خصوبة التربة ولهما فائدة كبيرة لنمو النباتات بسرعة ومضاعفة إنتاجيتها، وهذا صحيح علمياً حيث إن الرعد عادة ما يصاحبه البرق وظهور وهج وأضواء زرقاء فى السماء (وهج أكاسيد النيتروجين، وهى عادة زرقاء اللون)، والتى تنتج عنها أملاح النترات المُخصبة للتربة، وهكذا نجد أن ازدهار فطر «الكمأ» وكثرته فى باطن الأرض مرتبط بالرعد، وكان الكمأ معروفًا فى جزيرة العرب كدواء، حيث ورد ذكره فى الحديث الشريف عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: “الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين”، وله أيضاً فوائد دوائية أخرى ومتعددة. ويقول البدو إن الأبناء والأحفاد يبحثون عنه اعتمادا على دقة الملاحظة وقوة البصر التى تميز أهل الصحراء، حيث تكون الأرض متشققة بالقرب من عشبة الكمأ، فبمجرد ملاحظة الشقوق متناهية الصغر يبدأون بالحفر لبضع سنتيمترات وبحذر شديد حتى لا يؤذوا الثمرة، فعندما تنضج “الكمأ” فإنها تمتص الماء بوفرة وتزداد فى الحجم، مما يؤدى إلى انتفاخ خفيف وتكسير التربة حول جذور النباتات التى تنمو فيها وتظهر الشقوق الضعيفة والتى تدل على مكان وجودها، وعادة تتم عمليات البحث فى الصحراء، إما فى الصباح الباكر أو أخر النهار لأن الشمس المنخفضة تجعل من السهل اكتشاف تلك الشقوق فوق كمأ الصحراء الناضجة، وعادة يلاحظ تطاير الحشرات وبعض الطيور فوق مكان الكمأ، وأهل سيناء يفضلون «الكمأ المختبئ» لاحتفاظه بكامل قيمته والمركبات العطرية المتطايرة. توجد تجارة «سرية» جيدة التنظيم للكمأ المصرى المستخرج من مناطق الساحل الشمالى إلى أسواق دول الخليج، حيث يدر على منظميها عائدا كبيرا، ورغم ذلك، فلم يسبق أن باع أهل سيناء “الكمأ الصحراوي” ولكنهم يهدونه إلى بعضهم البعض، لذا أدعو لتأسيس جمعية أهلية لرعاية مناطق الكمأ فى سيناء، كما أدعو الهواة والمحترفين من صيادى الكمأ الصحراوى من جميع أنحاء العالم لزيارة سيناء والاستمتاع بجمع ثمارها ومعايشة أهل الصحراء اثناء موسم حصادها (مارس – مايو) لتنشيط سياحة السفارى فى سيناء، فعادة ينمو الكمأ بشكل جيد فى سيناء مما يجعلها وجهة للسياح، حيث يمكنهم القدوم مع عائلاتهم إلى البرارى المفتوحة وتحقيق حلمهم بالثراء والاستمتاع، كما أناشد الحكومة توفير أسواق لبيع كمأ الصحراء الذى يجمعه البدو بأعلى سعر لرخاء أهل سيناء. د. كمال عودة غُديف أستاذ المياه بجامعة قناة السويس