لا تستقيم عملية التعلم والتعليم إلا بالتقويم، فتعد الامتحانات المدرسية ضمن نظام التقويم الفرعى المهم، إلا أنها الوسيلة الوحيدة المعتمدة فى تقويم نتاجات التعلم، وبالتالى تقويم العملية التعليمية فى أطرها العامة (الوزارة، المحافظة، المديرية، المدرسة). لكن السؤال المطروح هو: هل حقا تقومّ الامتحانات المدرسية، بشكلها التقليدى، نتاجات التعلم، وبالتالى العملية التعليمية عامة؟ ورغم أهمية نظام التقويم فى العملية التعليمية، فإن ما نلمسه فى بعض الأنظمة التربوية هو أحادية أدوات التقويم. بداية، يُعرّف الدكتور يحيى عطية سليمان، أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة عين شمس، الامتحان إجرائيا بأنه مجموعة من الأسئلة (المثيرات) التى تقدم للطلاب بهدف الحصول على إجابات (استجابات) كمية يتوقف عليها الحكم على الطلاب، وتوجد أنواع كثيرة للامتحانات (الاختبارات)، إلا أن أهدافها تختلف من اختبار لآخر، فتوجد اختبارات للميول والاتجاهات، والقيم، وأوجه التقدير والتحصيل. ويضيف أنه رغم المميزات التى يتميز بها كل نوع من هذه الاختبارات، فإن وزارة التربية والتعليم -للأسف الشديد- لا تزال تتمسك وتركز على اختبارات التحصيل فقط، وفى أقل مستوياتها، ألا وهى الاختبارات التى تركز على التذكر والحفظ، ونادرا ما تتناول مستويات الفهم، وتغفل تناول وتقويم مهارات التفكير بصفة عامة، ومهارات التفكير الناقد والإبداع، وحل المشكلات والقيم. وبما أن كل شىء في العملية التعليمية يُوزن بميزان الامتحان، فقد تحول الطلاب والمعلمون إلى البحث عن أسهل وأيسر الطرق للنجاح، وبمجموع عال فى الامتحانات، ألا وهى طريقة الإلقاء والتلقين من جانب المعلمين، وطريقة الحفظ والاستظهار من جانب الطلاب، وساعدهم على ذلك الملخصات الخارجية التى تبتر المعلومة وتشوهها، ولا تساعد على التفكير والإبداع، وأصبحت هذه الطريقة، وتلك الآلية ثقافة مجتمع بأكمله، وهو الأمر الذى يمثل صعوبة كبيرة أمام المسئولين فى وضع طرق وأدوات وآليات جديدة وحديثة للامتحانات. ويرى أن الامتحانات غير مطابقة للمواصفات والمعايير العالمية، فالامتحانات الحالية تراعى معظم المواصفات والمعايير نظريا. أما عمليا، فتعدل وتتغير هذه المواصفات، ويعاد توزيع الدرجات حسب إجابات معظم الطلاب التى غالبا ما تركز على أسئلة التذكر والحفظ، وتهمل الإجابة على الأسئلة التى تقوم المستويات العليا من الفهم والتفكير، وبالتالي افتقدت الامتحانات شرطا و معيارا من أهم الشروط والمعايير، ألا وهو التمييز بين الطالب الضعيف والمتوسط والقوى. وما نظام «البوكليت» إلا محاولة من المحاولات التى تم الاتفاق على استخدامها هذا العام فى امتحانات الثانوية العامة لمحاربة الغش، خاصة الغش الإلكترونى، وقد تصيب بنسبة 50٪، ولذا يجب الأخذ بأساليب وأدوات تقويم متنوعة، وهى موجودة بالفعل. ويقول الدكتور محمود فتحى عكاشة، أستاذ علم النفس التربوى بكلية التربية بجامعة دمنهور، أن الحديث عن تطوير نظم الامتحانات يتطلب تطوير نظم التدريس، والمناهج، والمعلم، والإدارة، بل وإعادة تثقيف المجتمع ليتقبل المنظومة التعليمية بشكلها الجديد، متجاوزا مشكلات الدروس الخصوصية، والغش فى الامتحانات، وكم العمالة والعاملين فى نظامنا التعليمى، والمال المنفق على كتاب تعليمى لا يستفاد منه فى شىء، ويحل محله كتاب خارجى يفرض نفسه وثقافة مؤلفيه على المجتمع. ويرى أن «البوكليت» لا جديد فيه، وهو تغيير شكلى فقط، وليس تطويرا للجوهر، فلا تنتظروا منه المعجزات، حتى لا تصدموا. فالمنظومة الخاصة بالامتحانات تحتاج إلى جهد كبير قد لا يتاح لوزير وحده مهما أعطى من وقته، وقرر أن يكافح لتغيير هذه المنظومة، ولابد من تغيير جوهرى يضمن مساندة سياسية على أعلى المستويات. ويؤكد الدكتور أحمد طنطاوى، أستاذ علم النفس التربوى، عميد كلية علوم ذوى الاحتياجات الخاصة بجامعة بنى سويف، أن الامتحان الجيد الذى ينبئ بنجاح الطالب فى الكلية الجامعية التى يلتحق بها، وهذا هو الهدف الأساسى من الامتحان، ولكن ما نلاحظه من نتائج الطلاب فى السنوات الأولى بالكليات ارتفاع نسب الرسوب فيها، مما يدل على عدم ملاءمة امتحان الثانوية العامة للانتقال إلى الجامعة. ويوضح أن نظام الثانوية العامة الجديد (البوكليت) محاولة للتغلب على عيوب النظام المتبع، ومنع الغش، وتسريب الامتحانات، فالنظام الجديد يركز على الفهم، وليس الحفظ والتلقين. فالأسئلة فى كل مقرر تشتمل على 40 إلى 60 جزئية تتضمن محتوى المقرر بالكامل، وتأتى فى صورة اختيار من متعدد (صح أو خطأ)، والأسئلة مرتبة بطريقة عشوائية بالنسبة لكل طالب، مما يحد من انتشار الغش فى الجلسة الامتحانية، فالأسئلة موحدة، لكن أرقام الأسئلة تختلف من طالب إلى آخر. ونظام «البوكليت» هو كتيب يتضمن أوراق الأسئلة والإجابة معا، حيث يتم سرد الأسئلة فى كل صفحة، وأسفلها مكان فارغ للإجابة، مما يمنع تصوير أوراق الأسئلة فى اللجان، كما أنه يحد من الناحية الذاتية للمصحح، حيث يحدد لكل جزء من السؤال درجته، ويمنع أيضا تشتت المصحح بين ورقتى الأسئلة والإجابة، وهذا أسلوب فى التقييم يعد مرحلة أولى، ويتم الحكم على نجاح على هذا الأسلوب بعد تطبيقه بالتحقق من دقته فى توجيه الطلاب إلى الكليات الجامعية المختلفة، وفقا لقدراتهم لما له من أهمية قومية. ويقترح أن يطبق النظام الجديد على المرحلة الثانوية بأكملها، وليس المستوى الثالث فقط، وفى ضوء نظام الساعات المعتمدة، ويتم نقل الطلاب من المرحلة الثانوية إلى الجامعة فى ضوء نتائج المرحلة، وليس المستوى الثالث فقط. ومن جانبه، يرى الدكتور السيد عبد الحميد سليمان، أستاذ صعوبات التعلم، رئيس قسم علم النفس التربوى بكلية التربية بجامعة حلوان، أن البوكليت نظام من نظم تقديم الأسئلة للطلاب، وهو اختصار مزدوج لوجود ورقة أسئلة منفصلة عن ورقة الإجابة، حيث يتم فى النظم الامتحانية القائمة على استخدام البوكليت دمج الأسئلة مع ورقة الإجابة، بمعنى أن الأسئلة والإجابة فى ورقة واحدة، وهو نظام لا بأس به نهائيا، لكن بعد التدريب عليه ليأخذ صفة المألوفية لدى الطلاب. ويضيف أن من مميزات هذا النظام أنه إذا ما صدرت منه صورتان تختلفان فيما بينهما فى ترتيب الأسئلة، فإنه يقلل الغش إلى درجة كبيرة، ويصعب إلى حد ما الغش الإلكترونى. أما من عيوبه، فهو عدم مناسبة الفراغات المتروكة أحيانا عن المطلوب للإجابات، خاصة إذا أراد الطاب أن يطرح حلا آخر، رغم أن نظامنا فى الامتحانات قد لا يهتم بهذا النوع من الإجابات. كما أن هذا النظام لابد فيه من ترك صفحتين شاغرتين فى آخر كراسة البوكليت، كي يجرب الطالب بعض الخطوات التمهيدية للإجابة، خاصة أن نظامنا التعليمى يقوم على التنافس والندرة، ونظام الفرصة الاختبارية الواحدة، وهذا من أبشع نظم التعليم الفاسدة والفاشلة إلى حد كبير.