عبدالناصر قال لنا: "لو فشلتم.. لن تعود القناة مرة أخرى لمصر" الصحف الإنجليزية: المصريون سيزرعون القناة بطاطس بعد انسحاب المرشدين كان أحد أبطال معركة تأميم قناة السويس ، وأحد ثلاثة عرفوا بقرار التأميم من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل تنفيذ العملية بيومين فقط ، بل هو الوحيد الذى ما زال على قيد الحياة من بين 28 بطلا شاركوا فى هذه العملية . أوقات عصيبة عاشها هو وزملاؤه فى أثناء عملية التنفيذ خوفا من الفشل الذى كان يعنى بقاء قناة السويس تحت سيطرة الأجانب الى الأبد ، بل إنه قضى 15 يوما فى سيارته لمواجهة مؤامرة انسحاب المرشدين الأجانب عقب قرار التأميم لوضع مصر فى ورطة أمام العالم بإظهار عدم قدرتها على إدارة المرفق العالمى لقناة السويس . وفي أثناء تكريمه من الرئيس السادات إنه المهندس عزت عادل رئيس هيئة قناة السويس الأسبق ، الذى ما زال يتذكر هذه الأيام و يعتبرها أيام العمر بالنسبة له ، لأنها أعادت الى مصر حقوقها المغتصبة ، وواجهت مؤامرة المجتمع الدولى لإظهار مصر بمظهر الضعيف غير القادر على إدارة مؤسساته ، خاصة بعد قرار الانسحاب الجماعى للمرشدين الأجانب ، وتعمد دول العالم إرسال 45 سفينة دفعة واحدة فى اليوم الأول لانسحاب المرشدين ، بهدف إرباك المسئولين عن إدارة القناة فى يومها الأول تحت القيادة المصرية . وإلى نص الحوار معه الذى يتواكب مع ذكرى تأميم قناه السويس فى 26 يوليو 1956 . المهندس عزت عادل ما ذكرياتكم عن قرار تأميم قناة السويس ؟ أسمح لى فى البداية قبل الحديث عن هذا اليوم، بالرد على النقد و الظلم الذى تعرض له الرئيس جمال عبد الناصر بسبب هذا القرار، وقول البعض لماذا كانت العجلة فى التأميم ولماذا لم تنتظروا 12 عاما، خاصة أن امتياز قناة السويس كان سينتهى بصورة طبيعية عام 1968، وبالتالى تسلم القناة من الشركة دون الدخول فى العدوان الثلاثى واغلاق القناة لمدة شهرين. وما الظلم الذى تعرض له جمال عبد الناصر من وجهة نظركم؟ فى الحقيقة تعرض الرئيس جمال عبدالناصر للظلم بسبب هذه الانتقادات، لانه بافتراض أننا انتظرنا 12 عاما وتسلمناها فى عام 1968، كيف سيكون التسليم وبأى طريقة؟ وأستطيع التأكيد اننا لم نكن لنتسلمها فى هذا التوقيت لأن الغرب لن يسمح بذلك، وسيقولون إن المصريين ليست لديهم أى فكرة عن ادارة القناة ولن نستطيع أن نترك مقدرات اقتصادنا فى يد من لا يستطيع خدمة التجارة العالمية. وإذا افترضنا ان الشركة ستقوم بتسليمنا القناة على طبق من فضة، وهو افتراض غير قائم وغير عادل، لأنه كان من مصلحة الشركة فى ذلك الوقت ان تظهر أن المصريين غير قادرين على إدارة القناة، ولذلك قبل انتهاء المدة لن يقوموا بأى تطوير للمجرى الملاحى أو اجراء عمليات التوسيع والتعميق وإصلاح المنحنيات أو إنشاء تفريعات، وبالتالى كنا سنتسلم قناة «متخلفة» وغير متماشية مع التطورالطبيعى لبرامج تطوير السفن. وماذا عن بقية الأمور التى جعلت من قرار الرئيس عبد الناصر بالإسراع فى التأميم قرارا صحيحا ؟ الأمر لا يتعلق بالمجرى الملاحى فقط، ولكن يتعلق أيضا بالعنصر المهم الذى يقوم على تشغيل قناة السويس، وأعنى تركيبة العمالة والموظفين فى الشركة الفرنسية قبل التأميم، والأرقام تقول إن 90% من العاملين فى ذلك الوقت من الأجانب والذين كانوا يشغلون الدرجات العالية من المرشدين الى المهندسين وفى الورش والبحرية التى تعمل على الأوناش العائمة والقاطرات، بينما كانت الدرجات الدنيا من الوظائف للمصريين فقط. وما أفضل التقديرات فى ذلك الوقت بالنسبة للموقف فى القناة من قبل الشركة التى كانت تديرها؟ كنا سنتسلم القناة وكما يقول المثل الشعبي «مش عارفين رأسنا من رجلينا»، وهو ما يعنى أننا كنا سنصاب بالفشل، وكانت الشركة الفرنسية ستستغل هذا الامر وتعود القناة مرة أخرى للفرنسيين، أو على أحسن تقدير سيقومون بتمثيل الجزء الأكبر من الإدارة فى القناة، ويحولون القناة الى قناة دولية بالرغم من أنها على أرض مصرية وحفرها المصريون ومات فيها أكثر من 120 ألف مصرى فى أثناء الحفر، فقناة السويس طبقا للقانون الدولى قناة مصرية 100% مثلها مثل ترعة الإسماعيلية وترعة الإبراهيمية. الرئيس عبد الناصر قرر اتخاذ قرار التأميم بعد فشله فى الحصول على تمويل لبناء السد العالي، وقال : «نؤمم القناة ومن إيراداتها نقوم ببناء السد العالى .. وأعتقد ان ذلك كان السبب الرئيس وراء عملية التأميم . نعود الى عملية التأميم مرة أخرى .. كيف استطعتم الحفاظ على سرية هذا القرار ؟ كنا مجموعة مختارة تضم نحو 28 فردا برئاسة المهندس محمود يونس، ولم يكن يعلم أفراد المجموعة الغرض من الاجتماع وإلى أين سنذهب، وقلنا لهم فقط : إننا مكلفون بمأمورية سرية من قبل الرئيس جمال عبد الناصر فى الصحراء، وكان ردهم صحراء أى.. وفين؟.. ونجيب ملابس كثيرة أم قليلة فى المهمة، وأستطيع القول إن السرية كانت العامل الرئيسى بعد توفيق الله فى نجاح التأميم، وحتى محافظ القناة والتى كانت تضم 5 محافظات هى: الاسماعيلية وبورسعيد والسويس وشمال وجنوب سيناء لم يكن يعلم بهذا القرار . هل معنى هذا أن السرية كانت مطلقة ؟ نعم كانت السرية مطلقة، وحتى قائد القوات المسلحة فى معسكر الجلاء لم يكن يعلم بهذا القرار، والرئيس جمال عبد الناصر قالها لنا «لو فشلتم .. لن تعود القناة مرة أخرى الى مصر». من الاشخاص الذين علموا بالقرار؟ كنت من بين ثلاثة فقط يعلمون هذا القرار بجانب المهندس محمود يونس والمرحوم عبد الحميد أبوبكر، وكان عمرى وقتها 31 عاما وكانت مهمة ومسئولية ثقيلة للغاية علينا، وأخبرنا الرئيس عبد الناصر بالقرار قبل 48 ساعة فقط من تنفيذ المهمة، وأكد لنا ان السرية عامل مهم. كيف بدأت عملية التأميم؟ وصلنا جميعا وعددنا 28 فردا الى معسكر الجلاء بالإسماعيلية بعد الظهر يوم 26 يوليو عام 1956، وتوقعنا ان جمال عبد الناصر سيعلن التأميم بعد ساعة، ووقتها كنا فى مكتب القائد والذى علم بالقرار هو ومحافظ القناة أيضا، وتم تقسيم المجموعة الى ثلاث مجموعات، المجموعة الرئيسية برئاسة المهندس محمود يونس وأنا و عبد الحميد أبوبكر وكانت هذه المجموعة فى الإسماعيلية باعتبارها المركز الرئيسى لقناة السويس، ومجموعة أخرى سافرت الى السويس، ومجموعة ثالثة الى بورسعيد حيث مكاتب الشركة فى المحافظتين . ومجموعة السويس تحركت قبل مجموعة بورسعيد بعشر دقائق فقط لأن المسافة أطول، وكانت التعليمات الى جميع افراد المجموعة الوصول فقط الى قرب باب المواقع الثلاثة فى الإسماعيلية وبورسعيد والسويس، ونقوم بفتح الراديو على خطاب الرئيس جمال عبد الناصر بالاسكندرية، وعندما يذكر كلمة « ديليسيبس «، نقوم بدخول بوابات الشركة فى التوقيت نفسه، والحمد لله تمت عملية التأميم بنجاح، والتى لم تستغرق سوى 48 ساعة فقط لكى نحدد طريقة دخولنا والمواقع التى سنوجد بها، وهى تفاصيل « عندما أتذكرها أفتخر إننى شاركت فيها « . هل تتذكر ردود الأفعال فى ذلك الوقت ؟ عندما أعلن الرئيس قرار التأميم نزل المواطنون فى الإسماعيلية الى الشوارع مؤيدين للقرار، وهذا الأمر كان سندا لنا، والناس نزلت الى الشوارع، بالرغم من أنه لم يكن بمقدور أى مصرى أن يمشى بقدميه على رصيف شركة قناة السويس فى شارع محمد على بالإسماعيلية، لأنها كانت باختصار « دولة داخل الدولة .. لا تنفذ التعليمات أو القوانين المصرية « . وبعد استقرار عملية التأميم يوم 26 يوليو .. استدعينا المديرين الأجانب الكبار بالشركة وكانوا فى حالة خوف وذعر، وفى هذا التوقيت كان الأنجليز مازالوا موجودين فى القرنص والتل الكبير وفنارة، ولكن المخابرات البريطانية والعاملين بالشركة لم يشعروا بأى شيء وكانت مفاجأة كبيرة لهم . وهل تم منحهم تطمينات للاستمرار فى العمل؟ المديرون كانوا فى حالة ذهول وخوف على أنفسهم وعائلاتهم وسلامتهم، وأخبرناهم بأننا سنعطيهم جميع المخصصات والبدلات والمزايا الخاصة بهم، مع بقاء كل واحد فى إدارته، ولكن مع وضع مصرى بجواره ليتعلم كل شيء وليتأكد ان العمل يسير بسهولة . وماذا كان رد فعلهم ازاء هذه التطورات ؟ انصرفوا بعد حصولهم على هذه التطمينات، ولكن بعد يومين أوثلاثة أيام بدأت النعرة تعود اليهم مرة أخرى وقالوا لنا : « أنتم لا تقدرون خطورة الخطوة التى أقدمتم عليها .. والغرب لن يسكت على مثل هذه الأعمال «، وكان ردنا « خليكم فى حالكم .. لأننا وأنتم لا علاقة لنا بالسياسة .. وأنتم مطلوب منكم الاستمرار فقط فى تشغيل القناة «... وخلال هذه الفترة دفعنا بمرشدين وقياسين مصريين بجوارهم وكذلك فى مكاتب الحركة، وتمت الاستعانة بالبحرية كما تم تعزيز الورش بمهندسين من القوات المسلحة ومن المدنيين، كما استعنا بالقوات البحرية وبالبحرية التجارية فى عبود، وفى هذا الوقت كان الهدف هو اكتساب الخبرات ومعرفة كل شيء عن إدارة هذا المرفق الكبير الذى لم نكن نعلم عنه أى شىء قبل ذلك . وأستمر هذا الحال لمدة شهر، وبعدها بدأنا نشعر بحركات غريبة من بينها قيام مرشدين ببيع سياراتهم وعاملين فى الورش ببيع الأثاث الخاص بمنازلهم، وهى أمور رصدتها المخابرات والمباحث، وبعدها علمنا أن الشركة منحت العاملين بها مهلة للانسحاب لما وجدت ان الملاحة فى قناة السويس منتظمة، وطلبت من جميع العاملين الأجانب الانسحاب منتصف ليلة 15 سبتمبر عام 1956، أى بعد نحو أقل من شهرين من قرار التأميم . وكيف واجهتم مشكلة قرار الانسحاب الجماعى للمرشدين الأجانب؟ المشكلة أن المصريين كانوا يشغلون الدرجات الدنيا فى الشركة، كما كانت هناك مشكلة كبيرة للغاية والحل الخاص بها صعب جدا وهى عدم وجود مرشد مصرى واحد فى الشركة أوغيرها قادر على إرشاد السفن الكبيرة بقناة السويس. لكن الله وفقنا أن كان هناك 7 مرشدين يونانيين كبار ولدوا فى مصر، وأقنعناهم بأن مصر هى بلدهم الثانى وسيتم منحهم ما يريدون، وكان ردهم أننا لن ننسحب لأننا نريد أن نعيش وأولادنا معكم فى مصر، وهؤلاء السبعة سدوا فراغا كبيرا كنا فى حاجة اليه، ولذلك ما زلت أذكر هؤلاء السبعة بالاسم بعد مرور 62 عاما على التأميم، ومنهم: يامودس وأصليندس ودرشندس ويناكوداكس، وقد قام الرئيس جمال عبدالناصر بتكريمهم ومنحهم النياشين . وكيف كان رد فعل الغرب بعد أن رأى الأمور تسير فى الاتجاه الصحيح بالقناة؟ بدأ الغرب افتعال الأزمات بعد فشل مؤامرة انسحاب المرشدين الأجانب، ومنها زيادة عدد السفن فى أول يوم بعد انسحاب المرشدين حيث أرسلوا 45 سفينة مرة واحدة ليثبتوا فشلنا أمام العالم، كما غطت القناة فى هذا اليوم شبورة مائية، بل إن هناك سفنا تعمدت عدم سداد الرسوم وفوتنا عليهم الفرصة وقلنا لهم ستعودون بعد 20 يوما ولن يسمح لكم بالعبور اذا لم تدفعوا الرسوم مضاعفة، و أخذنا قرار عبور السفن، لأن وسائل الإعلام ووكالات الأنباء خاصة الصحف الإنجليزية قالت «إن المصريين عليهم أن يزرعوا القناة «بطاطس».. بعد الفشل فى إدارة القناة»، ولكن ربنا أكرمنا فى هذا اليوم ولم يتعرض أحد لأى خدش، وعاد الحق لأصحابه، ولم نأخذ القناة اغتصابا بل قمنا بدفع قيمة جميع الأسهم الخاصة بقناة السويس بسعر البورصة فى باريس يوم التأميم. وأين كنت يوم انسحاب المرشدين الأجانب؟ فى هذا اليوم وبعده ظللت 15 يوما فى سيارتى متنقلا وبصفة مستمرة على طول المجرى الملاحى لقناة السويس بطول 162 كيلو مترا .. وكانت أياما صعبة ولم يكن فيها نوم .. وكنت موجودا فى كل نقطة تظهر فيها مشكلة .. وكنت أنام ساعة واحدة فقط فى السيارة أثناء حركتها، ولم يكن هناك نوم أكثر من هذه الساعة . أخيرا .. ما الشهادة التى تعتز بها فى هذا الإطار ؟ الشهادة التى أعتز بها، أنه بعد نهاية المشروع جاء « ماكنماره « الى مصر وكان يشغل وزير الحربية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم رئيسا للبنك الدولي، وزار الإسماعيلية فى عهد المهندس مشهور أحمد مشهور رئيس القناة الأسبق وقال : «لقد جئت ومعى التقرير الرمادى وهو التقرير الذى يقارن بين دراسة الجدوى وما تم من نتائج .. وأشهد فى هذا التقرير ان هذا المشروع كان من أهم المشروعات التى قام البنك الدولى بتمويلها فى توقيتاتها ومصروفاتها والتى جاءت فى دراسة الجدوى». والآن بعد أن تجاوزت عمر ال90 عاما .. أشعر بأن مياه القناة المالحة تجرى فى عروقى .. وأتمنى لها من كل قلبى التوفيق والنجاح، كما قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بتكريمى بمناسبة مرور 60 عاما على تأميم القناة، وأنا فخور بهذا التكريم، فهو إنسان مجامل ومتابع لما يجري، وربنا يوفقه ويوفق مصر وجميع المخلصين بها .