قررت وزارة التعليم العالي, تعميم التصحيح الإلكترونى لامتحانات الجامعات من العام المقبل، وإعمالاً لقاعدة «الجهر بالحقائق» بعيداً عن النفاق، ورفضاً للتسطيح أو الخداع, علينا نتأمل مجموعة من الحقائق الغائبة التى لا يمكن الهروب من مواجهتها قبل الشروع فى التطبيق وهى: أولاً : إن التطوير مختلف عن التجميل، فالأول يشمل المنظومة كلها, أما «التجميل» فيعتنى بالشكل, والشكل خادع فى معظم الأحوال، فهل التصحيح الإلكترونى تطوير أم تجميل؟، ثم إن التربويين يجمعون على أن تطوير التقويم، هو المدخل الحقيقى لإصلاح التعليم؛ فما لا يخضع للتقويم يتم إهماله، والمشكلة الأساسية هى أن البنية المركزية للتقويم فى مصر والتى وضعت منذ ثلاثينيات القرن الماضى فى حاجة إلى تغيير جذري؛ حيث تعتمد فلسفتها على الحفظ والتلقين ولا تقوم على أساس النقد والإبداع، ويشهد على ذلك أن الأوراق الامتحانية لا تتجاوز مادة الكتب الدراسية .. إننا نسعى إلى الانتقال من الحفظ والتلقين إلى الإبداع، فهل التصحيح الإلكترونى للأسئلة الموضوعية يحقق ذلك؟. ثانيا: لا تحدث الامتحانات أو الاختبارات الجيدة مصادفة؛ لأن عملية بنائها مركبة من خطوات عديدة متتابعة هى إعداد جدول المواصفات، واختيار نوع الأسئلة الملائم، وتقسيم ورقة الامتحان حسب أنواع الأسئلة المختارة، وإعداد خطة تصحيح تتسم بقدر كبير من الموضوعية، فهل الاختبار الجيد عملية تصحيح إلكترونى فقط؟. ثالثا: تلعب الامتحانات التقليدية دورا خطيرا فى تخلف التعليم، وبناءً على ذلك, فإن تطوير الأوراق الامتحانية ينبغى أن يتحول من الصيغة التقليدية السائدة إلى صيغة جديدة للتقويم تعبر عن أداء الطالب شاملة كل جوانب نمو شخصيته، وهذه الرؤية يطلق عليها «التقويم الحقيقى»، فهل يساعد التصحيح الإلكترونى فى تجسيد هذا الاتجاه الحديث لتطوير الأوراق الامتحانية؟! رابعا: تكنولوجيا التعليم الحديثة قنوات فعالة للتعليم الجيد، فارتباط التعليم بالتكنولوجيا ليس ترفاً بل ضرورة تربوية وفريضة عصرية. خامسا: إن الاستجواب الناجح يتطلب كثيرا من المهارة والخبرة؛ فصياغة الأسئلة فنٌ عسير، والمعلم الماهر هو الذى يعرف كيف ومتى وأين ولماذا يسأل؟، فإلى أى مدى تتوافر هذه المهارة وتلك الخبرة لدى أعضاء هيئة التدريس؟! د. محمد سعيد زيدان أستاذ المناهج وطرق تدريس الفلسفة بتربية حلوان